الثلاثي .. جبران، غيومٌ حالمة تنثرُ أشعار محمود درويش في أبعد ِ مدى ..!!
للسماءِ بهجتها، حينما تمطرُ غيثاً، يبعثرُ في الأمكنة ابتسامات كانت مدفونةً تحت التراب، لتنبتَ من أحشاء الأرض، زهوراً، وأعشاباً، ظلت تنتظرُ لحظةَ الهطول، لحظات الهطول، ورائحة المطر، وحبات البرد، تفتحُ نوافذَ الإبداع في ذهنية ِ شاعرٍ رومانسي ظلَ معلقاً بأطياف الشوق ينتظرُ لحظة عناق الأرض لحبات المطر كي يكتبَ قصيدةً بمداد المطر تلامس القلوب ..
هذا المشهد بكل جمالياته، وتداخلاته، وإحياءاته، ما جعلني أعبرُ مع حبات المطرِ التي هطلت قبلَ حين، إلى مدى بعيد، وأنا استمعُ إلى الثلاثي " جبران " على ألحان موسيقى تمطرُ شعراً لمحمود دروش، وكأن روح الشاعر محمود درويش تستيقظُ من سبات الموت، وتعود إلى العالم من جديد، محفوفةً بعطرٍ يعبرُ إلى أعماقنا حتى يتوحدَ مع وهج الروح، ويظلُ الكونُ في صمتِ يأسره السكون، فقط ما يتحركُ فيه، أناملُ تعزفُ على وترٍ أنشودة لشاعرٍ رحلَ قبلَ سنةٍ ونيف، وبضعُ سويعاتٍ، نعدها كلما تحركت عقاربُ الساعات ..
الثلاثي " جبران "، سمير،و وسام، وعدنان، أسماءٌ تربعت فوق عرش الموسيقى الملتزمة، ودخلوا إلى العالميةٍ من أوسعِ أبوابها، لقد رافق الثلاثي جبران الشاعر الراحل محمود درويش ثلاثة عشر عاماً، كانوا ملزمون له كغيمةٍ تنتظرُ قطرةً من شعره، حتى يغرقُ عالمُ في بحرٍ عذب، أسفله، موسيقى، وأعلاه أناملُ تغازلُ الأوتار لتستنطقها، هكذا ظل عازفو العود الثلاثة الشباب رفقاً لدرويش في أمسياته، أينما جال في الأصقاع رافقوه، فكانوا معه جواز السفر لهويتنا، وثقافتنا، ينطقون باسم شعبنا أينما حلوا، وعرفوا الآخر بهمنا، ووجعنا، فكانوا وما زالوا سفراءَ لنا معبرين عن هويتنا الوطنية، وحقنا في الحرية والاستقلال، رحلةُ السفرِ وان طالت لم تثنهم عن الهدف، ولم تنحرف بهم البوصلة بعد وفاة " المايسترو " درويش، ظلت عواصم الأرض تفتح ُ ذراعيها، لارتشاف جرعات من هذا البذخ الموسيقي، الذي يأسرُ القلب بين أوتارهم .
استطاع الثلاثي جبران بكل عنفوان أن يقودوا المركب وسط الأمواج المتلاطمة، ويعودوا الشراع إلى مكانه، ويوجهوه نحو الاتجاه الصحيح، بانتظار موانئ جديدة تنتظرُ لحناً مازال ينتظرُ الصدوح، تألقت نجومهم، فعلا وهجها، سريعاً، وأضاء الكون بنور لم يعهده من قبل، موسيقى تعيد ترتيب الوقت في غفلةٍ، تضجُ بأشعار درويش، وكأن درويش يشاركهم هذا العزفُ وان غابَ جسداً، فروحه تنطقُ كلما لامست أناملُ الثلاثي جبران أطراف الوتر ..!! في هذا العزف الجميلُ أشياء لا يمكنُ للحروف أن تكتبها، فجمالية المقطوعات تدع اليراع متيبسا في اليد، وان حاولت عبثاً ملامسة الصفحات، ستجدُ أن الحبرَ تبخر ..!! لذا فان كل جماليات الكلام باعتقادي لا يمكنُ لها تصوير المشهد في حينما يغرقُ الكونُ في مطر عزف الثلاثي جبران ..
في فسحة ٍ لا بأس بها قدرَ لي أن أتابعُ أخبار الثلاثي جبران، وأستمع إلى بعض من معزوفاتهم، واجهات الصحف، والمجلات، ومنصات وسائل الإعلام الأخرى عجت بأخبارهم، لان هذا العزف الخلاب لا يمكنُ للصفحات أن تحتويه مهما تعددت .
في أربعين محمود درويش وبحضور نخبوي، كبير، أبدعَ الأخوة جبران في تطريز لوحة عزف أضاء وهجها قعر السماء، كانت اللوحةُ ذات ألون متعددة، جميلة في الألحان، معقدة في العزف، هذا العملُ سمي " في ظل الكلام " ، التي تجمع بين موسيقى الثلاثي جبران وأشعار محمود درويش، كأنها حالةُ عشق ابدي يتوحدُ فيها الحرفُ مع الوتر .
جال الثلاثي جبران أماكن عدة كي يقدموه عرفاناً منهم بقدرة " المايسترو " على التأثير في ذهنية العازفين، لاقى هذا العمل إقبالاً منقطع النظر، إذ ما يزالُ على أجندتهم أماكن أخرى تنتظرُ حضورهم للاستماع لهذا العزف، العملُ بكل تفاصيله يعبر عن أصالة في الأداء، وهو الهدية القومية التي يمكن للفلسطينيين تقديمها للعالم، مما تسربَ من الأخبار هنا وهناك عن صدور النسخة الدولية من ( في ظل الكلام ) مزودة بأشعر لمحمود درويش بالفرنسية، عن دار " اكتسود " الفرنسية .
رحلةُ الثلاثي جبران مازالت في بدايتها، ونجاحاتهم تعجزُ عن الإلمام بها، فهي تجاوزت المحيط إلى العالمية، لقد قال لهم محمود درويش يوماً " المستقبلُ أمامكم أما أنا في المستقبلُ ورائي " حقيقةً أصاب درويش، فالمستقبلُ أمامهم، والرحلةُ في أولها، وبالتأكيد في المستقبلِ أعمال سيفاجئنا بها الأخوة جبران بمستوى عمل في ظل الكلام، أو بمستوى أعلى منه، في الأفقِ غيمةِ حبلى بالمطر ...!! ورغمَ هطول الأخوة " جبران " مرات، إلا أن الأرض ستبقى عاشقةً لهذا المطر، ففي اللحظة التي تلامسُ أناملهم الوتر، نرى السماءَ تمطرُ ألحاناً، وموسيقى، وشعراً كأنها المطر الذي يروي الصدور بجمالياته ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق