السبت، ديسمبر 15، 2007

العشرة البيضاء

د. نوري الوائلي

حزني أخي قد هدّ جسمي للثرى = والقلبُ في صدري يضيقُ تحسرا

دمعي يفحُّ على جروحي بالحمى = ما أكثر الآهات تعصرُ خاطرا

عجزتْ خطوطي والأنامل تنحني = عن وصف هم قد تجمّعَ غامرا

هذي المشاعرُ لا يدوّن قدرُها = حرفي ولا قلمي يوضّحُ معسرا

هذا ليوم قد تخلف راحلي = لحضورِ مكة والمدينةِ نافرا

أسفي لدهر لم يساعدْ راحلي = فعجزتُ عن سفر, وصرتُ محيّرا

لو كان عندي ما يسدّ حوائجي = لحزمتُ أمري للمدينة طائرا

فدعوتُ ربي عند رؤيةِ شهره = أن يقبل الصلوات , يقبل خاسرا

أحببتُ قبرَك يا حبيبَ قلوبنا = يا مُبعث الرحمن ِ تشفعُ حائرا

في روضك الزهراءُ ترقد روحُها= والكونُ يسطعُ من فناءك زاهرا

في ذاكري تبقى قبابُك سيدي = طيفاً أمامي يستفيضُ مشاعرا

سعدتْ بقبرك أرضُنا ونفوسُنا = وانسابَ عشقُ هيامِنا به باقرا

من بعد قبرك والبقيع وجعفر = ورياض جناتٍ ببيتك للورى

مالتْ عيوني نحو واقعة بها = غدر بحمزةَ , صدرُهُ قد اُنحرا

بعد المدينة قد حزمتُ حوائجي = وغسلتُ جسمي طاهرا متأزّرا

ونويتُ أن أمضي إلى خير القرى =أرض بها بيتٌ يطافُ شعائرا

بيتٌ له أشتاقُ حتى تكتوي = روحي بنار الحب , تحرقُ ساجرا

بيتٌ له تأتي على ولع بها = بشرٌ كأفواج الجراد تواترا

الكعبة السوداءُ حول جدارها = زمر ٌ تطوفُ تواليا ودوائرا

بنيتْ بأسم إلهنا رمزا له = حرم عظيم ضمّ يوماً حيدرا

تصبو له شوقاً رجالٌ امنتْ = فرضاً عليها أن تطوف وتنحرا

لبيك ربّي قلتها متتاليا = لبّيتها ألفاً وألفا ً ذاكرا

حمدا ً وشكرا ً قلت عند ندائنا = لبّت حناجرنا فلبّت غافرا

غُلقت بيوتُ الناس, بيتكٌ دائما = أسوارُه للكون تحفظُ زائرا

ما أن نظرت لبيتِ ربك, تستقيـ=م بك الرؤى , تروي حياتك ناظرا

فجلستُ أنظرُ في عيون لا ترى =إلا جمالاً قد تنوّرَ باهرا

بللتُ من دمعي ومعدن مقلتي = الكعبة الغراءَ أجهشُ حاسرا

يا ساقياً من بئر زمزمَ أسقني = ماءً على جسمي يزيلُ خواسرا

اليوم قد ذهبَ الحجيجُ الى منى = للذكر والدعوات , تعشقُ غافرا

عرفات يا يومَ الحجيج معظماً =في أرضك الرحمن ينقذ حائرا

مرحىً لذاك اليوم نطلب خيره = والقلبُ يحدوه اللقاءُ ليبحرا

ورميتُ من فجر حجارة جمرة = وفديتُ قربانا , نحرتُ مناحرا

وحلقتُ رأسي ثم سرتُ بواديا = البيتُ قصدي ساعياً متبشرا

بعد الطواف نظرتُ للبيت الذي =رمزٌ الهيٌّ حوى متكبّرا

فسألتُ صاحبه عطاءً مكرما = عمراً وعافيةً أعودُ مكبّرا

وقف الخليلُ وأبنهُ يتشاورا = في رفع صخرات الجدار منائرا

يا قبلة الإسلام يا أرضَ الهدى = تتلألأ الأنوارُ منك نوافرا

صلّيتُ فيك صلاة عبدٍ تائب = وقرأتُ آيات الكتاب تبحرا

من حولك الرحمن أنزل شارعا = فغدت قبابك للزمان منابرا

وعلى يمينك هاجرٌ قد هرولتْ = بين الصّفا (والمروه) تطلبُ ناصرا

جمْعٌ بها من كل فوج قد أتى =ترك الديارَ وجاءَ يأملُ قادرا

ورجعتُ أدعو والسرورُ يزفني= أملي عظيمٌ أن أعودَ وأطهرا

يا عشرةً أنت المنى أنت الرجى= فيها يجاب دعاؤنا , لن يصغرا

أهلا بأيامٍ عظيمٌ قدرُها = عشرٌ بها تعلو الشعائر مأثرا

تحوي زيارة مشعر والمصطفى =تحوي مشاعر جمّة وتحاورا

العشرةُ البيضاءُ جلُّ خلاصِنا = من كل ذنبٍ يوم نأتي قاهرا

يا ذاهباً للبيت ابدء ْ ذاكراً = بالخير رحمكَ والمعارفَ صابرا

سفرٌ بدون سماحةٍ وتعاطف ٍ = لن يبتغي حجّا ً , سيصبحُ عاقرا

أن كنتَ ترجو من إلهك مكسباً = ارجعْ حقوق الناس تكسب وافرا

ما لي سوى أدعوكَ دعوة مؤمن = يحبو لبيتك ساجداً متفاخرا

أكتب حظوظي فائزاً مستبشراً = عند انفضاض حجيج بيتك ظافرا

ليست هناك تعليقات: