الخميس، نوفمبر 19، 2009

أطفالنا ينتعشون بالأدب أكثر من البيتسا والماكدونالدز

نعمان اسماعيل عبد القادر
القصةُ والأغنيةُ والمسرحيةُ... ألوانٌ أدبية تتعامل معها الأمُ في بيتها، والحاضنة في روضتها، والمربية في مدرستها، والطفل في غرفته.. ألوانٌ تنوّعت وتعدّدت بتعدد كُتّابها ومبدعيها، وتناغمت مع تناغم رسوماتها ومصمميها. كلّما بكى طفلٌ أعطيناه نصف عمرنا بل كلّ وقتنا وغنّينا له بأصواتنا العذبة، وكلّما نام طفلٌ حرصنا على راحته فصمتنا من أجله وصمَّمْنا على السير على أطراف أصابعنا حتى لا نوقظه فنعكّر صفو منامه.. نعم باتت الأمهات أغلبهن في عصرنا يحرصن على إيجاد ما يساعد على تعليم أبنائهن وتدريبهم على الاندماج مع الكبار في حياتهم اليوميّة ومساعدتهم في تطوير مهاراتهم النطقية والحركيّة والفكريّة، بتكثيف الإرشاد السلوكي والعقلي بنيّة الوصول إلى نتائج مرضية.. مَن مِن الأمهات لا تفرح حين ترى ابنها يقف أمامها لأول مرة على قدميه.. ومن منهن لا ترضى أن يزداد عدد الكلمات التي ينطق بها طفلها في أول نطقه.. ومن فيهن لا ترغب أن يصنع ابنها المجد لنفسه ويرفع من شأن مربيته. وتشير جميع الدراسات أن للأدب دور كبير في تنمية الطفل روحيًّا ومعنويًّا، فكريًّا وأخلاقيًّا، اجتماعيًّا وتربويًّا، وتوصي بإيجاد سبلٍ لتوعية الأمهات لضرورة التوجّه نحو الأدب والإكثار من استخدام كتبٍ للأطفال حتى يكتسب الطفل القيم التربوية اللازمة وتوجيهه نحو الأفضل وتهيئته للاندماج مستقبلا في الحياة العامة ليكون مواطنًا صالحًا منتجًا مفيدًا لمجتمعه لا عبئًا ثقيلاً عليه، وحتى يكتسب من الموروث الثقافي والحضاري والقومي والديني ليسوغ منها هويته التي يعتز بها.
إن أجمل شيء تقدمه الأسرة الأوروبية لابنها في عيد ميلاده كلّ عامٍ أو لتهنئته على شفائه إذا ما مرض هو "كتاب للأطفال"؛ لأنها تتطلع من وراء ذلك إلى تزويده بالغذاء الفكري الذي يعود على ابنها بالفائدة وتولي له أهميّة كبيرةً حتى يصبح في أعلى سلّم أولوياتها. إنّ تحبيب الطفل للكتاب واجبٌ مقدّسٌ في عصرنا الذي أخذت فيه أمتنا تعزف عزوفًا شاذًا عن القراءة وتتجه نحو التزوّد بأصناف غذاءٍ من نوع البيتسا والماكدونالدز والشاورما في الوقتٍ الذي تتباهى فيه الأمم الأخرى بكثرة قرائها ووفرة علمائها وغزارة أبحاثها وجودة إنتاجها وقوّة اقتصادها وانخفاض معدّل الجرائم والبطالة فيها، بينما تتفشى مظاهر العنف فينا وتتعدد أشكالها وتتطوّر أساليبها لتتلاءم مع متطلبات العصر لتسير في خطٍّ متوازٍ مع الابتكارات والانجازات العلمية التي يحققها الآخرون من الشعوب الأخرى هذا عدا عن تقدّمها البطيء الذي يكاد لا يذكر بالمقارنة مع تقدّم باقي الشعوب. أنا لا أنفي ولن أنفي وجود شريحةٍ لا بأس فيها في مجتمعنا من الأمّهات اللائي يقدّمن لأولادهن أرقى ما في الأدب وأروع ما أنتجته قرائح الشعراء وأنقى ما أصدرته دور النشر، لكنني أودّ أن أذكّر بالمثل القائل: درهم وقاية خير من قنطار علاجٍ.. وما أعظم ذلك المثل في عاميتنا الفلسطينية القائل: حين يلقي مجنون حجرًا في بئر، نحتاج إلى ألف عاقلٍ من أجل إخراجه منها.. ولتدارك أمر سقوط الحجر في البئر ينبغي العمل من الأساس ومنذ البداية على خلق أجواء مناسبة وظروف جديدة لتشكيل سورٍ واقٍ يقي الأبناء من الانزلاق إلى الهاوية. وللأم الدور الكبير الهام في تنشئة طفلها وتربيته وتهذيب أخلاقه التي يتفق علماء النفس جميعًا على أنها مكتسبة ومنقولة لا موروثة، بيئية لا وراثية.
من أجل تحبيب الطفل في الكتاب لا بد من توفير الكتاب له وقراءته أمامه باستمرار ومشاهدته والتمعن في مكوّناته وصوره ورسوماته حتى يلمسه الطفل ويشعر بوجوده عن قربٍ قبل أن يسمع عن وجوده من غيره من زملائه في المدرسة.
أَذكُر حين كنّا صغارًا كانت أمّي تحدّثنا قصصًا كثيرةً متنوّعةً، منها المستمدّة من التراث والحضارة العربيّين، وأغلبها مستمدّة من أساطير خرافيّةٍ لقوى غيبية خارقة مخيفةٍ متواترة تجعلنا نغمر وجوهنا خوفًا من ظهورها لنا كالغول والجنيّة والساحرة. ومع كلّ هذا كنّا نتشوّق لسماع الجديد منها من القصص الأخرى. وكنتُ إذا وجدتُ نفسي وحيدًا أعدّ النقاط الكهربائية الموزّعة في حيطان الغرفة أو سقفها حتى استدعي النعاس إلى عينيّ فتأخذني الغفوة التي أبحث عنها. فأين نحن من كتب الأطفال في ذلك الوقت. علينا أن نحمد الله ألف مرة في اليوم والليلة على تحسّن ظروف عيشنا وعلى وفرة الكتب بالمقارنة مع الأيّام التي كنّا لا نجد فيها قصة واحدة ولا نملك ثمنًا لها إن وجدت ولم نجد كاتبًا واحدًا يُعنى بشؤون الأطفال كما يُعنى بها أدباؤنا اليوم في جميع تخصصاتهم الفكريّة. ولهذا حريٌّ بجميع الأمهات التفكير والتوجّه والاطّلاع على أصناف هذا الأدب واختيار أفضلها قبل التوجّه لاختيار أصناف الطعام الشهيّة. وحيّا الله هؤلاء الكتّاب.
naamankq@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: