الأحد، ديسمبر 23، 2007

يوطاليا أو مدينة الشّعراء ليوسف رزوقة وهيرا فوكس


بقلم : شانتال موركرات * ، ترجمة ناجية بوبكر


شاعران يلعبان بجدّيّة صارمة
- يوطاليا هي مدينة الشعراء يلتقي فيها الغرب والشّرق.
هذا الكتاب (صادر مؤخرا عن سوتيبا)،هو ثمرة رؤية ثنائيّة، تجاوزيّة لشاعرين، أحدهما تونسيّ، من الشّرق والطّرف الآخر فرنسيّة من الغرب. معا تبادلا من الأفكار حول الشّعر والحياة والجنون الإبداعيّ ما جعلهما يشتبكان باتجاه إيقاع مختلف.
إيقاع تبدو فيه هيرا فوكس، على سبيل المجاز، الصّوت الأنثويّ، المجهول. لم التّخفّي؟ لأنّ هيرا فوكس هنا امرأة أيقونة فهي أمّ وزوجة، تعير هنا صوتها لمسرح الأضواء والظّلال حيث لا معنى إلاّ للكلمات بشتّى حواسّها، للرّموز، للّعب الشّعريّ وللميم، ميم المرأة الّتي لا توصف.
إنّه معجم ذو مفارقة ، يتجاوز الفضاء، وفيه يمتزج الإنسانيّ والحميميّ، كي تنصرف اللّغة، النبع الحيّ ليوسف رزوقة، إلى مطلق حرّيّتها، لغة منثالة من كلّ مكان،عبر الجسد والأفكار، تخترق ما هو ثنائيّ، الصورة الشّعرية وفوضاها لتستقرّ في النّهاية حيث النّبع.
"الأنا" هنا تأخذ شكل مكعّب بشتّى زواياه وأوجهه، شكل شاشة أو كشّاف نور ذي سعة انتشاريّة، فائقة: هي لعبة للبناء تركيبا وتفكيكا في زحمة الانزياحات المختلفة.
هما صوتان، ثقافتان، أسلوبان، ذاتان تقولان الحياة، في بعدها الافتراضيّ ، بطريقة مختلفة وتسمّيان من جديد مدوّنة الأشياء.
ونحن نمعن في المقول الشّعريّ للوقوف على جوهر المعنى، تطالعنا لوحة متعدّدة المصاريع، على سطحها شاعران يلعبان، ينسابان، يتساءلان، يستفزّان، يصدمان، يتراضيان، يغريان أو، بكلّ بساطة، يحكيان.
ماذا لو استحالت الكلمة شيئا؟ لو استوت الفكرة مدينة؟ لو انتهى الحلم جسدا، عيونا مفتوحة؟
يوطاليا هي مدينة، هي طريق حيث الغرب والشّرق يلتقيان. هما يلتقيان في نقطة "الوثوب الحيويّ" حيث الجوع والظّمأ يعبّر عنهما بكلمات كلّ يوم.
باللّعب في الآن نفسه على تيمات التّثاقف، المراجع الثّقافيّة، الطّبيعة، الجسد والقلب، اليوميّ، انتهت يوطاليا فضاء للأقلمة تنحلّ فيه أنغام الإيقاع البشريّ. إيقاع منحه الشاعران صوتهما في محاولة منهما للاستحواذ على عالم الرّموز ولقول ما يهمّهما كي يكونا معا في هذه "القرية الكونيّة" حيث يستوي الإنسانيّ مع الكونيّ من أجل الاستئثار بالمعنى المجازيّ للأمّ ، كي يصار، في حفل من الكلمات النّائسة، إلى تفكيك شفرة عالم ينأى عن الجوهر: أصل الحياة والينابيع الدّغليّة الأولى.
لا يعني أبدا هذا أنّنا إزاء قصيدة مرآويّة أو قصيدة هجائيّة، بل نحن إزاء بهجة ما، حيث ينهض الصّوتان معا كي يكونا، من ثمّ، ناطقين باسم أيّ ثنائيّ، في الواقع.
تصاعديّا وطبيعيّا، يذهب الحوار بين شرق وغرب، بين شمال وجنوب، بمنأى عن كلّ اعتبار نزاعيّ يقول بصدام الحضارات.
اثنان من "يتامى الخارطة" يذهبان إلى أقصى العالم، يحاولان معا محو الأبجديّة، الفضاء والزّمان، يلاحظان ثمّ يعودان إلى نقطة الانطلاق كي يسمّيا الأشياء من جديد: الرّيح، المطر، الضّجيج، الجسد، المعلّم والإنسان الآليّ، الحبّ، الثّورة، الجنون والعصفور، العجلة... وماذا لو أنّ اللّغة لم تتمكّن من التّوقف، وهي تذهب من المألوف إلى حيث المجهول؟
إنّه إيقاع: نشيد للطّبيعة وللفرح.
كلمة السّر في هذه القصائد هي عودة الخطاف.
إنّه إيقاع: نشيد للإخاء وللحلم القائم بين شرق وغرب
كلمة السّرّ في هذه القصائد هي تهريب ألف ذاكرة وذاكرة
هي لغة الإنسان على مستوى جزء ما، من الكوكب : هذان الصّوتان، لمن يغنّيان؟ وأيّ الذّاكرات يهرّبان؟
ماذا لو أمكن للغة يوما أن تعطي دفعا للنبع من جديد؟
* شاعرة فرنسية.

ليست هناك تعليقات: