محمد محمد على جنيدي
هلَّ أوَّل الشَّهر، وذهب الحاج سالم لبيته، يتنفَّسُّ الصَّعداء، فقد قبض راتبه، وأيّاً كان راتبه بسيطاً فهو يَتَوَكَّأُ عليه لا أكثر، ثمَّ جلس أمام زوجته، يحسب حسبته.. فهذا حقُّ البقَّال، ولا داعي هذا الشَّهر لكارت النَّقَّال ثمَّ هذا للحلَّاق والجَزَّار - وهكذا - حتَّى كاد أن تنفجر مرارته، وبالطَّبع فارق سعادته إلى قدوم شهر جديد!!.
وفي المساء ذهب إلى دائنيه يمتطي حافظة نقوده ثمَّ أعطى لكُلٍّ منهم ما عليه، وتحقيقاً للمثل الرَّمز (المشي رياضة) اضطرَّ أن يعود على قدميه - المهم - أنَّ سالماً عاد سالماً إلى بيته.. ولكِنَّه وقبل أن يجلس في مكانه سألته زوجته قائلة: هل بقي شيئاً؟
قال حامداً لله: مائة جنيهاً لا غير بحافظة النُّقود.. وهنا شعر سالم بأنَّه قد فقد شيئاً، فقال لزوجته: انظُري لي بالحافظة، أشعر وكأنَّني قد فقدت ( المائة جنيهاً ) فانزعجوا الأولاد.. وكأنَّما السَّاعة قد أتتْ والحرث قد أُهلكتْ وبعد ما تحققتْ العائلة من ضياع ( المائة الباقية )!! .. قال الحاج سالم: العوض عليك يارب.
فقالت زوجته: انزل وابحث عنها واجعل ثقتك في الله أكبر من ذلك، فإنَّه ليس لنا رجاء إلّا فيه.
فقال: الأمل والرَّجاء في الله باقيان - ولكن - تَصَوَّري.. مائة جنيهاً تقع تحت أقدام آلاف المُحتاجين ألا يراها أحد منهم!!.
قالت الزوجة: انزل فإنَّ الله حافظها لك.
ارتدى أبو العيال ملابسه من جديد، ثمَّ أسرع إلى الشَّارع وهو يُرَدِّدُ قائلاً: اللهمَّ يا جامع النَّاس ليومٍ لا ريب فيه رُدَّ عَلَيَّ ضالَّتي، وعند آخر بقالة وضع قدميه وبعد سؤال صاحبها - بغير جدوى - قرر الحاج سالم معاودة البحث عن ضالته- ولكن - وقبل أن يُطلق خطواته، نظر إلى الأرض، فإذا به يجد حبيبتَه تنتظره تحت قدميه، فقال فرحاً ومُبْتَهِجاً: هاهي.. هاهي، فأجابه البقَّال مسروراً: المال حلال يا حاج.. غير أنَّ الحاج سالم انطلق طائراً نحو البيت يطرق الباب وقد أفرد المائة جنيهاً لمن يفتح الباب أوّلاً، فرأتها زوجته فقالت له: ليست المائة جنيهاً هي الَّتي كسبناها فقط هذه الليلة - ولكن - أين نحن من حُسن الظَّنِّ بالله.. الحمد لله الَّذي أحيا رجاءنا فيه.
السبت، ديسمبر 06، 2008
حكاية أول الشهر
Labels:
محمد جنيدي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق