زياد جيوسي
الصور المرفقة من مركز رؤى
بعدستي الخاصة
أحد عشر عاما من الغياب عن عمان أبعدتني عن متابعة الحركة الثقافية والفنية فيها، فحين غادرتها لم يكن في عمان أو لنقل في ذاكرتي إلا القليل من مراكز الثقافة والأدب والفن التي كنت أحرص على متابعتها بتلك السنوات، وفي الذاكرة منها مؤسسة شومان واللقاءات الأسبوعية، ودارة الفنون في اللويبدة وقصر الثقافة وصالة بلدنا للفنون التشكيلية، وبعض المسارح التي انتشرت في أواخر فترة وجودي في عمان، وإن كان في الذاكرة بشكل أساسي مسرح أسامة المشيني.
أثناء وجودي في رام الله فوجئت ذات يوم بنشرة الكترونية تصلني من مركز "رؤى" عن نشاط فني، وتتابعت النشرات فكنت أرى الثقافة والفن في عمان التي تسكن في حنايا القلب من خلال ما يصلني من نشرات "رؤى"، ومن خلال هذه النشرات عرفت عن الفنانة لما حوراني التي طوعت المعدن والحجر لتخلق منه جمالا مميزا، وعرفت عن فرح الشابة الصغيرة التي قدمت عن تصاميم الأزياء بروح محترفة الجمال، وعن فنانين تشكيليين من مناطق شتى، فكان "رؤى" هو مجال الرؤى لروحي المحلقة في رام الله تبحث عن هوى عمان.
بقيت هذه العلاقة الروحية التي ربطتني بالمركز الذي لا أعرفه من قبل مستمرة، وكنت أحلم بلقاء عمان ذات يوم بعدما طال الغياب وأسقم الهوى والغياب الروح، فكنت أحلم بعمان وأنا أجالس ماسيون رام الله في أمسيات الصيف والربيع، وترافقني في دروب رام الله وفي عبق ياسمينها، وبقي "رؤى" نافذة الرؤية للبعيد عن عمانه التي هوى.
ذات صباح كنت أفتح علبة بريدي الالكترونية لأجد رسالة من سيدة لا أعرفها تقول لي: "تمتلك عدسة مرهفة ومحترفة ترافق كلماتك ونزف روحك، فهل فكرت بإقامة معرض لصورك عن رام الله؟" فوجئت بفكرة لم تخطر بالبال يوما وأنا من ترافقه عدسة التصوير والقلم منذ عقود من الزمان، رددت بعد تردد أيام وقلت: لم تخطر الفكرة ببالي سابقا فأنا لست إلا هاو للتصوير ولم أصل إلى درجة الاحتراف، وحين أتاني الرد فوجئت أنه من السيدة سعاد عيساوي مديرة رؤى، تعلمني عن رغبتها بتبني فكرة معرض لصور عدستي التي التقطتها لرام الله عبر سنوات إقامتي مع أمسيات لقراءة بعض مما كتبت، فلم أتردد عن الموافقة، وإن أعلمتها أن حضوري لعمان حلم أحلم به منذ سنوات بسبب حجب الهوية عني من سلطات الاحتلال تحت بند الحجج الأمنية الواهية، وأرسلت لها الصور وتمنت لي أن يفك أسري الطويل وأن أرى عمان وأملأ صدري من عبق هواها.
وتحقق الحلم وفتحت أبواب حجبت الحرية، وكان من أول ما قمت به أن ابدأ بالإطلالة على ما افتقدته في عمان، فكان "رؤى" هو بداية الرؤى، فذهبت لزيارة المركز برفقة زوجتي من أجل التعرف عليه، فوجدت أمامي مبنى أنيق يخالف ما ترسخ في ذهني من أشكال عرفتها عن صالات العرض، مبنى جميل في ضاحية جميلة ذو واجهة تنطق بتصميمها بالفن والجمال، حديقة بسيطة لكنها لوحة تحمل في داخلها عبق من جمال، تأملت الحديقة كثيرا وأنا المتيم بالورود والنباتات، صالات أنيقة تعلوا جدرانها لوحات لمعرض مقام تحت عنوان: "مقامات حلبية" للفنان السوري ناصر نعسان آغا، لوحات تحمل في ثناياها عبق الشرق وجمال الألوان وروعة الفكرة والمزج الهائل بين الألوان الحارة والباردة بانسيابية غريبة لا تترك المجال للشعور بالنفور في تضاد الألوان، فكان المعرض واللوحات كما كتبت أمية الزعيم: "يكاد يقترب منك ليوشوش في أذنك قائلا: أجيال وأجيال عاشت ورحلت وما زالت الدار الصلبة باقية بالانتظار".
تجولت في أنحاء "رؤى" بدهشة طفل يكتشف عالم جديد لم يألفه في محيطه ولا في الذاكرة، وفي كل زاوية وجدت باقة جمال، وفي كل باقة وجدت روحي تغوص بها وتحملها وتحلق بها، فمن تصميم المكاتب وآنية الزهور والتماثيل واللوحات، إلى الاستقبال الدافئ واللطيف من مديرة المركز الذي أشعرنا أننا لا نلتقي بها لأول مرة، إلى رقة ولطف الفنانة الشابة لما حوراني التي كانت منشغلة بترتيب معرضها وإعداده للافتتاح، والذي سيكون لي لقاء قريب بالحديث عنه، إلى جلسة مع فنجان قهوة مع السيدة سعاد وأحاديث مختلفة، حيث فوجئت أثناء حديثي عما في ذاكرتي عن مراكز الثقافة والفن في عمان، أن "رؤى" هو امتداد لصالة بلدنا الذي كنت من رواده الدائمين، كل ذلك أثار الفرح في روحي والجمال، فشعرت بعمان تفتح ذراعيها وتعانقني بشوق أم طال غياب ابنها عنها.
غادرنا المركز بالابتسامات اللطيفة كما استقبلنا، كانت قطرات المطر تتساقط بنعومة وجمال، عدنا للبيت لاستقبال مهنئين لي بالعودة بعد غياب، والروح تحمل في ثناياها عبق من جمال، مصمما أن المشاعر التي شعرت فيها في ابتسامة عمان التي استقبلتني من خلال "رؤى"، لا بد أن تكون حروفا وصور، ولا بد من إفراغ شحنة الجمال، وأن تبقى الرؤى تتمثل في جمال الفن والإبداع في "رؤى".
بعدستي الخاصة
أحد عشر عاما من الغياب عن عمان أبعدتني عن متابعة الحركة الثقافية والفنية فيها، فحين غادرتها لم يكن في عمان أو لنقل في ذاكرتي إلا القليل من مراكز الثقافة والأدب والفن التي كنت أحرص على متابعتها بتلك السنوات، وفي الذاكرة منها مؤسسة شومان واللقاءات الأسبوعية، ودارة الفنون في اللويبدة وقصر الثقافة وصالة بلدنا للفنون التشكيلية، وبعض المسارح التي انتشرت في أواخر فترة وجودي في عمان، وإن كان في الذاكرة بشكل أساسي مسرح أسامة المشيني.
أثناء وجودي في رام الله فوجئت ذات يوم بنشرة الكترونية تصلني من مركز "رؤى" عن نشاط فني، وتتابعت النشرات فكنت أرى الثقافة والفن في عمان التي تسكن في حنايا القلب من خلال ما يصلني من نشرات "رؤى"، ومن خلال هذه النشرات عرفت عن الفنانة لما حوراني التي طوعت المعدن والحجر لتخلق منه جمالا مميزا، وعرفت عن فرح الشابة الصغيرة التي قدمت عن تصاميم الأزياء بروح محترفة الجمال، وعن فنانين تشكيليين من مناطق شتى، فكان "رؤى" هو مجال الرؤى لروحي المحلقة في رام الله تبحث عن هوى عمان.
بقيت هذه العلاقة الروحية التي ربطتني بالمركز الذي لا أعرفه من قبل مستمرة، وكنت أحلم بلقاء عمان ذات يوم بعدما طال الغياب وأسقم الهوى والغياب الروح، فكنت أحلم بعمان وأنا أجالس ماسيون رام الله في أمسيات الصيف والربيع، وترافقني في دروب رام الله وفي عبق ياسمينها، وبقي "رؤى" نافذة الرؤية للبعيد عن عمانه التي هوى.
ذات صباح كنت أفتح علبة بريدي الالكترونية لأجد رسالة من سيدة لا أعرفها تقول لي: "تمتلك عدسة مرهفة ومحترفة ترافق كلماتك ونزف روحك، فهل فكرت بإقامة معرض لصورك عن رام الله؟" فوجئت بفكرة لم تخطر بالبال يوما وأنا من ترافقه عدسة التصوير والقلم منذ عقود من الزمان، رددت بعد تردد أيام وقلت: لم تخطر الفكرة ببالي سابقا فأنا لست إلا هاو للتصوير ولم أصل إلى درجة الاحتراف، وحين أتاني الرد فوجئت أنه من السيدة سعاد عيساوي مديرة رؤى، تعلمني عن رغبتها بتبني فكرة معرض لصور عدستي التي التقطتها لرام الله عبر سنوات إقامتي مع أمسيات لقراءة بعض مما كتبت، فلم أتردد عن الموافقة، وإن أعلمتها أن حضوري لعمان حلم أحلم به منذ سنوات بسبب حجب الهوية عني من سلطات الاحتلال تحت بند الحجج الأمنية الواهية، وأرسلت لها الصور وتمنت لي أن يفك أسري الطويل وأن أرى عمان وأملأ صدري من عبق هواها.
وتحقق الحلم وفتحت أبواب حجبت الحرية، وكان من أول ما قمت به أن ابدأ بالإطلالة على ما افتقدته في عمان، فكان "رؤى" هو بداية الرؤى، فذهبت لزيارة المركز برفقة زوجتي من أجل التعرف عليه، فوجدت أمامي مبنى أنيق يخالف ما ترسخ في ذهني من أشكال عرفتها عن صالات العرض، مبنى جميل في ضاحية جميلة ذو واجهة تنطق بتصميمها بالفن والجمال، حديقة بسيطة لكنها لوحة تحمل في داخلها عبق من جمال، تأملت الحديقة كثيرا وأنا المتيم بالورود والنباتات، صالات أنيقة تعلوا جدرانها لوحات لمعرض مقام تحت عنوان: "مقامات حلبية" للفنان السوري ناصر نعسان آغا، لوحات تحمل في ثناياها عبق الشرق وجمال الألوان وروعة الفكرة والمزج الهائل بين الألوان الحارة والباردة بانسيابية غريبة لا تترك المجال للشعور بالنفور في تضاد الألوان، فكان المعرض واللوحات كما كتبت أمية الزعيم: "يكاد يقترب منك ليوشوش في أذنك قائلا: أجيال وأجيال عاشت ورحلت وما زالت الدار الصلبة باقية بالانتظار".
تجولت في أنحاء "رؤى" بدهشة طفل يكتشف عالم جديد لم يألفه في محيطه ولا في الذاكرة، وفي كل زاوية وجدت باقة جمال، وفي كل باقة وجدت روحي تغوص بها وتحملها وتحلق بها، فمن تصميم المكاتب وآنية الزهور والتماثيل واللوحات، إلى الاستقبال الدافئ واللطيف من مديرة المركز الذي أشعرنا أننا لا نلتقي بها لأول مرة، إلى رقة ولطف الفنانة الشابة لما حوراني التي كانت منشغلة بترتيب معرضها وإعداده للافتتاح، والذي سيكون لي لقاء قريب بالحديث عنه، إلى جلسة مع فنجان قهوة مع السيدة سعاد وأحاديث مختلفة، حيث فوجئت أثناء حديثي عما في ذاكرتي عن مراكز الثقافة والفن في عمان، أن "رؤى" هو امتداد لصالة بلدنا الذي كنت من رواده الدائمين، كل ذلك أثار الفرح في روحي والجمال، فشعرت بعمان تفتح ذراعيها وتعانقني بشوق أم طال غياب ابنها عنها.
غادرنا المركز بالابتسامات اللطيفة كما استقبلنا، كانت قطرات المطر تتساقط بنعومة وجمال، عدنا للبيت لاستقبال مهنئين لي بالعودة بعد غياب، والروح تحمل في ثناياها عبق من جمال، مصمما أن المشاعر التي شعرت فيها في ابتسامة عمان التي استقبلتني من خلال "رؤى"، لا بد أن تكون حروفا وصور، ولا بد من إفراغ شحنة الجمال، وأن تبقى الرؤى تتمثل في جمال الفن والإبداع في "رؤى".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق