الثلاثاء، ديسمبر 02، 2008

صباح الخير جيوس

سامح عوده

نزف للبلدة التي أحببتها

وأحبتني ..!!

مكتب محافظة قلقيلية

أدركُ تماماً أن صباحات الكاتب الكبير زياد الجيوسي هي من وهبت يراعي الجرأة كي يسكبَ من مداده وفاءً لجيوس البلدة الفلسطينية الشامخة بشموخ أهلها وعنفوان ابنائها، فصباحكِ أجمل يا جيوس، صباحكم أجمل أهالي جيوس أيها الزارعون للارض، أيها المقاومون لكل سياسات الاحتلال وهمجيته، الاحتلال الذي حاول أن يغرس انياب جرافاته في تراب أرضكم الطاهرة كي تقلعوا، وحاول بمستوطناته التي بناها على أرضكم كي تركعوا، وحول بلدتكم الى معازل بعد أن اقام جدار الفصل العنصري ليقطع عنكم وريد الحياة فتنتحروا، فلم يفلح، كنتم وما زلتم سداً منيعاً في وجه العاصفة الغوغاء، تأبى الهامات العاليات أن تنحني الا لله، فجذركم الكنعاني الراسخ في رحم الارض ظل ممتداً منذ أن خلقت ذرات التراب الأولى، ونبتت في رحم الطين أول بذرة.

هي جيوس التي ما هانت يوماً، وهي موطن الرجال .. الرجال الذين يعبرون عن تواصلهم الروحاني مع بلدتهم كل يوم بصورة فيها من الوفاء، والصمود، والخلود الكثير .. الكثير، لذلك توافدت وسائل الاعلام، وجرائد الاخبار، وكل المسموعات والمرئيات، كي تنقل أخبار المنغرسين بأرضهم، المنزرعين بمزارعهم، لكن للاسف كان السواد الاعظم منها أجنبياً، أما وسائل الاعلام العربية حفظها الله..!! فقد كانت قليلة العدد، يبدو أن العزف على جرح الخلاف الفلسطيني الداخلي يحتل الأولوية في برنامجها فتاهت بين الحاء والفاء ..!!

فصباحكك أجمل يا جيوس ..

جيوس البلدة الفلسطينية الوادعه الواقعة على تلةٍ متوسطةِ الارتفاع، إلى الشرق من مدينة قلقيلية، وتبعد عنها ما يقارب عشرة كيلو مترات، تتربع على عرش الجمال، فيها الزيتون الرومي ما زال يشهد بأن هده الارض فلسطينية خالصة، ربما كانت تلك الأسباب هي التي فتحت شهية الاحتلال، ليقم على أرضها مستوطنة " تسوفيم " التي تقعُ الى الغرب من البلدة مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، جالباً لقطاء الارض، وأرذل الخلق كي يقيموا عليها، لقد نهبت تلك المستوطنة الآف الدونمات، ولوثت جوها النقي، المطعم برائحة البرتقال، واللوز، والزيزفون الغافي على سفوحها، بالكسارات التي تطحنُ الصخر، محاولةً تغيير معالمها التاريخية، قاتلةً النرجس، والزعتر، والدحنون، النابت بإرادة لله بين صخورها، تهافت المستوطنون اللقطاء يقيمون كساراتهم، بدعم من الاحتلال، ولم ينتهِ المشهد عند هذا الحد، فمع بداية العام 2002 م أقيم جدار الفصل العنصري على أرضها تحت مرآى ومسمع عالمٍ ( حُرًّ ) مكملاً ذاك الجدار الذي يتلوى كالأفعى على امتداد الأرض الفلسطينية، مدمراً الآف الدونمات في مساره، وعازلاً الآفاً أخرى خلفه، هي عصب الحياة للمواطنين، الذين حفروا في الصـخر فزرعوا كل الطيبات متحدين كل الصعاب، كنتُ قبل أيام برفقة احدى الصحفيات الأمريكيات التي تقيمُ في ألمانيا في جولة للاطلاع على ما أحدثه جدار الفصل العنصري من خراب، فأصرت أن تلتقي أحد المزارعين من البلدة بعد أن عبرت عن ذهولها لما شاهدته من جدار يتلوى قالت عنه انه أفعى تأكلُ الأخضر واليابس ، فالتقت شريف عمر"أبو عزام" وهو مزارع تعلم مند ايام طفولته الأولى أن على هذه " الأرض ما يستحق الحياة " لذلك آثر أن يكون مزارعاًً يأكل هو وأسرته مما تزرع يداه، سألته الصحفية سؤلاً:

- مادا تزرع في أرضك ؟

فاجابها بالانجليزية وبطلاقة أملك الجنة.. فذكر لها أكثر من عشرة اصناف من الفواكه مزروعةً في أرضه التي نهبها الجدار، هؤلاء هم الفلسطينيون بلاغتهم تسبقهم، يذهلون الآخر بانجازاتهم، لذلك أبدع المزارعُ في هده البلدة بالزارعة فأنتج كل ما تشتهيه الانفس، ساعده في ذلك المناخ ووفرة المياه، وسواعده التي غرست فمنها أكل.

صباح الخير ايتها السواعد السمراء ..

صباح الخير لحبات القمح التي بذرها المزارعون قبل أيام، وجمعوا زيتاً وزيتوناً قبل شهر، صباح الخير للسواعد السمراء، التي زرعت، وقاومت.

بحكم عملي، وبحكم القرابة والنسب التي تربطني بالبلدة وأهلها، كنت قد ترددت عليها كثيراً في الايام الاخيرة، وشاهدت تلك السواعد التي جبلت بعرقها تراب الارض، تزرعُ في يد وترمي الحجارة باليد الاخرى، كنتُ قد شاهدتُ شيوخاً، وشباناً، وأطفالاً يخرجون في مسيرة حاشدة ضد الاحتلال وجداره المقيت، فيشتبكون معهم، بصدورهم العارية، يقتلعون بوابات جدار الفصل العنصري من جذورها، ويرمونها في الجحيم، يجنُ الجيش والعسكر فيمطرون البشر، والشجر، بزخاتٍ من الرصاص الحي، والقنابلَ المسيلةَ للدموع، ويخوض الشبان معركةَ الصدور العارية، فقط كل ما يملكونه، إيمان بالله وبعدالةِ قضيتهم، التي قدموا أنفسهم قرباناً لها..

جيوس .. ذاكرة الزمان، وذاكرة المكان، ونزيف الجرح الغائر في الروح، قرر المسؤولون في البلدة أن تستمر فعالياتهم ضد الجدار ، وأن يكون كل يوم جمعة من كل أسبوع، فعالية مناهضة للاحتلال وجداره، وللأسف لم يجد السكان المحليون من يقدم يد العون لهم إلا مجموعات من المتضامنين الأجانب، يبدو أن العروبةَ قد نضبَ عطاؤها، فشكراً للعروبة التي وحدتنا فلم نغث بعضنا بعضاً..!!

المواطنون لم تهن عزائمهم رغمَ الجيوش المجيشة التي تتربص بهم ليلَ نهار، لذلك رأيت الإصرار في عيونهم نسراً محلقاً، والتحدي في ملامح وجوههم خيلاً تدوس بحوافرها رملَ الصحراء، ومع ذلك فان البلدة وأهاليها ينتظرون من يمدُ لهم يدَ العون للعبور إلى بر الأمان، الصمود أكثر والتخلص من الاحتلال، وهدم جدار الفصل العنصري، وإزالة المستوطنات، لذلك بعثوا ببرقياتهم لذوي العلاقة والشأن :

- البرقية الأولى للعالم الحر، والمؤسسات الراعيةُ للإنسان وحقوقه، خاصة الأمم المتحدة كي يوجهوا أنظارهم إلى القضية الفلسطينية بشكل عام، والى البلدة بشكل خاص، خاصة وأن البلدة بعد أيام قلائل سوف يزورها وفد من الأمم المتحدة ليرصد الضرر ويستمع إلى شكاوى المواطنين، وما لحق بهم من أضرار، يأملُ المواطنون أن ترصد اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة كلَ الضرر الذي لحق بهم وبأرضهم، وترفعُ تقاريرها بشفافية لذوي الشأن، ويعمل بجدٍ على إنفاذ كل التوصيات التي سوف تصدر عنها، ألم ينص القانون الإنساني على الحق في الحياة ..؟!

- البرقية الثانية: يوجها المواطنون إلى الأمة العربية والإسلامية، كي تقدمَ يدَ العون والمساعدة للفلسطينيين بشكل عام وللبلدة بشكل خاص، مادياً، ومعنوياً، وإعلامياً، من حق أهالي البلدة أن يأملوا بكم الخير، الم نقل يوما أن بلاد العرب أوطاني..؟!

- البرقية الثالثة: يوجهها أهالي البلدة إلى رمز شرعيتهم إلى الرئيس محمود عباس، والأخ الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني، بأن يولوا البلدة نصيباً آخر في المشاريع، أعلم جيداً أنهم لم يقصروا، فقد قدمتم الكثير لمحافظة قلقيلية كونها منكوبة، وقدمتم لجيوس الكثير، الم نتعود على كرمكم وسخائكم الدائمين؟

هذه جيوس صفحات من حكاية وجع، سطورها الاحتلال، وكلماتها الاستيطان، ويبدو أن في الحكايةِ سطوراً لم تروَ، تحتاجُ بحراً من حبرٍ كي يكتبها، لذلك فان الشمسَ قد ألقت خصلات أشعتها على الأرض المشتاقةُ لعناقها، في هذا الجو الخريفي، وقبلَ أن يولي الصباح هارباً أقول :

صباحكِ أجمل يا جيوس ..

صباح الخير .. لجدتي زهرة التي تجاوزت المئة عام زيتونةً على أرض هذه البلدة، صباح الخير صديقي زياد جيوسي الذي أفتقده منذ أيام، وعذراً لهذا الصباح فاليراعُ لم يجد له متنفساً إلا على أنغام حرفك، صباح الخير محمد طاهر "أبا الطاهر " رئيس البلدية الذي غمرنا بكرمه، وعلمنا كيف نعملُ فريقاً واحداً من أجل الوطن، صباح الخير أبا أستاذ غسان أبا زياد أستاذي الذي علمني منذ كنت تلميذاً، وعملتُ بعد سنوات معه فأمدني بالطاقة دائماً، نعم نحن البذرةُ التي زرعتموها فكما زرعتم ستقطفون، صباح الخير عمر سمحه " أبو المعتز " الذي قدم لي الكثير، صباح الخير شريف عمر أبو عزام الذي خضنا معه في معظم بقاع الوطن معاركنا ضد الاستيطان والجدار، صباح الخير أستاذ يوسف نوفل.. صباح الخير إلى العائلات والعمات، والخالات، ولكل فرد في البلدة صبر، وقاوم، وانزرع كزيتون في أرضها..

أما الصباح الأخير فهو لذلك الرجل الذي أيقظ الطاقات فيَّ، ووجهني للكتابة عن كل جرح، صباح الخير لك أبا خالد ربيح الخندقجي محافظ محافظة قلقيلية، أرسله لك وأنت في الديار الحجازية تؤدي مناسك الحج ..

صباح الخير للوطن .. والى اللقاء في صباح تشرق فيه شمس الحرية على وطني والاحتلالُ زائل لا محالة..

ليست هناك تعليقات: