الثلاثاء، مايو 06، 2008

الثقافة العربية بين التضخيم والتعتيم

إيلاف
سلوى اللوباني

الثقافة العربية بين التضخيم والتعتيمالشللية تضمن نشر العمل سواء كان أدبًا أم قلة أدبالرياض وشيكاجو... في قفص الإتهام سلوى اللوباني من القاهرة: الالقاب والصفات في عالمنا العربي أحيانًا تمنح بعيدًا عن معيار الكفاءة وعن التقييم العلمي للمنجز.. وأيضًا هناك تضخيم لنخب معينة في مجال الثقافة.. وهذه النخب لا تزال تحتل مساحات كبيرة في مجال الثقافة.. مما أدى الى تعتيم أو تجاهل نخب أخرى قد تكون أفضل بكثير من الاولى.
استطلعت ايلاف آراء مجموعة من المثقفين من بعض الدول العربية للتعرف إلى أسباب تضخيم بعض الاعمال أو بعض الاسماء وتجاهل آخرين أو التعتيم على أعمالهم.. الجميع ذكر الاسباب... وامتنع بعضهم عن ذكر أسماء محددة أو عناوين تلقى الاحتفاء والتضخيم فهذا التورط بعينه... وسيخلق لهم عداوات هم بغنى عنها.. لذلك فضل البعض الاشارة الى أسماء وعناوين لم تنل ما تستحقه من اهتمام.
نجيب محفوظ أمثلة على التعتيم
مثل الراحل نجيب محفوظ الذي لم ينل ما يستحقه من إلتفات الى كتاباته إلا بعد حصوله على جائزة نوبل، فقد ظل يكتب لسنوات طوال دون أن يسلط الضوء عليه، ورواية "خاتم سليمان" للكاتب شريف مليكة لم تأخذ حقها من الدعاية والشهرة والاهتمام، ورواية "الجميلات" للروائي عبد السلام عبد الله لم تجد من يسلط الضوء الخافت ولا حتى القوي على هذا العمل الروائي، اضافة الى ان رواية "رباعية بحري" للروائي محمد جبريل تستحق الكثير من الجوائز، كذلك كتاب الاطفال "عائلة الاحجار" للشاعر احمد فضل شبلول، والروائية اللبنانية نجوى بركات لم تنل ما تستحقه من اهتمام على كتاباتها وكذلك الروائي المصري محمد ناجي. أمثلة على التضخيم أما الامثلة التي قدمت على تضخيم بعض الروايات فهي "بنات الرياض" لرجاء الصانع فقد أحدثت ضجة كبيرة لا تتناسب مع مستواها المتوسط مقابل أعمال أهم لعبده خال أو صبا الحرز، وكذلك رواية "شيكاجو" لعلاء الاسواني التي لم تكن أبدًا في المستوى العالي لروايته الاولى، على الرغم من أن البعض اعتبر أيضًا رواية "عمارة يعقوبيان" لم تكن تستحق كل هذه الضجة.
أسباب التضخيم والتعتيم
تعددت أسباب التضخيم والتعتيم.. ولكن اتفقت الاراء على أن الشللية والانتماء الى توجه سياسي يساعد الشخص على نشر جميع أعماله.. وكان مثال على ذلك الكاتب "علاء الاسواني" الذي ينتمي الى مجموعة الكتاب والصحافيين الناصريين في مصر. ومن الاسباب أيضًا أن المناخ العام يميل الى التسطيح والتفاهة والشخصنة.. وهناك من قال إن الناشرين أحياناً وبعض المؤلفين غالبًا ما يعتمدون في الترويج لاعمالهم بطريقة تضخيمية تعتمد على المبالغة في أرقام التوزيع...
كما أن الكاتب العربي أصبح مهدداً بالانقراض بسبب ابتعاد الناس عن القراءة واهتمامهم بالمجال الفني الاستهلاكي الرخيص فهذا هو الاهم. وبعضهم اعتبر أن الاديب الكبير ليس هو الاديب الذي تقدم به السن وانما الاديب الذي أنتج ولو عملاً أدبيًا عظيمًا.. وهذا العمل الادبي لا يكتمل الا بتفاعله مع القارئ. واتفق الجميع على أن "الزمن غربال" فهو كفيل بكشف الذهب المزيف من الذهب الحقيقي.. لأن ليس كل ما يملع ذهبًا.
الكاتب سامي البحيري: الشللية تضمن نشر العمل سواء كان أدبًا أم قلة أدب
بلا شك هناك تضخيم وتعتيم فى المجالات الثقافية والفنية، وبعض من ثقافتنا: ثقافة "شللية"، بمعنى إذا كان الكاتب أو الكاتبة منضم إلى شلة أدبية معينة ذات إتجاه سياسى معين، فهو يضمن نشر أعماله سواء كانت أدبًا أم "قلة" أدب!! وليس فقط نشر أعماله ولكن أيضًا لإنتشارها والدعاية لها في كل أجهزة الإعلام من صحف وإذاعة وتلفزيون وبوتاجاز!! أما إذا كنت غير منضم إلى شلة معينة، فعليك بالأجهزة الحكومية ولها إصدارتها العديدة، وما إن تبدأ في مدح الموالين وذم غير الموالين، فسوف تضمن النشر والتوزيع وقد تدرس كتبك في المدارس الحكومية! أما الغلبة من معظم الكتاب والكاتبات الشرفاء فلهم ولهن الأجر والثواب عند الله!!
ولهذا جاءت الإنترنت بمثابة طوق نجاة لهؤلاء الكتاب والكاتبات (وأنا واحد منهم). وأكبر مثال يحضرني في التعتيم هو أن نجيب محفوظ أخذ يكتب لسنوات دون أن يلتفت إليه أحد، ولم يستطع أن يتكسب من حرفة الأدب أبدًا حتى أحيل على المعاش كموظف حكومي، ولم يفتح عليه ربنا حقًا إلا عندما فاز بجائزة نوبل. ويحضرني أيضًا مثال عن التضخيم وهي ما حدث لرواية (شيكاجو) للكاتب علاء الأسوانى والتي لم تكن أبدًا في المستوى العالي لروايته الأولى، وعلى الرغم من ذلك وزعت كثيرًا على (حس) رواية عمارة يعقوبيان، وأيضًا ينتمي الكاتب إلى مجموعة الكتاب والصحافيين الناصريين في مصر، لذلك تم تضخيم الرواية فوق مستواها الفني بكثير. وفي المقابل يحضرني مثال في التعتيم: هناك رواية صدرت حديثًا للكاتب المبدع (شريف مليكة) بعنوان (خاتم سليمان)، ولم تأخذ حقها من الدعاية والشهرة.
الشاعر أحمد فضل شبلول: المثقفون أرقام في مزادات الالقاب
ضمن الفوضى والعشوائيات الثقافية في عالمنا العربي أن تمنح الألقاب والصفات (عمَّال على بطَّال) فهذا أمير القصة القصيرة، وذلك شاعر الشعراء، وفلانة سندريلا السرد النسائي، وهذا رمز الأدب والثقافة وغيرها، وهكذا يتحول الأدباء والمثقفون إلى أرقام في مزادات الألقاب والنجومية، والكثير منهم لا يستحقون شيئًا من اللقب، بل مجرد مجاملات في قعدات المقاهي وفي الصالونات، يغذيها الإعلام بشكل متواتر يدعو إلى الأسف. وقد صرح لي أحد الأصدقاء أن هناك توجيهًا كي يصنعوا منه نجمًا ثقافيًا، ولم أعرف هذا التوجيه من أي جهة صدر ، ولمن؟ ولكن سرعان ما سافر صديقي للعمل في دولة عربية قبل أن يصنعوا (؟) منه هذا النجم.
هذا يكشف بالفعل أن هناك يدًا تصنع النجومية ضمن معايير معينة قد لا يدخل فيها اعتبار الجودة، أو أنه آخر الاعتبارات، كما أن هناك أياديَ تصنع العكس، أي تبعد الشهرة وإلقاء الضوء عن الجيد ممن يستحقها بالفعل. وهذا الكلام ينطبق أيضًا على الأعمال الأدبية نفسها، وأضرب مثلا بـ "رباعية بحري" للكاتب الروائي محمد جبريل التي يستحق عنها الكثير من الجوائز، ولكنها ظلمت ظلمًا بينًا، وأضرب أيضًا مثلا بكتابي للأطفال "عائلة الأحجار" الذي لم يتلفت إليه أحد من مانحي الجوائز على الرغم من أن كل من يقرأه يقول دون أدنى مجاملة إنه من أهم الكتب التي صدرت للأطفال في العشر سنوات الأخيرة.
الشاعر شوقي مسلماني: الثقافة لا تدخل إلى البيت الأبيض
كثيرة هي الأقلام التي تصول وتجول في عالم الكتابة ويدّعي أصحابها الثقافة الرفيعة، وأكثر من ذلك كثر هم أولئك الذين يطبّلون ويزمّرون لتلك الأقلام ولأصحابها فيما الوقائع الحيّة تشير إلى حفل طنين وجعجعات بلا طحين، هذا إذا لم نقل أن الوقائع تُشير إلى ضمائر فاسدة جاهزة في كلّ حين للمتاجرة بالأوطان والشعوب، وإذا أحسنّا الظنّ فنشير إلى خفّة في النظر إلى دور الثقافة باعتبارها مرجعيّة ومعالم طريق من أجل إنسان حرّ سعيد عزيز كريم في أرضه وفي أي صقع من أصقاع العالم.
لا يهم أن نورد أسماء فالكتب الكثيرة التي تصدر ونقرأها أو نقرأ عنها تكفي للإشارة إلى البلاء المتفشّي في العالم العربي، والمقالات الثقافيّة الكثيرة في الصفحات الثقافيّة لصحف كثيرة تفضح أيضاً أصحابها واتّجاهاتهم التي أقلّ ما يُقال فيها أنّها تؤبّد للغباء وتنتصر للّصوص والفاسدين والظالمين.
الثقافة ليست وجهة نظر بل موقف دفاعًا عن الروح. الثقافة فعل وعي. الثقافة أخلاق نبيلة. الثقافة تشير إلى رأس الأفعى بالإتّهام وليس إلى الذيل. الثقافة لا تدخل البيت الأبيض.

القاصة سميرة المانع: عملية تمويل لنفخ البعض
حقًا، لماذا تسألين، يا استاذة سلوى، هذا السؤال!؟ لشعوري، أنك تعرفين، كغيرك، الجواب. عجبا، هل تريدين مني أن أنكر ما يجري من تمويل لعملية نفخ البعض للبعض. تُكال فيها الالقاب والصفات كيفما اتفق. أليست المسألة بعيدة كل البعد عن الاخوانيات والمحسوبية ومصالح الجيوب والحسابات المصرفية وما شاكل!
كيف لي أن أنسى هذه المحاولة حين رفعتْ من قدر العرب وانقذت سمعتهم الثقافية الادبية المنهارة ليصبحوا محط انظارالامم كلها، ليس بسبب النفط فقط، ولكن بسبب انجازاتهم الفكرية الادبية كما فعل كتاب الاقوام الأخرى المخلصون، في السنين المتأخرة، حين رفعوا رؤوس اخوتهم من ابناء اميركا اللاتينية وشبه القارة الهندية وما جاورها.
يقال هذا في وقت يُثنى فيه، أيضا،على هؤلاء المدلسين ويثمن دورهم، وقد تمادوا في الغيّ بتضخيم اسماء وتغييب أخرى بنية ليست سليمة، هادفين إلى ابعادها عن الساحة.
ليصفو الجو( فبيضي واصفري ونقري ما شئتِ أن تنقري! ) وهم مثال ُيقتدى للنزاهة والزهد والعدالة والثقة، بعيدين كل البعد عن الشعوذة والاهواء، الدجل والنزوات.. هل يعترض أحد على ما ذكرت في الجملة الاخيرة؟ معاذ الله، حاشا.
د. احمد ابراهيم الفقية: الاعتراف بالمواهب الكبيرة يأتي متأخرًا
لن اتورط في ذكر العناوين والاسماء عما تلقاه بعض الاعمال وبعض الاسماء في حاضر ثقافتنا المعاصرة من احتفاء اكثر من اسماء اخرى، ولكن اضرب بعض الامثلة من الماضي ففي حين كان الاحتفاء كبيرًا ببواكير اعمال الاستاذين يوسف السباعي واحسان عبد القدوس كبيرا، كان الكاتب السابق بالانتاج عليها والاضخم موهبة والاعظم انتاجًا والارقى موهبة وهو نجيب محفوظ لا يلقى من الاهتمام الاعلامي او الاحتفاء الرسمي ما يلقاه هذان الاديبان الكبيران، فلا سبيل لأن ننكر ما لأدبهما من جاذبية لدى الشباب من القراء، ولكن المقارنة بين موهبة كبيرة واخرى اكثر كبرًا، ولكن الزمن كان لا بد من أن ينصف نجيب محفوظ ولم يتأخر كثيرًا اعتراف المجتمع الادبي عربيًا وعالميًا بثيمته الكبيرة، ولكن بعد عدة سنوات من التعتيم والظلم الاعلامي. هذا مثيل اكيد على ان الموهبة الكبيرة لا بد أن تشع بأنوارها وتحقق حضورها القوي، على الرغم من ظهور بشر مثل الفقاقيع وهناك بالتأكيد حالات اقل موهبة واضعف انتاجًا برزت في حقول ابداعية كثيرة سواء كانت في المجال الفنيى مثل المسرح والموسيقى والغناء او في مجال ادبي مثل القصة والرواية والشعر واعتقد ان هذه الظواهر تتكرر في كل المجتمعات، وهناك عباقرة تأخر الاعتراف بهم الى ما بعد مغادرتهم عالم الاحياء مثل فان كوخ وكافكا في الغرب وغيرهما كثير في عالم الغرب او الشرق. وهذه هي المأساة فإن يأتي الاعتراف بالمواهب الكبيرة متأخرًا خير من ألا يأتي أبدًا وهي حالات تحسب في حساب الفواجع الكبرى في التاريخ الادبي والفن وهناك مثل يقول ما كل ما يلمع ذهبًا، وعندما يلمع هذا الذهب الكاذب، فإن الزمن يكشفه لأن الصدا وعوامل القدم التي لا تؤتر في لمعة الذهب ولونه لا بد أن تكشف زيف الذهب المزيف بسبب قوة واختبار الزمان.
الناقد د. عبد المالك أشهبون: الاهتمام بالمجال الفني الاستهلاكي الرخيص
يبدو أن زمن الفضائيات العربية ذات الطابع الترفيهي المبتذل، بما أحدثه من تغييرات كبيرة في طبيعة انشغالات المواطن العربي الراهنة، نأى بالكاتب (مبدعا كان أو ناقد) جانبًا وركنه في زاوية ضيقة، مقابل تسليط الكثير من الأضواء بمختلف ألوانها، على مخلوقات جديدة تدعي أنها تمت بصلة إلى عالم الفن والغناء والتمثيل وما إلى ذلك... فقد كان الشغل الشاغل للمواطن العربي في القرن الماضي، الخوض اللجوج في طبيعة حضور المثقف في المشهد الثقافي عامة. هكذا انبرى الشعراء والنقاد مجادلين في أحقية تسمية أحمد شوقي بأمير الشعراء، وفي لقب حافظ إبراهيم (شاعر النيل)، فيما اختلفوا حول لقب عميد الأدب العربي الذي ناله عن جدارة واستحقاق طه حسين، وكذلك الأمر مع عميد المسرح العربي يوسف وهبي وهلم جرا من الألقاب التي كان ينحتها النقاد والمهتمون بالحقل الأدبي عامة، لأن هؤلاء الأفذاذ جعلوا أعمالهم علامات خالدة ومضيئة في التاريخ، وبالتالي فإن تلك الألقاب ما هي إلا تحصيل حاصل... أما اليوم فلم نعد نسمع هذا الجدل قائمًا في مشهدنا الثقافي، في ظل العزلة القاتلة التي يعيشها المثقف العربي، فالكاتب أصبح مهددًا في انقراض اسمه بالأحرى التوق إلى لقب يعلو به في سماء الإبداع والفن؛ لا لشيء إلا لأن الثقافة المكتوبة (إبداع، نقد... ) لم تعد لها تلك القيمة الرفيعة التي كانت تتبوأها في أزمنة خلت، في حين انتقل هذا الخصام والجدل إلى ما غدا له أهمية قصوى في حياتنا اليومية التافهة، وهو المجال الفني الاستهلاكي الرخيص عامة. فبين الفينة والأخرى ينشب الخصام على صفحات المجلات الملونة ذات الورق الصقيل، أو على شاشات الفضائيات، أو في غرف الدردشات في الانترنيت حول أحقية تسمية هذا «المطرب» بهذا اللقب أو ذاك. وقد يتعارض المطربان في لقب واحد، وهذا شأن هاني شاكر وصابر الرباعي اللذان يحملان (أو يتنازعان إن صح التعبير) لقب "أمير الغناء العربي". كما قد يحوز مطرب واحد عدة ألقاب بقدرة قادر، وخير مثال على ذلك هو حيازة تامر حسني(المطرب الطارئ) وضعًا خاصًا بين ذوي الألقاب، لأنه استطاع بفعل «جماهيريته» أن يحوز أكثر من عشرة ألقاب دفعة واحدة... كالساحر ومطرب الجيل و"البرنس" و"مطرب القلوب"...! كما أن الإعلام العربي يضطلع بدور خطر، بشكل أو بآخر، في تراجع قيمة الكتاب المتميز، وانحسار إشعاعه في وطننا العربي. فهو الذي يعلي من شأن بعض الكتاب ـ بغض النظر عن نوعية ما يكتبونه ـ حينما يبالغ في ترقيتهم إلى مستوى نجوم الكتابة (على طريقة نجوم الفن)، كما أنه هو الذي يهمش عينة أخرى من الكتاب الذين يغردون خارج السرب. وفي هذا السياق، إستحضر محنة الروائي المصري عبد السلام عبد الله الذي حرص أكثر من ثلاث سنوات ونيف على كتاب روايته الرائعة: "الجميلات"، فلم يجد من يسلط الضوء الخافت ولا القوي على هذا العمل الروائي الجبار، الذي قده الكاتب من ليل الأرق والتعب... بل وجد الكثير ممن يحملون معاول الهدم تجاه هذا العمل لا لشيء إلا لأن صاحبه كتب بشكل متميز ومختلف عما يكتبه الآخرون وللحديث بقية.
الاديب محمد توفيق: الاديب الكبير ليس هو الاديب الذي تقدم به السن
القضية التي تطرحينها متعددة الأبعاد، فهي لا تتعلق بالأدب وحده بل تمتد لتشمل كافة أوجه الحياة في مجتمعاتنا العربية، ويمكن إرجاع الأزمة إلى عدة جذور. أولاً: أدت هيمنة الدولة على الثقافة - وما يواكبها من انتشار المحسوبية والشللية وغلبة الاعتبارات البيروقراطية - إلى اهتزاز ثقة المثقفين في المعايير الفنية المطبقة.
ثانيا: ينتاب كثيرا من الأدباء شعور متزايد بالغبن، وهو مبرر في بعض الأحيان، لكن علينا أن نعترف أن في كثير من الأحيان يكون الادعاء بالظلم من قبل أدباء محدودي الموهبة، ومن المهم في هذا الصدد أن نعي أن للأدب خصوصايته، ففي حين يمكن للموظف أن يطالب بحقوقه بناء على معيار الأقدمية المطلقة، هذا لا يجوز للأديب، الأديب الكبير ليس هو الأديب الذي تقدم به السن إنما الأديب الذي أنتج ولو عملاً أدبيًا عظيمًا، ولب المشكلة أن المناخ الحالي لا يساعد على المنافسة الإيجابية التي تؤدي إلى ارتفاع مستوى المنتج الأدبي بقدر ما يدفع الأدباء إلى تركيز جهودهم على العلاقات العامة على حساب الاتقان الفني.
ثالثًا: من جهة أخرى لا يمكن تقييم العمل الأدبي من خلال منظور أكاديمي مجرد، فالأدب لا يصل إلى مرحلة الاكتمال إلا بعد التفاعل مع المجتمع، فروايات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس - شأنها في ذلك شأن أغاني عبدالحليم وأشعار صلاح جاهين - تستمد جزءًا كبيرًا من قيمتها من تفاعلها مع حركة المجتمع.
رابعًا: لب القضية يتمثل في تضاؤل عدد القراء مما حد كثيرًا من هيمنة القارئ على سوق الكتاب وسلم السيطرة لمجموعات المصالح، بل وأدى إلى ضعف صناعة الكتاب الأدبي على الرغم من رواجها الشكلي، مما ساهم بدوره في تحويل الحركة الثقافية إلى فقاعة ضعيفة الاتصال بحركة المجتمع. وطالما أن العمل الأدبي لا يكتمل إلا بتفاعله مع القارئ سيظل دائمًا بين الأدباء من يشعر بالظلم عن حق أو غير حق، فإذا كان أحد أكبر الأدباء الأميركيين مثل إدجار الان بو مات وهو مفلس ولم يسمع به أحد، على الأديب أن يتقبل أن الشهرة ليست بأي حال أمرًا مسلمًا به، بل هي ظاهرة استثنائية تصيب نسبة ضئيلة من المبدعين، لكن المهم أن يخرج الاختيار من يد الموظفين ويعود للقارئ.
الكاتبة والاعلامية سميحة خريس: الزمن غربال
يحدث كثيرًا أن يحظى احدهم باهتمام اعلامي مبالغ فيه ولا يتساوى مع الانجاز الفني والأدبي لصاحبه، لا يرجع الامر الى الحظوظ، ولكن الاعلام يؤدي دورًا كبيرًا، أحياناً يتعلق الامر بالالقاب العلمية، وأحياناً أخرى بالبراعة الاجتماعية، وللاسف هناك حالات متناثرة من شراء التقيم واكتراء التصفيق، كما أن الارتباك الذي يسود في الساحة النقدية يخلط الحابل بالنابل، وتتقاطع المصالح الشخصية بالرغبات أو العلاقات، المهم في الامر أن الزمن غربال، اسماء كثيرة ظلت في الظل إلى أن باتت الظروف موضوعية فخرجت، للاسف لا يمكنني أن اعدد الاسماء التي لمعت دون محتوى، لسببين الاول اني لا اريد شراء عداوات لا مبرر لها فأنا مجرد كاتبة ولست ناقده وسيكون تقديري بعيد عن الدقة ايضاً وخاضع لتذوق شخصي، وان كنت اعتبر التذوق الشخصي الناقد الأهم ولكني لا استطيع فرض الامر على الساحة. يمكنني أن أشير إلى بعض الاسماء التي لم تنل ما تستحقه من التفات، مثل الروائية اللبنانية نجوى بركات،والروائي المصري محمد ناجي، أما عن الاردن فحدث ولا حرج عن الذين يواجهون بالتعتيم واولئك الذين يمنحون الاوسمة.
الروائي محمد العشري: كتابة تخدم توجه سياسي معين
أظن أننا لم نتخلص بعد من سيطرة البعض على الهيئات والمؤسسات الثقافية الرسمية، وهؤلاء يرسخون لكتابة معينة تخدم توجههم السياسي، والذي أثبت فشله الذريع وخلق عشوائية ضخمة يتحرك بها المجتمع، لكنه يتمسك بموقعه بمبررات واهية، بغض النظر عن القيمة أو الموهبة في تلك الأعمال التي يروج لها، المهم أن التوجه يخدم ويصب في خلايا النظام القائم، إضافة إلى بعض من المتسربين من نظم سياسية سابقة، لكنهم تشكلوا وعدلوا أوضاعهم لتتوافق مع النظم الحالية، والأمثلة كثيرة. وهو ما ولد لدي الكتاب الموهوبين شعوراً عدائياً تجاه تلك المؤسسات والهيئات التي لا تقدر كتاباتهم وموهبتهم.
وأصبح الصدام هو السمة السائدة في المرحلة الآنية، والتي تتسم بالعشوائية، وعدم وجود حركة ثقافية حقيقية توازي الأعمال الإبداعية المطروحة، أصبح اللجوء إلى فضاء الانترنت أمر لابد منه، في ظل ما تعيشه تلك المؤسسات من تعتيم على المواهب الجادة، وخراب داخلي، تحاول إخفاءه بطلائه من الخارج، بمشاريع براقة تتوجه للجميع، دون أن تعيد النظر في ترتيبه الداخلي على أساس صحيح. هناك الكثير من الأعمال الإبداعية والروائية التي ظهرت في السنوات الأخيرة، ومرت مرور الكرام، دون أن يعرج عليها ناقد، أو كاتب، أو صحفي، رغم أهميتها وموهبتة كتابها. والأمثلة لا حصر لها خاصة في مجال الرواية.
الكاتب ابراهيم فرغلي: انهيار التعليم افسد المناخ العام
لا أظن بداية أن مناقشة موضوع كهذا سيحل شيئا، لأنك لو سألت أي شخص من الوسط الثقافي سواء كان ممن تم تضخيمهم رغم قلة مستواهم، أو لو سألت موهوبين حقيقيين ونخب لم تأخذ حظها فغالبًا ما سيتبنون الخطاب نفسه، لأن الوسط الثقافي فقد معاييره الموضوعية، والفساد الذي استشرى في كل مكان ليس بعيدًا عن الثقافة. كاتب من كتاب هذا العصر سؤل في حوار صحافي عن البساطة والعمق في كتابته المتهمة بالتسطيح فقال أن في عصور الانحطاط يشيع أن التعقيد هو الفن، ولم يلتفت ان ما يظنه نجاحا لم يتحقق إلا في عصور الانحطاط التي يتحدث عنها. هذا المناخ هو الذي أفرز في السينما المصرية مثلا ظاهرة الكوميديا الجديدة التي هلل لها الكتبة في البداية وسرعان ما اكتشفوا الهاوية التي تقود إليها هذه الأفلام، فبدءوا يترحمون على قيم السينما الضائعة. ونفس الشيء ينطبق على الأدب والثقافة. أظن أن انهيار مستوى الدراسات الإنسانية في الجامعات سبب أساسي لما نراه الآن، لأنه أدى إلى انعدام ظهور جيل جديد من النقاد الأكفاء، مع رحيل جيل من كبار النقاد الذين ما كانوا يسمحون بمثل المهازل التي نشهدها اليوم، خاصة وأن هناك أبواقا دعائية يرتدي أصحابها مسوح النقاد للتكريس لهذه الأعمال وما شابهها، بعضهم خلع عباءة العلوم الاقتصادية والاجتماعية التي ينتمي لها أصلا، دون قدرة في الحقيقة على إضافة أي أفكار عميقة، أو أسئلة جديدة، في مجالهم الأساسي، ودخلوا ساحة النقد التي فقدت حراسها القدامى، فأصبحت مستباحة لكل من شاء. الإعلام يتحمل جزءا أساسيا في هذا الصدد، والمناخ العام الذي يميل للتسطيح والتفاهة، والشخصنة، أصبح يساعد على سيادة هذه القيم الجديدة، إستجابة لسيادة منطق رأس المال الذي يحركه عدد من ممتلكي رأس المال الذين يبتغون الربح أيا كانت وسيلته. أعرف كتابا يظنون أن تناول كتاباتهم بالنقد وإبراز بعض مثالب أو نواقص أعمالهم يعني أن هناك دوافع شخصية (فقط) توجه من ينتقد كتابتهم، بل ويكرسون هذا المعنى. كأنهم لا يعرفون أن النقد يقتضي قراءة الأعمال بلا أي معايير شخصية. وأن الكتاب الحقيقيين يستمتعون بقراءة كل أدب جميل ويفرحون به. ولأن الأدب العربي الآن يحظى بغزارة تتفوق على مجالات أخرى فيمكن رؤية النماذج في هذا المجال أكثر بكثير، وعلى سبيل المثال فإن رواية مثل "بنات الرياض" احدثت ضجة كبيرة لا تتناسب مع مستواها المتوسط في مقابل أعمال أهم لعبده خال أو يوسف المحيميد او صبا الحرز. وليست عمارة يعقوبان بعيدة عن هذا- ولي رأي نقدي منشور فيها أرى فيه أن قلة جمالياتها الأدبية تجعل منها رواية تنتمي للأدب الشعبي المشوق- ولا بعض الكتب ذات الأفكار الخفيفة المثيرة التي حققت شهرة كبيرة دون أن تتحلى بالقيم الأدبية الحديثة، أو بالعمق الذي يميز الكتابة الكبيرة على مدى تاريخها. ولا أظن أن هناك وصفة جاهزة للحل لكني أعول كثيرا على أن يستعيد التعليم المنهار مستواه الذي صنع نهضة العالم العربي المضروبة في العمق الآن، فربما يستعيد الإعلام – آنذاك-هيبته ومصداقيته، وربما ايضا يدخل مجال الثقافة كتاب ومثقفون ومبدعون حقيقيون، وبالتالي ينحسر دخول الكتبة إلى مجال كان مقصورا على الموهوبين وأصحاب الهموم الحقيقية فنيا وإنسانيا، ومن ثم قد يظهر جيل لافت من النقاد يستعيدون للأدب قيمه الرفيعة، وعبر فرز حقيقي يقيم الإنتاج الأدبي وفقا لقيمته الفنية فقط وليس لدواعي البروباجاندا. وهذا مرتبط بانحسار الفساد، والتحرر من سيادة منطق رأس المال الذي يفسد العالم الآن يوما بعد آخر.

الكاتبة والاعلامية سعدية مفرح: من له حيلة.. فليحتل
أجواء السؤال تذكرني بتلك الألقاب التي يطلقها صناع السينما الاستهلاكية الرخيصة على نجوم الشباك فهناك مثلا نجمة الجماهير، وملك الترسو، وهناك سمراء الشاشة، وهناك العندليب الاسمر، وملك العود، وسيدة الشاشة، والسندريلا، وغيرها من ألقاب ترويجية لا تدل على قيمة حقيقية رغم وجود قيمة حقيقية أحيانا لدى حامل اللقب. أما في عالم الادب والكتابة، فالمسألة اتخذت شكلاً اخر وخصوصًا في السنوات الاخيرة.. فبدلاً من اعتماد تلك الالقاب المستعارة من عالم السينما، اخذ الناشرون أحيانا، بعض المؤلفين غالبا، في الترويج لأعمالهم بطريقة تضخيمية تعتمد على المبالغة في ارقام التوزيع والتي غالبا ما تكون غير حقيقية في البداية قبل ان تستدرج الجمهور الى فخ الترويج بهذا الشكل فتتحول الى ارقام حقيقية. شخصيا.. لا اعتمد كثيرا على تلك الظاوهر التضخيمية في انتقاء كتبي التي افضل قراءتها، بل غالبا ما يحدث العكس، فأصاب بنوع من ردة الفعل العكسية تجاه كل عمل يروج له بطريقة مبالغ فيها، لكن هذا لا يعني أبدا انني ضد الترويج للاعمال الادبية ولكني ينبغي ان يعتمد ذلك الترويج على قيمة العمل نفسه.. وبعد ذلك من له حيلة فليحتل.

salwalubani@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: