نبيل عودة
ارتعب أبونا الكاهن من حجم الخطايا وبشاعتها في البلدة الجديدة التي انتدبته المطرانية للإشراف على كنيستها ورعاية طائفتها.
فما ان وصل البلدة ، واستلم مفاتيح الشقة التي سيسكن فيها، وقبل ان يبدأ بترتيب أغراضه المتراكمة داخل صناديق الكرتون ، حتى اخترق عليه خلوته شماس الكنيسة لاهثا من الجري ، رغم ان المسافة بين الكنيسة والمنزل لا تزيد عن خمس دقائق سيرا على الاقدام ، وكان التوتر باديا على محيا الشماس الصبياني، فهدأ من روعه وقدم له كوب ماء. وسأله وهو يشرب الماء :
- لماذا تركض .. وما الذي وترك .. ماذا حدث ؟
- الكنيسه ملآنة يا أبونا..
- ولكنه ليس وقت الصلاة ، ترى هل قدموا للترحيب بي ؟
- لا يا أبونا .. جئن للإعتراف وطلب الغفران من المسيح .
فهم الكاهن ان الموضوع ليس ترحيبا بقدومه ، وانما نساء جئن للإعتراف . قال:
- قل لهم الخوري وصل اليوم ولم يرتب أغراضه بعد .. غدا سيتفرغ لشؤون الطائفة والكنيسة.
- لا أستطع يا أبونا... سيغضبن علي ويمتنعن عن اعطائي الاكراميات ..
- اكراميات .. وهل انت شحاد ؟ .. الا تتلقى معاشا محترما .. انت تهين كرامة رجال الدين .
- المعاش قليل ولا يكفي يا ابونا.. اعتمد على طيبة قلوب النساء .. وكتمان أسرارهن.
صعق ابونا لهذا الاعتراف.
- ومن أذنك بالانصات لاعترافات النساء؟
- انا ابن البلد يا ابونا وأعرف كل أخبارها وكل خفاياها.. ارجوك تعال فورا للكنيسة..
- حسنا سآتي ، ليكن الله في عوني.. اسبقني وسالحق بك ، يجب ان أغسل وجهي واغير ملابسي.. وفيما بعد سنتحدث بمسألة الإكراميات المهينة..
هكذا بدأ الكاهن حياته الجديدة في البلدة ، وفي مهمته الجديدة.
وصل الكنيسة ، وبارك جميع المتواجدين ، وتمنى لهم الثبات في الايمان ، والالتزام بتعاليم مخلصنا يسوع المسيح .. وهمس الشماس باذنه قبل ان ينهي صلاة ابانا الذي في السموات..
- ابونا ،يسألن متى ستبدأ بالاستماع لإعترافاتهن؟
هذا الجو لم يقع حسنا في نفس الخوري. لم يتواجد ابناء الطائفة لاستقباله ، وكل ما هنالك مجموعة نساء مزركشات تملأ الأصباغ وجوههن ، يقف الشماس بمحاذاتهن ويهمس لهن بصوت يحاول ان يكون خافتا ولكنه يرن باذن الخوري،
- انت الأولى .. انت الثالثة هي الثانية.. و.. انت السابعة ، انت تأخرت اليوم .. ربما غدا .. انت التاسعة .. هي الرابعة .. هس بلا ضجة .. ابونا متعب ولن يقبل ان يستقبل اكثر من عشر .. ربما انت أيضا.. ربما انت الأخرى .. حسنا ، سأرى ما أستطيع عمله..
- لا حظ ابونا أن ايدي النساء تمتد للشماس دافشة ورقات مالية مطوية ، وفورا يضمن لهن الشماس دورا... الأمر الذي أزعجه .. وأغضبه ولكن هذا يومه الأول .. وعليه ان يتمهل ليعرف ما يدور في كنيسته ، وبين ابناء طائفته قبل ان يبدأ بوضع الأمور في مكانها الصحيح. وقد تمنى لو يقبض على عنق الشماس المترهلة من الشحم واللحم ليكتم أنفاسه.
جر نفسه بدون رغبة الى غرفة الاعتراف ، وقبل ان يلحق بالجلوس ، دخلت امرأة في القسم المخصص للمعترفين.
- تحدثي يا ابنتي ، ما الذي جاء بك ؟
وبدون مقدمات ، وكأنها تتحدث عن وجبة طعام ، قالت بلا تردد :
- زنيت مرتين يا أبونا .
تيبس لسان الكاهن ، غير المتعود على هذا النوع من الاعترافات وبمثل هذا الوضوح والوقاحة. وأضافت المرأة بثقة :
- جئت ليسامحني الله ...
- الله يسامح كل عباده التائبين .. هل هي توبة..؟ انتبهي لنفسك ولا تخطئي مرة أخرى ..
المفاجأة لم تكن هنا .. دخلت امرأة أخرى لا تقل وقاحة عن الأولى ، وقالت وكأنها تقرأ نشرة أخبار:
- زنيت مع جارنا.. وقبل اسبوع مع البقال ، ومنذ يومين مع سائق تكسي ، وجئت للإعتراف ليغفر لي الله خطاياي الكثيرة.
لولا ان ضبط ابونا لسانه في اللحظة المناسبة ، لشتم وخرج غاضبا. ما هكذا تورد الابل. احتار بعد ان ضبط أعصابه ماذا يقول لها؟
- لماذا لا تقول شيئا يا أبونا؟
- هل انت صادقة في توبتك ؟
- هذا ما ارغب به .. ولكني ضعيفة امام رغبات نفسي..
- الايمان يقوى النفس ويوجهها التوجيه الصحيح . يجب ان تضعي حدا لخطاياك .. ، لن تحصلي على غفران المسيح كل يوم ..
- ولكن المسيح صلب ومات من أجلنا ومن أجل غفران ذنوبنا ؟
- على ان لا نخطئ ونحن نعرف اننا نخطئ يا ابنتي ، وان لا نصر على الخطأ بحجة غفرانه .. لن يغفر لنا كل يوم وكل اسبوع .
في تللك الليلة لم يستطع الخوري النوم ، كانت الاعترافات المثيرة تتردد في أذنيه . الشماس ادخل عشرين امرأة وكلهن ارتكبن نفس الخطيئة ، الفرق بعدد المرات ، ترى هل هناك يوم مخصص لأنواع الخطايا ؟ ام هي الصدفة ، ام ان هذا البلد يستحق الحرق؟ والغريب ان كل الخاطئات من النساء ، الا يزني رجال هذا البلد ؟ اليس امام كل مخطئة من النساء مخطئ من الرجال؟ ام ان الرجل فرفور دمه مغفور ؟
لم يتحمل الكاهن هذا الوضع ، شعر انه سيكفر اذا استمر في هذا البلد الذي لم يسمع به خطيئة غير الزنا.. ومن النساء فقط.
في وسط الاسبوع ، سافر لمقابلة المطران ، مصرا على نقله الى مكان آخر.. وانه غير قادر على تحمل بشاعة الخطايا وتكرارها حتى بعد يوم او ساعات قليلة من الاعتراف ونيل الغفران من الخوري.
- هذا البلد يحتاج الى طوفان .. وليس الى خوري وغفران ..
هكذا قال للمطران ، مصرا على نقله.
ولم يجد المطران مفرا الا باعفاء الكاهن ونقله الى قرية نائية ، وقبل ان ينتدب كاهن جديد للبلدة قرر ان يقابل رئيس بلديتها وشخصيات البلدة المعروفين لحثهم على شطب هذا الاصطلاح الذي جعل الخوري يهرب .. مثلا بدل ان يقال " زنيت " يقال " تعثرت " وهي كلمة وقعها على السمع مريح .. ولا تربك الخوري الجديد الذي سيرسله للبلدة.
وهكذا أجتمع مع رئيس البلدية ونواب الرئيس واعضاء المجلس البلدي وشخصيات البلدة المعروفة ، وحثهم على ان يفهموا الخاطئات ، بأن يستعملن كلمة "تعثرت" بدل "زنيت" .. ولكن المطران أصر على اخفاء حقيقة ان كل المعترفات ارتكبن نفس الخطيئة ، وقال انه يصدف خاطئة واحدة كل سنة .. ولكن الكهنة حساسون لهذه التعابير ، ويستحسن عدم استعمالها من المخطئة ، مما طمأن الحضور على سلامة الأخلاق .. وان افعال كل واحد منهم مستورة !!
وصل الكاهن الجديد ، وواجه الشماس فورا يحثه على الاسراع لأن الكنيسة ممتلئة. فبارك الخوري بسره هذه البلدة المؤمنة ، وسارع يتحرك مع شماس الكنيسة ليبدأ عمله برعاية شؤون الناس .
بدأ الكاهن يستمع للإعترافات وكانت غريبة عجيبة، كلهن نساء متعثرات ، وعبثا حاول اقناعهن ان التعثر ليست خطيئة. ولكن اصرارهن على طلب المغفرة لأن تعثرهن يسبب الوقوع على الرجال ،وكأنهن بحالة عناق معهم ،ويخفن ان يعتبر ذلك خطيئة ، وهذا أبسط ابونا الكاهن لأنه يثبت ورع نساء هذه البلدة ، وسيرتهن الحسنة . وقد ايقن الخوري مصداقيتهن لأن الطريق التي تقوده من بيته الى الكنيسة فيها ما لا يقل عن سبع حفر ، قد تجعل الرجل القوي يتعثر ويقع.. فكيف مع نساء بالملابس الضيقة ، والكعب المرتفع .. في شوارع أهملتها البلدية .. ربما على رئيس البلدية ان يجلس للإعتراف بقصوره بحق الناس ، واهمال بلديته للشوارع ، وعدم ردم الحفر ومد طرقات عصرية لا تتعثر فيها النساء . وان يراقب شوارع بلدته بدل ان يهمل وظيفته ، ويقضي وقته بشرب القهوة والثرثرة ، بينما النساء يتعثرن على شوارع البلدة بالعشرات.
بعد ان تكاثر عدد المعترفات بالتعثر ، لدرجة أقلقت الخوري على صحة وسلامة ابناء طائفته خاصة النساء منهن ، طلب الخوري اجتماعا مستعجلا مع رئيس البلدية ليحثه على البدء باصلاح الشوارع .
وصل الخوري في الموعد المتفق عليه ، ورحب به الرئيس والنواب والأعضاء وقدموا له فنجان قهوة بلا سكر كما طلب. وبدأ بموعظة عن أهمية التزام كل مسؤول بعمله الذي انتخب من أجله. مقدما مثلا عن سيرة المسيح وكيف واجه التجار في الهيكل ولم يخف ان يصارحهم بحقيقتهم ، بل قلب لهم بسطاتهم وطردهم شر طردة ، لأن الهيكل لعبادة الله وليس للتجارة . هذه هي المسؤولية ، وقال :
- يا رئيس البلدية الموقر ،ويا نوابه المحترمين ، ويا شخصيات البلدة ووجوهها ، ان شوارع بلدكم كثيرة الحفر ، الأمر الذي يسبب تعثر النساء بالعشرات ، وربما بالمئات .. حتى زوجتك يا سعادة الرئيس تعثرت حتى اليوم عشرات المرات ..
• فكرة القصة رواها لي الأديب الأردني ماجد البطاينة، ولكني استبدلت "الزحلقة" ب "التعثر" . الحكاية سحرتني و " صادرتها " مستلهما نهج حكام اسرائيل في مصادرة أرضنا وتاريخنا ومأكولاتنا وأسرلتها !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
ارتعب أبونا الكاهن من حجم الخطايا وبشاعتها في البلدة الجديدة التي انتدبته المطرانية للإشراف على كنيستها ورعاية طائفتها.
فما ان وصل البلدة ، واستلم مفاتيح الشقة التي سيسكن فيها، وقبل ان يبدأ بترتيب أغراضه المتراكمة داخل صناديق الكرتون ، حتى اخترق عليه خلوته شماس الكنيسة لاهثا من الجري ، رغم ان المسافة بين الكنيسة والمنزل لا تزيد عن خمس دقائق سيرا على الاقدام ، وكان التوتر باديا على محيا الشماس الصبياني، فهدأ من روعه وقدم له كوب ماء. وسأله وهو يشرب الماء :
- لماذا تركض .. وما الذي وترك .. ماذا حدث ؟
- الكنيسه ملآنة يا أبونا..
- ولكنه ليس وقت الصلاة ، ترى هل قدموا للترحيب بي ؟
- لا يا أبونا .. جئن للإعتراف وطلب الغفران من المسيح .
فهم الكاهن ان الموضوع ليس ترحيبا بقدومه ، وانما نساء جئن للإعتراف . قال:
- قل لهم الخوري وصل اليوم ولم يرتب أغراضه بعد .. غدا سيتفرغ لشؤون الطائفة والكنيسة.
- لا أستطع يا أبونا... سيغضبن علي ويمتنعن عن اعطائي الاكراميات ..
- اكراميات .. وهل انت شحاد ؟ .. الا تتلقى معاشا محترما .. انت تهين كرامة رجال الدين .
- المعاش قليل ولا يكفي يا ابونا.. اعتمد على طيبة قلوب النساء .. وكتمان أسرارهن.
صعق ابونا لهذا الاعتراف.
- ومن أذنك بالانصات لاعترافات النساء؟
- انا ابن البلد يا ابونا وأعرف كل أخبارها وكل خفاياها.. ارجوك تعال فورا للكنيسة..
- حسنا سآتي ، ليكن الله في عوني.. اسبقني وسالحق بك ، يجب ان أغسل وجهي واغير ملابسي.. وفيما بعد سنتحدث بمسألة الإكراميات المهينة..
هكذا بدأ الكاهن حياته الجديدة في البلدة ، وفي مهمته الجديدة.
وصل الكنيسة ، وبارك جميع المتواجدين ، وتمنى لهم الثبات في الايمان ، والالتزام بتعاليم مخلصنا يسوع المسيح .. وهمس الشماس باذنه قبل ان ينهي صلاة ابانا الذي في السموات..
- ابونا ،يسألن متى ستبدأ بالاستماع لإعترافاتهن؟
هذا الجو لم يقع حسنا في نفس الخوري. لم يتواجد ابناء الطائفة لاستقباله ، وكل ما هنالك مجموعة نساء مزركشات تملأ الأصباغ وجوههن ، يقف الشماس بمحاذاتهن ويهمس لهن بصوت يحاول ان يكون خافتا ولكنه يرن باذن الخوري،
- انت الأولى .. انت الثالثة هي الثانية.. و.. انت السابعة ، انت تأخرت اليوم .. ربما غدا .. انت التاسعة .. هي الرابعة .. هس بلا ضجة .. ابونا متعب ولن يقبل ان يستقبل اكثر من عشر .. ربما انت أيضا.. ربما انت الأخرى .. حسنا ، سأرى ما أستطيع عمله..
- لا حظ ابونا أن ايدي النساء تمتد للشماس دافشة ورقات مالية مطوية ، وفورا يضمن لهن الشماس دورا... الأمر الذي أزعجه .. وأغضبه ولكن هذا يومه الأول .. وعليه ان يتمهل ليعرف ما يدور في كنيسته ، وبين ابناء طائفته قبل ان يبدأ بوضع الأمور في مكانها الصحيح. وقد تمنى لو يقبض على عنق الشماس المترهلة من الشحم واللحم ليكتم أنفاسه.
جر نفسه بدون رغبة الى غرفة الاعتراف ، وقبل ان يلحق بالجلوس ، دخلت امرأة في القسم المخصص للمعترفين.
- تحدثي يا ابنتي ، ما الذي جاء بك ؟
وبدون مقدمات ، وكأنها تتحدث عن وجبة طعام ، قالت بلا تردد :
- زنيت مرتين يا أبونا .
تيبس لسان الكاهن ، غير المتعود على هذا النوع من الاعترافات وبمثل هذا الوضوح والوقاحة. وأضافت المرأة بثقة :
- جئت ليسامحني الله ...
- الله يسامح كل عباده التائبين .. هل هي توبة..؟ انتبهي لنفسك ولا تخطئي مرة أخرى ..
المفاجأة لم تكن هنا .. دخلت امرأة أخرى لا تقل وقاحة عن الأولى ، وقالت وكأنها تقرأ نشرة أخبار:
- زنيت مع جارنا.. وقبل اسبوع مع البقال ، ومنذ يومين مع سائق تكسي ، وجئت للإعتراف ليغفر لي الله خطاياي الكثيرة.
لولا ان ضبط ابونا لسانه في اللحظة المناسبة ، لشتم وخرج غاضبا. ما هكذا تورد الابل. احتار بعد ان ضبط أعصابه ماذا يقول لها؟
- لماذا لا تقول شيئا يا أبونا؟
- هل انت صادقة في توبتك ؟
- هذا ما ارغب به .. ولكني ضعيفة امام رغبات نفسي..
- الايمان يقوى النفس ويوجهها التوجيه الصحيح . يجب ان تضعي حدا لخطاياك .. ، لن تحصلي على غفران المسيح كل يوم ..
- ولكن المسيح صلب ومات من أجلنا ومن أجل غفران ذنوبنا ؟
- على ان لا نخطئ ونحن نعرف اننا نخطئ يا ابنتي ، وان لا نصر على الخطأ بحجة غفرانه .. لن يغفر لنا كل يوم وكل اسبوع .
في تللك الليلة لم يستطع الخوري النوم ، كانت الاعترافات المثيرة تتردد في أذنيه . الشماس ادخل عشرين امرأة وكلهن ارتكبن نفس الخطيئة ، الفرق بعدد المرات ، ترى هل هناك يوم مخصص لأنواع الخطايا ؟ ام هي الصدفة ، ام ان هذا البلد يستحق الحرق؟ والغريب ان كل الخاطئات من النساء ، الا يزني رجال هذا البلد ؟ اليس امام كل مخطئة من النساء مخطئ من الرجال؟ ام ان الرجل فرفور دمه مغفور ؟
لم يتحمل الكاهن هذا الوضع ، شعر انه سيكفر اذا استمر في هذا البلد الذي لم يسمع به خطيئة غير الزنا.. ومن النساء فقط.
في وسط الاسبوع ، سافر لمقابلة المطران ، مصرا على نقله الى مكان آخر.. وانه غير قادر على تحمل بشاعة الخطايا وتكرارها حتى بعد يوم او ساعات قليلة من الاعتراف ونيل الغفران من الخوري.
- هذا البلد يحتاج الى طوفان .. وليس الى خوري وغفران ..
هكذا قال للمطران ، مصرا على نقله.
ولم يجد المطران مفرا الا باعفاء الكاهن ونقله الى قرية نائية ، وقبل ان ينتدب كاهن جديد للبلدة قرر ان يقابل رئيس بلديتها وشخصيات البلدة المعروفين لحثهم على شطب هذا الاصطلاح الذي جعل الخوري يهرب .. مثلا بدل ان يقال " زنيت " يقال " تعثرت " وهي كلمة وقعها على السمع مريح .. ولا تربك الخوري الجديد الذي سيرسله للبلدة.
وهكذا أجتمع مع رئيس البلدية ونواب الرئيس واعضاء المجلس البلدي وشخصيات البلدة المعروفة ، وحثهم على ان يفهموا الخاطئات ، بأن يستعملن كلمة "تعثرت" بدل "زنيت" .. ولكن المطران أصر على اخفاء حقيقة ان كل المعترفات ارتكبن نفس الخطيئة ، وقال انه يصدف خاطئة واحدة كل سنة .. ولكن الكهنة حساسون لهذه التعابير ، ويستحسن عدم استعمالها من المخطئة ، مما طمأن الحضور على سلامة الأخلاق .. وان افعال كل واحد منهم مستورة !!
وصل الكاهن الجديد ، وواجه الشماس فورا يحثه على الاسراع لأن الكنيسة ممتلئة. فبارك الخوري بسره هذه البلدة المؤمنة ، وسارع يتحرك مع شماس الكنيسة ليبدأ عمله برعاية شؤون الناس .
بدأ الكاهن يستمع للإعترافات وكانت غريبة عجيبة، كلهن نساء متعثرات ، وعبثا حاول اقناعهن ان التعثر ليست خطيئة. ولكن اصرارهن على طلب المغفرة لأن تعثرهن يسبب الوقوع على الرجال ،وكأنهن بحالة عناق معهم ،ويخفن ان يعتبر ذلك خطيئة ، وهذا أبسط ابونا الكاهن لأنه يثبت ورع نساء هذه البلدة ، وسيرتهن الحسنة . وقد ايقن الخوري مصداقيتهن لأن الطريق التي تقوده من بيته الى الكنيسة فيها ما لا يقل عن سبع حفر ، قد تجعل الرجل القوي يتعثر ويقع.. فكيف مع نساء بالملابس الضيقة ، والكعب المرتفع .. في شوارع أهملتها البلدية .. ربما على رئيس البلدية ان يجلس للإعتراف بقصوره بحق الناس ، واهمال بلديته للشوارع ، وعدم ردم الحفر ومد طرقات عصرية لا تتعثر فيها النساء . وان يراقب شوارع بلدته بدل ان يهمل وظيفته ، ويقضي وقته بشرب القهوة والثرثرة ، بينما النساء يتعثرن على شوارع البلدة بالعشرات.
بعد ان تكاثر عدد المعترفات بالتعثر ، لدرجة أقلقت الخوري على صحة وسلامة ابناء طائفته خاصة النساء منهن ، طلب الخوري اجتماعا مستعجلا مع رئيس البلدية ليحثه على البدء باصلاح الشوارع .
وصل الخوري في الموعد المتفق عليه ، ورحب به الرئيس والنواب والأعضاء وقدموا له فنجان قهوة بلا سكر كما طلب. وبدأ بموعظة عن أهمية التزام كل مسؤول بعمله الذي انتخب من أجله. مقدما مثلا عن سيرة المسيح وكيف واجه التجار في الهيكل ولم يخف ان يصارحهم بحقيقتهم ، بل قلب لهم بسطاتهم وطردهم شر طردة ، لأن الهيكل لعبادة الله وليس للتجارة . هذه هي المسؤولية ، وقال :
- يا رئيس البلدية الموقر ،ويا نوابه المحترمين ، ويا شخصيات البلدة ووجوهها ، ان شوارع بلدكم كثيرة الحفر ، الأمر الذي يسبب تعثر النساء بالعشرات ، وربما بالمئات .. حتى زوجتك يا سعادة الرئيس تعثرت حتى اليوم عشرات المرات ..
• فكرة القصة رواها لي الأديب الأردني ماجد البطاينة، ولكني استبدلت "الزحلقة" ب "التعثر" . الحكاية سحرتني و " صادرتها " مستلهما نهج حكام اسرائيل في مصادرة أرضنا وتاريخنا ومأكولاتنا وأسرلتها !!
نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق