الأربعاء، ديسمبر 19، 2007

ريبورتاج شعريّ: هنا البتراء



يوسف رزوقة

كنّا هناك ، في المدينة الورديّة، أغسطس 2007، جنوب البلاد ، بين عمّان و العقبة ، مدينة الأنباط الوردية، حيث قلعة الأسرار، وغير بعيد عنها جبل هارون وينابيع موسى السبعة . البتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.
رحلة أولى
مع لويس أرياس مانسو، محمد علي شمس الدين، إلياس لحّود، ميسون أبي بكر، حكمت النوايسة
سليمى وآخرين.
حدّثنا لويس أرياس مانسو، قال:
في مسلك العودة من البتراء

شعر لويس أرياس مانسوعرّبها عن الإسبانية يوسف رزوقة
في قحولة الصّحراء

تنهض فجأة واحات الوجود الخضراء
هنا ينهض العالمبين أودية وأودية
ويعود الماضي.

شيئا فشيئا، نرتاد المكان
أيّ معنى؟أيّ معنى للموت؟
رجل يمشي وحيدا

وطفلان ما انفكّا يحدّقان فينا
ونحن نمرّ حذوهماللوحدة عينان
وللصّمت شدو

يسوس الحادي قطيعه
أنا أيضاأمعن في التّحديق
والرّيح
وهي تقتفي خطانا

لا تني تكيّف هبوبها

شيئا فشيئا، نرتاد المكان
أيّ معنى؟
أيّ معنى للحياة؟ بعيدا
يرسم الضّوء أطيافا
هو التّاريخ إذ يتحرّك ويشرع في الدّورانيدي راجفة
يتسارع النّبض منّي
وعن أكل علفها، تنقطع الجمال
بعيدا جدّا، هناك أرى معركة مقاتلي الأمس البعيد في الصّحراء والشّاعر يرمقهم وهم يعبرون

يتوامض السّراب الرّمليّ
إلى حين انكشاف الصّخر المنحوت
نقوشا على الحيطان
تهبّ الآن لواقح قلبي
لكأنّني هنا كنت !
نعم وهو كذلك
حفرّيات تذيّل مسالك الزّمن

مقصّات لا تني تمطرق الذّكريات وللحبّ عبير ما..

يتسمّر الذّهن حياله.

نعم، أدري ذلك.
حين لامست حجارة المكان
دميت يدايومن ذعر فرّت
عصافير كانت في جيبي

لأظلّ وحيدا مع الذّكريات أهي دورات الحياة

أم هي دوائر الزّمن؟
حين نظرت من زاوية طفل هناك

عدت أنا أيضا إلى طفولتي الصّخريّة سماء عينيه السّوداوين تخطف خيالاتي الورديّة فيستوي الغبار نورا وعميق الصّمت سطحا
كلّ شيء يضجّ تحت حذائي

كلّ شيء ينشد توازنه كلّ شيء إلى توقّف

يتماسك كلّ شيء
كم مرّة كنت هنا؟

نعم، أدري ذلك.
بالكونات تتدلّى من الصّخور
وفي صمت، تطيل الأعمدة انتظارها
لتعد الحياة
وآن للشّاعر أن يعود كي يغنّي

وماذا بعد؟ تخرس الصّحراء
والبحر يموت

كانت تلك أزمنة صعبة
والشّاعر لا يزال ينتظر
لقد عاد فعلا
نعم، وهو كذلك.

**
رحلة ثانية
مع عادل القرشوليّ، زلهاد كلوتشنين، سميرة عوض، هيام الفرشيشي وآخرين.
ياسائق الباص، تمهّل !
يفي عادل القرشوليّ بالوعد:
يمضي إليها بكلّ هواه الدّمشقيّ،
في العمق منه عناقيد ظمأى
وشمس
وأشياء أخرى
وزلهاد ما بين نومين، يفتح عينا
ويغمض أخرى
يا سائق الباص تمهّل!
نتورّط في السّيق،
هذا المضيق الذي يتثعبن بين الصّخور الكتيمة،
ننشد ظلاّ
فتدهمنا الشّمس حيث اتّجهنا
ونوغل في الزّمن النّبطيّ
نقرأ الخربشات، الرّسوم، الظّلال القديمة والأثر النبطيّ
من صخور المكان المدينة قدّت
وبين ابتسامة ميسون أبي بكر
ينهض نبع
وتشرق شمس
يرنو عادل القرشولي إلى الفتى النبطيّ عند الصخرة العالية
فيوافيه هذا الأخير بنايه
يعزف عادل إحدى قرشوليّاته الشّجيّة
ثمّ يقرأ "حوارا مع موت معلن":
"يتقدم مني الموت ـ مازال لدي أمور لم أنجزها ـ فيقول سينجزها غيرك يوما ـ لست وحيدا فوق الأرض ـ أقول لدي نصوص لم أكتبها ـ فيقول سيكتبها غيرك بعد رحيلك في الفجر ـ أقول أنا لا يعزفني أحد غيري".
بأعلى صوتي،
أقتفي أثر البوسنيّ الذي نأى عنّا،
في متاهة البتراء:
زلهااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااد !
فيعود إلى الوراء
ويقرأ " للعذاب أربعة حيطان وبابٌ يؤدي إلى اتجاهٍ واحد"
يهاتف عادل القرشولي فيصل درّاج:
- لن نتأخّر !
ما أذكره أيضا

أنّنا حين عدنا
تراءى لنا في شفق الأشياء

ذئب يصعّد عواءه في اتّجاه ما.

ّكم كان قريبا وهو ينأى عنّا - يا سائق الباص، تمهّل !

المرفقات للتحلية:
* ديابوراما "البتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة" ( نسخة إسبانية) مع أغنية " كلمه حلوه وكلمتين، حلوه يا بلدى".
* صورة تذكارية، من اليمين إلى الشمال: اللبناني محمد علي شمس الدين، الشيلي لويس أرياس مانسو، التونسي يوسف رزوقة واللبنانية سليمى.

ليست هناك تعليقات: