الأحد، يوليو 22، 2007

قراءة في نص(برج النعام) للقاص ابراهيم سبتي




امجد نجم الزيدي

في النصوص التي انتهجت الاسلوب التقليدي في الكتابة القصصية كان العنوان هو المدخل الذي يدل على الثيمة التي ينبني عليها النص،و يكشف عن موجودات المتن ومقارباته، ويكون عادة ملخصا بكلمة واحدة او ربما بكلمات، وفي بعض الأحيان بجملة، وكانت هذه الدالة البدئية مرافقة للقارئ مساندة للنص جامعة ومفسرة له ويبقى القارئ لا شعوريا منقادا ومشدودا لهذه الدلالة وأي إخلال بها يعتبر إخلالا بالنص.
اما بالنسبة للقص العراقي ومنذ نهاية الستينيات اخذ منحى أسلوبيا مغايرا، اثر كما هو الحال مع عناصر القص الأخرى على العنوان، فقد تزحزح العنوان عن وظيفتة الاسنادية واخذ مديات أوسع ليس بالارتباط ألسببي مع النص كما هو الحال في النصوص السابقة، وإنما اخذ بملامسة السطح المضمر للثيمة القصصية ، وارتبط بها بعلاقة تكميلية نابعة من مجمل دلالة النص، وربما كان موجها قرائيا إلى تناصاته المضمرة، ولا يخفى على المتتبع لمسيرة القصة العراقية وفي سياق تتبع الدوال التي ارتبطت بها العناوين منذ نشأتها إلى الوقت الحاضر، ارتباطها وبصورة مضمرة بالخطاب السياسي والاجتماعي والديني المهيمن، وخاصة في مرحلة الثمانينيات بعدما أخذت النصوص القصصية بمحاولة التغريد خارج السرب التعبوي والتمجيدي، لذلك فقد وقعت العناوين في ما وقعت به النصوص القصصية من غموض وتعمية،وتجنب كلمات وإيثار أخرى، وربما بدا العنوان ككلمة واحدة مائعة بعيدة عن أن تؤول إلى كلمة ممنوعة لاتستسيغها ذائقة الرقيب، وبعدما اتجهت القصة العراقية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى توظيف الأسطورة ونهجت أسلوب الشعرية الذي ساعد القاص على التجريب القصصي، فبرزت الكثير من العناوين الغريبة التي لم تستسغها الذائقة العراقية فظهر العنوان المغاير، بعد ان خلعت العناوين أرديتها القديمة وأصبحت ندا مشاركا للمتن في حوارية القراءة، اذ إن العنوان المغاير قد ينتج اسئلة ،او يثير كوامن هامدة في النص، ويفتح القراءات المتعددة له، اذ ان العنوان المغاير لايرتبط بصورة مباشرة بالنص وانما يعيد انتاج النص وفق العلاقة التبادلية بينه وبين والمتن.
لو اخذنا نص(برج النعام) للقاص ابراهيم سبتي المنشور في جريدة طريق الشعب العدد(36) في 28 ايلول 2006 وفككنا ارتباطاته مع عنوانه للاحظنا ان تركيبة العنوان مبنية على تجاور كلمتين لهما مستويين متغايرين من حيث الفهم والتحليل، المستوى الاول وهو المستوى المباشر حيث يقودنا الى العلاقة القائمة بين كلمتي (برج) و (النعام) واللتين تعطيان اشارة الى مكان ما هو العنوان نفسه، والمستوى الثاني يظهر ان نحن تحرينا الارتباطات الدلالية بين مفردتي العنوان ، حيث ان (برج) تدل على مكان مرتفع بالقياسات الدلالية للكلمة او بما تحمله من مرموز، بيد ان (النعام) مع ضخامة حجم الطائر وارتفاع رقبته ، لكنه لايدل في بنية الدلالية او الرمزية على الارتفاع او العلو، اذ يرتبط في دلالته الخارجية بمعنى الهروب ]اذ يدفن راسه بالرمال عندما يرى خطرا محدقا[، اي ان اتجاه الدلالة الى اسفل، وهذا التجاور بين هاتين الدلالتين ( اعلى/اسفل) تقودنا الى ان نلقي نظرة على متن النص واستكشاف ارتباطات العنوان مع هاتين الدلالتين داخل المتن، مع التأكيد على ان الدلالة المركزية هي (اعلى) حيث ان كلمة (برج) هي التي تحمل المرتكزات الدلالية للعنوان، اذ انها جاءت (مبتدأ) وما كلمة (النعام) الا خبرا لها.
لو نظرنا داخل النص للاحظنا على الفور بان الدلالة الغالبة عليه هي (افقي/اسفل) وسوف لانجد اي دلالة اخرى ممكن ان تقودنا الى الى الدلالة الاخرى وهي(اعلى)، حيث نلاحظ بان ثيمة النص تسير بمستوى افقي وعلاقات زمنية افقية وبسرد ثانوي مرتبطة (بماقبل) فعل الروي الذي تنبني عليه ثيمة النص، اما في جانب الدلالات وارتباطاتها فهي تظهر اما في مستوى افقي وصفي /تتماوج امامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الافق/، /بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديدمن وسطها/، /مر القطار مخترقا وسط البلدة/، او التي تشير الى (اسفل)، /عيناه مدفونتان في تجاويف غائرة/،/اصحاب اللحى الشقراء والنظارات البرونزية الذين جاؤوا قبل سنين طويلة ليحفروا هنا/،/قرب السكة ستمسك بالمعول وتحفر/، /كانتالحفرة واسعة وعميقة/،/نزلنا جميعا فيها/،/انا صاحب تلك الحفرة لقد حفرتها بيدي هاتين/،/حملوه ورموا به في الحفرة الشاخصة منذ سنين طويلة/، وهاتين الدلالتين (افقي/اسفل) تسيطران على مجريات السرد بينما نرى الدلالة الاخرى وهي(اعلى) المتماهية مع كلمة (برج) من العنوان ليس لها وجود مؤثر في النص حيث تظهر/جلس فوق تلة صغيرة/،/مدوا رقابهم كالنعام/،/نخيلها السامق/،/الدوي المفزع يتصاعد/، وكما نرى بان هذه التوظيفات لدلالة (اعلى) هي توظيفات ضعيفة لا تؤثر في النص، اذا ماهو دور العنوان المغاير (برج النعام) والذي يجمع كلا المتغايرين (اعلى/اسفل) ، اذ ان اصطلاحنا على العنوان بالمغاير ، يوجب علينا توضيح ماهية المغايرة، والتي تظهر من خلال ارتباط ذلك العنوان بالنص، ليس من العلاقة التي يوحيها، وانما باجتراحه لمديات وارتباطات اخرى، قد تظهر بانها متناقضة في بعض الاحيان من خلال القراءة السطحية، اذ لو تقصينا اثر الدلالة المتضمنة داخل ثيمة النص لوجدنا انها في ظاهرها تسير بدلالة (افقي/اسفل)، ولكنها ربما تكون قد جردت دلالة العنوان التي اتفقنا عليها في السابق من مرموزاتها، ولم يكن العنوان (برج النعام) محركا دلاليا متناميا مع حركة السرد وانما اطارا لاما للنص، تظهر دلالته بعد اكتمال القراءة، ويقودنا من طرف خفي الى تصحيح اتجاه قرائتنا حتى لا تاخذ اتجاها اخر..

ليست هناك تعليقات: