زياد جيوسي
رام الله
بعدستي الشخصية
صباح آخر لرام الله، صباح أكثر جمالا وبهجة، صباح ياسمينات تتبرعم وتتعربش الجدران، تعبق الدروب بعبقها والجمال، نسمات الغرب تداعب مني الروح والجسد، عشقي الخاص، فصباحك اشراقة شمس يا رام الله.. يا حبيبتي.. أحن إليك فأقطف زهرة ياسمين أزرعها مفرق شعرك، كل يوم أكتب إليك، فهل يا ترى سيكفي الورق لكتابة قصة عشقنا الضاربة الجذور، معا نحن، إلى الأبد يدا بيد، قلبا بقلب، انصهار أرواح، إدنغام إلى درجة الذوبان، رقة الحبيب، دمعة تسكن المآقي أخشى عليها من الانفلات، فابقي معي نواصل ما فاتنا في سنوات الغياب، عشق روحي يسكننا فلا نمتلك للمشاعر دفعا، دعيني التقيك بلا فراق، أمسك بيدك تحت ظلال القمر، أداعب شعرك الناعم المنسدل على الكتفين، نتذاكر قصص العشاق، فهل من عشاق رسموا قصة عشق كقصتنا؟
صباحك أجمل يا مدينتي، صباحك أجمل وأنا أجول متأملا كل ما أراه فيك، أهمس بأذنك: أحبك كما يليق بك أن تُحَبي، كمليكة الجمال على عرشها، يا مليكة البراعم والياسمين والصنوبر، يا حبيبة الماضي والحاضر والمستقبل، معا أبدا.
ما زال عيسى يحتل زاويته، ينادي بصوته الأجش على الكرز والجرانق، العم إيليا يجلس إلى مقعده يتمتع بالشمس، التوأم يخرجون بضاعتهم للشمس، التقط بعض حبات الكرز بعد إلحاح عيسى، أتذوقها بهدوء، فأنا لم أتناول فنجان قهوتي بعد، فقد صحوت مبكرا وخرجت لأرافق حبيبتي الناعسة صحوة الفجر، أتنشق نسماتها البكر، فكالعادة لا يمكنني أن أترك الشمس تفتقدني بلحظة نزعها سدل العتمة، ولا يمكنني أن لا أشارك المدينة صباحها قبل أن تنفلت عيون المارة من نومها.
أيامي ورام الله لم تخلو من أمسيات جمال طيبة في الأيام الماضية، ففي مساء الخميس الماضي كنت أحضر مسرحية ابن خلدون في القصبة، والسبت وفي نادي القراءة في بلدية البيرة، كنت في مناقشة أدبية جميلة لرواية ذاكرة زيتونة للكاتبة سهاد عبد الهادي، وكانت جلسة حوار جميلة، أجادت السيدة سهاد العرض والمناقشة، فأضافت للرواية جمال آخر بالعرض والحوار، وفي مساء الاثنين تنقلت من معرض الزيتون في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، بدعوة من اتحاد المزارعين الفلسطينيين، فإلى دعوة من دار الشروق لحضور لقاء مع الكاتب والروائي الكبير، الصديق يحي يخلف وتقديم روايته "ماء السماء"، لأجول بعدها مع صديقي القديم الكاتب آصف قزموز في المدينة بعد أن قدمنا واجب عزاء، وأعود لصومعتي وأقرأ في الرواية حتى غفوت وأنا أحتضن "ماء السماء"، وما أن جاء مساء الأمس حتى كنت قد التهمت من الرواية كل الحروف، فذاكرتي بكتابات يحي يخلف تمتد جذورها إلى روايته التي لا تنسى "نجران تحت الصفر"، لأتناول بعدها مباشرة مجموعة قصصية للكاتبة الصديقة مليحة مسلماني، تحمل اسما غريبا هو 1 2 3 ، أهدتني إياها مذيلة بأناقة حرفها، فأتمتع بهذا العدد من القصص القصير جدا، والذي يحمل بصمات مليحة التي لا تخفى على عين قارئ.
لا أعرف ما الذي يجعلني كلما سرت في دروب رام الله أذكر الماضي وأخوض ببعض من شذراته، فاذكر عمان الهوى والجمال وتلك الفترة من عمري، فترة تلت حرب حزيران والهزيمة، وتلت معركة الكرامة والانتصار، واستقرارنا بذلك الحي من الاشرفية لسنوات، فكانت بداية النمو في العمر والانتقال من الطفولة للشباب، ولعل انتسابي للثورة في ذلك العمر المبكر لعب دوره في نمو شخصيتي، وما زلت أذكر أول محاضرة لنا في مكان غير معلن تحت عنوان: الثورة أخلاق، وإن ذهب بعدها الكثيرون بالثورة وبالأخلاق معا، فبدأت أقضي وقتي بالقراءة المكثفة، وتفتحت عيناي على شعر سميح القاسم ومحمود درويش، وكنت أنسخ ما يصلني من شعر بدفتر ما زلت أحتفظ به، فلم أكن أملك ما يكفي لشراء كل ما أريده من الكتب، فأنسخ الشعر لأنه الأقل حجما، وأشتري بمقدار ما يتوفر معي، فقد كنت الجأ للقيام ببعض الأعمال للحصول على بعض من المال، أجمعه وأشتري به كتابا، متحملا النـزول لوسط المدينة والعودة سيرا على الأقدام، أجلس في شرفة المنـزل أقرأ وأقرأ، فكان شعر نزار يتملكني، وروايات الأدب العالمي والعربي تجتاح مني روحي الطفلة، وأنا ما زلت في الإعدادية، متنقلا من مدرسة إعدادية الاشرفية إلى مدرسة صلاح الدين، وكانت ليست بالبعيدة عن البيت الذي اكتراه والدي من رجل طيب رحمه الله، وفي تلك الفترة تفتحت روحي على قصة حب عشتها ببراءة وجمال، تركت في الروح ما تركت من أثر، فأذكر ولا أنسى تلك الشقراء الناعمة التي قدمت لها أول زهرات الياسمين، أقرأ على مسامعها الشِعر، حتى فرقنا الزمان، وفي تلك الفترة بدأت عمان تعيش بعض من أسوء الفترات في تاريخها، فالمظاهر المسلحة بدأت تملأ شوارع المدينة وأحيائها، وبين الوقت والآخر ينفلت عقال الجنون، فيترك ما يتركه من ضحايا بريئة، منهم أصدقاء وأقران بالعمر، فأصبحت الحياة مضطربة، وبدأت تبرز مظاهر سلبية تعكس نفسها على المجتمع ككل، وقد بدأ يلوح في الأفق نُذر الشر وسيطرة الجنون.
أعود للصومعة أهمس لها: ليكن صباحك هديل حمام وبوح ياسمين، أتصفح صحيفة الصباح، أعد فنجان قهوتي، أتمتع بزقزقة العصافير الفرحة، أتأمل رسما لحروف خمسة، فأنت أنا كلانا عشق تجاوز الزمان والمكان، شدو فيروز يرافق صباحي:
"هيلا يا واسع، مركبك راجع، بسمتك ليلة، عبستك ليلة، سافر بليلة ريح، ودار الدفة جنوبية، حنت عليه الريح، وصل عا المينا الغجرية، وانقظت ليلة وأشرقت ليلة، شد الشراع وسير، بلد الحبايب ما هي بعيدة، بحر و قول يا كبير و تبقى سفريتنا سعيدة".
صباحكم أجمل.
بعدستي الشخصية
صباح آخر لرام الله، صباح أكثر جمالا وبهجة، صباح ياسمينات تتبرعم وتتعربش الجدران، تعبق الدروب بعبقها والجمال، نسمات الغرب تداعب مني الروح والجسد، عشقي الخاص، فصباحك اشراقة شمس يا رام الله.. يا حبيبتي.. أحن إليك فأقطف زهرة ياسمين أزرعها مفرق شعرك، كل يوم أكتب إليك، فهل يا ترى سيكفي الورق لكتابة قصة عشقنا الضاربة الجذور، معا نحن، إلى الأبد يدا بيد، قلبا بقلب، انصهار أرواح، إدنغام إلى درجة الذوبان، رقة الحبيب، دمعة تسكن المآقي أخشى عليها من الانفلات، فابقي معي نواصل ما فاتنا في سنوات الغياب، عشق روحي يسكننا فلا نمتلك للمشاعر دفعا، دعيني التقيك بلا فراق، أمسك بيدك تحت ظلال القمر، أداعب شعرك الناعم المنسدل على الكتفين، نتذاكر قصص العشاق، فهل من عشاق رسموا قصة عشق كقصتنا؟
صباحك أجمل يا مدينتي، صباحك أجمل وأنا أجول متأملا كل ما أراه فيك، أهمس بأذنك: أحبك كما يليق بك أن تُحَبي، كمليكة الجمال على عرشها، يا مليكة البراعم والياسمين والصنوبر، يا حبيبة الماضي والحاضر والمستقبل، معا أبدا.
ما زال عيسى يحتل زاويته، ينادي بصوته الأجش على الكرز والجرانق، العم إيليا يجلس إلى مقعده يتمتع بالشمس، التوأم يخرجون بضاعتهم للشمس، التقط بعض حبات الكرز بعد إلحاح عيسى، أتذوقها بهدوء، فأنا لم أتناول فنجان قهوتي بعد، فقد صحوت مبكرا وخرجت لأرافق حبيبتي الناعسة صحوة الفجر، أتنشق نسماتها البكر، فكالعادة لا يمكنني أن أترك الشمس تفتقدني بلحظة نزعها سدل العتمة، ولا يمكنني أن لا أشارك المدينة صباحها قبل أن تنفلت عيون المارة من نومها.
أيامي ورام الله لم تخلو من أمسيات جمال طيبة في الأيام الماضية، ففي مساء الخميس الماضي كنت أحضر مسرحية ابن خلدون في القصبة، والسبت وفي نادي القراءة في بلدية البيرة، كنت في مناقشة أدبية جميلة لرواية ذاكرة زيتونة للكاتبة سهاد عبد الهادي، وكانت جلسة حوار جميلة، أجادت السيدة سهاد العرض والمناقشة، فأضافت للرواية جمال آخر بالعرض والحوار، وفي مساء الاثنين تنقلت من معرض الزيتون في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، بدعوة من اتحاد المزارعين الفلسطينيين، فإلى دعوة من دار الشروق لحضور لقاء مع الكاتب والروائي الكبير، الصديق يحي يخلف وتقديم روايته "ماء السماء"، لأجول بعدها مع صديقي القديم الكاتب آصف قزموز في المدينة بعد أن قدمنا واجب عزاء، وأعود لصومعتي وأقرأ في الرواية حتى غفوت وأنا أحتضن "ماء السماء"، وما أن جاء مساء الأمس حتى كنت قد التهمت من الرواية كل الحروف، فذاكرتي بكتابات يحي يخلف تمتد جذورها إلى روايته التي لا تنسى "نجران تحت الصفر"، لأتناول بعدها مباشرة مجموعة قصصية للكاتبة الصديقة مليحة مسلماني، تحمل اسما غريبا هو 1 2 3 ، أهدتني إياها مذيلة بأناقة حرفها، فأتمتع بهذا العدد من القصص القصير جدا، والذي يحمل بصمات مليحة التي لا تخفى على عين قارئ.
لا أعرف ما الذي يجعلني كلما سرت في دروب رام الله أذكر الماضي وأخوض ببعض من شذراته، فاذكر عمان الهوى والجمال وتلك الفترة من عمري، فترة تلت حرب حزيران والهزيمة، وتلت معركة الكرامة والانتصار، واستقرارنا بذلك الحي من الاشرفية لسنوات، فكانت بداية النمو في العمر والانتقال من الطفولة للشباب، ولعل انتسابي للثورة في ذلك العمر المبكر لعب دوره في نمو شخصيتي، وما زلت أذكر أول محاضرة لنا في مكان غير معلن تحت عنوان: الثورة أخلاق، وإن ذهب بعدها الكثيرون بالثورة وبالأخلاق معا، فبدأت أقضي وقتي بالقراءة المكثفة، وتفتحت عيناي على شعر سميح القاسم ومحمود درويش، وكنت أنسخ ما يصلني من شعر بدفتر ما زلت أحتفظ به، فلم أكن أملك ما يكفي لشراء كل ما أريده من الكتب، فأنسخ الشعر لأنه الأقل حجما، وأشتري بمقدار ما يتوفر معي، فقد كنت الجأ للقيام ببعض الأعمال للحصول على بعض من المال، أجمعه وأشتري به كتابا، متحملا النـزول لوسط المدينة والعودة سيرا على الأقدام، أجلس في شرفة المنـزل أقرأ وأقرأ، فكان شعر نزار يتملكني، وروايات الأدب العالمي والعربي تجتاح مني روحي الطفلة، وأنا ما زلت في الإعدادية، متنقلا من مدرسة إعدادية الاشرفية إلى مدرسة صلاح الدين، وكانت ليست بالبعيدة عن البيت الذي اكتراه والدي من رجل طيب رحمه الله، وفي تلك الفترة تفتحت روحي على قصة حب عشتها ببراءة وجمال، تركت في الروح ما تركت من أثر، فأذكر ولا أنسى تلك الشقراء الناعمة التي قدمت لها أول زهرات الياسمين، أقرأ على مسامعها الشِعر، حتى فرقنا الزمان، وفي تلك الفترة بدأت عمان تعيش بعض من أسوء الفترات في تاريخها، فالمظاهر المسلحة بدأت تملأ شوارع المدينة وأحيائها، وبين الوقت والآخر ينفلت عقال الجنون، فيترك ما يتركه من ضحايا بريئة، منهم أصدقاء وأقران بالعمر، فأصبحت الحياة مضطربة، وبدأت تبرز مظاهر سلبية تعكس نفسها على المجتمع ككل، وقد بدأ يلوح في الأفق نُذر الشر وسيطرة الجنون.
أعود للصومعة أهمس لها: ليكن صباحك هديل حمام وبوح ياسمين، أتصفح صحيفة الصباح، أعد فنجان قهوتي، أتمتع بزقزقة العصافير الفرحة، أتأمل رسما لحروف خمسة، فأنت أنا كلانا عشق تجاوز الزمان والمكان، شدو فيروز يرافق صباحي:
"هيلا يا واسع، مركبك راجع، بسمتك ليلة، عبستك ليلة، سافر بليلة ريح، ودار الدفة جنوبية، حنت عليه الريح، وصل عا المينا الغجرية، وانقظت ليلة وأشرقت ليلة، شد الشراع وسير، بلد الحبايب ما هي بعيدة، بحر و قول يا كبير و تبقى سفريتنا سعيدة".
صباحكم أجمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق