الأربعاء، ديسمبر 24، 2008

ماذا تعني لنا دار نشر؟

د. حبيب بولس
في عدد من الندوات التي أقيمت ضمن شهر الثقافة الذي يقيمه بيت الكرمة طرحت العديد من الأسئلة التي على ما يبدو تشغل بال مبدعينا, وذلك لخصوصية الموقع وخصوصية المرحلة. من هذه الأسئلة التي احتلت مركز الصدارة في الندوات المشار إليها سؤال: ماذا تعني لك ككاتب أو كشاعر دار نشر؟ وسؤال آخر على جانب كبير من الأهمية هو: هل هناك أزمة قراءة في وسطنا العربي؟ وان وجدت هل هي أزمة محلية خاصة أم عربية عامة؟
وعدا هذين السؤالين نبعت أسئلة كثيرة على نفس الخلفية, منها أسئلة تتعلق باتحادات الكتاب, ودائرة الثقافة, ومناهج التعليم, وقضية النقد, ودور وسائل الأعلام وغير ذلك الكثير الكثير.
*في هذا المقال سأحاول الإجابة عن أحد هذه الأسئلة مرجئا الإجابة عن الأخرى إلى مقالات قادمة, الإجابة سترتكز على معطيات مسحوبة من واقع الحركة الأدبية المحلية والعربية وربما العالمية, وهي ستتأسس على الأسئلة المركزية مع محاولة لضم الفرعية منها ضمنها, مع لفت النظر إلى أن الإجابة مهما ستطمح إلى الصحة لن تكون شافية جامعة مانعة وإنما ستكون مساهمة فردية تعبّر عن قناعة معينة بالنسبة للأسئلة المطروحة علها تثري النقاش أو علها تفتح بابا كما ذكرت لإخصاب هذا النقاش وبالتالي للوصول إلى حل يمكن أن يخرج الكاتب أو الشاعر من هذه الإشكالية التي تكبس على صدره لينطلق محلقا في أجواء عالمه الأدبي, دون أن يحمل عبء النشر وعبء التوزيع, وكلاهما عبء ثقيل يعيق الخلق والإبداع.
* إذن السؤال الذي سيدور عليه هذا المقال هو: ماذا تعني لك كأديب دار نشر؟
*بداية أقول أن مجرد طرح سؤال كهذا وبإلحاح يشي بوجود إشكالية قائمة بين الأدباء من جهة ودور النشر الموجودة من أخرى. وهذا شيء طبيعي فالأديب بالنسبة لعملية النشر طرف ودار النشر طرف آخر, وكلاهما يبحث عن نفس الشيء من خلال الآخر. فالأديب يسعى من خلال دار النشر للانتشار الواسع والشهرة والربح المادي ودار النشر تسعى من خلال الأديب إلى نفس الغرض مع تغليب الربح المادي. ومقارنة بسيطة مع ما نجده في الوسط اليهودي والغربي نجد أن دار النشر تعني هناك الشيء الكثير بالنسبة للأديب, إذا كلما ازدادت دار النشر شهرة كلما تعلقت عينا الأديب بها وازداد طموحه للوصول إليها. ودار نشر تصبح لها مثل هذه الشهرة أو العالمية تصبح دار نشر انتقائية تنتقي ما ترتايه مناسبا يتجاوب مع مبادئها وأهدافها. ودار نشر لها مثل هذه الشهرة أيضا تعرف تماما ماذا تنتقي لأنها تعرف تماما ما الذي يرغب فيه قراؤها, هذا من جهة, ومن جهة أخرى دار نشر كهذه تكون قد وصلت إلى مثل هذه الشهرة بعد تجارب عديدة منها الربح والخسارة والنجاح والفشل حتى صار لها مجسّات تحس وتختبر وتعرف لأنها أصبحت كذلك صارت هي بدورها دار نشر لها خصوصياتها تختصّ بنشر نوع خاص من الكتب ترى إلى أهميتها من جهة, والى فائدتها التي تعود عليها من أخرى, ولذلك صار لهذه الدور جمهور من القراء له ذوقه الخاص واهتماماته الخاصّة التي يتوقع أن يجدها في هذه الدور.
* تأسيسا على ما تقدم, وانطلاقا مما ذكر أقول: إن دار نشر أي دار نشر, تعني لي, تلك الدار التي تبحث عن الكتاب الجيّد لتنشره وتوزعه على القراء والمكتبات العامّة والخاصّة, هذا الأمر يتم عن طريق تكوين لجنة مختصة تحتوي على عناصر مختلفة من ذوي الاختصاصات. هذه اللجنة يعرض عليها الكتاب المنتخب فتقراه وتتداول المشورة حوله فان أوصت به
بدا العمل على إخراجه للقراء. وبعد طباعته تبدأ دار النشر بالدعاية له والترويج, وبعدها يتم توزيعه على المكتبات والقراء إن كان ذلك عن طريق البيع المباشر او عن طريق الاستمارات, وحتى يتم البيع والتسويق بالشكل الناجع هنالك طرق عدة منها التنزيل ومنها الندوات التي تعقد حول الكتاب وما إلى ذلك.
ومن الطبيعي قبل كل ذلك أن يكون قد تم الاتفاق بين دار النشر والكاتب على حصته المادية, وبهذا تكون دار النشر قد جنّبت هذا الكاتب (ذل السؤال والتسوّل). فكم من كتاب جيد لكاتب جيد ما زال يحتفظ به في إدراج مكتبه ينتظر أن يرى النور!! وكم من كتاب جيّد طبعه صاحبه وعلى نفقته الخاصة- رغم ضيق الحال- ولم يوزع كاللازم ولم تصل فائدته التي كان يرجوها للآخرين.
* ويندرج مع ما تقدم دور اتحادات الكتاب ودائرة الثقافة, فاتحادات الكتاب لم تقم فقط للندوات والوفود المسافرة والمستقبلة ولم تقم لإقامة الاحتفالات للأحياء والأموات- وهو دور مهم لا شك في ذلك- وإنما دورها الكبير والأساس يكمن أيضا في إصدار الكتب وتوزيعها رغم قلة المصادر المادية. وهذا هو أيضا دور دائرة الثقافة وللحقيقة أقول انه لولا وجودها لما شهدنا هبة كالهبة التي نراها اليوم. ورغم ما نسب إليها من التسيب في نشر الكتب لان معظمها ينشر بلا مراجعة أو اطلاع عليها, تظل هذه الدائرة هي الرائدة اليوم في هذا المجال. أما التسيب فعلاجه موجود عند القراء والنقاد وعن هذا ستكون لنا وقفة أخرى.
* والسؤال الذي يرتفع الآن بعد هذا الحديث, هل تقوم دور النشر عندنا بدورها الذي بينته سابقا؟ الإجابة عن هذا السؤال تكون من باب السخف, فكلنا يعرف أنها بعيدة جدا عن ما ذكرت. والأسباب التي يطرحها أصحاب هذه الدور كثيرة: منها قلة المصادر المادية, ومنها من يضمن لهذا الكتاب الذي تنشره البيع الصحيح والربح المادي, فهي كدار نشر بالتالي دار ربحية. ولكن على دور النشر هذه في رأيي أن تأخذ دورها الوطني ولو أدى هذا الدور إلى الخسارة المادية أحيانا, فهنالك ما يعوضها من الكتب الأخرى التي تباع بكثرة هذه الأيام.
* وثمّة صرخة أود أن أطلقها في هذا المجال, وهي أين دور مؤسساتنا الوطنية؟! أين المتموّلون العرب وهم لا بأس بعددهم عندنا؟ أين دورهم في دعم أدبنا المحلي؟ لماذا لا يكرّس الواحد منهم مؤسسة أو فردا مسابقة سنوية, الفائز فيها يطبع كتابه مجانا وينال قسطا من المردود المادي. أو لماذا لا يشتري الواحد منهم كمية من الكتب المحليّة ليوزّعها على موظفيه أو عماله بدلا من التهافت على شراء هدايا تقليدية مكرورة ملّ منها الموظفون والعمال. هل هناك أجمل من مجموعة كتب تهدى في المناسبات؟ وهل هناك عمل أكثر فائدة من ذلك؟
ثمّ كيف السبيل والسعي إلى إقناع الناس بأهمية أدبنا المحلي؟ وهي مسالة تبتغي موقفا أطول؟!
* في رأينا كلنا مقصّرون. أبدا بنا نحن الأدباء فنحن لا نحترم إنتاجنا أي أن واحدنا لا يحترم إنتاج زميله, بل نراه إذا سمع عن إنتاج جديد له حتى قبل أن يقرا هذا الإنتاج يروح يقلل من قيمته ويهاجمه ويسخر منه, وهكذا.. وهكذا.
* أعزائي: إذا كنا نحن لا نقرأ أدبنا فكيف الآخرون؟ وماذا نقول لهم؟! إذا كنا نحن لا نحترم بعضنا فكيف الآخرون؟! من هنا أرى إلى ضرورة أن تأخذ دور النشر واجبا وطنيا وأن تأخذ مؤسساتنا ومتموّلونا هذا الدور أيضا. ومن هنا علينا نحن أصحاب هذا الهم أن نسعى إلى احترام أدبنا وأدبائنا. حيث أنه إذا أخذنا هذا كله على محمل الجد وصلنا. وان لم نأخذه فسنظلّ ندفع الضريبة وهي باهظة باهظة.
* أعرف أن كلامي هذا ثقيل من الصعب تنفيذه كله. ولكن الهمم والعزائم الصادقة لا تعرف ثقلا وأخذ القليل خير من ترك الكثير وبالله التوفيق
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com


ليست هناك تعليقات: