الخميس، أغسطس 06، 2009

زفة العروس ـ الأخيرة

انطوني ولسن

أمر بسرعة بتطهير «السرنجة» بوضعها في ماء مغلي واخرج من حقيبته الكبيرة علبة تحتوي على مجموعة من «الحقن».. بعدها اخرج زجاجة بها سائل احمر «صبغة يود» وقطع قطن صغيرة كثيرة وربطة من «الشاش» الأبيض الذي تحول لونه الى اللون الاصفر.

ركع على ركبتيه وهو يمسح «البن» من فوق جراح نعيمة.. واخذ ينظفها باستخدام مادة «السبرتو» ثم وضع مادة «صبغة اليود» على كل جرح سواء كان قد توقف عن النزف ام ما زال ينزف الدم منه.. ويبدو ان هذه المادة قوية التأثير على الجروح مؤلمة مما جعل نعيمة «تتململ في رقدتها وتتأوّه تأوهات خافتة».

فرحت شلبية عندما رأت حركة نعيمة واسرع عارف باحضار الاناء الذي به «السرنجة».. وشمرّ الحلاق عن ساعديه وعبأ «الحقنة» وامسك بذراع نعيمة وربطه بقطعة من الجلد المطّاط حتى يبرز «عرقها» وغرز «الابرة» وافرغ ما بداخل «السرنجة» في جسد نعيمة.

فجأة ضرب فتح الله بقدمه الباب ودخل ومعه عدد من اصحابه واعوانه ومن بينهم لا شك الخفير «حمدان».

فتح الله: يا ولاد «الكلب».. ماذا تفعلون.. سأشرب من دمها الفاجرة العاهرة الغازية.. انا كنت متأكداّ أنها هنا.. ولكن كيف استطاعت الدخول ورجالي حول المنزل.. هه.. كيف؟ خبرِّيني ايتها الملعونة. «في ثورة عارمة متجها اليها» لم يستطع رجال بشوارب الوقوف امامي.. تأتين انت ايتها العاهرة الغازية وتتحدّيني. والله لأشرب من دمك..

تسمر حلاق الصحة في مكانه.. انتاب عارف الفزع والخوف ووقف محملقاً في فتح الله، فأغرا فاه دون ان ينبت ببنت شفة. اما المسكينة شلبية، فقد القت بنفسها فوق جسد نعيمة مدافعة عنها حامية لها.

ودوى صوت كالرعد داخل الحجرة وسمعت اصوات اقدام كثيرة في الخارج.. التفت فتح الله ناحية الصوت فوجد والده العمدة الكبير يصرخ فيه قائلا:

العمدة: قف مكانك يا فتح الله وإلاَّ، قسماً بالله العلي العظيم، أُطلق عليك الرصاص.

تسمرّ فتح الله في مكانه واقفا على هيئة نصف دائرة.. لقد كان متجّهاً ناحية نعيمة، وعندما سمع صوت والده ادار جسده نصف دائرة، وبعدها لم يتحرك وكأنه قد تحول الى تمثال.

تقدّم العمدة ناحية نعيمة.. رأى حالتها المتدهورة. تحدَّث الى حلاق الصحة..

العمدة: وانت يا دكتور الا تستطيع ان تفعل شيئا؟

الحلاق: اعطيتها «حقنة» يا حضرة العمدة.. لكن دي محتاجة نقل دم.. المسكينة فقدت دما كثيراً.

يأمر العمدة الخفر بالتوجه الى الوحدة الصحية واحضار طبيب الوحدة ومعه الاسعافات اللازمة لسرعة علاج نعيمة. بعدها يقف امام ولده فتح الله ويقول:

العمدة: ايه الحكاية يا فتح الله.. الدنيا «سايبة» الا يوجد لك ولا هل البلد كبير.. اذا فعلت انت ذلك.. ماذا تنتظر ان يفعل الناس.. قل لي.. الهذا الحد فشلت في تربيتك؟

فتح الله: «ابويا العمدة» انت لا تعرف ماذا فعلت هذه الفاجرة..

العمدة: اخرس.. لا فاجر غيرك انت..

فتح الله: اسمع لي الأول..

العمدة: ماذا تريد ان تقول؟

فتح الله: وانت في المركز كان عارف «واللي معاه» يزفّون البنت فتحية بنت عم الشيخ جلال.. وفي وسط الزحام، قام راح واد نصراني من كفر البلاص.. انت عارفهم ناس كفرة «وما يعرفوش ربنا»..

رفع العمدة يده وبكل قوته نزل بكف يده على وجه ابنه فتح الله وهو يصرخ فيه قائلاً:

العمدة: من انت حتى تقول عليهم هذا القول.. ومن قال لك انهم لا يعرفون الله أو أنهم كفرة.

سُمع صوت نحنحة واحتجاج صادر من الخفير حمدان.. فالتفت اليه العمدة وقال:

العمدة: نعم يا واد يا حمدان.. ماذا تريد ان تقول؟

حمدان: يا حضرة العمدة انا بنفسي حقّقت في الامر وطلع الجدع النصراني هو الحرامي..

العمدة: حققت بنفسك.. المصيبة في هذا البلد ان كل جاهل حمار فاكر نفسه علاّمة وبيفهم.. انت ناسي نفسك انك خفير وبس.. يعني عليك ان ترعى الأمن وتأتمر بما يأمرك به شيخ الخفر، او انا ولا احد آخر.

حمدان: يا حضرة العمدة حضرتك كنت في المركز، وشيخ الخفر كان معاك.. احقق انا في الموضوع؟ ام لا؟..

العمدة: لا يا شاطر تأخذ اسم الشخص الذي سُرقت محفظته والشخص الذي اتهمه وتنتظر حتى احضر انا من المركز وتعرض علي الأمر واقوم انا بالتحقيق.

حمدان»: «وأسيب الواد النصراني يهرب»؟

العمدة: «يهرب يروح فين».. وايضا المحفظة هذه ماذا سيكون بها بضعة قروش لا اكثر ولا اقل..

فتح الله: «يتدخل في الحوار».. لا يا حضرة العمدة.. المحفظة كان فيها خمسون جنيها.

يلتفت الجميع ناحية فتح الله.. يدرك هو الخطأ الذي وقع فيه.. ينظر اليه والده ويطيل النظر.. يرتعب فتح الله ويحاول ان يترك المكان ويجري.. يشير العمدة إلى شيخ الخفر ويأمره بالقاء القبض على ابنه فتح الله.

العمدة:قل ظهر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا..

شيخ الخفر: يا حضرة العمدة «دا ابنك برضه»..

العمدة والبريء ابني ايضا.. فهل يرضيك ان يُظلم احد في بلدي وابناء بلدي؟..

حمدان: لكن يا حضرة العمدة «دا ابنك برضه».. وانا مسكت الحرامي وسجنته في الدار.. جات الراقصة نعيمة وساعدته على الهرب..

العمدة: «متجها الى نعيمة» نعيمة.. هل تسمعينني يا ابنتي؟..

نعيمة: «في صوت خافت» نعم «يا با العمدة»..

العمدة: هل رأيت السارق؟

نعيمة: تومئ برأسها بالإيجاب وتقول، نعم..

العمدة: ومن هو يا نعيمة؟ قولي الحق ولا تخافي احد..

نعمة: «تشير باصبعها الى فتح الله» هو.. هو الحرامي..

العمدة: «يلتفت الى الخفير حمدان».. ماذا تقول يا حمدان.. اسمعت.. يتجه الى الجميع» سمعتم.. فتح الله هو السارق ونعيمة رأته بنفسها وهو يسرق.. وقد ادان هو نفسه بنفسه عندما ذكر ان المحفظة كان بها خمسون جنيها.. ماذا تريد اكثر من هذا يا حمدان!!..

حمدان: دا ظلم.. فتح الله ابنك شريف ومن الشرفاء.. لكن النصراني ليس مثل فتح الله ابن الاكابر.. وماذا لو اتهم هو «وراح في ستين داهية»..

العمدة: هذا هو رأيك يا حمدان.. اليس كذلك؟

حمدان: نعم يا حضرة العمدة..

يدير العمدة رأسه ناحية عارف ويتحدَّث اليه..

العمدة: واد يا عارف..

عارف: نعم حضرة العمدة..

العمدة: هل انت راضي عن عملك؟!

عارف: ما باليد حيلة يا حضرة العمدة.

العمدة: «يعني تحب تغيِّر عملك وتشتغل وظيفة ميرى»..

عارف: يا ريت يا حضرة العمدة..

العمدة: عال.. «ينادي على شيخ الخفر».. يا شيخ الخفر خذ من حمدان «البندقية والطربوش والبالطو» وسلمِّهم لـ عارف.. ومن هذه اللحظة، يجرد حمدان محمود سويلم من وظيفة خفير ويعيّن المدعو عارف عبد اللطيف سعدان خفيرا بدلا منه..

حمدان:دا ظلم وربنا.. ما يرضاش بالظلم..

العمدة: عال.. قلتها «بعضمة لسانك» ربنا ما يرضاش بالظلم.. أفهمت.. ربنا لا يرضى بالظلم.. ولا يرضي ابدا ان يعاقب بريء، والمتهم يرتع وسط الناس ويزداد اجراما.. وميزته أنه ابن العمدة والبرئ (عيبه) انه نصراني.. هل هذا هو العدل يا حمدان.. لا.. العدل هو ان يجازي كل انسان حسب ما فعلت يداه.

يدخل الطبيب ويبدأ الكشف على نعيمة.. في نفس اللحظة ينحني العمدة بـ عارف ويحُدثّه.

العمدة: اسمع يا عارف.. انت الآن اصبحت موظفا محترما. هل تعدني بترك الرقص والطبل «والكلام الفارغ هذا».

عارف: اعدك يا حضرة العمدة لا رقص ولا طبل من اليوم..

العمدة: جميل.. جميل جدا.. «وايه رأيك في نعيمة؟

عارف: ماذا تقصد حضرتك؟

العمدة: ما رأيك بها كشريكة حياتك؟

عارف: «يعني اتجوزها».. يا ريت يا حضرة العمدة توافق؟..

يترك العمدة عارف ويبعد الطبيب قليلا وينحني على نعيمة ويقول لها:

العمدة: نعيمة هل توافقين على جوازك من عارف..؟

نعيمة: «فرحة الخبر انستها آلام الضرب المبرح وقالت بصوت عال» يا ريت يا حضرة العمدة.

ينادي العمدة على شهدي المتَّهم ويقول له..

العمدة: شهدى يا ابني اذهب الى دار عمك الشيخ عاطف ابو الدهب المأذون، واحضره معك لكتابة كتاب عارف على نعيمة..

شهدى: حاضر يا ابا العمدة.. وايضا بعد ان يتم شفاء نعيمة، باذن الله وتتزوج.. زفة العروس وجهازها عندي انا بعد اذنك يا ابا العمدة..

العمدة: باذن الله يا شهدى.. ما هي اختك برضه.

(تمت)

ليست هناك تعليقات: