د. عدنان الظاهر
قرأتُ في العهد القديم ذاتَ يومٍ صيفيٍّ شديد السخونة [ أو الصخونة ... لا فرق ] كتابَاً مُترجماً إلى العربية البائدة ، لعلها لغة قوم عادٍ وثمود أو صُمُود [ لا من فرق بين الثوم وصمود الصمّون الحار ] ، فوجدتُ المترجمَ كثير الإعجاب به وبصاحبه الذي يكتب بلغة لوركا وبابلو نيرودا وكاسترو وسلفادور اللندي الشهيد. سألتُ أصحابَ هذه الأسماء الحُسنى فوجدتهم لا يتفقون مع المترجم في إيلائه المسألة الإيديولوجية لدى الكاتب هذا القدر من الأهمية . قالوا جميعاً ـ حتى كاسترو المتقاعد لأسباب صحية ـ لا تهمّنا عقيدة وإلتزام الكتاب السياسيين لكننا نهتمُّ ونركّز على ما يكتبون وكيف يكتبون سواءً كانوا من أصحاب اليمين أو اليسار ، من أهل الجنة أو أهالي النار ، وهم الأكثر عدداً هناك في الأعلى . قالوا ، مع بعض التحفّظ من جانب فيدل كاسترو روس ، وجدنا المترجم منحازاً للمؤلف بدون تحفّظات [ أو حفّاضات ونفّاثات في العُقد ] لأنَّ هذا المؤلف يساريٌّ أو شيوعي ملتزم . لا يكفي مثل هذا الإلتزام في عالم الأدب والخلق الإبداعي من وجهة نظرنا المتواضعة ، قالوا.
ربَّ ضارّة نافعة ... هكذا قال الأجدادُ ..
قرأتُ ذات يوم ربيعي زاهٍ على أحد الواح جدران بابل العظيمة التي لم تزلْ معلّقةً من أذنيها وشاربيها ، قرأتُ جملةً غايةً في غرابة محتواها فقلتُ لا بأس ، هذا هو زمان الغرائب والعجائب . الجملةُ إياها تقول : { إننا معشر الحمير وكل المستضعفين في الأرض ، حين يحلو لنا أنْ نصوّر أو نتصورَ الله فسنرسمه فارساً ـ جوكي رايسز ـ يركبنا / الفكرةُ محوَّرة ، مأخودةٌ أساساً من بعض الكتب }. أعجبتني هذه الجملة فعلقت قائلاً [ ونحن معشر البشر إذا فكّرنا بربٍّ قاهرٍ قادرٍ وقدير فسنتصوره حصاناً عربياً خالص البياض أصيلاً يركب ظهورنا بدون سُرُجٍ أو أجلّة أو لُجُمٍ ليجلدنا بسياطٍ من لًهبٍ ونارٍ حامية الوطيس فإما أنْ نفوزَ في مباراة سباق الخيل فيغفر لنا ويعفو عنا ويطلق سراحنا أحراراً بدون لًجُمٍ وسًرًج أو أنْ نهلك في الطريق قبل بلوغ الهدف ] . ما رأيكِ عزيزتي سيدوري يا من سيّبك على جسر بابلَ أهلوكِ ولمّا تبلغي الهدف المرسوم ؟ هل تتذكرين أغنية الملاية صديقة (( جوادْ جوادْ مسيّبي / إنتِ سبيت أهل الهوى / عجب أمكْ ما تنسبي ؟ جواد جواد مسيبي )) . أتاني جوابها قوياً ملعلعاً مصححاً معلوماتي إذْ قالت : بل سيّبني مَن سيّبني فوق جسركارل الذي تمرُّ تحته مياه نهر فلتافا في العاصمة الجيكية براغ !! لذتُ بالصمت ولم أجرؤ على التعليق أو السؤال . سألتها هل تعرّفَتْ هناك على < أبو كاطع وموسى أسد > قالت أجلْ ، ذهبا إلى ديار حقّهما. قُصَّي عليَّ يا أخت فرات بابلَ وفلتافا براغ شيئاً من بعض ذكرياتكِ هناك ! قالت أعوذُ بالله ، أعوذُ بالله ، إنسَ هذا الموضوع ولا تُدخلنا في إيرادٍ ومصرف . لذتُ بالصمت ثانيةً معاهداً أنْ لا أسال ولا أستفسر وأمري للملاية صديقة صاحبة صبري ، أمين صندوق البصرة قبل أنْ يحلَّ فيها الخرابُ . سمعتني الملاية صديقة أردد مع نفسي : أما آنَ لهذا الفارسِ أنْ يترجلُ ؟ قالت وهي تتلفعُ بعباءتها السوداء هل إختلطتَ يا رجل ! ماذا بك ؟ كنتَ قبل قليل عاقلاً وبشراً سوياً فما خطبك ، هل أستدعي طبيب الطوارئ ؟ لا ، شكراً ، لم أزلْ عاقلاً كذاكً المَلاك الروحانيِّ الذي تمثّلَ لمريمَ بشراً سويّا . إنما سرحتُ مع التأريخ فتخيلتُ أسماءَ بنت أبي بكر تخاطب ولدها المصلوب عبد الله بن الزبير فقلتُ ما دمنا في البصرة ونتكلم عن أمين صندوقها ودعوات المسكينة الملاية صديقة فلِمَ لا نتذكر السيدة الشجاعة التي إستكثرت أنْ يظلَّ ولدها تحت الشمس المحرقة معلَّقاً على المشنقة لعدد من الأيام كثير فقالت بشجاعة وفخار ما قالت بحقه من قول بقيّ مضربَ المثل على مرِّ العصور [[ أما آنَ لهذا الفارسٍ أنْ يترجّل ؟ ]] . بكت صديقة الملاية بحرقة وقالت وهي تمسح بشيلتها دموعها : فلا يلومنني أحدٌ بعد اليوم إذْ غنيتُ للحبيب صبري وكان بمثابة الإبن والولي الوالي ومثال الرجل الوفي ، فما كانت أسماءُ أفضلُ مني إمراةً ولا كانت أكثر حباً لولدها المصلوب من حبي لمدير أموال البصرة التي نهبها اليوم مَن نهب وتصرّف فيها بدون وجه حق مَن تصرّف كما يعلم الجميع . أحسنتِ يا ملاّية أحسنتِ أيتها الصديقةُ الصدّيقة كأبي بكرٍ أبي أسماء الأم الثاكل . جففت الملاية دموعها الغزيرة ومسحت أرنبة أنفها بكفها وتناولت من علبة معدنية صغيرة لُفافةَ تبغ من نوع المزبّن ومدّت يدها تسالني : هل معك شخّاطة ؟ بل معي زناد يا علوية صديقة . ولّعت سجارتها وراحت تنفثُ في وجهي دخانها . سألت ثانيةً هل من ستكان جاي أو فنجان كهوة ؟ تدللي يا حاجّة ، تدللي ، أمامك كل ما تأمرين . أراحت نفسها ثم طلبت مني أنَّ أقصَّ عليها بعض قصصي أو غصصي في الحياة ما دامت الآنسة سيدوري حاضرة عساها تخرج من حالة صمتها فتشارك في الأحاديث ، وهي مَن هي إذْ إستقبلت في حانتها المعروفة لدى ساحل البحر كبارّ رجال المغامرات الأسطورية وسواهم من صعاليك الأرض وقطّاع الطرق وناهبي ومهربي أموال بلدانهم إلى جزيرة دلمون . فكّرتُ طويلاً في طلب الملاية وهل يُردُّ لها طلبٌ ؟ مُحال . قلتُ ما دام اللقاء هذا والحديث عن الفن والذكريات والجسور والأنهار فلآقصَّ عليها بعضَ شجوني مع كتبي التي جمعتها بعرق الجبين لتفجأني الأيامُ بمحنة لا يتوقعها إنسانٌ سويٌّ كذاك المَلاك الذي نفخ فيه ربّهُ بعضَ روحهِ فانقلب بشراً سويا يمارس الجنس ويُنجبُ مَن يُنجب من وجهاء ونُجباء البشر . قلتُ وسيدوري صامتة كأنها داخلة في غيبوبة : قصتي يا سيدتي طويلة مع كتبي أثناء سياحاتي وتجوالي في هذا العالم الفسيح بَطراً حيناً وإضطراراً في أغلب الأحيان . نهجتُ في التخلص من أعباء كتبي مناهجَ شتى : الإهداء ، البيع ، الترك في براميل النفايات ثم الضياع زمن حروب صدام وبعثه المدمرة . سأشرح التفصيلات كما وقعت . وجدتها مُصغية فقالت تفضّلْ ، كذلك كانت ضيفة الشرف سيدوري .
1 ـ في موسكو ( أيلول 1962 ـ أيلول 1968 ): كنت كباقي الطلبة العراقيين حينذاك حريصاً على شراء وجمع الكتب العلمية والأدبية على حدٍّ سواء يشجعنا على ذلك رخص أسعارها وجودة طباعتها وإخراجها . واجهتني المشكلة حين أكملت دراستي وأبحاثي في شهر حزيران عام 1968 في جامعة موسكو ثم دعوتي لإجراء أبحاث علمية في إحدى الجامعات الأمريكية . ماذا سأفعل بما قد جمعتُ من كتب ثمينة أو نادرة أو مفيدة ؟ مشكلة ، كانت حقاً مشكلة . بعتً بعضها في مخازن خاصة لبيع الكتب المستعملة ويا للمفاجأة السارة ! باع المخزنُ بعض كتبي بأثمان أعلى مما دفعتُ فيها قبل بضعة أعوام بسبب نفادها من الأسواق أو لتوقف إعادة طبعها من قبل الدولة . بقيَ لديَّ منها الكثير . أهديت بعضها لبعض الأصدقاء وظلَّ معي أغلبها فيا لتعاسة حظي وكنت في سباق محموم مع الزمن إذْ أوشكت إقامتي في موسكوعلى النفاد والجامعة الأمريكية تنتظر وصولي وتأشيرة دخول هذا البلد لم تصل سفارتهم بعدُ . قررتُ على عجل وبغير رويّة أنْ أرسلَ نصفَ ما تبقّى من الكتب لديَّ إلى أهلي في العراق وأنْ أرسل النصف الثاني إلى أمريكا على عنوان قسم الكيمياء في الجامعة . ساعدني في أعمال رزم وتجهيز الطرود وحملها إلى دائرة بريد جامعة موسكو الصديق الوفي سلام علي الشهباز . وصلت حصة أهلي سريعاً فالعراق قريب من الإتحاد السوفياتي . كان أخي المرحوم جليل يأتي بسيارته بغدادَ بعد كل إشعار يستلمه من دائرة البريد المركزي في بغداد مؤملاً النفس أنْ قد وصلتهم من موسكو هدايا ثمينة إعراباً عن شكري وإمتناني للأهل الذين رعوني وبذلوا ما بذلوا وتحملوا ما تحملوا من أجلي لكي أُنهي دراستي وأعود للوطن ( المفدّى ) رافعَ الرأس تفتخر عائلتي بي وبما انجزتُ هناك بعد غيبة طويلة دامت ستة أعوام كاملة . أخبرني أخي فيما بعد أنه كان يُفاجأ أنَّ بريدي المسقوفي لهم ما كان إلا طرود كتب لا يفقهون شيئاً من لغتها الروسية ! كان يعود للحلة من بغدادَ مُحبطاً بخفي حنين مردداً مقطعاً من أغنية كان يحبها لياس خضر { وأرد للناصرية ردود مخنوك بالف عَبْرةْ / أغنية المكيّر } .
2ـ في أمريكا ( 1968 / 1969 ) وماذا عن النصف الثاني ؟ وصلت رزمُ الكتب تترى إلى قسم الكيمياء في جامعة كالفورنيا في إرفاين بعد فترة ليست طويلة من تأريخ وصولي . فوجئتُ بمحنة كأني لستُ صاحب هذه الكتب ولا من أرسلها من موسكو ولا من تعذّب وعذّب صديقه سلام . إحترتُ كيف أتصرف بها وليس لديَّ من فضاءات الدنيا إلا حجرة لحسن الحظ واسعة إستأجرتها بمساعدة الجامعة في بيت كبير حديث البناء تملكه سيدة أمريكية تعمل رئيسة ممرضات في إحدى المستشفيات القريبة من دارها .. تكوّمت طرود كتبي في ممر قسم الكيمياء الرئيس في إنتظار مَن يساعدني من زملاء البحث في نقلها إلى سَكَني الذي كان يبعد عن الجامعة بمسافة خمسة أميال بالتمام [ يتكلم الأمريكان بلغة المايل وليس الكيلومتر ] وما كنتُ بعدُ قد إبتعت سيارة خاصة بي . ما فرح بمحنتي مع كتبي إلا رئيس القسم ! كيف ولماذا ؟ كان وأولاده من جامعي الطوابع البريدية فكانت محنتي مصدر رزق وسعادة لهم بدون حدود . مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ / للمتنبي . كان هذا يحرص الحرصَ كله متلهفاً على موعد وصول الطرود الأخرى التي كانت لم تزل في الطريق . رأيته مرةً جالساً على الأرض يقص الطوابع من أغلفة الطرود السميكة بادي الفرح والغبطة . تذكّرتُ وقد رأيته على حالته تلك قولاً ذائع الصيت في العراق { العصفور يتفلى والصياد يتقلّى } . المهم ، وصلت الطرود جميعاً سالمةً وكدستها في حجرة نومي الواسعة في كنتور ملابسي الهائل المبني في احد جدران الحجرة ولم تعترض السيدة ماري لستر سيدة المنزل العملاقة . مرَّ العام 1968 / 1969 سريعاً وكان قراري الرضوخ لرغبة الأهل بالرجوع للعراق على وجه السرعة وإلا .... طيّب ، وماذا عن أكداس كتبي ؟ ما عساني صانعٌ بها ؟ مشكلة أخرى عويصة . مَن يشتري كتباً روسية في أمريكا ؟ رزمتُ أغلبها وبعثتها للعراق فتكررت القصة إياها مع أخي المرحوم جليل . كان في البداية يقوم بمهمة إستلام إشعار وصول الطرود بهمة وسرور على أمل وصول هدايا هذه المرة من الولايات المتحدة الأمريكية لا من موسكو . وكانت خيبته أكبر إذْ إستلم كافة الطرود ولم يعثر الأهل في الحلة فيها على ما يفرحهم قادما إليهم من البلد الأبعد ، أمريكا . لذا سارع الأهل بطلب بعض الهدايا الخفيفة مني فطلب أخي قلمَ حبر باركر 51 الشهير في ذلك الزمان ، وطلب الوالد ساعة جيب من النوع الفاخر ، وطلبت شقيقتي جهاز تجفيف الشعر وخلاّطة كهربائية ، وطلبت زوجة شقيقي مرهماً طبياً خاصاً لمعالجة بعض أنواع حساسية الجلد والأكزما فنفذتُ جميعَ ما طلبوا . ماذا عن الوالدة ؟ لم تطلب شيئاً بالمرة وكانت تقولُ : وصول عدنان سالماً هو الهدية الكبرى فلقد كدتُ أنْ أيأس منه !! مسكينة أيتها الوالدة ! كانت أكثر الجميع صبراً على فراقي وأكثرهم هموماً بسبب هذا الفراق فأُصيبت بذبحتين صدريتين ولكن ورغم خطورة أوضاعها الصحية أصرّت على أنْ تلتقيني صيفي عامي 1965 / 1966 في بيروت ودمشق حين كان دخول العراق محرَّماً على أمثالي . المهم ، وماذا عن باقي الكتب ؟ فاتحتُ صاحبة الدار بالموضوع فقالت تستطيع تركها في كراج سيارتي الواسع . صحبتني لمرأب سيارتها الضخمة ماركة أولدزموبايل ثم قالت هات كتبك وأتركها ههنا .. ثم أضافت : ومع كتبك تستطيع ترك ما لا تود حمله معك للعراق من ملابس مستعملة جيدة . ثم أضافت : تجد هنا الكثير من الملابس المستعملة الجيدة تركها الطلبة من مستأجري ذات حجرتك بعد تخرجهم في الجامعة وعودتهم لأوطانهم إذا كانوا طلبةً أجانب ولذويهم إذا كانوا طلبةً أمريكان . ثم أضافت : خذْ ما شئتَ منها . قلبتُ بعضها وكانت مكدّسة في براميل كبيرة كبراميل القمامة التي توضع قرب أبواب الدور في العراق وغير العراق . إخترتُ سروالاً صيفياً قصيراً جميل الزخارف والألوان حسب مودة ذلك الزمان بقي معي في العراق مدةً طويلة رمزاً لآخر عهدي في بيت السيدة ماري لستر وجامعة كالفورنيا والولايات المتحدة الأمريكية . هكذا تخلّصت من أكداس كتب كان جمعها خطأً فاحشاً ثم كلفتني الكثير من الأجور دفعتها لدوائر البريد المختلفة
3 ـ المحنة الأخيرة مع الكتب ( 1970 / 1978 ) : الهروب الكبير .
وماذا عما جمعتُ من كتب علمية وأدبية وسياسية في العراق خلال السنوات 1970 / 1978 وقد أجبرتنا الظروف على ترك البلد هاربين بجلودنا ؟ أهديت للأصدقاء بعضها ورميتُ أغلبها في برميل القمامة المنتصب أمام حديقة بيتي في المنصور ، أرسلت جزءاً من الثمين منها إلى إحدى شقيقاتي في مدينة الحلة وبعثتُ بالباقي إلى البصرة ليكون تحت رعاية العمّة المرحومة أم غازي جَدة أولادي لأمهم . وما كان مصير هذين الفرعين من ثمين كتبي ؟ أشعلت شقيقتي النيران في حصتها ايام الحرب العراقية الإيرانية خوفاً من أمن ومخابرات وعيون بعث صدام حسين دون أن تعرف أقيامها وهل كانت كتباً خطرةً أو لا !! أما مصير الجزء البصري فحدّثْ ولا حَرج . غادرت البصرة أغلب عوائلها زمان إشتداد تبادل القصف المدفعي والصاروخي بين العراق وإيران زمن الحرب المجنونة . غادرت العمّةُ البصرةَ مع مَن غادر تاركين بيوتهم وأثاثهم وغالي حاجياتهم لتتساقط القذائف على دورهم من كلا الطرفين فأصيب دارها بدمار كامل وإحترق فيه كل شئ !! هكذا كان مصير آخر جزء من كتبي ، أن تكونَ من ضحايا حروب صدام حسين .
شكراً سيدة صديقة الملاية ، شكراً أخت سيدوري ، شكراً على حُسن الأصغاء والصبر على سماع ما قصصتُ عليكنَّ من شجونٍ ومتاعب ومقاتل . قصتي هذه لها ما يماثلها من مِحن غيري من الناس كتّاباً ومثقفين وغيرهم من جامعي الكتب [ وفي بعضهم يحق ما قال شاعرٌ قديمٌ : وعند الشيخ أسفارٌ كِثارٌ / مُسطّرةٌ ولكنْ ما قراها ] ! فهيّا يا رفاقَ الدرب الطويل ويا صِحاب ، هيّا أكتبوا عن محنكم مع كتبكم وزمانكم فإنها تستحق بعض جهودكم والكثير من حبر أقلامكم وإنها تجارب إنسانية عامة ليست شخصية ضيّقة وفيها قواسم مشتركة كبيرة تشدُّ الكاتبَ لأخيه الكاتب والصديق لصديقه والمخالف لضدّه .
ما أنْ فرغتُ من قراءة مقامتي الحريرية هذه حتى شخص أمامي شبحُ لورد بيْرنْ يتمشى على جسر كارل متابطاً ذراع سيدوري وهو يُنشد ويردّد دونَ توقف :
By the waters of Babylon
We sat down and wept.
بكيتُ بكيتُ بكيت . بكيتُ جميلَ ذكرياتي على سواحل وماء نهر فرات مدينة الحلة في بابلَ ثمَّ تساءلتُ بغصّة ما بعدها غصّة : إذا قال هذا الكلامَ عن بابلَ لورد إنكليزي فما عسى أنْ يقولَ رجلٌ عراقيٌّ مثلي دمّرته بابلُ ثمَّ حلَّ فيها الدمار ؟؟ إلتفتَ السيد الإنكليزي إليَّ باسماً وقال : إنما عنيتُ في كلامي هذا سبايا أورشليم في بابل . نهضتُ صارخاً في وجهه : وأنا أحدُ سبايا العراق في براغ !!
الاثنين، ديسمبر 15، 2008
سيدوري وصديقة الملاية على جسر كارل
Labels:
عدنان الظاهر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق