الأحد، ديسمبر 09، 2007

خيبة.. قراءة في نص للكاتبة: صونيا خضر


زياد جيوسي

نص جميل وان سادته روح الكآبة، وقبل أن ابدأ الحديث عن النص، أحب أن أشير إلى ملاحظة هامة وهي أن الكاتبة تتجاهل الهمزات واستخدامها في نصوصها، فنرى أن غياب الهمزة يمكن أن يؤثر بالمعنى، ففي عبارة " تزداد الأحلام حيرة وارقا"، نجد أن المعنى سيختلف عند القارئ، فهناك فرق بين "وارقا وأرقا"، مضاف لذلك اختفاء إشارات التنوين في وقت ضرورة وجودها.
والآن نأتي للنص مع الإشارة أنني اضطررت في الفقرات المقتبسة إلى إضافة الهمزات التي لم تكن موجودة أصلاً:
العنوان بحد ذاته يوشي بالمعنى الذي يحمله النص، فمنذ البدء أعطى إشارة واضحة لما سنجده أمامنا، "خيبة" وهل أكثر من هذه الكلمة من إشارة؟ ، ومنذ الفقرات الأولى يرسخ هذا المفهوم، فحين نجد " تخلع العصافير أجنحتها"، نرى أن العصافير قد قررت التوقف النهائي عن الطيران بلا عودة، فهي لم تتوقف فحسب، بل خلعت الأجنحة تماماً ولم يعد لها من وجود، وفي نفس الوقت نجد أن العصافير "تستقيل من الغناء"، وهنا ومع إدراكي لعملية التشبيه، أجد لزاماً ومن وجهة نظري أن أسجل ملاحظة على كلمة "تستقيل"، فهذا يوحي وكأن الغناء للعصافير مهنة استقالت منها، ولو استخدمت كلمة أخرى مثل "تتوقف"، لربما كان المعنى أكثر استقامة وقرباً، مع إدراكي أن العصافير لا تتوقف عن الغناء إلا في أوقات النوم والطعام والسكينة، فإذا أسقطنا المعنى على المرأة التي تعاني من "الخيبة"، فسنجد أن تعبير "الاستقالة" لا يتناسب مع الحب، كونه مشاعر وليس مهنة.
في الفقرات التالية أجد استعارتين جميلتين جداً، فقوس قزح قد تنكر لألوانه، رغم أن الكاتبة استخدمت تعبير "لونه" وحصرت قوس قزح بلون واحد، وإن يكن ذلك مقبولاً إن اعتبرنا أن المعنى المتستر وراء الألوان، المقصود به "الحب"، فيمكن ذلك فالحب لون واحد، وأن كانت له معاني كثيرة، وتنهيدات الشمس والتي حصرت بتنهيدتين كانت تعبير جميل، لعله يشير إلى عملية قهر تسود الروح وألم يؤدي للتنهد على شكل زفير، ونلاحظ أن الكاتبة استخدمت العدد اثنين أكثر من مرة في النص، فهناك دمعتين / تنهيدتين / شريدة، طريدة.. وكأن النص يشير لحالة لها وجهين.
الوحدة هي القاسم المشترك في كافة زوايا النص، فتبدع الكاتبة في وصف حالة الوحدة، فأنموذج النص الأنثوي المستخدم يعاني من الوحدة ولكنه ينتظر، تنتظر حباً آخر لكن تخشى أن ينكسر أيضاً مرة أخرى وبشكل سريع، "عناق ضوء آخر قد ينكسر قبل حلول المساء"، فتصف حالة الوحدة والانتظار بأنها لهفة قوية "تتصبب جدران اللهفة عرقا"، وحلم الانتظار يزداد "حيرة وأرقاً"، و "تبهت الألوان"، لكنه انتظار مؤلم لا يوصل للفرح حين "تتوارى السماء خلف دمعتها".
وهنا تنقلنا صاحبة النص إلى لوحة حزينة أخرى، "يسدل الستار على البداية"، وأن الزمن الذي تعيش فيه يختفي منه الحب ليحل مكانه النفاق، فتصف حالتها بأنها "مرة شريدة، ومرة أخرى طريدة"، لا ترى أمامها إلا مشاهد الحزن والفراق فتنكسر أمام النهاية المؤلمة، تسقط كورقة خريف على رصيف النهاية المؤلم حيث النسيان، فالحكاية انتهت بالألم، ولكن يبقى في الصدر بعض من شوق، حتى لو كان هذا الشوق "لكذبة تمر ولو سهوا"، بينما الخيانة كخنجر يتلألأ فرحاً، فالخائن لا يمتلك المشاعر، فيبقى في فرحه بدون أن ينظر إلى لحظة الانكسار في عيون الآخر، الألم والنـزف في الروح وفي العيون.
تنتهي الحكاية بارتداء العصافير ثوب الحداد وتعود لأعشاشها لتلم بقية أوهامها، ويختفي الصمت بعد أن يرتدي معطفه، وترحل الحروف وتقفل أبوابها، ولا يتبقى سوى العودة والجوس في تلافيف الذاكرة، البحث عن الجمال في الماضي، في ذكرى الحب الجميل..
"كم كان جميلا أمسنا
همسنا
رقصنا
وطلعة شمسنا"
وهكذا يسدل الستار على الحكاية، وفي القراءة للنص نجد أن الحزن كان سيد الموقف، الشعور بالألم لخيانة ما، نجد أن الكاتبة تمكنت من رسم لوحة جميلة من حيث الاستعارات والتشابيه، تمكنت من التنقل السلس بين وصف الحاضر واستدعاء الذاكرة، فلم أجد ثغرات في عملية الانتقال بين المشاهد، الرمزية المفهومة كانت تغلب على النص، فلم يغرق النص بالرمزية الغير مفهومة أو التي تجعل القارئ يغرق في الرمز، فيمل ويدفع النص جانباُ، وهذه أحد المشاكل التي يواجهها القارئ للكثير من النصوص وخاصة التي تسمى "نصوص حداثية"، لكننا نجد في هذا النص الجميل ورغم الحزن والألم، ما يدفع القارئ لإعادة القراءة أكثر من مرة، ليمتع ذائقته الأدبية أكثر من مرة بقوة التعابير وجمال النص.
"رام الله المحتلة

ليست هناك تعليقات: