سعيد الشيخ
تبدو المدينة خلفهما كطبق نحاسي في هذا الوقت الذي يسبق الغروب بقليل.
هو وهي في الهواء الطلق يلوذان بين الاشجار بعيدا عن الانظار.
في هذه الساعة تهيج روائح النباتات باعثة في النفس مشاعر مختلطة تؤنس الروح ليقظات تذيب اصفاد الجسد.
وإذ تذوب اصفاد الجسد تصهل هي كالمهرة ويزأر هو كالاسد.
وربما اصبحت هي مهرة وانقلب هو الى اسد، طالما ان الغابة بقيت غابة تفرض قانونها وتكوينها على باقي المجسدات.
السكون يلف جنبات الاخضرار الغامق والطيور قد سكتت عن زقزقاتها عند هدوء الجسدين اللذين يبدوان تحت هالة ضوئية.
كان بصرها قد تشبث فجأة بقطعة صغيرة من سماء صافية فيها بعض النجوم المختلفة بكميات ضوئها، وعلى طرف منها كان ثمة هلال يطل وئيدا من خلف تشابك الاشجار. تخيلته يقف هنهية ويمسح الغابة بنظرة حانية. قالت:
- انظر هناك، انه القمر كأنه يحرسنا... هل تراه؟
وقبل ان يقول شيئا، قالت:
- أريده!
- ماذا... تريدين القمر وانت قمر الاقمار.
- اريد ان تبرهن لي عن حبك، اريدك ان تجلب لي القمر.
تشاغل عن كلامها وراح يشدها اليه وهو يطبع قبلا سريعة على انحاء مختلفة من جسدها. بالحنو الذي يهيله عليها كان يعتقد انه يستطيع ان يبدد من رأسها فكرة جلب القمر.
- لا تراوغ ،أريد القمرالآن.قالت.
في صوتها آيات الدلال والرجاء. صدى تردده ارجاء الغابة، تدوي في اذنيه وترعد. تقترب وتحاصره، يشعر بها رماحا طويلة توخزه.
حينما يتيقن ان لا مفر له ولا مناص ، يستل سكينا حادا ودون تردد يحز عنقها فيطوح الرأس عاليا في الهواء ثم يتدحرج الى الارض مرات عدة.
رفع الرأس الى أعلى نحو الشجرة التي تبدو كسيدة الاشجار وقال بصوت جهوري كأنه ليس صوته وستردده الغابة بعد حين:
-أيتها الشجرة العالية .. هاتي بأغصانك القمر الذي في السماء، وارفعي رأس حبيبتي مكانه ليراه الناس قمرا خالدا على مر العصور.
حصل ان تطاولت سيدة الاشجار بأغصانها حتى وصلت كبد السماء.
اختلت الاوقات والتقاويم.. رأى اهل المدينة على غير موعد قمرا كاملا هو غير كل الاقمار، يشع نورا ساطعا يغشي الابصار.
حصل ان القمر ما عاد يأفل بتاتا..بتاتا!
* كتابة مكثفة لقصة "أقصى الحب..أقصى الموت" من مجموعة للكاتب تحمل نفس العنوان صادرة عام 2000 في بيروت عن دار بيسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق