الخميس، أغسطس 13، 2009

خارج الحدود

محمد محمد على جنيدي

لم تنعم بحنان الأمِّ فقد اصطفاها الله إلى جواره وهي لم تتجاوز ربيعها الأوَّل ، لها ثلاثة إخوة يكبرونها ، وفوقهم جميعاً الأخت الكبرى ( سلمى ) - أيضاً - لم تتجاوز رؤيتها لأبيها أصابع اليدِّ الواحدة ، لأنَّه كان دائماً - خارج الحدود - يبحث عن قوت أُسرته ، هكذا بدأتْ سحر حياتها ، وهي آخر العنقود لأسرة فقيرة مُتَدَيِّنة تُقيم بإحدى شوارع ضاحية شبرا – ولكن – مع كُلّ هذا فقد حباها الله بجمالٍ لا يُضاهيه جمال ، فكم كانت ممشوقة القوام ناضرة الطَّلعة .. ساحرة العينين .

وفي ذات يومٍ .. فاجأتْ سحر أُختها الكبرى سلمى بقولها: ألا تسمعين أجمل خبر في الحياة لأُختك ، قالت لها: خيراً يا بُنيَّتي ، فقالت: قَبِلُوا ترشيحي في مُسابقة ملكة جمال مصر وإن شاء الله أنا الملكة أليس كذلك ؟.. حقيقة كُلُّ الأعضاء المُنظِّمين للمسابقة بشَّروني بهذا ، ما رأيك في جمالي( يا سلُّومتي) ؟! – وهنا – قَيَّد الصَّمت لسان سلمى ولكنَّها عادتْ بعد حيرة تقول: سامحكِ الله يا سحر .. أقبلتي أن تستبيحكِ الأعين فيما يُغضب ربُّك ألا تخافين من عاقبة السَّير في هذه المُغامرة ، وهنا قاطعتها سحر قائلة: مُغامرة !! ثمَّ ضحكتْ وقالت: نحن الآن في عالم مفتوح ألا تُشاهدين الفضائيَّات يا سلمى ، ثمَّ هَمَّتْ بالانصراف ولكن سلمى عاجلتها قائلة: يا بنيتي .. يجب على كُلِّ إنسان أن يحترم عاداته وقيمه وبيئته ، وليتك تأخُذين هذا الأمر من باب ( اتَّقُوا الشُّبهات ) – لكن – سحر كانت قد اتَّخذتْ قراراً بالمُشاركة فأنهتْ الحوار بينهما بقولها: لا بأس يا أُختي .. دعيني أُجرِّب .

الطَّريف أنَّه أُعلن خلال نفس الفترة عن مُسابقة أُخرى تحت عنوان ( ملكة جمال الأخلاق ) ، والأطرف أنَّ الجيران لإعجابهم بدور سلمى في خدمة أُسرتها ولرغبتهم في إسعادها تقدَّموا نيابة عنها بطلب مُشاركة لِلَّجنة المُنظِّمة للمُسابقة وهي لا تعلم شيئاً عن هذا ، حَتَّى أتاها خطاب يفيد بإرسال سيرتها لهيئة تحكيم المُسابقة فتجاوبتْ مع الحدث احتراماً لرغبة مُحبيها ، وبالفعل أخذتْ سيرتها تجتاز مراحل المُسابقة بنجاح .

في ذات يومٍ .. وبعد أن اجتازت الصَّغيرة أيضاً المراحل النَّهائيَّة لمُسابقتها واقتربتْ مِنْ مَنصَّة التَّتْويج ، إذا بها تأتي أُختها الكبرى سلمى – وقد التزمتْ الصَّمت – فاحتضنتها سلمى بحنو الأُمِّ على صغيرتها ، واجتهدتْ معها لتُصارحها بمشكلتها – دون جدوى – ولكنها بعد مرور وقتٍ لاذ كلاهما فيه بالصَّمت ، قالت سحر: ماما سلمى .. أنا بخير لا تخافي ولكنَّني لن أُكمل هذه المُسابقة ، الخجل يعتصرني ، أشعر أنَّ العيون تخترق جسدي – أيضاً – هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الإفصاح عنها لأنَّها لم تتجاوز مراحل الشَّك القوي فيمن يُحيطون بي – صحيح – كان رأيك يا أُختي ، وبالفعل قد يُفلح مع هذا المناخ غيري ولكنَّني وأمثالي ليس هذا طريقنا وليست هذه بيئتنا .. ثمَّ انخرطتْ في البكاء مُسْتَلْقِيَةً على صدر أُختها وأخذتْ تُرَدِّدُ .. معاتبةً نفسها: لقد تجاوزتُ حُدودي .. لقد تجاوزت حدودي !!

ليست هناك تعليقات: