سامح عوده
بمناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ..
قراءة في كتاب إعلاميات فلسطينيات: تجربة وإبداع
شكلت المرأة الفلسطينية عبر تاريخٍ طويل من العطاء، نموذجاً فريداً، راقياً، يستحقُ الثناء، والتقدير، بحكم الظروف الخاصة التي عاشتها والتي كونت لديها وعياً صقل شخصيتها، وأضاف إلى عقليتها بعداً ذهنياً، تمثل في فتح كل الأبواب المحكمة الإقفال التي كانت مغلقةً في وجهها، وبحنكةٍ عاليةٍ وبإصرار على مواكبة كل جديد ارتقت بنفسها، واستطاعت أن تواجه كل مورثٍ خاطئ، كان يشكل عائقاً أمام طموحها، ويحدُ من استمراريتها، إن الحالة " الديناميكية " التي خلقتها المرأة الفلسطينية في المجتمع شكلت أساس النهوض للأجيال القادمة، فمن خلال استعراض لأوراق قرنٍ مضى نلاحظُ بما لا يدعُ مجالاً للشك أنها استطاعت أن تكتبَ بما قدمته من عطاءات، وتضحيات، اسمها على كل ورقة من أوراقه، وفي سائر المجالات، علمية، أدبية، نضالية، سياسية، فهي الأم، والمناضلة، والثائرة، وهي الأكاديمية الجامعية، ووو .... وهي نصف المجتمع الذي لا يمكن الاستغناءُ عنه .. !!
المجتمع الفلسطيني حتى الآن لم يذق طعم الأمان المتوافر في المجتمعات الأخرى بسب الاحتلال الذي مازال َ جاثماً على الأرض، وبالتأكيد عندما نتحدث عن المجتمع الفلسطيني فإننا لا نتحدثُ عن لوحة بيضاء واضحة المعالم، إننا نتحدث عن لوحة، تتداخل فيها الألوان لدرجة أنه لا يمكن الفصل بين اللون والآخر، وتداخل الألوان يجعلك حائراً عند النقطة التي وصلتَ إليها، وحتى لا نغرقُ في التأويل كثيرا فإن المرأة الفلسطينية بحكم تعقيدات الظروف المحيطة بها، ومصاعب الحياة التي أرهقت كاهلها، جعلت من تلك المصاعب سلماً نحو الارتقاء بوضعها، ووضع أسرتها، فكثيراً ما حرمتها الظروف من الزوج، بسبب الاستشهاد، أو الاعتقال، ومع ذلك استطاعت أن تكون أباً وأماً في الوقت نفسه، وأن توفر لقمة العيش للبيت دون أن يمس شرفها وكرامتها، وتتابع مسيرتها التعليمة، فتحصل على أعلى المؤهلات، الأمر الذي انعكس إيجاباً على وضع الأبناء ..
كتاب إعلاميات فلسطينيات، تجربة وإبداع، الذي صدر العام الماضي 2008 م، من الكتب التي سلطت الضوء على جانب مهم في عمل المرأة الفلسطينية في مجال الإعلام، التي وصلت إلى آخر الدنيا بفضل تكنولوجيا الإعلام المرئي، والمسموع، والمكتوب، ونتيجة للظروف القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، فقد استطاعت نجمات الإعلام الفلسطيني أن يكن في موقع الحدث، جنباً إلى جنب مع الرجل، بالرغم من كل ما يحيط بهن من أخطار، يبدو أن إرادة التصميم على إثبات الذات كانت حافزاً نحو اقتحام المرأة الفلسطينية ميدان الإعلام بالرغم من خصوصيته وحساسيته ..
الكتاب هو للكاتبة والإعلامية " نبال ثوابتة " وهي كاتبة وصحافية فلسطينية، وقد صدر الكتاب عن " مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان " ، وهو يأتي ضمن سلسة الكتب التي يصدرها سنوياً، في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتسامح، بالتأكيد المكتبة الفلسطينية فيها الاف الكتب التي صدرت خلال الأعوام الماضية، عن مراكز مشابهة، ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى، ربما كان الدافعُ البحث عن تمويل فقط ..!! إلا أنني ومن خلال متابعتي لمنشورات المركز وجدت فيها ما يفيد الباحث الفلسطيني، بل وحتى العربي، فقد شاهدت نموذجا من الكتب والدوريات، التي اختيرت بعناية، وهذا الكتاب الذي صدر عن المركز، ونحن بصدد تسليط الضوء عليه يمكن أن يكون شهادة للمركز يمكن للقارئ أن يتأكد منها بنفسه من خلال الرجوع إلى الكتب ..
مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان " أسسته مجموعة من الباحثين، والأكاديميين، والمحامين، والناشطين في قضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وهو مركز مستقل، لا ينخرط في أنشطة تؤثر على حياديته، واستقلاله، يسعى المركز إلى نشر ثقافة التسامح والمواطنة المستندة على مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان، رسالة المركز تقوم على أساس دعم حقوق الإنسان ومناصرتها، وسيادة القانون في فلسطين على طريق إرساء دعائم مجتمع مدني فلسطيني قوي ومؤثر، ويعمل المركز بشكل رئيس على تعزيز المفاهيم التالية في الثقافة الفلسطينية : التسامح، التعليم الحر، حرية الرأي والتعبير، والحكم الصالح " يمكن للمهتمين التعرف على المركز أكثر من خلال الشبكة العنكبوتية عبر محركات البحث المختلفة .
يقع الكتاب في مئة وستين صفحة من القطع المتوسط، قُسم إلى خمسة أبواب، اعتمد على منهجية علمية من خلال تقسيم الإعلام الفلسطيني إلى قطاعات مختلفة، واختيار نموذج من كل قطاع ليسلط عليه الضوء ضمن الدراسة، بحيث واكب الكتاب، تنوعات الإعلام وتداخلاته، مرئي، مسموع، مكتوب، الكتروني، ويتنوع بين الرسمي، وشبه الرسمي، والخاص، والعالمي، واختيرت اما امرأة أو أكثر لتمثل كل من قطاعات الإعلام المختلفة ليسلط الضوء على تجربتها، والكتاب يقسمها كما يلي :
· الإعلام الحكومي : " الإذاعة والتلفزيون " : اختيرت مها عواد من صوت، وهبة عكيله التي عملت لسنوات في تلفزيون فلسطين قبل أن تنتقل إلى قناة " الجزيرة " .
· الإعلام العربي : اختيرت شرين أبو عاقلة من قناة الجزيرة، ورهام عبد الكريم من قناة العربية .
· الصحف المحلية : نائلة خليل .
· الوكالات العالمية : وفاء عمرو من رويترز، وماجدة البطش من وكالة الإنباء الفرنسية .
· الإذاعات المحلية : اختيرت ميسون مناصرة من راديو أجيال .
· وكالات ومحطات تلفزة محلية : أختيرت ناهد أبو طعمة .
· محطات الإذاعة المحلية : أختيرت الفت حداد من راديو سوا .
· الإعلاميات المستقلات : أختيرت دنيا الأمل إسماعيل .
يعرض الكتاب منهجية الدراسة التي اعتمدت على المقابلة المباشرة، والمسجلة صوتياً، حيث تم تحريرها ورقياً فيما بعد، بعد أن تمت مراجعتها من قبل الإعلاميات صاحبات العلاقة قبل النشر، وتقع أسئلة المقابلة في تسعة عشر سؤلاً، برأيي كانت شاملة بحيث يعتمد عليها في إعطاء صورة واقعية لعمل المرأة الفلسطينية في مجال الإعلام بكل تناقضاته، من حيث البدايات، والآفاق، وحرية التعبير، وطبيعة المجتمع، والعوائق التي تواجه الإعلامية على أكثر من صعيد .
وبعد أن تم تفريغ معلومات المقابلة خرجت على شكل قصة خاصة بكل إعلامية من الإعلاميات اللواتي تمت مقابلتهن، بالتأكيد سوف تجد بين سطور كل مقابلة في الكتاب، قصصاً وحكايات، فيها التعب، وفيها العجب، وفيها إرادة وتصميم للارتقاء نحو الأفضل، في كل مقابلة من المقابلات يظهر كيف صقلت كل تجربة بالخبرات المطلوبة كي تخرج إلى النور ، ذللت الصعاب، وجعلت من تجربتها العلمية، وتجربتها المهنية، أساساً كي تستحق لقب إعلامية مهنية بجدارة، وبعد تفريغ أسئلة المقابلة التسعة عشر تم إخراجها مكتوبةً بحيث دمجت في اثني عشر محورا وهي : البدايات، استحقاقات الافضل، المجتمع وحرية الرأي، الحياة الاجتماعية، الرجل المسؤول، الشخصيات السياسية والاعتبارية، رئيسات التحرير وكاتبات العامود، الأحزاب السياسية، الرقابة والنشر، التهديدات وحرية الرأي، رجال الدين، دور النقابة والوزارة ، شمولية المحاور وسلاستها أضاف جمالية أخرى للكتاب ليجع القارئ منسجماً أكثر مع المحاور المطروحة .
ويتطرق الكتاب أيضاً في موضوعين منفصلين إلى ذكر الإعلاميات في فلسطين ، من حيث، الاسم، طبيعة العمل، المؤسسة العاملة فيها، سنوات العمل، وهذا الباب في جزئين منفصلين، الجزء الأول يذكر إعلاميات الضفة الغربية، والجزء الثاني يذكر إعلاميات قطاع غزة، وهذان الموضوعان وان كانا عرضا بطريقة مبسطة إلا أنهما يسلطان الضوء على حجم الإعلاميات في فلسطين.
إعلاميات فلسطينيات تجربة وإبداع، من الكتب النادرة في المكتبة الفلسطينية، ربما يكون الوحيد في مجال المرأة والإعلام الذي جاء على هذا النحو، وهو شمعة أولى في درب الإعلامية الفلسطينية، لذا أرى من الضروري أن يتابع المركز مسيرته في هذا المجال كي يضيء شموعاً أخرى في نفس الدرب، كي يكون إطلالة أوسع للمهتمين بقضايا المرأة وواقعها في فلسطين، بل وربما ستساهم هذه الكتب إذا ما خرجت إلى النور في جذب انتباه المهتمين بدراسات المرأة خاصة في الدراسات العليا، " ماجستير " و دكتوراه من خلال توفير مراجع لدراساتهم المختلفة، خاصة وأن برامج دراسات المرأة في الجامعات الفلسطينية تشهد إقبالا كبيرا عليها .
من النقاط التي كنتُ أود أن تكون موجودة على غلاف الكتاب أن يكون هذا العمل بعد كتابته وإخراجه بشكل نهائي أن يكون العمل مشتركا بين كاتب وكاتبة، وهذا لا يعني بالمطلق انتقاصاً من قدرات الكاتبة نبال ثوابته، بالعكس، هي شهادة من الرجل لها ولجلالة العمل الذي قامت به، بدعم من المركز وفريق العمل الذي شاركها في إخراج الكتاب إلى حيز النور، قد تكون هذه الملاحظة ليست ذات أهمية إنما تبقى وجهة نظر .
إعلاميات فلسطينيات تجربة وإبداع، هو اعتراف بقيمة المرأة الفلسطينية، ومدى مواكبتها لتطوير ذاتها، وتعبير عن قيمة الشراكة مع الرجل في اقتحامها لأدق المجالات واعقدها، والإعلام ليس صورة هنا أو خبرا هناك، إنما هو علم معقد كباقي العلوم، والعمل فيه يحتاج إلى اقتحام حقول من الألغام كي تفلح في النجاح، لو خيرت أن اكتب إهداءً على الصفحة الأولى للكتاب سأكتب عليه " إهداء للمرأة الفلسطينية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الفلسطينية"، ثقتي بأن تواكب مراكز البحث موضوع الكتاب وتقدم شيئاً جديداً يضاف لعطاءات المرأة الإعلامية وفعالياتها .
الخميس، مارس 05، 2009
المرأة الفلسطينية نموذج عطاء، واستمرارية نحو الإبداع
Labels:
سامح عودة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق