الأحد، نوفمبر 15، 2009

مصاب اليوم

محمد محمد علي جنيدي

عجباً وتباً لأنفسنا- لقد أصابنا الهلع وابتلعتنا المخاوف من جراء تفشي وباء أنفلونزا الخنازير بين سكان المعمورة!، لأنه يحتمل أن يتسبب في إبادة الملايين من البشر.

إذاً هو الخوف من الموت والإبادة!!

لقد أصبحنا في سباق مع الزمن ومع الأنباء المحيطة بفيروس أنفلونزا الخنازير، وبالفعل بدأنا نشعر بأجراس الخطر عندما تواترت أنباء احتمالات تحول أنفلونزا الخنازير إلى جائحة وبائية ثم زادت من حدتها عند بزوغ أنباء عن احتمال تحور أنفلونزا الخنازير لفيروس أكثر شراسة وذلك لأن الخنازير تعمل على تحور الفيروس في أجسامها، وقد انتهى مطاف الجلل بنا عند إعلان منظمة الصحة العالمية بأن أنفلونزا الخنازير أصبح وباءً عالمياً، حتى أنها قامت بالفعل برفع حالة التأهب إلى الدرجة السادسة.

ولكنني وجدت أن الخبر الأطرف أو ربما الأسوأ - كما أراه - أن الشركة المنتجة لمصل أنفلونزا الخنازير ( تخلي مسئوليتها عن آثاره الجانبية ) الله أكبر!!.

يبدو أن الدنيا قامت ولم تقعد خوفاً من وباء أنفلونزا الخنازير ومن الهلع من انتشاره لحد الفتك بمعظم سكان الأرض من - السادة البشر!! - لقد أصبح هذا الوباء فعلاً هو الشغل الشاغل للعالم اليوم في شتى بقاع الأرض مخافة الإبادة والإطاحة بحياة الناس، وسبحان الله الملك!!.. الآن بدأنا نشعر بالخوف من الموت والإبادة الجماعية!،

ولو أننا عدنا قليلاً إلى الوراء ومنذ وقتٍ قريب ويا للأسف الشديد كانت تعتبر تربية الخنازير من المشاريع المربحة للغاية في بلادنا وفي كثيرٍ من المدن الإسلامية بحجة أعادة بيعها لدول أخرى غير إسلامية!!، أو الاستفادة من مكوناتها في أي وجه من وجوه الاستخدام!.

والله أعلم حتى كتابة هذه السطور بصدق أنباء التوقف تماماً عن تربيتها أم لا يزالون تجار الموت يعلنون الحرب على الخالق سبحانه!!.

أعتقد اعتقاداً راسخاً بأننا لو أمعنا النظر وتدبرنا الآيات التي وردت بخصوص تحريم أكل لحم الخنزير وخضعنا لمراد الله طواعيةً وانتهينا عن أكلها وبالتالي تربيتها والاتجار فيها لما ضربت أوصالنا هذه الكارثة أبداً.

ومن بيان الحديث في هذا المقام أن نذكر بعضاً من محكم آيات الله في هذا الشأن

يقول علام الغيوب سبحانه:

( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏ ) الآية 3 سورة المائدة

وأيضاً قوله الحق:

( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ) سورة البقرة/173

وقد كنا نقرأ عن علل التحريم الكثير، ولكم قالوا عن الدراسات العلمية التي أثبتت أن أكل لحم الخنزير يصيب الإنسان بمرض الالتهاب السحائي مثلاً أو مرض الزوهار أو مرض الدوسنتاريا وغير ذلك من الأمراض كما أنه يصيب الإنسان بعادات سيئة لدى الخنزير نفسه وكأنه يكسبها للذين يتعاملون معه، فمن المعلوم أن الخنزير لا يغير على أنثاه، وغير ذلك من العلل، والكلام في هذا الإطار كثير - ولكن - هل كان في استطاعة أحد مهما نبغ علمه أو عظمت فراسته أن يتخيل حجم كارثة عصيان الله بحرصنا على عناده واستمرارنا في أكل لحم الخنزير وتربية القطعان منه!.

أرى أن حقيقة الإيمان تتجلى بوضوح في قوله سبحانه وتعالى:

( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) سورة الأحزاب الآية / 36

نعم - لقد حاصر الناس عصيانهم وطاردهم في كل مكان وباتت تلاحقهم نيران ضلالهم المبين حتى أصبحنا فوجدناها أيضاً قد نشبت في أراضينا ودولنا الإسلامية!، وذلك لأننا تجرعنا كأس الفسوق معهم وتمادينا عبر السنين والقرون في عصيان أمر الله وعناده كهؤلاء!!

وفي النهاية لابد أن أسجل اعترافي بأن الخنزير نفسه لا ذنب له ولا ناقة ولا جمل فيما حدث ويحدث.. فهو يؤدي الغاية التي خلق من أجلها كسائر الكائنات في منظومة التوازن الطبيعي بين دواب الأرض وسائر مخلوقاتها وفقاً للنواميس التي أعدها الله سبحانه لتنظم حركة الحياة بين سكانها، ولكن الإنسان الذي كرمه وفضله الخالق بالعقل والعلم هو وحده المسئول عن إشعال نار المرض في هذا المسكين ثم هاهو ذات المرض يركض صوب فرائسه من سائر البشر ليلاحقهم في كل مكان على الأرض.

إذا إفسادنا ونحن المكرمون العارفون هو المسئول عن ميلاد كل كارثة على المعمورة - ولكن - هل يحق لنا أن نعتقد ونقول بملء ما فينا بعد هذا المصاب – أخيراً.. أخيراً - قد شعرت كبرى الدول بحجم الجلل الذي يصيب الشعوب البائسة المنهكة عندما يتعلق الأمر باحتمال حدوث إبادة جماعية لهم كالتي حدثت جهاراً نهاراً لكثيرٍ من شعوب عالمنا الثالث - أتصور أنه لا يجوز لنا هذا الاعتقاد ولا أظن أن يتحقق ذلك – بل الصحيح أن هذا الاحتمال الباعث للقلق والحذر والخوف من حدوث حالات عديدة من الإبادة الجماعية لم يهبهم شعوراً بندم أو مبادرة لمصالحة ضمائرهم الهاربة من جحيم مصائبهم - إذا - لا الخوف والحذر ولا القلق سيجعلهم يوماً يشعرون بعمق الجراح التي أدمت كثيراً من شعوبٍ عانت فن القتل ولعبة الإبادة الجماعية الحقيرة التي يحترفونها بغير ذنبٍ فعلته هذه الشعوب أو معصية تمادت فيها.

ليست هناك تعليقات: