الجمعة، أغسطس 21، 2009

قصة الفنانة 2

انطوني ولسن
استراليا

(2)


وصلنا في نهاية الجزء الأول ان سلوى فوجئت بوجود والدها في المنزل وظنت انه جاء ليخبرها بنجاحها وانه استطاع ان يجد لها وظيفة وكيل النائب العام.. ولكنها لاحظت انه «والدها» في غرفة الجلوس.. معنى هذا، وجود ضيوف.. يا ترى من هم؟!..

ونواصل اليوم مع الجزء الثاني من القصة..

لم يطل بها الحديث مع نفسها،لان والدتها جاءت من غرفة الجلوس والفرح باد عليها، مادة يديها لتضمها الى صدرها..

- مبروك يا سلوى.. مبروك يا حبيبتي.. الف مبروك.

- مرسيه يا ماما.. مرسيه.

- عقبال ما افرح بفرحك يا بنتي يا حبيبتي..

- طبعا يا ماما.. باذن الله.. ماما.. ايه اللي جاب بابا دلوقتي.. مش زي عوايده.

- اصلو فيه دكتور كان تلميذ بابا في الكلية ايام ما كان استاذ في كلية الطب. التلميذ ده سافر بلاد بره بعد ما تخرج وبقى دكتور.. افتكر سافر استراليا.. لكن برضه قرايب يا بنتي.

- علشان كده بابا راح استناه في المطار وجابه هنا.. هو مالوش اهل هنا.

- ايه!.. انت ح تشتغلي صحفية.. ولاح تشتغلي وكيلة نيابة.

- لا ابدا يا ماما.. بس فضول مش اكتر من كده.

- - طب تعالي سلمي عليه.. وكمان بابا عايز يبارك لك.

دخلت سلوى مع والدتها الى غرفة الاستقبال.. فنهض الدكتور عزت ووالدها الذي قدمهما للتعارف.

- سلوى الف مبروك.. انا كنت متوقع امتياز.. لكن معلهش جيد جدا مش بطال.. تعالى اعرفك على الدكتور عزت الاسيوطي، تلميذي ايام ماكان في كلية الطب وكمان قريبي.

تقدم الدكتور عزت مادا يده مصافحا في مودة وبشاشة واضعا يده اليمنى في يدها، فربت بيده اليسرى فوق ظهر يدها وهو يهنئها.

-مبروك يا آنسة سلوى.. يظهر ان وشي حلو عليكي، مش كده برضه.. الف مبروك.

نظرت سلوى في عينيه، لم تلاحظ ما يحاول الناس رسمه في عيونهم عندما يمسكون يد امرأة ويصافحونها بهذه الطريقة. بل رأت عيونا هادئة لا تمثيل فيها.. وماذا ايضا؟! أحسّت بدفء وضخامة الكف واحتوائها ليدها. وايضا اليد الاخرى وربتها على يدها، له دليل على أن صاحبها رجل يعبر عن مشاعره ببساطة دون تكلف بخاصة اذا كانت هذه اول مرة يراها فيها.

جلست وجاء «الشغال» باكواب الشربات مباركا لنجاحها المنتظر.. عرفت من خلال الحديث ان الدكتور عزت قد نال درجة التخصص في الجراحة العامة من احدى جامعات انجلترا، وان له «عيادة» خاصة في مدينة سيدني/استراليا.

لم تكن سلوى من مشجعي الهروب من الأمر الواقع في مصر. كانت تعتبر من تركها، لا يستحق ان تطأ قدمه ارضها مرى اخرى. انه مطرود، لانه الابن العاق. الابن الذي لم يحتمل الازمة التي تمر بها امه، يتركها ويهرب ويبحث عن نفسه فقط، تاركا اخوة واخوات له في اشد الحاجة الى مساعدته المادية والمعنوية.

طبيب مثل هذا.. ذهب الى انجلترا واضاف الى معلوماته ودراساته الطبية، معلومات ودراسات اخرى تجعله يتخصص في الجراحة العامة، لماذا يترك بلده ويذهب الى بلد مثل استراليا، التي لا تعرف اين تقع على الخريطة؟ على الرغم انها درستها يوما عندما كانت تدرس مادة الجغرافيا؟ كم تبعد هذه الاستراليا عن مصر؟ كم يقضي من وقت في الطائرة ليصل هناك؟ أو يأتي هنا الى مصر؟ ماذا في استراليا او غير استراليا ليس موجود في مصرنا الحبيبة؟ كانت تتخيل وتتأمل اذا اراد انسان ان يترك بلده من اجل العمل، عليه ان يذهب الى اي بلد عربي، لانهم اولى به، وهو انفع لهم. لماذا يعمل العرب على جلب الاطباء والخبراء والفنيين من الدول الغربية، بينما في كل دولة منهم، من هم على جانب كبير جدا من المقدرة والذكاء والمعرفة في كل فروع الحياة؟ واكبر دليل على ذلك نجاح هؤلاء في الدول الغربية.

مثلا هذا الطبيب، لماذا يذهب الى استراليا ولا يبقى في القاهرة لمعالجة اهله وناسه؟ ام علاج الخواجات مثمر و الطريق ليصير مليونير اسهل هناك؟ كانت تفكر وهو يتابع حديثه مع والدها عن استراليا، موضحا الكثير من المميزات والأشياء الحسنة الجميلة فيها. لم يطل بها التفكير، فقد قرّرت ان توجه سؤالا مباشراً الى الدكتورعزت.

- دكتور عزت.. اسمح لي اسألك..

- بكل ممنونية.. تفضلي.

- انت ح تشتغلي صحفية والا وكيلة نيابة من اول يوم.

- انا لسه قاييلها الكلام ده بره.. بس انت عارف سلوى بنتك تحب تستفسر عن كل حاجة مش عارفاها.

- ابدا يا بابا انت وماما.. انا لا رح اشتغل صحفية وطبعاً لا يمكن اشتغل وكيلة نيابة لأني من الجنس الناعم زي ما بيقولوا. لكن كلام الدكتور عزت دلوقتي عن استراليا واللي حتى لا اعرف هي فين، ومدحه فيها وكأنه بيتغزل في واحدة واقع في غرامها، مش بلد.. لا اظن استراليا احسن من مصر او اي بلد عربي.

- سلوى عيب.. مش من اول مرة تشوفي فيها الدكتور تتكلمي معاه بالشكل ده.

- ماما لا مؤاخذة.. انا بتكلم مع الدكتور عزت وعايزة أسأله سؤال واحد وبس.. بعد اذنك.

- اتفضلي يا آنسة سلوى اسألي.. وصدقيني اجابتي عن كل اسئلتك حاتكون بكل صراحة.

- جميل.. انا احب الصراحة.. وده اللي خلاني اتجرأ وأسأل.. دكتور.. انت راجل باين عليك ممتاز في مهنتك.. واهتمام بابا له معنى واحد عندي، انك كنت في الجامعة من المهتمين بدراستك ومن الأوائل. مش شايف حضرتك انك بذكاءك وامتيازك ونجاحك في مهنة الطب وهروبك بكل هذه الامتيازات وخروجك من مصر والذهاب الى اي بلد غير عربي على الاقل.. فيه اهانة ليك ولينا!!..

- مش قادر افهم ايه اللي انت عايزه تقوليه..

- مصيبة ثانية يا دكتور.. انت بقالك ادايه خارج مصر..

-حوالى خمس سنوات..

- طبعا حتى اللغة نسيتها.. مش قادر تفهم سؤالي..

- عفوا يا آنسة.. انا لم انس اللغة.. لكن انا التبس علي الامر.. مش عارف ايه اللي بتقصديه بكلمة اهانة لي ولكم..

- سلوى مش وقته دلوقتي. الدكتور جاي من مكان بعيد ومش مستعد للمناقشات الحامية بتاعتك.

- لا ابدا يا عمي.. اسمح لي حضرتك اني اكمل المناقشة اللي بدأتها الآنسة سلوى، لاني حاسس ان فيه حاجات يمكن تكون غايبه عني او عنها.

- في منتهى البساطة.. قانون الجمارك بيحرم الخروج من مصر الا بما هو مسموح به.. وما زاد عن ذلك يعتبر تهريب، ويحاكم صاحبه تحت هذا البند، على الرغم من ان ما اخذه معه ملكه.. بتاعه شخصيا شيء تعب فيه العمر كله ومن حقه انه يأخذه معه، اي مكان بروحه.. مش كده برضه.

- الى حد ما، لكن اذا اعتبرنا ده كده، معنى هذا ان المهربين وتجار السوق السوداء يستغلوا هذا وينهبوا البلد.

- كويس جدا يا دكتور.. يعني انت موافق على ان اخذ ما يزيد يعتبر تهريب.

- نعم طبعا موافق.

- عال.. حضرتك بكل امتيازاتك المهنية كطبيب درست هنا.. سواء من جيبك او من الدولة.. المهم ان الاساتذة هنا في مصر.. وكنت زيك زي اي طالب في الكلية.

- لا.. لا يا سلوى يا بنتي.. عزت ما كانش زيه زي اي طالب في الكلية. كان دائماً متفوق ومن الاوائل ومن محبي مهنته.. الطب.

- وكمان من محبي مهنة الطب. دا يزود الطينة بلة يا سي بابا. المهنة الانسانية اللي تعادل مهمتها مهمة الرسل اللي بيعالجوا الناس روحياً.

- سلوى.. مش بالشكل ده.. يكون الكلام.

- " طنط " ..اسمحي لي، كلام سالي.. لا مواخذه اسمحي لي ان اناديكي بالاسم ده لاني حاسس انه اسهل.

- مش مهم.. اتفضل عايز تقول ايه.

- حيلك.. حيلك يا سالي.. المسألة مش بالصورة اللي انت مكبراها في عقلك كده.. المسألة ابسط من كده بكتير. اولا فهميني في هدوء اللي انت عايزه تقوليه، وبعدين ناخد وندى مع بعض. اتكلمتي عن التهريب والجمارك.. طيب ده ايه علاقته بي.. انا سايب اموال بابا في مصر.. وما اخدتش منها حاجة حتى احتياجاتي في انجلترا ايام دراستي هناك كنت باشتغل عا شان يكون معايا مصاريف الجامعة. على الرغم من ان الحالة والحمدلله مستورة. بابا كان قادر يصرف علي وانا هناك في انجلترا او في اي بلد في العالم. لكن انا باحب الاعتماد على الله وعلى نفسي. فانا ما سرقتش حاجة واخذتها معايا بره..

- لا.. لا يادكتور عزت.. انت وضعك بالضبط وضع المهرب زي ما قلت ان ما يزيد عن المسموح به فهو تهريب.

- طيب وايه الزيادة اللي واخدها معايا!!

-آه.. ايه الزيادة اللي عندك.. ذكاءك يا دكتور، مهارتك في مهنة الطب.. امتيازك في هذا التخصص، كونك طبيب واخصائي جراحة اعطاك صفة الغني.. انت غني جدا.. آلاف من الأطباء في مصر ليس لديهم هذا الغناء العقلي.. وبعدين تقولي انك مش مُهرب.

- بس يا سلوى انابرضه زي الدكتور عزت مش فاهم ايه اللي انت عايزة توصلي له.

- يا بابا في منتهى البساطة.. كل الاكفاء عندنا في مصر.. ان كانوا أطباء او مهندسين او صيادلة او اي خريج جامعة وله كفاءة معينة ولا تستفيد منها مصر.. فهو مُهرب.. هرب هذه الكفاءة واعطاها للغير بينما بلده، وطنه في اشد الحاجة لها.. تمام مثل الأموال التي تزيد عن المسموح به ويخرج بها اصحابها. على الرغم اننا متفقون انها اموالهم.. الا انها تزيد عن الحد المسموح به وتعتبر مهربة.

- لكن يا سلوى لا يوجد قانون يحدد ذكاء الانسان ويمنعه من الخروج اذا كان من الاذكياء.

- ياما.. فيه ناس كتير اذكياء، لكن لا يستغلون ذكاءهم فيما هو صالح، انا اقصد الكفاءات عامة.. يجب على الدولة ان تضع قانون يحرم تلك الكفاءات من الخروج مثل الأموال. البلد في حاجة الى كفاءات زي ما هي في حاجة الى اموال.

- انا فهمت انت عايزه تقولي ايه.. برافو سالي.. انا معجب بتفكيرك وبوطنيتك، لكن فيه حاجات كتير.. كتير جدا مش حا تحسي بيها او تفهيمها الا لما تنزلي معترك الحياة. لما تبدأي العمل. وخاصة العمل الحر. تكوني مثلا محامية عندك مكتب وحدك وتاخدي قضايا الناس والدفاع عنهم من مكتبك. او اذا اشتغلتي في الحكومة وواجهتي المشاكل والمصاعب اللي تخليكي تتمني تحطيم كل ما هو حولك من قوانين وروتين وسلبية.. صدقيني يا سالي .. انا وغيري مش اقل منك وطنية او حب للوطن العربي. لكن الصراعات بين الدول العربية بعضها مع بعض. والخلافات غير الموجودة الا في منطقتنا فقط. كل رئيس وملك يظن في نفسه انه إله.. لا كلمة تعلو على كلمته ولا صوت يعلو على صوته. الحكام والحاشية تعيش والباقي مش مهم. مأساة يا آنسة سلوى مأساة . عشت انا شخصيا جزءا كبيرا منها وعانيت الكثير في مصر واعرف من عانى اكتر واكتر مني.. صدقيني كل واحد في الخارج يتمنى انه يقوم بالعمل اللي بيقوم بيه في وطنه.. في بلده..

- حيلك انت وهي..

(يتبع)

ليست هناك تعليقات: