الخميس، فبراير 19، 2009

يوميات كاتب عربي

يحي أبوزكريا

تزامن تخرجه من كلية الصحافة مع إنطلاقة المشروع الديموقراطي في وطنه وبداية التعددية السياسية , ولأنه من جيل الشباب أو جيل النكسة فقد كان شديد الحماس للعمل الصحفي من جهة وللمشروع الديموقراطي من جهة أخرى .

و أنضم فور تخرجه من الجامعة إلى جريدة الحقيقة كي يساهم في نشر الحقائق التي ظلت مخفية عن الناس عقودا تلو العقود لم تسد فيها إلا الحقيقة الوحيدة حقيقة السلطة القائمة.
و أصبح صاحبنا الذي لا يريد أن يذكر إسمه ضمن هيئة تحرير الجريدة و كان مكلفا بالملفات السوداء و رجالات العهود السابقة الذين بينهم وبين رجالات العهد الجديد أوشج العلاقات وأمتنها .

و كان رئيس التحرير على الدوام يشجعه و يدفعه بإتجاه المزيد من العطاء الصحفي و المزيد من الإستكشافات في مجال رجالات العهود السابقة و حتى الراهنة مادامت الديموقراطية سيدة الموقف.

و عندما كان صاحبنا يسأل رئيس التحرير عن سر إهتمامه بما يكتب كان يجيبه بأنه زمن الديموقراطية والشفافية و كشف المستور وإنصاف الأمة المخدوعة دوما برجالات القرار فيها.

أما مدير التحرير فقد أعطى الضوء الأخضر لكي تنشر كل مقالات صاحبنا وفي الصفحة الأولى أحيانا , و كان على الدوام يعتبر مقالات صاحبنا رمز المرحلة الديموقراطية الراهنة, وبدوره فإن سكرتير التحرير كان يعطي الأولوية لموضوعات صاحبنا , حتى عجب صاحبنا من هذا الإهتمام المتزايد .

و دفعه حماس مسؤوليه له إلى الكر و الفرّ في مجال كشف خبايا السلطة وزواريبها وطرقها الملتوية و رجالاتها التجار و كيفية أدائها لمختلف الأدوار حتى تلك المتناقضة منها.

وكتب صاحبنا عن المثقف والسلطة , الدبابة والمسجد , العسكريتاريا و الديموقراطية , الفقهاء والسلاطين ,رجال المخابرات ورجال الصحافة , أئمة السلطة وسلطة الإئمة.

كتب صاحبنا عن رجال المخابرات الذين أطلقوا لحاهم وأرتدوا الجلابيب , وظل

يكتب ويكتب و لم يكن يدري على الإطلاق أن كل ذلك كان بإيعاز وتحت الرصد

و المراقبة .

وأنقضت سنوات وصاحبنا يتميز بنفس الحماس وفجأة قرر رجال القرار تغيير الثوب واللجوء إلى لعبة جديدة , باعتبار أن السلطة عندنا تعتمد على اللعب والمناورة لا على المؤسسات وهي مثل الزانية تنام مع رجل وتلفظه في اليوم التالي لتجلب آخر وهكذا دواليك . و تقرر إسدال الستار على المشروع الديموقراطي و فرض حالة الطوارىء .

و بموجب حالة الطوارىء أستدعي صاحبنا الصحفي في جريدة الحقيقة إلى الدائرة إياها - الإستخبارات بصريح العبارة - وعندما دخل إلى غرفة التحقيق ذهل صاحبنا وألمت به الدهشة عندما شاهد رئيس التحرير و مدير التحرير وسكرتير التحرير .

فسألهم بتعجب هل أستدعتكم دائرة المعلومات في جهاز الإستخبارات أنتم أيضا؟

وهاهنا أطلق الثلاثة ضحكات وقهقهات مدوية لم يجد لها صاحبنا تفسيرا , وبعد أن هدأ الضجيج قال الثلاثة لصاحبنا : نحن ضباط في جهاز الإستخبارات , ونحن هنا لنستمع إلى أخر أقوالك , و هنا قال رئيس التحرير أو ضابط الإستخبارات لا داعي للإنكار , فالمسودات والمخطوطات كلها معنا و في متناول أيدينا من أول مقالة إلى آخرها و ها هي المقالة المتعلقة بالمعتقلات والإغتيالات المضادة.

وهنا أخذ صاحبنا يقهقه ويقول يا لها من حقيقة من جريدة الحقيقة إن ما أراه يكشف عن سر الديموقراطية في بلادنا والعجيب أن السلطة وحسب مقتضيات مصلحتها تجنح إلى نقد نفسها و بأدوات تضعها هي تبريرا للمرحلة وتكريسا للخطة.

إن ما أراه – قال صاحبنا - يكشف عن الكثير , فالوضع برمته ملغوم و الكمائن في كل مكان , لكن قبل أن أحال حيث الصراصير و الذباب دعوني أكتب مقالي الأخير , و هنا قال رئيس التحرير أو ضابط المخابرات وماذا سيكون عنوانه وهنا رد صاحبنا الصحفي بلوعة وحزن وأسى , طبعا سيكون عنوانه ؛حقيقة الديموقراطية في أوطاننا العربية .

ليست هناك تعليقات: