الأربعاء، أبريل 09، 2008

قافلة العطش: مجموعة قصص للدكتورة سناء كامل شعلان


د. عدنان الظاهر
الناشر : مؤسسة الورّاق للنشر والتوزيع / الطبعة الأولى ، عمان 2006 .

الحب / الجنس
تضم المجموعة 16 قصة قصيرة تفاوتت أجواؤها وأساليب تناولها وسردها ولكن ... ضمتها فكرة رئيسة واحدة لا تتعدى كلمتي << الجنس // الحب >> . فالعطش هنا تحديداً هو عطش الجسد الإنثوي والذكري للحب مُدخلا ً لممارسة الجنس ... أي ممارسة الجسد الذي خُلِق الإنسان فيه . ممارسة هذا الجسد تعني ممارسة كافة حقوقه الطبيعية وعلى رأسها الجنس ... واهب ومُديم دورة الحياة . من خلال العلاقة الحياتية ألجنس // الحب دخلت القاصة إلى عالم الدفاع عن حق المرأة المطلق في ممارسة نفسها وجميع حقوقها فإنْ لم تجدْ هذه الحرية في الأمصار والمدن سعت إليها في عوالم الصحارى الإفريقية فوجدت ضالتها في قبائل الطوارق
( قصة تحقيق صحفي ) . ثم وجدتها كذلك في إفريقيا ، في جنوب نايجيريا وقبائل البورورو ( قصة تيتا ) . هناك ... حيث لم تصل المدنية وبقيت الحياة خامة طبيعية ... هناك تجد المرأة حريتها الكاملة في الجنس وإختيار الزوج وتطليقه إنْ أحبت سواه حتى لو كان أحد أفراد قبيلتها وقبيلة زوجها ( الطوارق ) . وهناك ، في جنوب نايجيريا تختار الصبيّة ُ عريسها وتمارس الزوجات وبقية النساء حق قضاء ليلة واحدة في السنة وضمن طقس خاص ... مع الرجل الذي تختار من بين بقية الرجال . لا نعرف بطلة القص والحكايا لذا سأتكلم عن الدكتورة سناء بإعتبارها صاحبة الصوت القاص والضمير المتكلم وصاحبة التجارب السياحية الإستكشافية ولا أدري سيغضبها ذلك أم لا ؟ أعني أنَّ صاحبة القص تتمنى لو كانت واحدة من نساء الطوارق أو واحدة من نساء قبيلة البورورو . إنها تتوق أشد التوق لتلك الحياة وتلكم الأجواء الإحتفالية المفعمة بالصدق والود العفوي والطبيعة المكشوفة بلا قيود وأصفاد . الطوارق مسلمون لكن أعضاء قبيلة البورورو قوم ٌ لا دينَ لهم . إذاً فالدين ليس عائقاً أو جداراً صخرياً يحول بين المرأة وممارسة حقوقها الصغرى والكبرى . لا سلطان للدين على جسد المرأة .
لشدة إيمان القاصة بقدسية حق الناس جميعا ً ( ليس المرأة وحدها ) في الحب والعشق والجنس راحت تخاطب الجمادات وتنطق تماثيل الحجر تارةً ( قصة إمرأة إستثنائية ) والخشب والقش تارة أخرى ( قصة الفزّاعة ) . حاورتهم وبعثت الحياة فيهم فأصبحوا عشاقاً محبين إلى أبعد الحدود . بل ... وجعلت رجلاً بسيطاً قست الحياة عليه أن يقع في حب ( موديل ) لملابس النساء من بلاستيك ... عشق هذا التمثال وقدم له باقات الورد حتى راح يحلم بالزواج من هذه المرأة ـ البلاستيك ولكن ... في يوم عرسه مات وهو يحاول الوصول إلى عرسه مخترقاً زجاج مخزن بيع الملابس
( قصة زاجر المطر ) . أية مفارقة مأساوية حيث ُ يموت العاشق في أوج فرحته. كانت سناء بارعة أيما براعة في وصف عيون الغارقين في بحور العشق وكيف يتحاورون بلغة هذه العيون لكأنَّ عيون العشاق تختلف عن عيون باقي البشر . بل وخطت خطوة ً أخرى فأنتقلت بنظريتها إلى عالم الحيوان فأبدعت في رسم صور ملونة متحركة للغة عيون قطة وقعت في عُرام غرام صاحبها وكيف غارت من خطيبته وحين تزوج إنتحرت هذه القطة العاشقة ( قصة قطته العاشقة ) . العشق الحقيقي قتال لا يرحم العشاق فالعشق جسد !! إنه كشف جديد طريف يُحسب للسيدة القاصة .
الحب يحيي الموتى وعلى لسانه أو بلسانه ينطق الحجر والقش ويتمرد التمثال على حجره الصلد فيغادره مستجيباً لنداء إمرأة ربما أحبت عينيه أو ربما لوقوعها تحت رحمة الظمأ الجنسي . فهل يئست من الرجال فراحت تمارس العشق مع الجمادات ؟ أقصى وأقسى درجات العطش وهو مركز وبؤرة قصص الكتاب جميعاً . ثم إنها صرخة مدوية ضد النظم المتحكمة فينا ، ولا سيما في المرأة ، وضد سلطان ما يؤثر فينا من تقاليد وعادات وقيود تحد من حرية البشر . إنها تصرخ عالياً : يا رجال ! أين أنتم يا رجال ؟ هل ماتت فيكم رجولتكم وذكوريتكم وهل أصابكم العمى حتى أهملتم نصفكم الآخر الذي خرج من ضلعكم ومن صلبكم ؟ الحجر وباقي الجمادات والحيوانات أفضل منكم وأكثر رحمة . إنها تستجيب للحب وتتجاوب مع إمرأة عاشقة فإنْ لم تسعفوها وتتفهموا نداءَها فإنها لا مَحالة ستقع في غرام جماد أرق منكم وأفضل . ستطارحه الهوى وتتبادل الجنس معه طالما أنَّ الجسد مخلوق للجنس لأنَّ دوام الحياة في هذا الجنس وليس في سواه . أيها الرجال ! لكم العار وعليكم الشنار ! لا غرابة إذا ً فيما سمعنا ولم نزل أنَّ بعض النساء ضاجعن وما زلن َ الحيوان ، فالأميرة البابلية سمير أميس وقعت في حب حصانها ومارست الجنس معه . واليوم في أمريكا وأوربا والكثير من بلدان العالم هناك نوع من الكلاب الضخمة مخصصة ومدربة لممارسة الجنس مع النساء ويطلق على الواحد منها إسم كلب ممارسة الجنس /
Fucking Dog .
كذلك الرجال في الكثير من أرجاء العالم ... ففي أمريكا اللاتينية يمارس الرجال الجنس مع حيوان اللاما ومع إناث الحمير في قرى وأرياف العراق . كما كانت بعض قبائل العرب تمارس الجنس مع النياق في سالف الأزمنة فما تفسير ذلك ؟ ولا أتكلم عما يُسمى بالشذود الجنسي بين الرجال وهو قديم ومعروف منذ زمان لوط وربما قبل لوط . كذلك عشق الفيلسوف الإغريقي أفلاطون للصبيان معروف ويحمل إسمه ( الحب الأفلاطوني ) . رب معترض يحتج قائلاً إنَّ حب المرأة للمرأة والرجل للرجل موجود ومعروف وشائع حتى في المجتمعات المنفتحة ولا تُخفيه هذه المجتمعات بل وتبيح قوانين بعضها الزواج بين المثيلين . هذا صحيح لكنه ليس القاعدة العامة ، فخلقة المرأة وطبيعتها وتكوينها البايولوجي مكيفة للرجل والرجل للمرأة وليس للمثيل . لا يمكن التأسيس على الأحوال الشاذة عن القواعد وعن الطبيعة السوية . فإذا لم يمارس البشر طبيعتهم كما هي سلكت هذه الطبيعة سبلاً أخرى شتى لتحقيق ذاتها وممارسة حقها وطبعها إنْ سرا ً أو علناً.
لا تستطيع المرأة الهروب من جسدها أو رفضه او التنكر له فإما أن تعطيه حقه فيما يريد وبالطريق الطبيعي أو أنها ستلتف على الطبيعة السوية فتمارس جسدها بالحلم ( الإستحلام ) أو بالعادات السرية أو عن طريق الجنس المِثلي ( السحاق ) . هل سمعتم يا رجال ويا أشباه الرجال ؟ صرخة سناء كامل تفتت الصخر وتخترق أعماق المحيطات لكنكم سادرون صم ٌّ بكم ٌ لا تسمعون ولا تفقهون . كنت صغيراً أسمع بعض الصبيات من جيران بيتنا يهزجن قائلات كلاماً كان حينذاك أكبر مني ومن عمري وكل مقاساتي فما كنت أفهمه حتى تقدم العمر بي ... كن يغنين حزينات [[ يا بويه زمّن ْ نهودي // يا بويه القبر موعودي ]] . صرخة الصبية وقد أوشكت على البلوغ موجهة للأب مهيبة ً به أن يسعى لتزويجها فقد نهد الصدر والعمر قصير . كلمات بسيطة لكنها بليغة وعميقة في مغازيها .

سناء في دفاعها المطلق عن المرأة
في دفاعها عن المرأة وعن كامل حقوقها الشخصية والمدنية والجنسية ...
لم تعمد الدكتورة سناء كامل إلى أساليب الإحتجاجات وكتابة العرائض للمسؤولين ولا إلى مخاطبة أصحاب الصحف ومواقع الإنترنت ووسائل التعبير والشكوى الأخرى وقد سخرت منها سخرية لاذعة وهي تعدد مثل هذه التنظيمات والجمعيات وما شاكلها إذ أعطت بعضها عناوينَ وأسماء ساخرة أقرأها فأغرق في الضحك من قبيل ( مؤتمر العُقم الدولي ) و
( جمعية إعمار كلكتا ) و ( دائرة مناهضة الإرهاب الجنسي ) ... لم تعمد إلى هذه الأساليب والوسائل إنما طرحت المشكلة المستعصية وتقحّمتها من أوسع أبوابها ومن أشدها ضيقاً في عين الآن : المرأة والجسد . عالجت هذه الموضوعة البالغة الخطورة بالسرد القصصي المحكم الجميل حيث يتابعه القارئ فرحاً سعيداً مبتهجاً بما يخط يراع وأنامل المبدعة سناء . عالجته بالخطوط المباشرة المستقيمة حيناً وعن طريق الرمزية والإشارات حيناً آخر . وقد أجادت في كلا الأسلوبين فأثبتت أنها كاتبة قديرة وإمرأة شجاعة تقول ما تريد أن تقول ولا تخشى ... وتكشف عمّا في صدرها دون وجل أو تردد . يتضاعف إعجابي بها وبفنها القصصي حين أحكم الربط بين ما تكتب وما أرى على غلاف الكتاب من صورة للكاتبة فأظل أتساءل وألح في تساؤلي : ما الذي يُغري هذه الشابة الجميلة اليافعة سناً وتجربةً في أن تتقحم الصعاب وتختار أصعب موضوعة بعد الدين فتناقشها وتعريها وتحللها وتعطي رأيها صريحاً ؟ هل تقصد نفسها في كل ما كتبت ؟ هل هي نفسها تعاني من العطش الجنسي ولا تجد من يساعدها أو يشاركها في إطفائه ؟ أم أنها تقدم من نفسها أنمودجا ً حياً متحركاً لإثارة بنات جنسها وإيقاظهن َّ من سباتهن َّ العميق والطويل ؟ هل نحمل كلامها الذي صرحت به خلال حوار لها مع إحدى الصحف محمل الجد إذ ْ قالت [[أنا مخلوقة من الحب وهو حلمي الملّح . لا أستطيع أن أتعامل مع
شئ إنْ لم أحبه . ولا أستطيع أن أتخلى عن شئ أحبه . قلبي
ضعيف للغاية ... مشاعري جياشة ومتأججة بشكل دائم وذلك أمر متعب ومرهق خاصة ً عندما يُصبح من الواجب ضبط تلك المشاعر. فكرت في العشق ألف مرة ، وحضرت له الكؤوس والهدايا وأطواق الياسمين وبحثتُ عنه طويلاً وصرحّت ُ دائما ً للأهل والأصدقاء بأنني أبحث عنه ... وإنتظرته وتخيلته يأتي من كل الجهات . وتساءلتُ طويلاً كيف سيكون مَن سأحب ؟؟؟ لكنه ما جاء [[ ولربما يأتي يوماً ]] على الرغم من أنني إدخرت له أشواق العمر وحكايا العشق الأصيل النادر المثال ولحظات التمني ... وسأظل أنتظره . آه ٍ كم عناني وأعنتني ذلك السلطان السحري الذي إسمه الحب . فهو كلمة البداية وهو كلمة النهاية وما كنتُ سأكونُ لولا الحب ]] .

ثنائية الروح / الجسد
سيطرت هذه الثنائية على كافة أجواء ما سردت الدكتورة سناء كامل وما قصّت في كتاب ( قافلة العطش ) . ما مغزى ذلك ؟ هل تعنّيها أو تعذبها هذه الثنائية التي لازمت الإنسان منذ جلجامش السومري الذي هاله موت وتفسخ جسد صديقه أنكيدو فراح يبحث عن خلود الروح وبقائها الأبدي . هل تؤمن السيدة سناء بهذه الإزدواجية وما تأثير مثل هذا الإيمان على مجمل حياتها وسلوكها وما تكتب ؟ لماذا يؤرقها هذا الموضوع وهي لما تزل ْ في شرخ الشباب ( مواليد عام 1977 ) ؟ هل ترى الخلود في الحب والحب في الخلود ؟ مَن الذي يحب ومن الذي يحب أولاً قبل غيره : الروح أم الجسد أم كلاهما معا ً ؟ ولمن الخلود في نهاية المطاف : للروح أم للجسد أو لكليهما ؟ حيّر هذا السؤال الكبير الشاعر الكوفي أبا الطيّب المتنبي فقال :
فقيلَ تخلصُ نفسُ المرءِ سالمة ً
وقيلَ تشركُ جسمَ المرءِ في العطبِ
إنها على حد علمي إمرأة متدينة ملتزمة ومسلمة تقية . فهي محجبة الرأس كما أراها في صورها على أغلفة كتبها .
إذا كان إهتمام الكاتبة القاصة مركزاً بالدرجة الأولى على موضوع تحرر المرأة من أسار الجسد والعرف والتقاليد وإطلاق طاقاته من هذا الأسر القسري فلآنها تعرف مثل أو قبل غيرها أن َّ هذا الجسد قنبلة قابلة للإنفجار ، يتفجر لا مَحالة إنْ لم يجد الطريق السليم لأن يمارس ذاته ويعبر عن حاجاته الطبيعية كما يمارس البشر تنفس الهواء وشرب الماء وتناول الطعام . إذا كان هذا الموضوع مدار تفكير وهم ِّ ورسالة السيدة سناء كامل فالموضوعة الأخرى لا تقل أهمية وخطراً عن الأولى . أعني ثنائية الروح / الجسد . الفرق الجوهري أنَّ هذه الثنائية شأن خاص مرتبط بفلسفتها وتراثها ودينها فلا من مجال لمناقشتها فيه أو عليه . ثم إنه موضوع ليس ذا خطر كبير سواءً على الإنسان الفرد أو على المجتمع . إنه مسألة قناعة شخصية أو إيمان موروث أو مكتسب . هل من المفيد أو الطريف ذكر موقف بعض مفكري المتصوفة من هذا الأمر ؟ لهم موقفهم الخاص الجدير بالمعاينة والذي قد يختلف عن الوضعية العامة المعروفة لهذه الثنائية ؟ أقصد قولهم بإمكانية حلول روحين في جسد واحد ( بدن ) كما قال الحلاج :
إننا روحان حلا بدنا
فما رأي مبدعتنا دكتورة سناء ؟ هنا نواجه ثلاثية وليس ثنائية . هنا روحان وجسد واحد فأي الروحين سيحب وأيهما يقف محايداً منتظراً دوره لكي يمارس نصيبه من الحب ؟ أي الروحين سيخلد وأيهما سيصيبه عطب أبي الطيب المتنبي ؟ هل يتحمل جسد ٌ واحد عبء ووطأة روحين وما هي سعته القصوى ؟ أريد أن أقول إن ثنائية الروح / الجسد لا وجود لها على الإطلاق . هناك جسد حي فقط . جسد يعيش ويتنفس ويأكل الطعام ، يتكلم وينام ، يخاصم ويصادق . الروح هي الحياة في الجسد فإنْ مات الجسد فقد الحياة نَفسا ً وحركة ونطقاً أي ماتت معه روحه والسلام !!
نماذج مما ذكرت قاصتنا الجميلة من ثتائية الروح / الجسد .
لشدة ولع سناء بهذه الموضوعة باتت تمنح الروح ليس للحجر فقط فتحييه وتنطقه ، إنما منحتها كرب ٍ خالق لبنطال ممزق رث ( قصة الجسد ) . بنطال [[ روحه تتوسل إليه في سبيل الحصول على جسد ، تبحث عن وعاء يحتويها وتكونه / صفحة 122 ]] . إنه بنطال لكنه في جبلة وطبيعة إنسان . إنه يتذكر ويحن ولا تفارق خياشيمه رائحة عرق جسد سيدة إرتده ذات يوم . هذا هو خيال سناء وهذه هي فلسفتها في الوجود والمخلوقات . إنَّ الإنسانَ كائن قد َّ من صلب الطبيعة الأم ، إستقل عنها منذ ملايين السنين وفاقها تطوراً لكنه لم يفارق الكثير من طبيعتها وجزئياتها ولم تفارقه هي إذ إشتركا في أمور وظواهر عدة وما زالت بينهما قواسم وجسور مشتركة . البنطال مادة من ذات مادة الإنسان فلِمَ لا يعشق ويسعد بملامسة جسد المرأة صاحبته وما الذي يمنعه من أن يتشمم عرقها وعطرها الطبيعي ؟! الروح في كل ذرة في مادة الوجود . والله خالقنا في كل ذرة من ذرات هذا الكون . فالبنطال وسواه من الجمادات يحس وينطق بقوة خالقه الموجودة فيه . الله قوة وليس مجرد فكرة . إنه قوة وفعل ٌ وإرادة . وهو كقوة موجود في المغناطيس والكهرباء ، في مغناطيس عيون العشاق ، في قوة الجاذبية الأرضية ، في قوة أنجذاب الحبيب لحبيبه ، في قوة سقوط مياه الشلالات ، في مأساة الحب الفاشل وإخفاق المحبين والمحبات ، في قوة سقوط الكواكب والشهب ، في آلية السقوط في شراك الحب ، موجود في النور والظلام . سناء فيلسوفة أكبر من عمرها بكثير ، بل وتعتقد أو ربما تعتقد أنها صاحبة كرامات وقدرات خارقة يدَّعيها أولياءُ الله الصالحين عادةً . كتبت في قصة ( إمرأة إستثنائية ) ما يلي :
[[ أنا إمرأة قادرة على أن تحرر المأسورين من أسرهم ، قادرة على أنْ تبعث الحياةَ في القلوب الميتة ... ]] . إنها هنا كما أحسب تتكلم بإسم بنات جنسها قاطبة ً وليس بإسمها هي . " أنا إمرأة " تعني بها أنا وكل إمرأة أخرى قادرة على إتيان المعجزات من قبيل فك أَسار المأسورين وإعادة الحياة للقلوب الميتة . المقصود هو أنها متمكنة من أن تزيح الأغلال عن أعناق بني البشر رجالاً ونساءً ... أن تفتح أمامهم طرق الحرية سالكةً رحيبة ً ... أن تريهم نِعم َ الحب وأن تعلمهم كيف يحبون وكيف ومتى تنبض القلوب التي قتلها المجتمع والعادات والتقاليد . إنها هنا ساحرة بل وليّة بل وربّة خالقة في مقدورها إحياء الموتى ... لِمَ لا وقد رأيناها تعيد الحياة لتمثال روماني من حجر وتحركه كيف شاءت وفي الإتجاه الذي تشاء قرباً منها أو بُعداً عنها . المرأة إله خالق ويصنع المعجزات . أنثى تمدُّ العالم والحياة بالمواليد الجُدد فتستمر الحياة على الأرض . المرأة خالق لم يصنعها رجل إسمه آدم ولا من حاجة لها به أو بأضلاعه . المرأة سرمدٌ صَمَد ٌ أزليٌّ قائم بذاته فيه ومنه يتكاثر البشر وتدوم الحياة . هل فهمتم يا رجال حقيقة ورسالة المرأة ؟
تتجلى ثنائية الروح ـ الجسد في قصة ( بئر الأرواح ) بشكل ساخن جدَّ مؤثر . إمرأة أتت بئراً حاملة ً كيس َ قش فيه بعض رميم من عظام على أنه جسد زوجها المتوفي أو الذي غاب بالوفاة . تتوسل من البئر أن يعيدَ لها روح زوجها [[ يا بئر !! أريد روح زوجي ، أريد روحه يا بئر ... أتسمعينني ؟ أنا أحبه ... أرجوك ... أنا لا أستطيع أنْ أعيشَ من دونه ، أنا أحبه وها قد أحضرتُ جسده معي ]] . كيف رد َّ البئر على تضرعات هذه الأرملة المفجوعة بزوجها الذي تحب حتى الموت ؟ [[ أجابت البئرُ بصوتٍ لا يقلُّ صخرية ً وقسوة ً عن جدرانه : روح زوجك محبوسة في هذا المكان ولا تستطيع الخروج ]] .
ملاحظة ؟ تذكِّر سناء البئر مرة ً وتؤنثه مراتٍ أخرى ... أنا أستخدم صيغة المذكر فقط ... منحاز لذكورتي وطبعي !!
لا أستخلص من سياق ومحتوى هذه القصة إلا هدفاً ومغزى واحداً كبيرَ الأبعاد واسع المدى عميق في إنسانيته : إخلاص المرأة لمن أحبت ، وفاؤها له حياً وميتاً ، دوام الأمل في أن يعود إليها بعد غياب ، إذا ما غابت الروح أو إختفت في بئر فإنَّ الجسدَ باق ٍ حتى لو بقيت منه بضعة أعظم بالية . نعم ، الجسد يتفسخ لكن َّ الروح لا . إذا عادت الروح سينتفض الجسد ويقوم ويُبعث ُ حيا . المرأة لا تفقد الأمل حتى لو كان الأمر مستحيلاً . أجد في هذه القصة السيدة َ سناء في أعظم تجلياتها إمرأة وإنسانا ً وسليقة ً وطبعاً . إنها تقدس العلاقات الزوجية . إنها في نهاية الأمر تتوق لزوج تكرس له حياتها وكل آمالها . إنها عطشى وشديدة الظمأ لقرين إنسي تتعذب من أجله وتحاول المستحيلات في سبيل إرضائه باذلة ً الغالي والرخيص من أجله وأن َّ لا حياة لها بدونه ، إنه كل الحياة . الزوج ـ الحبيب ـ الشريك ـ الذكر الذي تحتاجه الأنثى ولا تكتمل إلا معه وبه . هذه هي وضعية المحروم من الجنس والمتعطش له . الحرمان كالصدى ، يتمدد في الفضاءات ويكبر ويتسع ويقوى صوته أضعافاً مضاعفةً مع مر الثواني ، أو كأصوات الرعود بعد البروق . المرأة في هذه القصة هي سناء ... هي الحياة التي تتناقض مع الموت . سناء الباحثة مثل جلجامش عن الخلود لا عن سرّه .
في قصة ( قلب لكل الأجساد ) تقدم سناء لقرّائها مأساة صبية خدعها رجل فإستدرجها لمخدعه ونال منها ما نال ثم لفظها من دنياه وهرب . أبدعت سناء في تتبع مسيرة هذه الصبية وقد كبرت وغدت فتاة وإتخذت منها أنموذجاً آخر كضحية لطغيان جبروت وسلطان الجسد وعنف تعلق المرأة بأول رجل تتعرف عليه كإمرأة تتنازل له عن أعز ما تملك الفتاة الشرقية : عفتها وعذريتها !! غدر بها وتهرب منها لكنَّ المسكينة لم تستطع نسيانه ، لم يفارقها لا جسداً ولا ذكرىً . أعجبُ كيف تسنى للدكتورة سناء إلتقاط أدق أخيلة هذه المرأة المسكينة المظلومة ومسارات مشاعرها وعواطفها وأسرارها الجنسية في لحظات مضاجعتها للكثير من الرجال وقد غدت تمارس البغاء ربما دفعاً للجوع والفاقة . أجلْ ، غدت تتعاطى الدعارة ولكنها ظلت وفية لذاك الرجل الأول الذي خدعها وإفتض َّ بكارتها . كانت تعرض عن كل الرجال في ساعة مطارحتها الجنسَ معهم وليس في رأسها إلا صورة ورائحة جسد ذاك الغدّار حتى إنها لا تتحمل مشاركة زبائنها الفراش والجنس والجسد ونهاية العملية إلا وصورته بين عينيها المغمضتين . براعة في سبر أغوار النفس البشرية وقراءة المخطوط والمحفور في أعمق أعماقها . نقرأ ما قالت لنا كاتبة القصة :
[[ وفي المساء ومن جديد ، تدلف إلى فراش ٍ آخرَ . يصفها الرجال بالتفاعل والإستكانة اللذيذة والشهوة العارمة لذا يعشقونها . أما هي فتجدُ مَن تحب في جسد كل رجل . تغمض عينيها ، ترهف حواسها فتحلق في سماء لامعة ثم تسقط ليتلقفها حضنُ مَن أحبت يوما ً بإشتهاء . عندما تفتح عينيها تجد رجلاً غريبا ً ، تبتعد عنه بعد أن يقضي شهوته وشهوتها أبداً لم تعرف القضاء وبحثها لم يعرف نهاية ]] .
أجلْ ، إني لأعجب كل العجب كيف يرتقي الخيال القصصي المبُدع إلى هذه المقامات العليا من طبيعة وأسرارالمرأة الجسدية والجنسية ليرسمَ أدقَّ ما تعاني وما يختلج في أعماق بئرها الجنسي الشديد التعقيد والغموض ؟ كيف يعبِّر هذا الخيال بفنية عالية ودقيقة عن مشاركة جسدية ناقصة لا تتم مع كائن ٍ مَن كانَ من الرجال ، بل ولا تتم إلا مع واحد بعينه من الرجال ؟

قصة ( رسالة إلى الإله )

أعتبر هذه القصة قِمة ما قدمت الدكتورة سناء كامل من إبداعات فيما سلف من القصص أحسن ِ القصص . فيها تجلت سناء في أروع أشكال وصور التجلي . هنا قفزة غير متوقعة أبداً . هنا خرق في نسيج كل الجدران واطيها وعاليها . إنقلبت سناء على نفسها فقلبت بذلك كل المنظومات والهياكل ليغدو عاليها سافلها وسافلها عاليها . إنقلاب خطير سعت سناء إليه بعزيمة وصبر مع الكثير من الحيطة والحذر ! تقنية خطيرة وحوارات عجيبة مزدوجة في ميتافيزيقيتها أو حتى مركّبة . لم تجد سناء على سطح كوكبنا الأرضي ولا فيما فوقه من إله تتوجه له فيستمع لها لتبثه نجواها وشكواها ... لتقولَ له إنها إمرأة من لحم وعصب ومشاعر وحاجات . يئست من رب معروف فتوجهت لرب غريب عليها وعلينا نحن المسلمين. توجهت لإله قديم إغريقي إسمه ( زيوس ) لعله يُصغي ويتجاوب ويستجيب . فلنستمع إلى ما قالت سناء لهذا الإله وهو في أعالي السماوات
[[ قليل هم من يجرؤون على السخط على الإله لكنها سخطت عليه . نعم ، هي ساخطة على زيوس الإله الأكبر الذي ينصرف إلى المتعة والشهوة والحب والسعادة وينسى أنَّ له رعية شقية فينساها هي بالذات. لقد تضرعت إليه طويلاً وإلى إبنته إلهة الجمال إفروديت وإلى إله الحب كيوبيد كي يهبوها حبا ً واحدا ً فقط ، لكن َّ الآلهة صمّت آذانها دون إشتياقها وآلامها ورجاءاتها . لماذا هي مسجونة في هذا الجسد الأنثوي البغيض ؟ تريد أن تتحرر ، تتمنى لحظة حب واحدة ، أهذا كثير على إله السماء ؟ أكثير ٌ أن تتمنى رجلا ً يحبها دون نساء الأرض ؟ هي تشتهي مخاصرة ً تستمر حتى آخر العمر . لقد كفرت بإله السماء الأصم الذي لا يسمع شكواها ]] .
هل قرأنا ما هو أكثر روعة ً وبلاغة ً وشجاعة من هذا الخطاب الموجه لأعلى سلطة في الكون : الإله !! رب السماوات والأرض وصانع صواريخ الصواعق والرعود يقصف البشر بها إنْ خالفوه صاحياً أكان أم ثمِلاً . تطلب منه حباً واحداً وليس هذا بالكثير على إله . جسدها سجن بغيض تريد التحرر منه . جسده لا يعرف السجن والحرمان ، إنه يمارس الحب ويمارس الشهوات لذا فهو سعيد في حين يجد أبناؤه أنفسهم ضحايا الحرمان والضَنك . لا من عدالة لا على الأرض ولا في السماء فأي رب هذا ؟ إنها تشتهي رجلاً تقضي معه العمر كله وهذا من أبسط حقوقها الطبيعية . نعم ، لماذا يممت سناءُ وجهها شطر إله غريب أسطوري لا علاقةَ روحية لها به ولا دينية ولا تأريخية ؟ إنه اليأس من رحمة وعدالة ربها القريب منها السميع المجيب ! غامرت بعرض شكواها على ربٍّ
جبّار غاشم عنيد إذا ما غضب أمطر أرضنا بالصواعق . أقدمت على مجازفة لا يأتيها إلا اليائس القنوط . جازفت لأنها لم تعد تخشى ما تفقده على أرضها . ليس لديها ما تخسره أو تحرص عليه . لم يسمع شكواها على ما يبدو فكتبت له رسالة بخط يدها كررت فيها ما سبق وأنْ قالته له شفاهاً لعله يقرأ فيرق فيستجيب [[ أنا وحيدة... اللعنة عليك كيف تتركني أُعاني من كل هذه المعاناة ؟ أريد حبا ً واحدا ً يملأ ذاتي ، يهصر أشواقي وذاتي ، يسكن ما بيني وبين جسدي . أريد حبا ً يقتلعني من أحزان جسدي ووحدة ساعاتي . أريده حبا ً قويا ً جبارا ً لا يعرف الألم . أريده حبا ً يمسك بتلابيب روحي ، ويخلق حشرجات دامية ً في نفسي . اللعنة عليك . إستجبْ لي ولو لمرة واحدة ]] . صرخة أخرى قوية مكتوبة على الورق ، فإن لم يسمع الإله زيوس صرختها الأولى فليقرأ ما كتبت من توسل وضراعة وإحتجاج . ألا يذكرنا هذا الموقف بما كانت تهزج صبايا الجيران زمن طفولتنا وهن يخاطبن آباءَهن َّ (( يا بويه زمّن نهودي / يا بويه القبر مَوْعودي )) ؟ قرأ الإله رسالة سناء مرات ٍ ومرات ٍ ( وشعر بحزن شديد على تلك الآدمية التي تتحرق للحب ولم تذقه يوما ً ) . فهمَ مغازيها وتخيل في ذهنه صورة ومواصفات الحبيب الذي تنتظر فخلق إله
الموت ( هاديس ) الذي عرفناه في أسطورة ( أورفيوس ) الشهيرة ، وأرسله إلى المخلوقة الأرضية فوجدته كما أرادت وتخيلت : صادقاً قوياً قادراً على إختراق الأجساد ! فوجئت المسكينة ، أنتظرته حبيباً فوجدته قاتلاً وملكاً للموت [[ ... سكن ما بينها وبين جسدها ، ملأ ذاتها العطشى ، إقتلع وجودها من جذوره ، أنقذها من سجنها الجسدي ، أحكم وثاقه على تلابيب روحها وإنتزعها دون رحمة . كانت حشرجات الموت رائعة لذيذة ، خلا جسدها من كل شئ إلا من حبها العارم . شعرت بسعادة العشق . وقبل أن ترحل مع هاديس إلى مملكة العطش أرسلت زفرة َ شكر ٍ للإله زيوس وغابت في الموت ]] . لم ولن تفارق ثنائية ُ الروح / الجسد الكاتبة َ القاصة َ سناء أبداً . يدخل ملك الموت بينها وبين جسدها ، ينتزع منها روحها فيخلو جسدها من كل شئ سوى الحب العارم . الموت لا يقتل العشق والحبُ يبقى بعد الموت . الجسد يخلِّد الحب َّ والحبُ يبقى في الجسد حتى لو ماتت الروح . الحب يتأصل في ، ويجمع كينونتي الروح والجسد فلا من فصام في الحياة بينهما وقد يفصلهما الموت ولكن ْ ، لا يحل ُّ الموت معضلة العشق وإن ْ كانت فيه راحة الجسد والخلاص من العذاب . هو مّن يُطفئ لهيب نيران العشق المتأججة فلا يزداد بعد خمود الجذوة إلا ضَراماً . سناء لا تطيق الحياة دون حب . ولأنَّ جسدها لا يطيق ولا يتحمل عذابات الحرمان منه فإنها تفضل الموت على الحياة . الموت هو الآخر عطش ، نوع آخر من العطش ، تهفو له الأجساد المحرومة خلاصا ً مما فيه من ظلم وقسوة وإنحراف عن السوية وسواء الأمور . هاديس في أسطورة أورفيوس الشاعر والمغني الذي يسحر بغنائه وصوته ، هاديس هذا هو حارس مملكة الموت هناك وهومَن سمح بخروج زوج أورفيوس إلى عالم الأحياء شرط أن يمشي زوجها أمامها ولا يلتفت حتى وصوله إلى عالم الأحياء . لم يطق الزوجُ صبراً فإلتفت ليتأكد من وجود زوجه ( يوريكيدا) تمشي خلفه فنفذ َّ هاديس تهديده وأعاد يوريكيدا إلى مملكة الموت . هاديس هذا يختلف عن هاديس سناء الشعلان الذي أخذها معه إلى الموت . كان ليوريديكا زوج ٌ يسحر بغنائه وشعره وعزفه على القيثار ، وقد شفعت هذه المواهب النادرة له إذ توسط لإرجاع زوجه إلى عالم الأحياء بعد موتها . لم تتزوج سناء بعدُ ، لا بشاعر ولا بعازف عود ٍ أو قيثار . فمن سيتوسط ويسعى لإنقاذها من مملكة الموت وقد قادها إليها هاديس نفسه ؟
موقف آخر غاية في الطرافة وعمق المغازي . إنَّ ضراعة وتوسلات ثم رسالة سناء الخطية قد أحدثت التحول الدرامي الجذري والإنقلاب غير المتوقع . حوّلت معضلة سناء ومحنتها بجسدها ، حوّلت الإله إلى كائن شبيه بالبشر . [[ تمنى لو أنه يحظى بلحظة عشق حميمة كالتي طلبتها الآدمية ساكنةُ الأرض ]] . سناء تلعب دور شهرزاد مع شهريار ، نسخة أخرى معدّلة . روّضت بحاجاتها البشرية المألوفة هذا الجبار العصي المتكبر والنائي عن البشر ، فمسخته رجلاً كباقي الرجال . [[ ما زال يتمنى العشق ، ما زال يحلم بلحظة حب . تمنى لو كان له هو الآخر إله ليرسل إليه رسالة يتضرعُ فيها كي يُذيقه العشق الحقيقي ولو لمرة واحدة في الحياة ]] . أفلم تنجحْ ( شمخة ) السومرية في تحويل المتوحش
( أنكيدو ) إلى بشر سوي بعد إذ ْ مارس الجنس معها ثم قدّمته إلى جبّار سومر جلجامش فعقد هذا معه أوثق علاقات الصداقة والود ؟ في الآلهة إذا ً الكثير مما في البشر . يغضبون ويعشقون ويتعاطفون مع بعض المظلومين ويستجيبون . بل ويحسدون البشر وقد يغارون منهم !!
ما أروعك يا سناء ؟ ما زلتِ في شرخ الشباب وأول العمر . موهوبة وجميلة وأستاذة جامعية والعالم كله مفتوح أمامك . بعيدٌ الموتُ عنكِ يا سناء . معك قلوب كل قرّائك . إبتسمي في صورك بدل هذه الصور الحزينة العابسة ورأسك مغطى .
ملاحظات ختامية
أولاً / قلتُ من بين ما قلت في بدايات ملاحظاتي هذه إنَّ لسناء مقدرة متميزة وعجيبة في قراءة عيون العشاق وإلتقاط ما فيها من تعبيرات وخواطر وهواجس . إنها ( حكيم روحاني ) لكنها مختصة بطب وتشريح العيون . وعلاقتها بالعيون علاقة حميمة وخاصة جداً . السواحر يقرأن الكف وفناجين القهوة وتخوت الرمل والهوروسكوب والمرايا لكنَّ سناء تقرأ العيون ، إنها ساحرة ُ وبصّارة ُ العيون ولا سيما تلك المتعطشة للحب وعطش العيون من عطش الجسد . سناء خبيرة في ترجمة موجات أشعاعات العيون الغامضة إلى كلمات مقروءة تخترق الصدور وتنفذ إلى لب القلوب . لذا فلا من غرابة إنْ وضعت سناء صورة إحدى عينيها ( اليمنى ؟ ) على غلاف مجموعتها القصصية التي بين يديَّ { قافلة
العطش } .
ثانياً / أحسنتْ إذ ْ إفتتحتْ مجموعة قصصها بقصة عنوانها قافلة العطش، وهو عنوان المجموعة . لماذا ؟ القصة هذه تدور حول البدو والبدو هم قطّان الصحارى والمترحلون أبداً فيها . الصحراء رمل أجرد ولا من ماء وفير في الصحاري والقفار كما هو معلوم . فعطش الجسد ، وهو مدار حديث أغلب قصص المجموعة ، يبدأ من الأصل ، من هناك ، من بداوتنا القديمة . عطش الجسد إمتداد لعطش رمال البوادي والفيافي والقفار . مقدمة ناجحة موفقة وتمهيد ذكي فأحسنتِ يا دكتورة سناء .
ثالثاً / [[ ... إنه يملك زوجة ً ساحرة ً عيبها الوحيد أنها تتعرى عندما تغضب ، وتشرع في البكاء / قصة سبيل الحوريات / الصفحة24 ]] . ما علاقة الغضب بالتعري ؟ ماذا أرادت سناء أن تقول ؟ هل أرادت أن تقولَ أن توق المرأة لممارسة الجنس هي حالة من حالات الغضب ، ثورة على الجنس والبشر ؟ الجنس إنتفاضة ثورية لا تخمد إلا بعد الممارسة فتنطفئ الجذوة المتقدة وتخمد النيران ؟ أم أنها ودّت أنْ تقولَ إنَّ غضبَ المرأة هو كالتعري سواء بسواء ... كشف المستور ؟ التعرّي هو تمهيد لممارسة الحب والجنس وتأهب كامل للدخول في الطقس . عندما تغضب تتعرى / هل الغضب يحرك الجنس عاملاً مساعداً لإحراق الوقود الموجود والمتوفر في جسد المرأة ؟ الغضب شرارة والغضب هو البرق الذي يسبق ويمهد لهطول المطر . إنه صاعق النار والويل لمن يقف في طريقه مقاوماً. إنها تتعرى عندما تغضب . فتح جديد في طب وعلم النفس البشري. هكذا يخدم الأدبُ أحيانا ً العلمَ والفنَ فيما يبدع من كشوفات ويكتشف من إبداعات غير مسبوقة .

ليست هناك تعليقات: