الاثنين، فبراير 02، 2009

مع المُلّا عبّود الكرخي

عدنان الظاهر

[ 1861 ـ 1946 ]

( في ذكرى حفيديه الصديقين وائل وقيس نايف )

مقدمة /

لا أكتبُ عن ديوان المرحوم الشاعر العراقي الشعبي الملا عبود الكرخي فقد كتب عنه عددٌ من كبار شعراء زمانه كجميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وعدد آخر من رجالات الثقافة والفكر والصحافة مثل محمد بهجت الأثري وفهمي المدرّس ورفائيل بطّي والأب أنستاس ماري الكرملي وعلي الشرقي والشيخ جعفر نقدي فضلاً عن شعراء ثلاثة أخرين وكلمة قصيرة بليغة للأستاذ الدكتور أحمد مطلوب شاء مَن أشرف على طبع ونشر الديوان أنْ يضعها على صفحة الغلاف الأخيرة . لا أكتب ما كتب غيري عن الديوان ولا أذكر إعجاب الشاعر المصري أحمد شوقي بقصيدة " المجرشة " الذائعة الصيت حين غنّاها له سلطان المقام العراقي المرحوم محمد الكبّنجي إنما سأتطرق لمسألة أخرى لم تولَ بعدُ ما تستحق من ذكر . أقصد مواقف المرحوم الكرخي من المطربين وأهل الفن العرب الذين زاروا بغداد في أوقات متفاوتة فغنّى منهم مَن غنى وعزف من عزفَ ومثّل على المسارح مَن مثّل . لقد خصَّ الشاعرُ ثلاثة من هؤلاء بقصائد تحمل أسماءهم ضمّنها أسماء مطربات وممثلات أقل شهرةً من أولئك الثلاثة . الثلاثة الأكثر شهرةً حتى اليوم هم محمد عبد الوهاب ويوسف وهبي ثمَّ أم كلثوم التي أرّخ الشاعرُ عام وصولها بغداد 1932 وقد سبقها محمد أولاً ثم يوسف وهبي تالياً . من سياق ما كتب الكرخي من شعر بحق هؤلاء نفهم أنَّ زياراتهم وغيرهم للعراق إنحصرت ما بين الأعوام 1930 ـ 1932 أي زمن الملك فيصل الأول حيث غنّى له عبد الوهاب بإقتراح من أحمد شوقي قصيدته التي مدح فيها هذا الملك ومطلعها [ يا شراعاً وراءَ دجلةَ يجري ] ولا أحدَ يدري هل وبكم جازاه الملك على مديحه وأغنيته تلك . قبل عبد الوهاب زار بغداد عازف الكمان المعروف السوري سامي الشوّا فلم يسلم هذا من لسان الشاعر الكرخي لكنه لم يفردْ له قصيدة خاصة بحالها له . قصيدته في أم كلثوم هي في نظري أفضل من القصائد الباقية ألإنه كان معجباً بأم كلثوم وبصوتها ؟ جائز . ما كان معجباً بغناء محمد عبد الوهاب ولا بخلقته إذْ ذمَّ وسخر من الإثنين سخرية لاذعة كما سنرى .

وهكذا نرى العاملَ الذاتيَّ قويٌّ لدى الشاعر وإنْ لم يكنْ دقيقاً ولا عميقاً ولا فنياً

فذلك أمر كبير على رجل بسيط محدود الثقافة والتعليم كعبود الكرخي ( شهادة معروف الرصافي ، كلمته في مقدمة الديوان ) .

ما سبب وقوفه ضد زيارات هؤلاء الفنانين لبغداد وذمه لبعضهم ؟ الناحية المالية ! كان الرجلُ حريصاً أنْ تبقى أموال العراق للعراقيين في وقت كان المال شحيحاً وغالبية المواطنين تعاني من فقرٍ وعَوَز حسب ما كتب الشاعرُ . يبدو أنَّ أزمة الكساد العالمية خلال الأعوام 1929 ـ 1932 كانت قد وصلت العراق وضربته طولاً وعَرضاً . لقد ضربَ مثلاً صارخاً مما تقاضت أم كلثوم من أجور خرافية حسب مقاييس ذلك الزمان لقاء أن تغني في عشر أُمسياتٍ فقط . تقاضت ألفي دينارعراقي فحزَّ في نفسه كبرُ هذا المبلغ يُدفعُ لمغنية غير عراقية مقابل عشرة أيام طربٍ وموسيقى . قال الكرخي في تقديمه للقصيدة ما يلي (( وهذه القصيدة كسابقتها توّضحُ للقرّاء والرأي العام أنَّ بلاداً كبلاد العراق تعاني ما تعاني من مضض الأزمة ومصائب الفقر والفاقة لا يجوزُ أن يحتلَّ كراسي اللهو فيها مَن يجزُّ الأموالَ جزّاً وينتزعُ النقودَ إنتزاعاً . و ( أم كلثوم ) قد إستوفتْ عوض العشر ليالٍ التي أحيتها في العاصمة عام 1932 ( 2000 ) ديناراً ! فاقرأْ العجب ! )) . كان الحسُّ الإنساني والعامل الوطني هما محركي مشاعر وشعر هذا الرجل الذي كان دوماً في صف الفقراء مدافعاً عنهم وكاشفاً عمّا يعانون من ظلم وجور وفي هذا المقام تبرز قصيدته الأكثر شهرةً " المجرشة " التي يكشف فيها عن محنة ومأساة نساء المطاحن اليدوية ، المجارش الصخرية ، حيثُ كنَّ يعملن كجاروشات ليلاً ونهاراً مقابل أجورٍ زهيدة فضلاً عن جور ربِّ العمل صاحب المجارش الذي وصفه الكرخي وصفاً مؤثراً كصورة حية متحركة حيث قال :

ذبيتْ روحي عالجرشْ

وادري الجرشْ ياذيها

ساعة واكسر المجرشة

والعنْ أبو راعيها

ساعة واكسر المجرشة

والعن أبو راعي الجرش

كعدتْ يدادة أم البختْ

خلخالها يدوي ويدشْ

وآني ستادي لو زعلْ

يمعشْ شعر راسي مَعشْ

هم هاي دنيا وتنكضي

وحساب أكو تاليها ؟

1ـ قصيدة الكرخي في محمد عبد الوهاب

قلتُ قبل قليل إنَّ الكرخي ما كان يميلُ إلى محمد عبد الوهاب لا صوتاً ولا صورةً فها هو يقدّمُ قصيدته بكلمة أكتبها كما وردت كما هي دون تدخل أو تغيير [[ يومَ أُقيمَ المعرض الصناعي الزراعي في بغداد إستقدمت إدارةُ المعرض المطرب المصري محمد عبد الوهاب ليُحيي حفلاتٍ ليليةً معدودة على ستائر مرسح المعرض . وقد دُعيَّ الكرخيُّ لحضور الحفلة الأولى التي أحياها المطرب. وعندها لاحظَ أنَّ الدعاية التي بُثّت له أكثر مما يجب وأنَّ صوته ومقدرته الفنية لا تتناسب مع التهريج الذي أُحيطَ به . نظم له هذه القصيدة ونشرها في حينها بجريدته الكرخ ]] .

سأختارُ أبرزَ أو أطرف أبيات هذه القصيدة وربما قد أُعلّق على بعضها .

مِن صِرتْ مشتاق ودّي

انظر بعيني ( المُعيدي )

اليومْ شاهدتهْ وعندي

المثلْ صحْ اعرفتْ نفعهْ

وكنتْ أودْ أنظرْ خلقتهْ

دائمي ، واستمعْ صوتهْ

منّهْ وصلتني دعوتهْ

أحضرْ ابليلة الجمعةْ

...

سألتْ واحدْ من ربعهمْ

كال انا أعرفْ شغلهمْ

سألتهْ كلّي ما سمعتهْ

لكنْ ابعيني لمحتهْ

يدردمْ يلّعبْ ابشفتهْ

واضعْ ابإذنهْ إصبعهْ

...

يا عراقيين إلى مَ

الكرخي ما تصغوا لكلامهْ

إذا تاتيكمْ مَدامةْ

راقصةْ، طرتوا بجرعةْ

ويوم إجتْ فطّومةْ رُشدي

وستْ بديعةْ يعني بدعةْ

وبعدها الأستاذْ جانةْ

سامي شوّا يدكْ كمانةْ

بين حانةْ وبين مانةْ

ضاعتْ الحانةْ بسرعةْ

يا عراقي منّي يقّنْ

داءك أصبحْ داءْ مُزمنْ

...

ملاحظات : يبدو أنَّ العراقيين كانوا يومذاك يطلقون على محمد عبد الوهاب صفة ( المعيدي ) وهي لفظة وصفّة شائعة ومتداولة بين العراقيين فهل كانت معروفة كذلك في مصر ؟ ثم ما علاقتها بهذا المطرب الزائر وهو من سكنة القاهرة ومولود فيها على ما أحسب ولا علاقة له بالريف ولا بمعدان الأهوار ؟ الجواب لدى المرحوم عبود الكرخي ومعاصرية .

فطوّمة رشدي هي الممثلة المصرية فاطمة رشدي وبديعة هي الممثلة السورية الأصل بديعة مصابنة ، ومصابنة تعني أنَّ هذه الإمرأة متحدرة من عائلة تمارس صناعة الصابون وأهل هذه الصناعة هم مصابنة و مصابني حسب لهجة الشوام . كانت في فرقة تمثيل واحدة مع نجيب الريحاني تزوجا وجابا الكثير من بلدان العالم لا سيما بعض أقطار أمريكا اللآتينية حيث تكثر الجاليات العربية المهاجرة خاصةً من سوريا ولبنان ومصر . عمل في فرقتها في بداياته الفنية فريد الأطرش عازفاً ومغنياً . أما سامي الشوّا فهو عازف كمان سوري شهير في زمانه يعزف لكنه لا يغنّي هو الآخرُ زار العراق وقدّمَ عروضاً موسيقية على كمانه.

ما كان الكرخي إذاً مرتاحاً من المطرب محمد عبد الوهاب وسنراه في قصيدة أخرى يسخر منه ومن أدائه لأغنية يا جارةَ الوادي من شعر الشاعر اللبناني الأخطل الصغير بشارة الخوري . لم يذكرْ الأجرَ الذي تقاضاهُ هذا المطربُ ولا كم يوماً مكث مع فرقته في بغداد . كذلك لم يذكرْ تأريخ أو عام الزيارة كما فعل مع أم كلثوم .

2ـ قصيدة الكرخي في يوسف وهبي

قدّم الملا عبود هذه القصيدة كما يلي [[ للأزمة الأقتصادية التي حلّت في البلاد القدح المعلّى بنظم هذه القصيدة . فقد وفدتْ فرقة رمسيس لصاحبها يوسف وهبي إلى العراق وأخذت تُجبي المبالغ الطائلة من جيوب أبناء البلاد الخالية . فتأثرَّ الكرخيُّ ونظم القصيدة الإنتقادية والتي تناول بها أبناء البلاد قبل كل شئ ]] .

نقرأ هذه القصيدة فنرى أنَّ الكرخي لم يذمم الممثل يوسف وهبي أبداً . ذكر إسمه ثلاث مراتِ كما ذكر إسم فرقته ( رمسيس ) عدة مرات . لكنه وخلاف ما نتوقع عاد وتناوش محمد عبد الوهاب في أكثر من بيت ليسخرَ منه ويُضحك الناس عليه

فهل ثمة من سبب معقول يفسّر لنا سبب ضغينته وتحامله عليه ؟ لم يترك الباقين ، فلقد عاد وذكر فاطمة رشدي وسامي الشوّا ثم أضاف أسماءَ لنساء لم يعرفها أبناء جيلنا مثل رحلو وماري وعفيفة ( لعلها عفيفة إسكندر ! ) . كما مهدَّ لقصيدته في أم كلثوم فذكرها بالإسم ليبين شدة تعلق العراقيين بها فإذا ( حُمّت أي أصابتها حُمُى أو سخونة ) تضربُ والدته عن تناول الطعام حزناً عليها وتضامناً مع وعكتها الصحية . كذلك عرّج من دنيا الفن والطرب على عالم السياسة فذكر شخصيات سياسية معروفة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين مثل المصري سعد زغلول والعراقي الذي إنتحرَ عبد المحسن السعدون ولم ينسَ حادث وفاة الكاتب الأديب المصري المنفلوطي . لم يذكرْ الكرخي أسماء هؤلاء الناس نساءً ورجالاً إعتباطاً وإنْ بدا الأمر كذلك ، لكنه ذكرها في معرض أسفه على ضياع ثروات العراق في أمور يمكن الإستغناء عنها كموضوع الطرب .. أما ذكره لسعد زغلول والمنفلوطي فمن باب تضامن العراقيين مع الساسة العرب المعروفين بوطنيتهم والأدباء المبرّزين في أدبهم وثقافتهم كالمنفلوطي مثلاً . لنستمع إلى بعض ما قال في هذه القصيدة حيث شرّق فيها وغرّب ولم يجعلها حِكراً على الممثل يوسف وهبي . يبدأها بالسخرية من محمد عبد الوهاب .{ حاط عينه عليهْ ! } إذْ يُكنّيه بأبي جاسم حسب التقليد العراقي المعروف في تكنية الأسماء ... فمحمد هو أبو جاسم وعباس ابو خضير وعلي ابو حسين وحسين ابو علي وهكذا :

راح ابو جاسم إجانةْ

يوسف الوهبي بمكانةْ

ريت روحةْ بلا رجعةْ

بجاه الله العالي شانةْ

كنت انا اسمع شهرتةْ

عاليةْ وحَسنةْ خلقتةْ

وكنت انا اعتقدْ صوتهْ

يفوقها لصوت القوانةْ

قاري يا جارةَ الوادي

تطربلها الخنفسانةْ .

يا عراقيين هاكمْ

خبرْ فيه الله ابتلاكمْ

يوسف الوهبي إجاكمْ

إهرعوا اندلوا مكانةْ

لفرقة الرمسيس إحزبوا

بوكر ورامي إلعبوا

ويسكي وبيرة اشربوا

واسكنوا بالمايخانةْ

بين حانة وبين مانةْ

يا عربْ ضاعت الحانةْ

ضاعت الحانة وصفينهْ

ناسْ غُربةْ بالمدينةْ

الراقصة تنصبْ علينهْ

والمخنّث والزنانةْ .

...

ومن سعد زغلول ماتْ

قلبنهْ كل الكائناتْ

وعندنا ريس الوزارةْ

افزع أوربة انتحارهْ

بطل ( سعدوني ) اعتبارهْ

راقي سيد عالي شانهْ .

3ـ قصيدة الكرخي في أم كلثوم

وكما كان الأمر مع القصيدة السابقة ، لم يترك الكرخيُّ المطربَ محمد عبد الوهاب دون أنْ يشمله بالكثير من السخرية والغمز واللمز علماً أنَّ القصيدة هي لأم كلثوم . وكذلك مرَّ هازئاً بمن سبق وأن ذكرهم من مطربين أو ممثليين وممثلات وعازفين . رسم لعبد الوهاب أكثر من صورة كاريكاتيرية أجاد في رسمها بألفاظه كأنه قد صوره بجهاز تصويرعصري دقيق . مع القصيدة :

هله بام كلثوم ابشري

كلّما تردين يجري

يا هله بست الغواني

الكاملة وحلوة معاني

يعجز بمدحك لساني

وكذلك أهل قطري

كل رَجُلْ من أهل شعبي

لدعوتكْ لازم يلبّي

بمالهم عاد إنتِ إجبي

وعظمهمْ أرجوك اكسري

كبُلْ منّج بنت رشدي

فاطمةْ وكم رجل مصري

منهم محمد السوّةْ

إنقلاب الفوك جوّةْ

وقبل منّهْ سامي شوّهْ

الكمنجاتي رجل عصري

واعقبهْ يوسف الوهبي

على روس الناس يشبي

كبلج محمد سهادي

شيّبهْ وفتتْ فؤادي

غنّة يا جارة الوادي

مطربتْ قطعاً بعمري

آخر إنتي ما سمعتي

من محمد واتعظتي

إنفضح لكن اشتهرتي

إنتي روحي عاد اشكري

أشكري واخذي دراهمْ

من عراقيين اكارمْ

كبُلْ مِنجْ أبو جاسمْ

رجع من هالوطن مُثري

من إجانة على المودةْ

محمد وتسعةْ جنودهْ

شبر زلفهْ على خدودهْ

إذا أكذبْ روحي اشبري

من مصرْ جانه الحبنتي

محمد وطيرةْ إجتّي

وجيتي بالطين إنتي زدتي

...

هذا هو المرحوم الشاعر العراقي الشعبي الملا عبود الكرخي لسان حال زمانه وخاصة فترة الحكم الوطني وتنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق فقد كان رفيق بعض جلساته يستطيب شعره وأحاديثه . ثم كان صحافياً يمتلك جريدة الكرخ لذا ، أعجب كيف وصفه صديقه الشاعر معروف الرصافي بكونه رجلاً بسيطاً محدود الثقافة ؟ كيف يمتلك ويدير صحيفة واسعة الإنتشار رجلٌ بسيط محدود الثقافة ؟ لم يدرس الكرخي في الإستانة كما كان شأن أوائل المثقفين العراقيين وضباط الجيش وبعض الأطباء والمحامين لذا قد تكون ثقافته ثقافة كتاتيب ومساجد ومجالس خاصة يغلب عليها الطابع الديني . كان عيناً شديد الحساسية لرصد ونقد مظاهر وظواهر المجتمع العراقي ولا سيما الشأن السياسي وعالجها جميعاً معالاجات شعرية بأسلوب ميزه عن بقية معاصريه من الشعراء الشعبيين . لم يستطع حجبه أو التغطية عليه شعراءٌ كبارٌ عاصروه وزاملهم وعقد مع بعضهم أواصر صداقات متينة منهم جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي ثم محمد مهدي الجواهري ..

شعره عامةً ليس متقن الديباجة فيه الكثير من الإعضال والعسف اللغويين والخروج عن نسق وسياق موسيقية البيت الواحد . لكنَّ هذه اللغة الشعبية الدارجة ، كوسيلة للتعبير ، كانت دوماً مطواعةً له يجدها في خدمته متى ما أرادها ربما لأنها لغة محكية سلسلة بطبعها يتكلمها كباقي الناس بعفوية حيثما ذهب وأينما كان. لم يجرّب الكرخي عبود نظم الشعر الفصيح حسب بحور الخليل إبن أحمد الفراهيدي حسب علمي .. كان ساخراً وبارعاً في تصيّد وتوظيف الألفاظ الساخرة والمهذبة في الأغلب ولكنْ ليس دواماً . ما كان الرجل طائفياً أبداً ولعل أغلب العراقيين اليوم ويومذاك لا يعرفون أنَّ الملا عبود الكرخي سليل عائلة شيعية . وحين أخبرني صديقٌ عزيز بذلك أخذتني الدهشة والعجب . كان الرجل أعلى واسمى من الطائفية .

ملاحظة أخيرة : ليس في أشعاره ما يدلُّ أو يُشيرُ إلى أنه كان يساري الهوى أو [ بلشفيّ ] النزعات وما كان نازياً كما كان التقسيم السياسي السائد في زمانه . هل كتب شيئاً في إنقلاب الفريق بكر صدقي ثم مقتله [ 1936 ] وهل كتب في حركة رشيد عالي الكيلاني [ 1941 ] وهل رثى الملك غازي الذي قُتلَ في 1939 ؟ ليس فيما لديَّ من شعر الكرخي ما يُشيرُ إلى ذلك . ربما كتب عن هذه الموضوعات في جريدته " الكرخ " ، ربما . رثى الملك فيصل الأول الذي فارق الحياة في سويسرا في أيلول عام 1933 .

تحتاج هذه الناحية من حياة الرجل دراسة خاصة من لدن أولي الإختصاص والمؤرخين وخاصةً من قبل معاصريه أو القريبين من عهد معاصرته ..

ملاحظة 1/ خدم ولده المرحوم نايف موظفاً في مدينة الحلة في خمسينيات القرن الماضي وكان حفيداه وائل وقيس من زملاء دراستي الإبتدائية والمتوسطة ثم الثانوية .

ملاحظة 2 / أتاني الجزء الأول من ديوان الكرخي هديةً من الصديق الحلاوي الطبيب المرحوم حسن هادي الجبّاوي فله الذكرى الطيبة في ألمانيا كما في مدينته الحلة .

· *ديوان الكرخي ، الجزء الأول ، الطبعة الثالثة 1988 . الناشر : مطبعة أوفست رافد ( عنى بطبعه حفيده السيد حسين حاتم الكرخي ) .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كان الكرخي متنورا متعلما، أتقن الكردية والفارسية و الألمانية والتركية، عرف النظم بالفصحى قبل العامية. وفضل الأخيرة لسهولة وصولها للعامة، (يرجى مراجعة المصادر) أما فيما يتعلق بإنتقاده للمغنين المصريين، فذلك يرجع لكون الكرخي من المتبحرين في فن المقام العراقي والذي لا ترقى له أي موسيقى عربية بل وحتى شرقية
حتى انه إنتقد في مرة قاريء المقام الأول "القبانجي" لغنائه الطقطوقة و الپستة، يرجى التأكد من المصادر