السبت، يوليو 07، 2007

من يحمي اللغة العربية؟


عمر موسى

من ميزات اللغة العربية أنها لغة غنية بمفرداتها، مميزةٌ بقواعدها، غزيرة بمعانيها، فريدةٌ قديمةٌ ودائمة. فهي معروفة بلغة الضاد، ويظن العديد من الناس أنه صعب تعلمها وتحتاج إلى قدرة على نطق الحروف التي يجد البعض صعوبة في نطقها. لذا، فقد تميز العربي الأصيلُ بسلامة نطق اللغة العربية التي يرغبُ الناس من جميع بلدان العالم في تعلمها ولأسباب عديدة، منها على سبيل المثال أنها لغة القرآن الكريم وعلى كافة المسلمين أن يتقنوها كي يستطيعون قراءة القرآن الكريم. أما غير المسلمين من باقي بلدان العالم فإنهم يتعلمونها لأسباب اقتصادية وسياسية وغيرها.

من هذا المنطلق نود القول أن كافة الدوائر العلمية والمهنية في بلدان العالم العربي، وفي مقدمتها بلدان الشرق الأوسط والخليج العربي، قدمت الكثير من الجهد والأرواح من أجل المحافظة على هذه اللغة الغنية الفريدة وخاصة إبّان الحكم العثماني الذي حاول (تتريك) اللغة. فقاومه جهابذة اللغة العربية من اللبنانيين الذين تعرضوا للاضطهاد والتنكيل، مما اضطرهم إلى الفرار إلى مصر آنذاك وعملوا جُلَّ جُهدهم للمحافظة على اللغة وأصولها. وكذلك كانت الدوائرُ الرسمية في بلدان العالم العربي وخاصة وسائلُ الإعلام تعتني كثير الاعتناء بسلامة الكتابة والنطق. وفي من أجل ذلك كان هناك موظفون مختصون باللغة يتقاضون المعاشات الرسمية مهمتهم هي التدقيق في اللغة قبل النشر أو الإعلان. فحين يرسل أحد الكتَّاب مثلاً مقالا إلى جريدة أو مجلة، فإن مهمة المدقق جوهرية وأساسية قبل نشر المقال أو البحث. فهو يصحح من ناحية سلامة اللغة (القواعد والإملاء والصيغة والأسلوب). بعد عملية التدقيق يتم النشر. وهذا مما يعطي اللغة مكانتها ومتانتها. أما المذيعون الإعلاميون، فقد كانت تجري لهم مباريات في اللغة والنطق. فكان يتم اختيار من كان طليقاً بليغا في اللغة العربية. ولنا في العديد من المذيعين أسوةٌ وفخرٌ شديدين في سلامة النطق وبلاغته. لكن ماذا يحصل الآن؟

إن اللغة العربية تعاني اليوم من التجهيل والتخريب من الناطقين بها أكثر مما تعاني من غير الناطقين باللغة العربية. وقد يكون ذلك لأسباب عديدة قد نكون نعرف بعضا منها وقد نكون لا نعرفها. المهم أن المتنفذين على وسائل الإعلام العربي هم أول من يسيء إليها وعلى شاشات التليفزيون وأمام الكاميرات. إذ كيف يمكن لمذيع في محطة تليفزيونية، أو مذيعٌ في محطة إذاعية عربية أن يسيء إلى اللغة كما يجري اليوم؟ اللغة العربية لها قواعدٌ وأصول. فهناك الفعل والفاعل والمفعول به وفيه. هناك المجرور والمرفوع والمنصوب. هناك أحرف الجر وأحرف النصب والعلّة. لكن العلّة هي في من يدّعي معرفة اللغة ولا يعرف كيفية نطقها، ومن يشرف عليه ويقبل باستمراره في الاعتداء على اللغة بشكل مباشر ويوميا.

اللغة العربية تعرّفُ على أنها لغة الضاد (ض). وهذا الحرف ليس موجوداً في أية لغة أخرى في العالم. لكن مع الأسف الشديد نسمع العديد من المذيعين والمسؤولين وحتى بعض الشعراء يلفظها وكأنها (ظ). والفرقُ شاسعٌ ما بين الحرفين. قد لا يدرك البعض قيمة الفرق ما بين الحرفين. لكن، هل يجوز أن نقرأ في سورة الفاتحة في القرآن الكريم مثلاً: (ولا الضالين) ونقول (ولا الظالين). الفرق بين ضالٍ وظال فرق شاسع في القراءة والمعنى. فالضالُّ هو من أضلَّ طريقه. والظالُّ هو من استظلَّ بشيء ما يقيه من شيء آخر. فكيف إذاً نضيعُ في نطق الحرفين؟ قد ينطق بها غير المتعلِّم لأسباب الجَهَلْ بها. لكن ليسَ للمتعلِّم عُذرٌ في هذا وعليه البدءُ فوراً في تصحيح هذا الخطأ الفظيع.

الأمرُ الآخرُ الذي يستوجبُ الاستدراك فوراً هو الخلطُ بين الحروف الشمسية والحروف القمرية. فالحرف الشمسيُّ لا يجوزُ معه نطقُ اللام في أل التعريف. ونسوق مثلاً شائعا عند الكثير من المذيعين فهم يقولون على سبيل المثال: أل شمسِ بدلاً من الشمس. أي أنهم يلفظون أل التعريف مع حرف الشين وهذا خطأٌ جسيم لا بدّ أن يُصحَّح ويتم الالتزامُ بأصوله وقواعده. أما جرِّ المرفوع أو المنصوب، ونصبُ الفاعلِ فحدِّث ولا حرج. فمن المسؤول عن كل ذلك.

إن الحرصَ على سلامة اللغة وخاصة في بلاد الاغتراب هو العامل الرئيسي وليس الأساسي الذي دعاني إلى هذا الأمر. ومن مجلة الأديب الشاعر المعروف، الأستاذ العربي شربل بعيني )مجلة ليلى) أحببتُ أن أتوجه إلى مجامع اللغة العربية في البلاد العربية وغيرها، أن تعمل على تصحيح الأخطاء الشائعة، علّنا نصلُ في يومٍ قريب إلى طريقة علمية تصلُ جميع الناس، تهدف إلى وضع قواعدَ جديدة لاختيار أصحاب الكفاءة والقدرة على النطق الصحيح باللغة العربية كي يأخذوا مكانهم الصحيح في المجال الصحيح وأن تعودَ اللغةُ العربية إلى مكانتها ورونقها الذي يليق بها.

ليست هناك تعليقات: