الاثنين، سبتمبر 11، 2006

الياس الزغبي: ابتعادي عن التيار الوطني الحر خارجي وداخلي


راغدة بهنام
صدى البلد
بعد أكثر من عام على خروجه من التيار الوطني الحر، ظهر القيادي السابق في التيار الياس الزغبي في اجتماع 14 آذار الاخير، في اعلان واضح لانتمائه الرسمي الى هذا التجمع. الزغبي الذي شارك للمرة الاولى في اجتماعات 14 آذار بصفة شخصية مستقلة على حدّ قوله، يعتبر من أهم رموز “ثورة الارز” وكان من العناصر المنظمة المتواجدة بشكل شبه دائم في اعتصامات “ساحة الحرية” التي انطلقت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الزغبي الذي كان الناطق الرسمي باسم التيار الوطني الحر لفترة طويلة قبل عودة زعيم التيار ميشال عون من فرنسا، يقول بأنه هو من طوّر الافكار السياسية والعقائدية للتيار طوال فترة غياب قادئه، حيث كانت حركة هذا التيار محصورة فقط بالتظاهر والاعتصام تحت شعار : “حرية سيادة استقلال”. “الانضمام الرسمي” الى 14 آذار والذي جاء متأخرا نوعا ما وحظي “باجماع ولهفة من الافرقاء كافة”، على حدّ قول الزغبي، طرح اسئلة كثيرة عن توقيته وأهدافه وأسبابه. فهل هو انتقام من التيار الوطني الحرّ الذي أٌقصاه منذ عام وثلاثة أشهر، أم انه وجود انتماء طبيعي الى المكان الطبيعي؟ “صدى البلد” التقت الزغبي، ومعه كان هذا الحوار :
ب ما سبب ظهورك العلني في الاجتماع الاخير لـ14 آذار بعد أكثر من عام على انطلاق هذا التجمع؟
ولا لحظة كنت متخفيا كي أظهر علانيا وجهي السياسي معروف ونهجي السياسي مكشوف وخياري الوطني واضح. أنا لم أظهر فجأة في 14 آذار بل كنت دائما في صميمها وفي معناها الوطني العميق. بالنسبة اليّ هذا التجمع لم ينشأ في 14 آّذار 2005 بل نشأ منذ انطلاق الحرب على لبنان. 30 عاما من نضالي السياسي والفكري تجسد في هذا الخط وأفكاري التي هي أفكار 14 آذار كنت اعبر عنها من دون المشاركة في الاجتماعات، لانني لم أشأ المشاركة من دون ان يوجهوا اليّ دعوة. 14 آذار تشكل حالة وطنية متراكمة ومستمرة في الزمن اللبناني السياسي الحديث وبهذا المفهوم انا لست سوى عامل بسيط في ورشة البناء الوطني هذه.
ب لماذا كنت مبتعدا عن 14 آذار طوال هذه الفترة
ابتعدت لسببين، الاول متصل بي فأنا كنت بحاجة الى مسافة زمنية كافية لاثبت مدى تطهّري من آثار سلبية في الظروف السابقة واثبات فسحة استقلاليتي السياسية. اما السبب الثاني فيعود الى حركة 14 آذار نفسها لانها على مدى سنة ونصف عانت من ضغوط هائلة أخطرها كان أمنيا من خلال الاغتيالات التي تعرض لها بعض أفرادها، وبعضها كان داخليا من خلال بعض التراخي في الاداء وفي تكوين جسم سياسي متماسك. اما الآن وقد تحقق السببان فانا اشارك من موقع مستقل ومنخرط في الوقت نفسه في منظمة 14 آذار التي تقوم راهنا باعادة تقويم اداء سنة ونصف وتزخيم ادائها وتفعيل اهدافها من خلال النتائج والخلاصات التي انتهت اليها الحرب الاخيرة.
ب قلت السبب الاول شخصي، فهل كنت تنتظر ان تسوي علاقتك من جديد مع التيار الوطني الحر او انك أعطيت لنفسك فسحة لتقرر اين تريد ان تكون ؟
تجربتي السابقة كمسؤول في قيادة التيار الوطني الحر كانت غنية ولست في صدد مراجعتها بحد ذاتها لانها كانت ضرورية وفاعلة في زمنها. وبالطبع لست نادما عما قمت به في تلك المرحلة لانه يندرج في سياق الهدف المركزي نفسه. فأنا قررت منذ وعيي الاول على السياسة اللبنانية ان التزم اهدافا واضحة ولا يهمني الموقع الذي من خلاله أخدم هذه الاهداف. فأنا بهذا المعنى أساوي نفسي عبر محطات ومراحل النضال السياسي والوطني.
ب هل تقصد انك لست أنت الذي تغير بل أن غيرك من تغير؟
هذا هو الواقع. فالرأي العام يدرك جيدا انني لم أغير أبدا في خطابي السياسي وفي الاهداف الكبرى التي أسعى اليها كمواطن لبناني حرّ. أما المواقع الاخرى فمن شأنها ان تحدد خياراتها وأنا لا الزم نفسي الا بالخيارات التي اعتبرها سليمة ومنسجمة مع ماضي وحاضر ومستقبل عملي في الشأن العام.
- يٌقال انه عندما لم يرشح العماد ميشال عون الياس الزغبي الى مقعد انتخابي في المتن وفضل ترك المقعد فارغا، حصل الخلاف بينكما.
أنا اتفهم جيدا خلفيات هذا السؤال وهو ربما يكون مشروعا لدى الرأي العام خصوصا بعد الترويج له، أما الواقع فمغاير تماما. المسألة ليست مسألة مقعد نيابي في المتن أو سواه، انها مسألة خيار وطني وسياسي. وافتراضا لو كنت اليوم نائبا في كتلة العماد عون وعاينت هذا النمط السياسي وهذا الانقلاب على الذات لكنت بارحت موقعي بدون أي ندم. فبالنسبة اليّ ارضاء القناعات أهم بكثير من الاحتفاظ بالمناصب أو المواقع.
ب اين رأيت الانحراف في خط العماد ميشال عون، وهل أتى الامر فجأة ام تدريجيا؟
سيأتي الزمن المناسب الذي يمكن ان اجري فيه مراجعة عميقة لكل تلك المرحلة بوقائعها لان واقعة الانفصال لم تكن وليدة لحظة في الزمن السياسي بل نتيجة تراكم على مدى زمني متوسط.
ب هل تعني انه حتى عندما كان العماد عون في ظل حركة 14 آذار، كنت ترى انحرافا في ذلك الوقت في مكان ما؟
لا يمكنني قول ذلك، انما علي ان اراجع كل المحطات منذ الثمانينات وربط الاحداث ببعضها، وربما تكون هذه المرحلة محور تقويم شامل تصدر في كتاب خاص.
ب يُقال ان انضمامك الى 14 آذار في هذه الفترة بالذات جاءت لانك شعرت بأن “نجمك بدأ يخفّ”، ولانك لم تعد تنتمي الى مكان معين بعد ابتعادك عن التيار الوطني الحر؟
ربما توهم البعض ان ظهوري في اطار 14 آذار جاء للتعويض عن موقع سياسي فقدته سابقا. في الواقع الامر ليس كذلك، لانني لم أفقد ملكا ضائعا خصوصا وانني مستمر دائما في التوجه الى الرأي العام من خلال ما أكتب وما أقدمه من قراءات سياسية في وسائل الاعلام. وفي اعتقادي ان موقعا بهذه العلاقة المباشرة مع الرأي العام هو أهم بكثير من أي موقع سياسي آخر. فمن يتصل بالرأي العام على هذا المستوى ليس بحاجة الى أي وسيلة أخرى. وانتسابي المتجدد الى 14 آذار هو استمرار للحضور الذي امارسه أمام الرأي العام.
ب هل تعتقد ان 14 آذار كانوا يمتحنونك، لهذا انتظروا كل تلك الفترة قبل الاتصال بك ودعوتك الى حضور الاجتماع ؟
لا استطيع ان اقيّم نظرة 14 آذار الى ادائي وموقعي السابق ولكنني استطيع ان اؤكد بارتياح مطلق على مدى الاحترام الذي تبديه كل أطياف 14 آذار من دون استثناء. لا استطيع ان انزع من أذهان البعض فكرة الخلفية التي كنت فيها، ونظرة 14 آذار الى هذه الخلفية، ولكنني أؤكد ان المسألة عندي ليست مجرد ردة فعل. انها فعل في حدّ ذاته لانني اتابع النهج نفسه والمسار ذاته في عملي السياسي والوطني، وهي الحفاظ على الحريات الديمقراطية وتحقيق العدالة. فأنا اطمح الى لبنان محيّد عسكريا وأمنيا عن صراعات المنطقة، وهذا ما يحصل الآن تحت رعاية دولية استثنائية.
ب لاي درجة يحزن الياس الزغبي اليوم عندما يرى البعد الشاسع بين اتجاهه السياسي واتجاه التيار الوطني الحر ؟
لا اريد ان انكر مدى أسفي على ما حصل، ولكنني في اعماقي واثق من ان ما بذلناه وزرعناه مستمر في النمو بين حيوية اجيال التيار الشابة، ولا يمكن ان ينبت من البذور الصحيحة سوى الغراس السليمة. لا يزال لدي امل بأن هذا التيار الذي تعبنا عليه واسسناه على القيم والاخلاق السياسية لا يمكن ان ينحرف عن مساره الصحيح. ولا تستطيع المصالح السياسية والشخصية مهما استشرست ان تطغى على المبادئ الاصيلة.
ب تتحدث دائما عن تباعد بين مبادئك السياسية ومبادئ التيار اليوم. ما هي أبرز نقاط الاختلاف الجوهرية
هناك مستويان، مستوى خارجي وهو خطورة انزلاق لبنان بوعي او بدون وعي نحو محور اقليمي سوري ايراني، ومستوى ثانٍ داخلي هو انغماس في لعبة محاور داخلية أو ما يسمى بالثنائية الطائفية، أي مسيحي ; شيعي، وهذا اخطر ما يمكن أن يضرب صيغة الحياة اللبنانية.
ب عون يقول ان علاقته بحزب الله هي من باب تمتين العيش المشترك في لبنان ؟
العيش المشترك يكون مع الجميع وليس مع ثنائية. الثنائية الطائفية تشكل خطرا على الطائفتين، فهي تضرب الاقليات فيهما وتشكل خطرا على صيغة الحياة المشتركة بين مجموع الطوائف. وهنا تندرج خطورة طرح نظرية الثلاثة أثلاث، وهي في مؤدّاها تعني ضرب المناصفة التي يتمسك بها المسيحيون قبل سواهم. وهذه النظرية لا تقل خطورة عن فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، الآن وقبل ان يتم ارساء أسس علمية لهذه الفكرة.

ليست هناك تعليقات: