الأحد، أغسطس 02، 2009

أرملة ... على الشاطئ

نبيل عودة

تمددت السيدة الأرملة الجديدة على شاطئ البحر الذهبي تتسفع تحت أشعة الشمس ، لتكسب بشرتها البيضاء لونا برونزيا فتيا جذابا وجديدا ، لعلها تحظى ببداية جديدة ، إذ سمعت من خبيرة علاقات بين الجنسين تقول أن اللون البرونزي يعتبر أكثر الألوان جاذبية وسحرا ومثيرا للشهوة بعين الرجال.
مضت أربعون يوما على دفن زوجها ، وضاقت ذرعا بأجواء المأتم من والديه وأبناء عائلته . وها هي تحت شمس الله تبدأ مشوارا جديدا في حياتها ، يملأها الأمل أن تحظى باهتمام .. نظرة فابتسامة فحديث ففرح .
بدأت بشرتها تميل إلى الاحمرار الشديد ، رغم مختلف أنواع كريمات التسفع التي طلت بشرتها بها..ولكنها على ثقة أن اللون البرونزي سيعلو على بشرتها البيضاء عاجلا أم آجلا .. وعندها ستلفت نظر الأعمى ...
مضت أيام .. وهي ملتزمة بالحضور يوميا للشاطئ .. تفرد فوطتها الحمراء القانية المطرزة بورود صفراء على محيطها مما يجعلها بحد ذاتها ملفتة للنظر. وتجيل نظراتها في الرجال من حولها ، وتبني في ذهنها آلاف البدايات ، وتتخيل الأجسام البرونزية الممشوقة والقوية العضلات التي تملأ الشاطئ ، فتكاد تشعر بقوة ذراعين تجعل عظامها تطقطق من ألم تشتهيه ولا تجد إليه سبيلا.
كانت تقول لنفسها إن وجودها المتكرر يوميا لوحدها ، في زاوية بعيدة نسبيا عن سائر المتسفعين والمتسفعات هي دعوة واضحة لمن في عينيه بصر،أن يقترب منها لمشاكستها وجس نبضها .
بدأت تلحظ أن بشرتها تكتسب اللون المرجو .. ولكن ببطء .. ومع ذلك سرها تغير لون بشرتها الناصعة البياض وكأنها فتاة ثلج سيبيرية.
بعد أسبوعين من المعاناة اتخذت قرارا خطيرا .. أن ترتدي مايوه بيكيني أصغر من مقاسها ، ليظهر مفاتنها التي تضاهي مفاتن امرأة لا تتعدى الثلاثين ، رغم أنها اقتربت من العقد الخامس من عمرها المديد .
كان يسرها أن مفاتنها لم يهلكها الزمن وكثرة الاستعمال. كانت ترعى بشرتها وكأنها الثروة الوحيدة التي تملكها . وها هو جهدها يثبت نفسه بعد ترملها ، ولكن الرجل لا يبان . . والحلم يتعثر على رمال الشاطئ ، وجسدها الممدد والمحفوظ لا يلفت إلا أنظار بعض المراهقين ، وهي تريد رجلا وليس لعبة ...
واصلت القدوم يوميا بإصرار وثقة أن الأمنيات تتعوق ولكنها لا تختفي ولا تنتهي ولا تزول ، ولكل أمنية يومها القادم لا محالة ، فلتتسلح بالصبر ، ما لزارع إلا ونبت زرعه ، ولتتسلح بالثقة بجمالها البارز عبر تفاصيل المايوه البكيني الضيق نمرتين.
كانت تتقلب على نار .. وهي ممددة فوق فوطتها الحمراء ..وتقوم بحركات مدروسة ، إذ تمد ساقا ساقا لتدهنها بالكريمات بحركة فيها استفزاز للجنس ألذكوري .. ولكن يبدو أن الذكور تصاب بالتخمة على شاطئ فيه من فواكه الجنة ما يفوق التصور .
ورغم تعوق حدوث ما لا يفارق مخيلتها ، إلا أنها ظلت متفائلة أن يأتي زغلول لينق لوزتيها .
في بداية الأسبوع الرابع اتخذت قرارا بالغ الخطورة أكثر من قرار المايوه البكيني الضيق. قررت أن لا تكتفي بالانتظار ، بل أن تختار هدفها وتبادره ، لعلها بذلك تخلص الرجولة على الشاطئ من تخمتها .
تمددت على الشاطئ ترصد صيدا مناسبا .ولم تنتبه انه على مسافة مترين بجوارها ، بعيدا عن الآخرين ، يتمدد رجل يقاربها في الجيل ، ويبدو قوي البنية ، وبصحة ممتازة وجسم جيد المبنى ، وساقين عضليتين ، البرونز كما يبدو هو لونه الطبيعي ...
تقلبت وتحركت وغيرت زوايا تمددها من الجنب إلى الجنب الآخر، من الاستلقاء ووجهها نحو السماء إلى الاستلقاء وظهرها نحو السماء مظهرة انحدار الفخذين من نقطة لا تبعد كثيرا عن منطقة الخصر مما يجعل المخفي أكثر إغراء من الظاهر..
كان جارها الذي يستجيب للنقاط المرجوة التي حددتها في صفات الرجل الملائم لها ، يتطلع إلى السماء بلا انقطاع ، وكأنه يترقب هبوط شيء إليه . ورغم كل حركاتها ، بل وبعض أصوات التأوه التي أطلقتها ، إلا انه لم يكلف نفسه عناء إلقاء نظرة واحدة إلى جهتها ليعرف سر تأوهاتها المتكررة ، وحركاتها المتواصلة وكأنها تقرع بابا وتنتظر الدعوة إلى الدخول. .
قالت لنفسها:" يجب أن أبدأ وإلا ستضيع الفرصة مني ".
جلست ونظرت إليه بقوة وجرأة نادرة لا سابق معرفة لها بها في نفسها.
كادت تقول له : " انزل نظراتك من السماء . ما على الأرض أقرب لك .. انظر إلى يسارك تجد امرأة متكاملة ناضجة حان وقت قطافها ".
ولكنها لم تكن قد قررت أن تقوم بمثل تلك الخطوة الجريئة . غير أن رأيها استقر على شيء آخر.
تنحنحت ، فلم يغير وضعيته . أخرجت علبة كريم وبدأت تطلي ساقيها ويديها وصدرها لدرجة بدا وكأن نهديها سيقفزان احتجاجا على هذا التضييق ألاحتلالي داخل أسوار العزل لحمالة الصدر.
ومع ذلك لم يكن ما يجري بلصقه يحرك جموده وثبات نظراته نحو السماء.
"لو كان فيه حس سليم لشعر بتوهج جارته" ، كما قالت لنفسها وهي حائرة بين البكاء على نصيبها الأسود أو اللجوء لحيلة جديدة .
وبرقت عيناها . أخرجت زجاجة ماء باردة من حقيبتها، وبادرته بجرأة فاجأتها ولا تعرف لها سابقة في حياتها:
- هل تريد كأس ماء ..؟
التفت إليها أخيرا فانبسطت أساريرها . كانت ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه .شعرت بالارتعاش من نظرته إليها.
- أجل شكرا لك .
قال باقتضاب ، مدت له كأس ماء فاقترب منها لتناول الكأس ولامست أصابعه أصابعها وهو يتناول كأس الماء البارد ويشربها بلذة واضحة .
- هل تريد كأسا أخرى ..
- شكرا لك .. يكفي .
وفورا واصلت هجومها :
- لم أرك هنا في السابق ؟
- حقا إنا جديد هنا .
- هل كنت تصطاف في شواطئ أخرى؟
- لا أبدا .. انا ابن هذه المدينة
- إذن لماذا لم أرك سابقا في هذا الشاطئ؟
- كنت مسجونا .. قضيت في السجن عشرين عاما.
- اوه .. حقا ؟ لماذا ؟
- لأني قتلت زوجتي .
- اوه .. حسنا ، إذن أنت غير مرتبط بامرأة اليوم ؟!


نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات: