السبت، ديسمبر 13، 2008

عصـا المـوت

عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com

عندما كنا صغاراً ،
وكنا نتلقى العقاب من احد والدينا على جنوحنا ، وشقاوتنا
كان يصيح احدهما على وقع ضرباته ، قائلاً :
" سوف اميتك ضرباً "
أو : " سوف أضربك حتى الموت "
وكنا نعرف – رغم طفولتنا - ،
أن مثل هذه العبارات ،
ليست غير كلمات عارية من أى معنى فى قانون عقابنا ،
فهى تنطق ؛ لنسمعها فقط ، ولا يؤخذ بها !
ولكن ها هى التهديدات الخيالية ،
تنطلق من بيوتنا ،
لتصبح حقيقية فى عقول الذين كادوا أن يكونوا رسلاً ،
فكانوها ، ولكن رسلاً للموت !
من منا لايذرف قلبه بالدموع ، على : " إسلام "
الذى لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره ،
ولم يكن يعرف أن صباح ذلك اليوم الحزين ،
هو آخر الصباحات التى سيرتدى فيها زيه المدرسى الجميل ،
وهو يجرى مسرعاً إلى مدرسته
عندما اخذ مدرس الرياضيات عصاه الرهيبة ،
تسبقه تكشيرته المرعبة ،
وأخذ يعاقبه على عدم تأديته لفروضه المدرسية
كانت العصا غليظة ، ومؤلمة
وبقدرالالم كان صراخه
وبقدر صراخه ،
كان يزداد الاستاذ هياجاً ، ووحشية
فأخذ يركله : فى بطنه ، وفى صدره
وأخيراً صاح فيه : اجرى اقعد مكانك يا حيوان !
لكن إسلام لم يستطع العودة الى مكانه ،
فقد سقط على الارض يتلوى من شدة الالم ،
وقلبه يحاول اللحاق بتلابيب الحياة الهاربة ،
والتى ركلتها الاقدام
وفى المشفى ،
رحل عن عالمنا القاسى قبل ان يفرح مع زملائه بأعياد الطفولة !
ومن منا لا يتمزق قلبه حزناً وأسى ، على : " خديجة " ،
التى لحقت بزميلها ، ولم يمض على وداعه شهراً
فهى أيضاً لم تخرج كراسة واجباتها المدرسية ،
فأخذ مدرسها يكيل لها الضربات الدامية ،
ويطلق عليها شتائمه البذيئة ،
التى فاقت العذاب المؤلم
وأخيراً سقطت على الارض؛ لتعلن نهاية قصتها كطالبة !
وهكذا أصبحت العصا ،
فى يد المدرس ،
من أداة تشير إلى أرقام وحروف المعرفة ،
إلى أداة تشير إلى القسوة ، والعنف ، والذل ، والموت !
وهكذا أصبح التأديب ،
الذى له اصوله ، وحدوده الانسانية ،
تعذيباً ليس له حدود ، ولا نهايه ، إلا النهاية !
**
إن موت طفل ،
يشبه أنطفاء نجمة مشعة ، أو سقوط شهاب
وهذا يعنى نقص كمية الجمال ، والبراءة ، فى الكون
وهذا أمر محزن !

ليست هناك تعليقات: