أجــرى الـحــوار: هـيـثـم البـوسـعـيـدي
فاطمة الحويدر كاتبة قديرة من المملكة العربية السعودية، تغلف نصوصها الادبية بلغة راقية، ويتميز أسلوبها الأدبي بالتشويق والامتاع، حروفها تمتلأ بالاحاسيس الرقيقة وكلماتها تكتنز بطلاقة الخيال، تمارس الكتابة الرمزية ذات الدلالات والأبعاد المختلفة، أما أعمالها الأدبية فتتوزع بين القصيدة والقصة والمقال.
هي في المقابل أدبية مهمومة بقضايا ومشاكل مجتمعها بمختلف طبقاته وشرائحه، كما أنها ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ودائما ما تسلط الأضواء في نصوصها على هموم العنصر النسائي وما يتعرض له من صور التهميش وأشكال الأقصاء.
كان هذا الحوار الشيق مع الكاتبة فاطمة الحويدر لرصد أبرز المحطات في تجربتها الكتابية:
1- ما هو الهدف الرئيس من ممارستك الدائمة لفعل الكتابة الأدبية؟
بالنسبة لي هواء نقي أتنفسه حينَ اختناق، وصدر حنون أسكبُ آلامي وأوجاعي على عتباتهْ عند ممارسة الصعود الشاق لمناحي العيش استمراراً صبور في هذهِ الحياة.. دنيا أخرى ثانية أسافرُ فيها، وأولدُ منها جديدة متجددة وإليها أظلُ أعود.. فبدونها لا أشعر بمعنى جميل لوجودي.
2-ما مدى العلاقة بينك وبين ما نقرأه في نصوصك ؟ وإلى أي مدى ما تكتبيه يمثل تجربتك الحياتية؟
هناك علاقة في البعض منها وليس الكل فأنا أكتب عن هموم الغير أيضاً وأعيش المعاناة تفاعلاً لا شعورياً عميق وكأنها مأساتي، ولي العديد من القصائد والكتابات في هذا الصدد.. بعضها نشر وبعضها ليس بعد، أما ما يمثل التجربة .. فهو في أنواع الظلم الواقع على المرأة عامةً بتهميشها والحط من شأنها عن طريق فرض قيود رهيبة قاسية محكمة الإغلاق عليها وتكبيلها بطوقها الفولاذي دون النفاذ منها، بلا رحمة أو وازع من ضمير أو حتى صفة إنسانية.
3-ممارسة الثقافة عبر العالم الافتراضي هل تختلف نتائجها عن الممارسة التقليدية للأدب؟
نعم فهناك في عالمك الافتراضي تستطيعُ بإحساسك المرهف ملامسة وجه الشمس الحارق ومداعبة أسلاك النور الجامحة وتحقيق المبهم والخارق من الأمور دون ترمد أو تلاشي، ومن ثمَ التحليق بالشعور انسيابية متناهية الذوبان بلا ثوابت.. ارتقاءً فانعتاقاً عالياً جداً مع طيور الحُلم، ترفرفُ أجنحة خيالك المفرودةِ ورداً مضمخاً بالشغف فوق قمم جبالٍ شاهقة المجهول لقطف ندى نشوةٍ حبلى بعبق ارتواء لا ينضبُ معينهُ أبداً ولا تنضوي شعلته.. فيضهُ يظلُ أبداً هارباً منك إليك.. متجلياً فيكَ غيمهْ أفقاً غامضاً ممتداً سهوباً خضراء التطلع، سماءُ فضائها لانهائي المدى ..تنسكبُ فيها حواسك المفعمة شبقاً أسيل في تناغمٍ لذيذ حدَّ بلوغ الذروة ..دون السقوط الركيك في براثن الخجل أو الانكماش الخاضع تراجعاً وتلكؤَ خيبة، ففي عالمك الافتراضي ذاك تنحلُ الروح من قيود جسدٍ ثقيلة هي مثقِلة أبداً لرؤى النفس البشرية..صخباً ملتهب البوح..كسجيرِ جمرٍ ساكن اللهب، متضرجاً أبداً حرارة في سكونِ هباءٍ بارد.. دون خوف أو وَجل.. فهناك تنطلقُ أبعادك المعنوية والحسية بحرية كاملة وبانسيابية فائقة الخلاص تتخطى جسورَ وهم ٍقاهر الحواجز ومجاهِلَ سدودٍ بليدة النهاية..لتعلو بشفافية قصوى حدَّ بلوغك التماهي عبر دقائق الأثير.. تعانقُ خفاء المبهم.. و تعبرُ المستحيل.
4-تتميزين بتنوع في انتاجاتك الادبية فأنتي تجيدين كتابة القصة والقصيدة والمقال، فما سر هذ الالمام بمختلف الادوات المنتجة لهذه الاجناس الأدبية؟
أولاً- ُتوِجَتْ سنين عمري الخمسة عشرة بجائزة أفضل كاتبة على مستوى المنطقة وكانت هذهِ البداية، فتلك ( الجائزة النور) كانت كقنديلٍ مشع أنارَ لي طريق الاستمرارية، يظلُ فتيلهُ الوقاد يضيءُ شغافُ عشقي لسحر البيان نبراساً أسيرُ على دربه مما جعلني ذلك أستمر في الكتابة وحفزني أكثر للمواصلة والعطاء بجزالة وأنا بطبعي صادقة المشاعر جداً بعيدةٌ عن المداهنات والصعود الرخيص الذي دائماً يكون ثمنهُ بخس كحب الظهور المتسلق والمتطفل حتى على حساب نفسه، انحدارً بعزة النفس للوصول و لو على الغير أو الظهور بمظهر غير كريم ولائق، وذلك فقط للاشتهار وهوس المعرفة، لذلك لم أكتب في الممنوع والمخالف أو المسكوت عنه ولم أرق ماء الكرامة على أقدام الاستجداء المستغل لنوعية الظروف..لأجل هدف بعيد أو قريب.. وكانَ لسطوة الأقدار وصروفها حظوظٌ في المسيرة ، وتحضرني هنا حادثة حصلت معي منذُ زمن عندما عرضت علي إحدى الزميلات الكتابة في إحدى الصحف المحلية بعد أن أُعجب المسئول بما أكتب وتمت الموافقة ولكن الرفض أتى من جهتي لغرابة الطلب المرفق.. ( بمقابلة شخصية )كشرط لإجازة النشر !؟ فعجبتُ من هذا الخلط الغير مبرر والغير مفهوم أو مقبول .. ومنها لم أحاول مجدداً الكتابة في الصحف الورقية..حيثُ النشر متوفر بكثرة ( بصفحات الأدب ).. واكتفيتُ فقط بالمساحة المفتوحة في النت، ولهذا ومع أني كاتبة منذُ الصغر ومتمكنة من أدواتي الكتابية لم أصل لمستوى شهرة الكتاب الجدد ! ولكنني أدركُ جيداً أن زمام الوصول الحقيقي بيد الزمن المنصف، ترسو موانئهُ العادلة عند الضفاف فتقدر حينها حق قدرها ؛ ويبقى اعتزازي أنني عندما أكتب في أي شيء.. اكتبهُ بصدق وإخلاص متفاني ومن أعماق القلب وبتأثر عميق، ففي كل مجال أدخل فيه أعطيه كامل حقه وبكل ما أملك من قدرات، فما أن امسك قلمي حتى يتدفق الشعور غزيراً صافياً منهمراً حدَّ الإغداق.
5-الأدب النسوي في الخليج ما هو رأيك فيه وإلى أي مدى استطاع أيصال الهموم والقضايا التي تعاني منها المرأة الخليجية ؟
مزدهر وجميل، غني ومتميز، أما الإيصال كقضايا مصيرية عالمياً وحتى إقليمياً فربما إلى حدٍ ما معين لم توصل الصورة المطلوبة.
6- الثالوث المحرم : الدين ، السياسة ، الجنس ، هل من السهولة التعرض له أو تجاوز خطوطه الحمراء في أدبنا العربي؟
إذا كان الهدف هوَ معالجة المشكلة فلا بأس من الطرح، وحتى التقبل من الآخر يكون أشد تأثيراً على المتلقي ..إذا كان موضوعياً ويسلط الضوء على الحلول..أما إذا كان الهدف من تجاوز الخطوط الحمراء ( الترويج للشهرة ) وللوصول السريع فقط بحيثُ يكون خادش للحياء في مسألة الجنس أو مثير للفتن في مسألة الدين ومؤججاً للحروب عبر المصالح الشخصية .. اتكاءً على أشلاء الآخر كما في مسألة العبث السياسي الحاصل وهلم جر .. فهو فاقد للمصداقية ولا يفتأُ أن ينطفئ قمره ويتلاشى مهما أضاء و استمر على الساحة.
7-ما هي أوجه الشبه والاختلاف في الرؤى والأفكار بينك وبين الكاتبة وجيهة الحويدر؟
أوجه الشبه بيننا نحمل نفس الهموم الأنثوية..
وأوجه الاختلاف هيَ واقعية وبقوة وأنا شاعرية حدَّ التناهي.
8-نشاط الملحوظ في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ماذا اضاف إليك كأمرأة؟ وما تقييمك لواقع المرأة في الخليج؟ وهل نالت حقوقها أم لا زالت في أول الطريق؟
في الحقيقة لم يغير من الواقع المر شيئاً يذكر.. لأنهُ لم يؤطر بالقوانين الصارمة والعقوبات الرادعة للمهمِّشين والمضطهدِين لحقوق النساء، أما واقع المرأة في الخليج فأفضل بكثير وفي تطور مستمر كما المرأة العمانية التي تقود السيارة ونرى تواجدها في كل مكان حتى في المطارات وبالشرطة النسائية والفنادق كقوى عاملة وكفرد فاعل في المجتمع وكذلك المرأة الكويتية فقد نالت الكثير من حقوق لا نزال نحلم بها في عالم الخيال كحصولها مؤخراً على حق السفر واستخراج الجواز لها ولصغارها دون إذن من محرم أو هبة من ولي.
9-حياتك في الولايات المتحدة واختلاطك بأشخاص ينتمون لثقافات متعددة، وتعرفك عن قرب على بيئات مختلفة هل مثل لك ذلك حافز كبير نحو طرق أبواب مغلقة في عالم الكتابة ؟
نعم فدراستي جزء من الثانوية والجامعية هناك بمثابة من يشعلُ مصباحاً ساطعاً بقوةٍ شديدة الوهج، وبلا حدود أو مساحات على ظلام غرفةٍ سجينة العزلة،كانَ مُسدَلاً على ضعفها حصاراً مقيت يظلُ ديجور ليلهِ المدلهم.. يقتاتُ نور رؤاه ُ المُراقب تداعيات بصيص ٍواهنٍ لشمعةٍ صغيرة جرحها إصبع الثقاب فأشعلها انطفاء، تسكنُ أبداً زوايا ظلمة الحياة لأنثى عربية أتت من بلاد الشرق، هذا كفِكر وتنور، أما ككتابة فلقد كان تنوع مشاهد الطبيعة الخلابة المبهرة واختلاف التأثيرات المناخية الفريدة على طقس البلاد هناك هو بمثابة الفردوس الفاتن لدنيا ساحرة منشودة البهاء جمالاً آسر ، سبباً لإثراء الخيال ونبع القريحة.
10-منذ فترة كانت لك زيارة خاصة للسلطنة؟ كيف وجدتي عمان وأهلها؟
نعم كنتُ في عمان أيام فكأنها ثوان.. وليتني ما زلتُ هناك فقد تيمتُ بها عِشقاً ولهان .. وسأعودُ إليها دون توان .. فبرغم سفري المتعدد للكثير من دول العالم العربية منها والغربية إلاَّ أني فتنتُ جداً وبقوة بجمال عُمان فتشربتها العروق حدَّ التعلق .. بل وبهرتُ بمنتهى الدهشة بجبالها الشاهقة السمراء.. الراسيةِ في خشوع جليل خلاب آسرٌ للنظر.. والمحيطِ شموخها الجميل المنبسط ملِكاً على معظم معالم المدينة "مسقط"، باعثاً منظرها المُهيب رهبةً وخشية، مدينةٌ تحتضنُ الصلابة بحب حاني.. ويحرسُ حدودها مزيج من صمتٍ متدفق الحماية حدَّ التمكن وانبساطٍ بديع مترامي الأطراف.. يمنحها طابع الحِصانة بود حميمي وملامح الصرامة بأنفة صمود تراثي عريق، وبالجانب الآخر تستلقي في دلال شواطئها الساحرة كعقدٍ ماسي مجدول، تتخللُ سكونه سفنٌ كبيرة تزينُ جيد الماء.. محملة بغنائم الصيد الكثيرة، تشاركها بهجة العوم قوارب صغيرة تلقي بحبال شباكها الرمادية هنا وهناك في عبورها المائي الرشيق.. مما يجعلُ المكان يتدفقُ حيوية حركة نابضاً أبداً بثراء الحياة، في حين يسري بينهم بجمال هادئ دفءَ خضارٍ صافي اللون.. ساحر الجمال.. طرزتهُ أعناق نخيلٍ طويلة باسقة، سامقة الارتفاع، مشرئباً فيها العنفوان كبرياءَ فتنة.. ممتدةً أعناقها ظلالاً وارفة الإغواء على طول الطريق.. يطلُ عليكَ حسنها المورق زهواً بهيج.. متمايلاً فيئها الحالم خيلاءً بهي هوَ محبب للنظر جاذبٌ للعين ( كغيدٍ حِسان) يمثلن طبيعتها الوادعة الحلوة ، فكنتُ أحبُ منظر الشروق عندما تلقي الشمس ببواكير نورها الفضي على زرقة البحر لديكم فيزدهرُ الماءُ بموجٍ عاجيُّ البريق.. متساقطاً حبات ثريا على وجنة البحر الكبير، تكسرُ لآلئهُ الساطعة عيون الضياء، ُمزيحاً الغيم وشاحهُ الأبيض الهفهاف عن غفوة الصبح المستيقظِ لتوِّه ولهاً محب.. مأسور الهيام بمفاتن هذهِ المدينة الغيداء، متجدداً صِباهُ لها حضن عودة.. غاسلاً نداهُ الرطيب أجنحة نورسٍ يحلقُ مع خيوط الفجر الأولى، وما أن تعانق زرقتهُ الداكنة شهب الضياء..حتى يسرع مدهُ الفيروزي الدفيء عدواً جانحاً نحو ثرى السواحل ينثرهُ قلادة زبدٍ صافٍ، متلألئاً ذُراهْ لهباً ساطع الحسن على صدر الرمال، مداعباً فيضهُ المقتربِ بلطف رقيق المراوغة أطرُفَ قدماي المدفونة في رطوبة تلك الرمال البيضاء، وبسلاسةٍ ناعمة يغدقُ انحسارَ طفوهْ على وحشتها نشوة سعادةٍ لذيذة ودغدغةِ لدونهٍ باردة.. ثم يغادرُ جزراً هارباً مسرع الرحيل نحو مجهولِ فراغ، تاركاً أثرهُ الآسر مطبوعاً في أعماق الذاكرة ؛ وقد شدَّتني نظافة البلد الملحوظة بقوة وترتيب شوارعها المنظمة والجسور المنورة المتناسقة مما يدل على حضارة ورقي أهلها والطيبة الشديدة النادرة التي لمستها في أهل عمان بل وعشتها هناك ، ( فللعمانيين تنحني الأخلاق العالية الرفيعة ).
11-هل من كلمة أخيرة لقراءك ومتابعي أعمالك في السلطنة؟
كلمتي الأخيرة.. أصدرت كتاب ( الرقص بألم على حافة من زجاج ) عام 2006 .. موجود بمكتبة جرير بالسعودية وبمكتبة النيل والفرات وبصدد رواية قيد الإنجاز، وكذلك التفكير بجمع وطباعة أشعاري في كتاب شامل ؛
( تحياتي الخالصة إلى الشعب العماني الأصيل وإلى الكاتب المبدع المتميز هيثم البوسعيدي )
فاطمة الحويدر كاتبة قديرة من المملكة العربية السعودية، تغلف نصوصها الادبية بلغة راقية، ويتميز أسلوبها الأدبي بالتشويق والامتاع، حروفها تمتلأ بالاحاسيس الرقيقة وكلماتها تكتنز بطلاقة الخيال، تمارس الكتابة الرمزية ذات الدلالات والأبعاد المختلفة، أما أعمالها الأدبية فتتوزع بين القصيدة والقصة والمقال.
هي في المقابل أدبية مهمومة بقضايا ومشاكل مجتمعها بمختلف طبقاته وشرائحه، كما أنها ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ودائما ما تسلط الأضواء في نصوصها على هموم العنصر النسائي وما يتعرض له من صور التهميش وأشكال الأقصاء.
كان هذا الحوار الشيق مع الكاتبة فاطمة الحويدر لرصد أبرز المحطات في تجربتها الكتابية:
1- ما هو الهدف الرئيس من ممارستك الدائمة لفعل الكتابة الأدبية؟
بالنسبة لي هواء نقي أتنفسه حينَ اختناق، وصدر حنون أسكبُ آلامي وأوجاعي على عتباتهْ عند ممارسة الصعود الشاق لمناحي العيش استمراراً صبور في هذهِ الحياة.. دنيا أخرى ثانية أسافرُ فيها، وأولدُ منها جديدة متجددة وإليها أظلُ أعود.. فبدونها لا أشعر بمعنى جميل لوجودي.
2-ما مدى العلاقة بينك وبين ما نقرأه في نصوصك ؟ وإلى أي مدى ما تكتبيه يمثل تجربتك الحياتية؟
هناك علاقة في البعض منها وليس الكل فأنا أكتب عن هموم الغير أيضاً وأعيش المعاناة تفاعلاً لا شعورياً عميق وكأنها مأساتي، ولي العديد من القصائد والكتابات في هذا الصدد.. بعضها نشر وبعضها ليس بعد، أما ما يمثل التجربة .. فهو في أنواع الظلم الواقع على المرأة عامةً بتهميشها والحط من شأنها عن طريق فرض قيود رهيبة قاسية محكمة الإغلاق عليها وتكبيلها بطوقها الفولاذي دون النفاذ منها، بلا رحمة أو وازع من ضمير أو حتى صفة إنسانية.
3-ممارسة الثقافة عبر العالم الافتراضي هل تختلف نتائجها عن الممارسة التقليدية للأدب؟
نعم فهناك في عالمك الافتراضي تستطيعُ بإحساسك المرهف ملامسة وجه الشمس الحارق ومداعبة أسلاك النور الجامحة وتحقيق المبهم والخارق من الأمور دون ترمد أو تلاشي، ومن ثمَ التحليق بالشعور انسيابية متناهية الذوبان بلا ثوابت.. ارتقاءً فانعتاقاً عالياً جداً مع طيور الحُلم، ترفرفُ أجنحة خيالك المفرودةِ ورداً مضمخاً بالشغف فوق قمم جبالٍ شاهقة المجهول لقطف ندى نشوةٍ حبلى بعبق ارتواء لا ينضبُ معينهُ أبداً ولا تنضوي شعلته.. فيضهُ يظلُ أبداً هارباً منك إليك.. متجلياً فيكَ غيمهْ أفقاً غامضاً ممتداً سهوباً خضراء التطلع، سماءُ فضائها لانهائي المدى ..تنسكبُ فيها حواسك المفعمة شبقاً أسيل في تناغمٍ لذيذ حدَّ بلوغ الذروة ..دون السقوط الركيك في براثن الخجل أو الانكماش الخاضع تراجعاً وتلكؤَ خيبة، ففي عالمك الافتراضي ذاك تنحلُ الروح من قيود جسدٍ ثقيلة هي مثقِلة أبداً لرؤى النفس البشرية..صخباً ملتهب البوح..كسجيرِ جمرٍ ساكن اللهب، متضرجاً أبداً حرارة في سكونِ هباءٍ بارد.. دون خوف أو وَجل.. فهناك تنطلقُ أبعادك المعنوية والحسية بحرية كاملة وبانسيابية فائقة الخلاص تتخطى جسورَ وهم ٍقاهر الحواجز ومجاهِلَ سدودٍ بليدة النهاية..لتعلو بشفافية قصوى حدَّ بلوغك التماهي عبر دقائق الأثير.. تعانقُ خفاء المبهم.. و تعبرُ المستحيل.
4-تتميزين بتنوع في انتاجاتك الادبية فأنتي تجيدين كتابة القصة والقصيدة والمقال، فما سر هذ الالمام بمختلف الادوات المنتجة لهذه الاجناس الأدبية؟
أولاً- ُتوِجَتْ سنين عمري الخمسة عشرة بجائزة أفضل كاتبة على مستوى المنطقة وكانت هذهِ البداية، فتلك ( الجائزة النور) كانت كقنديلٍ مشع أنارَ لي طريق الاستمرارية، يظلُ فتيلهُ الوقاد يضيءُ شغافُ عشقي لسحر البيان نبراساً أسيرُ على دربه مما جعلني ذلك أستمر في الكتابة وحفزني أكثر للمواصلة والعطاء بجزالة وأنا بطبعي صادقة المشاعر جداً بعيدةٌ عن المداهنات والصعود الرخيص الذي دائماً يكون ثمنهُ بخس كحب الظهور المتسلق والمتطفل حتى على حساب نفسه، انحدارً بعزة النفس للوصول و لو على الغير أو الظهور بمظهر غير كريم ولائق، وذلك فقط للاشتهار وهوس المعرفة، لذلك لم أكتب في الممنوع والمخالف أو المسكوت عنه ولم أرق ماء الكرامة على أقدام الاستجداء المستغل لنوعية الظروف..لأجل هدف بعيد أو قريب.. وكانَ لسطوة الأقدار وصروفها حظوظٌ في المسيرة ، وتحضرني هنا حادثة حصلت معي منذُ زمن عندما عرضت علي إحدى الزميلات الكتابة في إحدى الصحف المحلية بعد أن أُعجب المسئول بما أكتب وتمت الموافقة ولكن الرفض أتى من جهتي لغرابة الطلب المرفق.. ( بمقابلة شخصية )كشرط لإجازة النشر !؟ فعجبتُ من هذا الخلط الغير مبرر والغير مفهوم أو مقبول .. ومنها لم أحاول مجدداً الكتابة في الصحف الورقية..حيثُ النشر متوفر بكثرة ( بصفحات الأدب ).. واكتفيتُ فقط بالمساحة المفتوحة في النت، ولهذا ومع أني كاتبة منذُ الصغر ومتمكنة من أدواتي الكتابية لم أصل لمستوى شهرة الكتاب الجدد ! ولكنني أدركُ جيداً أن زمام الوصول الحقيقي بيد الزمن المنصف، ترسو موانئهُ العادلة عند الضفاف فتقدر حينها حق قدرها ؛ ويبقى اعتزازي أنني عندما أكتب في أي شيء.. اكتبهُ بصدق وإخلاص متفاني ومن أعماق القلب وبتأثر عميق، ففي كل مجال أدخل فيه أعطيه كامل حقه وبكل ما أملك من قدرات، فما أن امسك قلمي حتى يتدفق الشعور غزيراً صافياً منهمراً حدَّ الإغداق.
5-الأدب النسوي في الخليج ما هو رأيك فيه وإلى أي مدى استطاع أيصال الهموم والقضايا التي تعاني منها المرأة الخليجية ؟
مزدهر وجميل، غني ومتميز، أما الإيصال كقضايا مصيرية عالمياً وحتى إقليمياً فربما إلى حدٍ ما معين لم توصل الصورة المطلوبة.
6- الثالوث المحرم : الدين ، السياسة ، الجنس ، هل من السهولة التعرض له أو تجاوز خطوطه الحمراء في أدبنا العربي؟
إذا كان الهدف هوَ معالجة المشكلة فلا بأس من الطرح، وحتى التقبل من الآخر يكون أشد تأثيراً على المتلقي ..إذا كان موضوعياً ويسلط الضوء على الحلول..أما إذا كان الهدف من تجاوز الخطوط الحمراء ( الترويج للشهرة ) وللوصول السريع فقط بحيثُ يكون خادش للحياء في مسألة الجنس أو مثير للفتن في مسألة الدين ومؤججاً للحروب عبر المصالح الشخصية .. اتكاءً على أشلاء الآخر كما في مسألة العبث السياسي الحاصل وهلم جر .. فهو فاقد للمصداقية ولا يفتأُ أن ينطفئ قمره ويتلاشى مهما أضاء و استمر على الساحة.
7-ما هي أوجه الشبه والاختلاف في الرؤى والأفكار بينك وبين الكاتبة وجيهة الحويدر؟
أوجه الشبه بيننا نحمل نفس الهموم الأنثوية..
وأوجه الاختلاف هيَ واقعية وبقوة وأنا شاعرية حدَّ التناهي.
8-نشاط الملحوظ في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ماذا اضاف إليك كأمرأة؟ وما تقييمك لواقع المرأة في الخليج؟ وهل نالت حقوقها أم لا زالت في أول الطريق؟
في الحقيقة لم يغير من الواقع المر شيئاً يذكر.. لأنهُ لم يؤطر بالقوانين الصارمة والعقوبات الرادعة للمهمِّشين والمضطهدِين لحقوق النساء، أما واقع المرأة في الخليج فأفضل بكثير وفي تطور مستمر كما المرأة العمانية التي تقود السيارة ونرى تواجدها في كل مكان حتى في المطارات وبالشرطة النسائية والفنادق كقوى عاملة وكفرد فاعل في المجتمع وكذلك المرأة الكويتية فقد نالت الكثير من حقوق لا نزال نحلم بها في عالم الخيال كحصولها مؤخراً على حق السفر واستخراج الجواز لها ولصغارها دون إذن من محرم أو هبة من ولي.
9-حياتك في الولايات المتحدة واختلاطك بأشخاص ينتمون لثقافات متعددة، وتعرفك عن قرب على بيئات مختلفة هل مثل لك ذلك حافز كبير نحو طرق أبواب مغلقة في عالم الكتابة ؟
نعم فدراستي جزء من الثانوية والجامعية هناك بمثابة من يشعلُ مصباحاً ساطعاً بقوةٍ شديدة الوهج، وبلا حدود أو مساحات على ظلام غرفةٍ سجينة العزلة،كانَ مُسدَلاً على ضعفها حصاراً مقيت يظلُ ديجور ليلهِ المدلهم.. يقتاتُ نور رؤاه ُ المُراقب تداعيات بصيص ٍواهنٍ لشمعةٍ صغيرة جرحها إصبع الثقاب فأشعلها انطفاء، تسكنُ أبداً زوايا ظلمة الحياة لأنثى عربية أتت من بلاد الشرق، هذا كفِكر وتنور، أما ككتابة فلقد كان تنوع مشاهد الطبيعة الخلابة المبهرة واختلاف التأثيرات المناخية الفريدة على طقس البلاد هناك هو بمثابة الفردوس الفاتن لدنيا ساحرة منشودة البهاء جمالاً آسر ، سبباً لإثراء الخيال ونبع القريحة.
10-منذ فترة كانت لك زيارة خاصة للسلطنة؟ كيف وجدتي عمان وأهلها؟
نعم كنتُ في عمان أيام فكأنها ثوان.. وليتني ما زلتُ هناك فقد تيمتُ بها عِشقاً ولهان .. وسأعودُ إليها دون توان .. فبرغم سفري المتعدد للكثير من دول العالم العربية منها والغربية إلاَّ أني فتنتُ جداً وبقوة بجمال عُمان فتشربتها العروق حدَّ التعلق .. بل وبهرتُ بمنتهى الدهشة بجبالها الشاهقة السمراء.. الراسيةِ في خشوع جليل خلاب آسرٌ للنظر.. والمحيطِ شموخها الجميل المنبسط ملِكاً على معظم معالم المدينة "مسقط"، باعثاً منظرها المُهيب رهبةً وخشية، مدينةٌ تحتضنُ الصلابة بحب حاني.. ويحرسُ حدودها مزيج من صمتٍ متدفق الحماية حدَّ التمكن وانبساطٍ بديع مترامي الأطراف.. يمنحها طابع الحِصانة بود حميمي وملامح الصرامة بأنفة صمود تراثي عريق، وبالجانب الآخر تستلقي في دلال شواطئها الساحرة كعقدٍ ماسي مجدول، تتخللُ سكونه سفنٌ كبيرة تزينُ جيد الماء.. محملة بغنائم الصيد الكثيرة، تشاركها بهجة العوم قوارب صغيرة تلقي بحبال شباكها الرمادية هنا وهناك في عبورها المائي الرشيق.. مما يجعلُ المكان يتدفقُ حيوية حركة نابضاً أبداً بثراء الحياة، في حين يسري بينهم بجمال هادئ دفءَ خضارٍ صافي اللون.. ساحر الجمال.. طرزتهُ أعناق نخيلٍ طويلة باسقة، سامقة الارتفاع، مشرئباً فيها العنفوان كبرياءَ فتنة.. ممتدةً أعناقها ظلالاً وارفة الإغواء على طول الطريق.. يطلُ عليكَ حسنها المورق زهواً بهيج.. متمايلاً فيئها الحالم خيلاءً بهي هوَ محبب للنظر جاذبٌ للعين ( كغيدٍ حِسان) يمثلن طبيعتها الوادعة الحلوة ، فكنتُ أحبُ منظر الشروق عندما تلقي الشمس ببواكير نورها الفضي على زرقة البحر لديكم فيزدهرُ الماءُ بموجٍ عاجيُّ البريق.. متساقطاً حبات ثريا على وجنة البحر الكبير، تكسرُ لآلئهُ الساطعة عيون الضياء، ُمزيحاً الغيم وشاحهُ الأبيض الهفهاف عن غفوة الصبح المستيقظِ لتوِّه ولهاً محب.. مأسور الهيام بمفاتن هذهِ المدينة الغيداء، متجدداً صِباهُ لها حضن عودة.. غاسلاً نداهُ الرطيب أجنحة نورسٍ يحلقُ مع خيوط الفجر الأولى، وما أن تعانق زرقتهُ الداكنة شهب الضياء..حتى يسرع مدهُ الفيروزي الدفيء عدواً جانحاً نحو ثرى السواحل ينثرهُ قلادة زبدٍ صافٍ، متلألئاً ذُراهْ لهباً ساطع الحسن على صدر الرمال، مداعباً فيضهُ المقتربِ بلطف رقيق المراوغة أطرُفَ قدماي المدفونة في رطوبة تلك الرمال البيضاء، وبسلاسةٍ ناعمة يغدقُ انحسارَ طفوهْ على وحشتها نشوة سعادةٍ لذيذة ودغدغةِ لدونهٍ باردة.. ثم يغادرُ جزراً هارباً مسرع الرحيل نحو مجهولِ فراغ، تاركاً أثرهُ الآسر مطبوعاً في أعماق الذاكرة ؛ وقد شدَّتني نظافة البلد الملحوظة بقوة وترتيب شوارعها المنظمة والجسور المنورة المتناسقة مما يدل على حضارة ورقي أهلها والطيبة الشديدة النادرة التي لمستها في أهل عمان بل وعشتها هناك ، ( فللعمانيين تنحني الأخلاق العالية الرفيعة ).
11-هل من كلمة أخيرة لقراءك ومتابعي أعمالك في السلطنة؟
كلمتي الأخيرة.. أصدرت كتاب ( الرقص بألم على حافة من زجاج ) عام 2006 .. موجود بمكتبة جرير بالسعودية وبمكتبة النيل والفرات وبصدد رواية قيد الإنجاز، وكذلك التفكير بجمع وطباعة أشعاري في كتاب شامل ؛
( تحياتي الخالصة إلى الشعب العماني الأصيل وإلى الكاتب المبدع المتميز هيثم البوسعيدي )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق