د. عدنان الظاهر
سينسين ! أجلْ سينسين : س + س أو أس = أس !
هل تنوي أنْ تكتب سورة ً يا رجلُ وقد إنتهى بمحمدٍ التنزيلُ ؟ كلا ، لم ينتهِ بعدُ ، إسأل الشاعر الحلاوي السيد أديب كمال الدين . إسأله ما سرُّ نقاطه وحروفه تترى كما يتنزّلُ المطر مدراراً من السماء العاشرة . قلتُ فلأقلده وأنا مثله حلاوي فلا من ريب سيسمح لي أن أقلده وأن أحذو حذوه وأقبس شيئاً من موهبته الخصبة المعطاءة فهو سيد سليل بيت سادة والسادة كرام يجودون ولا يبخلون . هل تسمعني أخي أديب ؟ هل يقرأني أهلك وباقي أهلي في مدينة الحلة وضواحيها بما فيها قرية السادة والطهمازية والدولاب وكويرش وعنّانّة وبرنون والكويخات في الصوب الصغير من الحلة ؟ أتاني صوتها ناعماً ساحراً مسربلاً بالنغم الأعلى قائلة ً ما دمتَ ذكرتَ كويرش وعنانة وبرنون وهي قرى وقصبات تابعة للمملكة التي رفعتني وأقامت مني آلهة ً للحب والتناسل والتكاثر والخصب ... ما دمتَ ذكرتَ ذلك وجدتُ نفسي في صميم الإطار الزاهي لكأنني أنا المقصودة وأنا المعنية بذكركِ لإسم الشاعر أديب كمال الدين وذكرك رموزه وحروفه ونقاطه ثم سيناتك الغريبة على مسمعي . هل هو سوريالزموس جديد أتى في مرحلة ما بعد بعد بعدَ الحداثة أم ماذا ؟ يا عشتارُ يا ربةَ َ الحبِّ والهوى والفتوّة وعنفوان الشباب ... يا عشتارُ إنما لكل منا نهجه وفلسفته في الحياة والأدب . ( سيناتي ) لا علاقة لها برموز وحروف ونقاط الشاعر أديب . هو شاعر وأنا لست كذلك . هو رجل قريب من عالم التصوّف والمتصوفة وأنا لستُ كذلك . ( السينان ) حرفان يرمزان لإسمي فتاتين لا علاقة لهما بالشعر أو التصوف . زارتاني فجأة ً صباحَ هذا اليوم الرمضاني الفضيل مبكراً ، سيدتان ولا كباقي السيدات . فيهما كل الجمال وكل الإبداع فقصمتا ظهريَ الواهن بالحضور الجسدي المفاجئ أولاً وبما تحملان في القلوب والصدور من إمكانيات أدبية وطاقات فنية قلَّ نظيرهما في هذه الأيام ... ثانياً . كيف لا ينقصم ظهري وقد بلغتُ من الكِبرِ عِتيا
( أو عتويا ... ما الفرق ؟ ) ووهن العظمُ مني وإشتعلَ نصف الرأس شيبا ؟ رأى موسى ربه فخرَّ صريعاً ودُكَّ جبلُ سيناء ولم يفقْ موسى لا من نوبة صرعه ولا من صوت ربه إنما صحا وإستيقظ إذ رأى ناراً فأصابه الذعرُ مخافة أن يحترق بنار ربه ولم تكنْ إلا نارَ حطبٍ جافٍ من بقايا نبتات متواضعة صحراوية من فصيلة الأشواك البريّة . هذا موسى صهرُ شُعيبَ مِدينَ وقد إنهار إذْ سمع صوتاً لم يعرف كيف جاءه أو من أين ، فكيف الحال معي وقد فاجأتني زيارة نبيتين ناطقتين فناً وسحراً وإبداعاً وكل واحدة فيهن تعدل ألفَ ألفَ عشتار ربّة بابل التي إستهلكتها القرونُ ووطءُ الرجال بإسم الجنس المقدّس. وما علاقة القدسية بالجنس ؟ إسالْ عشتار فمنها يأتيك الخبرُ اليقين . مارست العُهرَ عَرضاً وطولاً وظلت مقدسة ً رغم كل ما فعلت وما مارست . هل الدعارةُ والقدسية ُ وجهان لعملة واحدة ؟ محتمل ، فقد قال أحد الفلاسفة يوماً [ إنَّ الزواجَ هو الأبُ الشرعيُ للدعارة ] . أما أنا ... أنا المصعوق بجمال وإبداع الزائرتين فأرى أنَّ القدسية َ أبشعُ أنواع الدعارة !! وما زال الناس يقدسون بعض موتاهم ويؤلهون البعض الآخر ولا يتذكرون حسناتهم إلا بعد مفارقتهم الحياة . أليس هذا نفاقاً ورياءً وعُهراً مُبينا ً ؟ قرأتَ العجبَ العجاب إثرَ موت الفلسطيني الشاعر محمود درويش وإغتيال الكاتب العراقي كامل شياع إذْ إنبرى كلُّ من هبَّ ودبَّ في ندب هذا ومديح ذاك بأساليبَ ممجوجة حتى أنَّ البعضَ منهم قد إعترفَ أنه لم يرَ هذا أو ذاك أو لم يتعرف عليه أبداً ... فكيف تسنى لهذا الرهط تأليه هؤلاء الموتى دون سابق معرفة ؟ كيف تسنى لهم كيل الكلمات المنافقة المترهلة مدحاً وإطراءً لأناس لا من علاقة طبيعية تربطهم بهم ؟ كيف تصف شيئاً لم ترَهُ عيناكَ ؟ كيف ترسم شيئاً غيرَ مألوفٍ لك ولم تتعرف عليه ؟ عجيبٌ أمرُ هؤلاء القوم . أيها الناس ! أكرموا أحياءكم ولا تمجدونهم بعد موتهم . قولوا ما فيهم وما عليهم إنصافاً لهم ولنا . لا تغشونا ولا تكذبوا على موتانا ولا تخونوا ضمائركم إنْ كنتم حقاً كتاباً أو أدباءً أو شعراءَ او أنصاف كتبة ومتشاعرين . أنصفونا وارحموا الموتى منا والراحلين . أكرموا الحيَّ تطبْ نفسُ الميت واذكروا الميت ففي ذكره إكرامٌ للحيِّ الباقي منا ولا تظلمونا أحياءً وأمواتاً . أجلْ ، صعقتني زيارة السيدتين حاملتي حرف السين في مبتدأ إسميهما الكريمين . من ذا يلومني إنْ وجدتُ نفسي صريعاً على عتبة باب بيتي ؟ من يتحمل سنا النور وعَبقَ عطر السوسن وفي عيني الأولى أشعة الليزر المتناهية في قِصرِ أطوال موجاتها الخارقة للصدور ثم القلوب وفي الثانية منهن َّ كل عطور وبخور وياسمين وكافور ومُر وند ولُبان جنات الخلد ؟ هل في وسعي أنْ أرفضَ مثل هذه الزيارة حتى لو أودت بحياتي وتركتني حطاماً وقاعاً صفصفا ً ؟ يا موسى أجبْ نيابةً عني فكلانا مصعوقٌ أنت بربك وأنا بربتين لا برب واحد . عترضتْ عشتارُ بابلَ بشدة قائلة ً بل إنك مصعوق ٌ بثلاث ربّات لا بإثنتين ، أنا عشتارك الأصلُ شريكتك في حرف العين وما أدراك ما العين ثم بصاحبتي حرف السين ! فقدتُ سيطرتي على نفسي فصرتُ أُهذي كالمخبول مردداً [[ سينسين ... سين سين ... سينسين ... سين سين ... سين شين ... سين صاد ... لام لام ...]] ضحكت عشتارُ حتى إستلقت على قفاها فبانت بعض زينتها التي حرّمَ القرآنُ كشفها لرؤية أمثالي . حين هدأتْ سَورة ضحكها الهيستيري نهضت واقفة ً بفارع طولها تردد بنغم جميل آخاذ [[ سينسين سينسين ... س = س ... سين + سين ... سينسين ... والتين ِ والزيتون ِ ... سينسين ... وطورِ سينينَ ... سينسين ... وهذا البلد الأمين ... سينسين ... ]] رددتْ مملكة ُ بابلَ صدى ما سمعتْ من أهازيج ربتها عشتار فقلتُ لها أعتذرُ وأنسحبُ فضيفتاي ما زالتا في بيتي تنتظران أوبتي من زيارتك . إسمحي لي سيدتي ما عندي إلا وقتٌ قصيرٌ لأتمتع بصحبة الجمال والإبداع الفني والأدبي . أتخمتني دعارة وقدسية بابلَ حدَّ شعوري بالإختناق . الجمال هو المقدس والإبداع هو المقدس لا الجنسُ ولا مناقب الموتى المبالغ بها وفي طرق سردها . قالت عشتارُ بصوت ٍ كسير كمن يعتذر : أوافقك في رأيك هذا وأعاهدك أنْ لا أمارس الجنس المقدس بعد اليوم . سأحيل نفسي على التقاعد وأنا في سن الأربعين. سأقدم طلبي هذه الليلة لعلّ ربَّ الأرباب وملكَ ملوكِ أرض بابلَ وشنعار وما جاورهما أنْ يوافقَ على طلبي فأُريحك وأرتاح ! قلت لها أحسنتِ عشتارُ في قرارك هذا ولكنْ لست أنا مَن سيرتاحُ منه إنما آلاف الرجال الذين ركعوا أمامك من ثم ضاجعوك ولم يشكروكِ بدعوى أنك إستنزفتِ أجسادهم وتركتيهم خواءً كأعجاز النخل . أما آنَ لك أنْ تشكريهم وأنْ تعتذري ياعشتارُ وقد فعلتِ بهم ما فعلتِ ؟ أتنتظرين مصير المرأة السوداء التي كانت قبل الإسلام تمارس العهر المقدس في كعبة إبراهيم والبيت الحرام فشقها خالد بن الوليد نصفين بعد أن أسلم وآمنَ وإهتدى ؟ لم تجبْ عشتار إنما كانت تهزُّ رأسها بالموافقة على ما أقول
ولم ترتجفْ ولم تخفْ من مصير سوداء الكعبة وما فعل بها إبنُ الوليد سيفُ الله المسلولُ . سألتْ قبل أنْ يحلَّ الظلامُ وقُبيلَ أنْ نفترق : ما إسم ضيفتيك الكاملين إنْ لم يكنْ في الأمر سرٌّ ؟ ليس لديَّ يا عشتار أسرار ٌ أخشاها لكنَّ الأمرَ يتعلق بحقهن المقدس في صيانة أسرارهنَّ التي إإتمنني عليها فصار لزاماً عليَّ حفظها في المكان الأمين . ليس من حقي كشف زياراتهنَّ السرية لي راكباتٍ أحدث أنواع السيارات حيناً وقادماتٍ بالطائرات الخاصة أحياناً أخرى بل ... وحتى يجئن بعربات الذهب والأحصنة المطهمة بالجواهر وشتى الأحجار الكريمة لكأهنَّ ملكات يشرّفن ألف ألف عشتار ربة الحب في بابل . لم تغضبْ عشتار من قولي لكنها عادت فسألت : هل هنَّ يقدنَ سياراتهن وطائراتهنَّ وعرباتهنَّ بأنفسهنَّ أم يقوم بذلك سواهنَّ من خدم وحشم ؟ ذلك يعتمدُ على أمزجتهنَّ وأمزجتهنَّ كما تعلمين متقلبة متغيرة غير ثابتة تتأثر كثيراً بما فيهنَّ من كآبة أو من آلام الشقيقة وصداع الرأس المجهول الأسباب . سألت عشتار وقد أعجبها هذا الحديث : كم أعمارهنَّ وهل هنَّ متزوجات أم ما زلنَ عازبات ؟ تتراوح الأعمار بين 30 ـ 40 عاما ً وما زلنَ عازبات . ضحكت عشتارُ بتشفٍ ورعونة وإستغرقت في الضحك حتى نهرتها فكفت وكفكفت دموع الشماتة والفرح في عينيها ثم قالت بخبث لا يخلو من بعض الدهاء : هذا هو سبب الكآبة وصداع الرأس والشقيقة ... حرمانهنَّ من ممارسة الجنس الطبيعي الحلال وربما فوات سن الزواج !! إختفت اللعينة بنت اللعينة قبل أنْ أرفعَ يدي لإسكاتها وطلب الكف ّ عن إتيان المزيد من السخرية والرعونة وخدش مشاعر بنات حواء الشريفات العفيفات .
ما أنْ آويتُ إلى فراشي منتصف الليل حتى جاءني صوتها هازئاً مازحاً مردداً [[ سينسين سينسين ... واو سين سين سين ... حطَّ رأسكَ في الطحين ... سين سين ... سينسين ... اللعنة عليَّ وعليك إلى يوم الدين ... آمينْ آمينْ ربَّ العالمينْ ... رددتُ وأنا أتثاءبُ مستسلما ً لسلطان الكرى المخيف ]].
الجمعة، سبتمبر 05، 2008
سينسين
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق