السبت، ديسمبر 13، 2008

رواية الحافيات لدينا سليم

د. عدنان الظاهر

تقديم غير ساذج !

في روايتها هذه تتصدى الروائية السيدة دينا سليم لموضوعات إجتماعية غاية في الأهمية والخطورة من الشائع والسائد في مجتمعات الشرق الأوسط عامةً وفي وسطها الذي نشات فيه قبل هجرتها إلى البلد البعيد . بالطبع ، كانت المرأة والدفاع عن كافة حقوقها هي الهدف الرئيس والأساس في كل ما قالت وكل ما سردت من أحداث تشدًّ القارئ شدّاً محكماً وبلا هوادة لشدة سخونة تفصيلات هذه الأحداث وما يتخللها من مفاجآت وإعترافات وخروقات لما هو مالوف وسائد في مجتمع شرقي قروي متخلف من وجهة نظر الكاتبة . المرأة إذاً هي محور الرواية الفعال والدفاع عنها فيما يتعلق بحقوقها وأوضاعها إنساناً وجسداً تملكه هي وتمارسه هي بالشكل والأساليب التي تشاء هي رغم أنف المجتمع وتقاليده وعاداته الموروثة منذ أقدم الأزمان . هل حققت الكاتبة في أداء الرسالة الخطرة ما أرادت وتوقعت من نجاح ؟ كيف عالجت حساسية هذه الرسالة وباية لغة وأي اسلوب أدبي عالجتها ؟ لا من شكٍّ عندي في قدرة السيدة دينا سليم على معالجة موضوعاتها بنجاح اليسيرمنها والصعب على حدٍّ سواء ولكن يبقى السؤال : هل كانت الطرقُ دائماً معبّدةً أمامها وهل طاوعتها لغتها أم خانتها أحياناً لأسباب ربما تعرف هي قبل غيرها طبيعة وماهية هذه الأسباب . سلامة اللغة مقياس خاص أوليه الأهمية التي يستحق ولا أدخل في تفصيلاته لئلا أُفسد متعة متابعة قراءة النص كما هو دون فذلكات .

الدخول في صلب الرواية :

وفاء وشروق ( فضيلة )

1 ـ وفاء

قسّمت دينا سليم رواية " الحافيات " إلى قسمين ربطتهما بإحكام وذكاء ورشاقة. تنتهي قصة وفاء في الجزء الأول بأنْ تتعرف على شروق أو ( فضيلة ) في موقع وموضع خاص جداً جداً ومناسبة أكثر خصوصية حيث تم لقاء وفاء المرأة ، غير العاقرالتي زوّجها أهلها من إبن عمها العاقر بالرغم من إرادتها ، بشروق ، المرأة العاقر التي تزوجت بإرادتها من زميل لها ايام الدراسة الجامعية غير عاقر ... تمَّ اللقاء الغريب أمام بنك لزرع المنيِّ في أرحام النساء الراغبات بالإنجاب من غير القادرات عليه إما لأنهنَّ عقيمات أو لأنَّ أزواجهنَّ عُقمٌ لا هنَّ . العقم ـ الإنجاب إذاً هما العقدة القوية التي ربطت وفاء بشروق وفي المكان المناسب : بنك زرع منيِّ الرجال المتبرعين أو ربما البائعين . أسوق ما حدث من حوار قصير سريع مؤثر بين المرأتين في ختام الجزء الأول قبل أنْ أمضي في شرح التفاصيل .

[ الكلام لوفاء / ... ومن بين دموعي المتناثرة ظهرت إمرأةٌ تترجل إلى المكان مسرعةً متخبطةً ، إمرأة حزينة تقدمت نحوي وسألتني : عذراً ، أرجوكِ ، هل هو ذا بنك الزرع ؟ ؟

ـ نعم ، لا ، نعم ... ، لا ...

ـ نعم أم لا ؟

ـ مَن تكونين أيتها التعيسة ؟

ـ إسمي شروق ] .

( الرواية / صفحة 65 )

2 ـ ما الذي يجمعُ وفاء بشروق وما الذي يفرّق ؟

وجدتُ ما يفرّقهما أكثر من الذي يجمع بينهما . وعليه ، فالخوض في محنتيهما يتطلبُ وسائل وأساليب مختلفة جذرياً وهذا ما لم تتنبه له السيدة دينا كما أحسبُ . لنفحص الفوارق ما بين هاتين السيدتين : وفاء إمراة ليست عقيمة أو عُقاما إنما زوجها ناصيف هو العقيم . أجبرها أهلوها على الزواج من إبن عمها وما كانت تحبه وظلت طوال حقبة بقائها معه وفي كنفه زوجةً شرعيةً لا تكنًّ له إلا البغض ولا تريه إلا الصدود . مع ذلك ورغم ذلك أجبرها أهله وأمها ( منيرة ) على الإنجاب المصنوع بزرع منيِّ رجل مجهول في رحمها وأنجبت بالفعل طفلين جميلين هما ( ساهر وماهر ) . كرهت وفاء زوجَها لسببين أولاهما أنها ما كانت تحبه أصلاً وأُجبرت على الزواج منه ، ثم اتاها منه سبب آخر يجذّرُ بغضها له ألا وهو عجزه عن الإنجاب فكانت الكارثةُ مزدوجةً : إكراه الفتاة الشرقية على الإقتران بمن لا تُحب ، ثم إكراهها على الإنجاب بزرع المني الغريب في جسدها فما كانت النتيحة المروّعة ؟ ظلت وفاء تبحث سدىً عن صاحب المني المجهول إذ إعتبرته عن حق زوجها الحقيقي وأبَ ولديها يعوِّضها عن رجل عاجز لا من رابط طبيعي من جينات ودم يربطه بولديها هي التي حملتهما وَهناً على وَهنٍ ومن ثمَّ أنجبتهما . ولأنها تكره ناصيفَ زوجها فإنها لا تريد أنْ يحسب الناس أنه هو والد الطفلين وليس رجلٌ آخر سواه . الطفلان يحملان إسمه ولقبَ عائلته وهما غريبان عنه دماً وعظماً ولحماً . لنتعرف على محنة وفاء في بحثها الدؤوب لمعرفة والد طفليها الحقيقي صاحب المنيِّ المزروع في غياهب رحمها ، إنها تحاول أن تجدَ لها زوجاً يستحق أنْ يكونً أباً لطفليها لا أباً زائفاً تستنكف أنْ يحمل مَن حملت إسمَه وذلك أمر مرفوض باطل في عرفها ومنظومة تفكيرها وطبيعة تكوينها الأخلاقي :

[ ... خرجتُ من المكان المغلق بعينين حبيستي دموعهما ، نظرت إلى المارّة الذين إستمروا في طريقهم ، دون أنْ يلتفتوا ، مسرعين كانوا أم مبطئين . نظرتُ في عيون جميع الرجال ، بحثتُ عن صفة مشتركة بين إبنيَّ وبينهم ، عُدتُ أسالُ نفسي ، هل يمكن انْ يكونَ أي رجلٍ مارٍ من هنا هو الذي أبحثُ عنه ؟ جميعهم راحوا ولم يعودوا . بحثتُ مجدداً ، إقتربَ أحدهم مني وبإبتسامة عريضة حيّاني ، زغردت روحي ، إغتبطت أنفاسي ، فرحتُ ، إعتقدتُ أني أقتربُ من حل المعضلة التي أنستني اليومَ أصغرَ مبادئي وأخلاقياتي ، بحثتُ في قسمات وجهه عن أشياء مشتركة ، هل يُعقلُ أنْ يكونَ هو الشخص الذي دفّأ قربي وإحتضن خشوعي ، هل هو الشخص الذي منحني الأمومة ، هو الذي ملأ حوضي الجاف بلزوجة مائه ؟ / الصفحة 60 من الرواية] .

جريئة ، إمراة جريئة وأكثر من جريئة في عرض محنتها الخاصة بهذا الأسلوب الفاضح الصارخ الذي لا يعرف حَرَجاً ولا يخشى عاقبةً أيا كانت . لكنْ تبقى الدوافع لدى هذه المراة أقوى من كافة المحذورات والمحظورات فلقد طفح الكيلُ وبلغ السيلُ الزُبى فما يمنعها من تحدي قوى المجتمع المتخلف الذي أجبرها على الخضوع لما لا تريد وزيّف نفسيتها وشخصيتها وعكّر صفاء طبيعتها السوية ؟ فقدت في نظرها وحسب قناعاتها كل شئ فما الذي تخشى منه بعدُ أو تخشى عليه ؟ وفاء أنموذج للمرأة ـ الضحية المظلومة المقهورة التي زيّفتها التقاليدُ وأساءت لها كائناً يقدس إستقلاليته ويقدّر قيمة مُثله ويعرف طبيعة نوازعه ومتطلباتها السوية من قبيل حقها في أنْ تحبَّ مَن تشاء وفي أنْ تتزوج مَن تشاء هي لا أهلها وأقاربها أوعشيرها . اللافت للنظر انَّ هذه السيدة المظلومة وفاء لم تفكّر رغم كل شئ ان تخونَ زوجها في أن تمارس الحب والجنس مع رجال آخرين كما سنرى في المثال الأخر المعاكس " شروق " .

ملاحظة : إستوقفني موضوع أحسبه غريباً وغير مالوف : أشارت وفاء عن علاقة محرّمة ربطت ما بين أمها منيرة وزوجها ناصيف وهو في عين الوقت إبن حماها اي إبن شقيق زوجها عم وفاء !! ثم تكلمت مطوَّلاً عن غراميات والدتها منيرة وكثرة عشاقها فهل يندرج أمرٌ كهذا في باب الدفاع عن حقوق المرأة وكيف سمحت لنفسها في أنْ تعرّي والدتها وتفضحها أمام الملآ وهي على حد علمي أمور لا تحدث في القرى الشرقية وبهذا الشكل الفاضح الداعر ؟! هذا يعني في جملة ما يعنيه أنَّ المرأةَ في ذلكم المجتمع ما كانت مقهورة ولا مستلبة الإرادة بدليل القدر الكبير من الحرية الجنسية الذي مارسته في حياتها والدتها مُنيرة . الأم منفلتة والبنت مقيدة مقهورة / الصفحة 40 على سبيل المثال !!

3ـ شروق ( فضيلة )

إذا كان إسمها الثاني بالولادة فضيلة فإنها في واقعها وقد كَبُرت ليست كذلك بالمرّة . إنها النموذج المعاكس لوفاء ، كيف ؟ إنها هي العاقر لا زوجها . وإنها تسعى بكل جهودها للحمل والإنجاب . وإنها وفي سبيل ذلك داست على كل القيم المعروفة وتخطّت مبادئ العفة والشرف والأمانة الزوجية فمارست الجنس مع عشيق إسمه ( عَبْد ) وهي في عصمة وبيت الزوج . خلافَ وفاء ، كانت شروق تحب زوجها وهي التي إختارته زوجاً من بين بقية زملائها في الجامعة ولم يجبرها على هذا الزواج أحدٌ من أهلها . ثم إنه ، زوجها صاحب ، تزوج عليها إمراة أخرى وقد يئس من قدرتها على الإنجاب ، الأمر الذي لم يقدم عليه زوج وفاء المسكين المغلوب على أمره ولماذا يقدم عليه ما دامت زوجه تُنجب له ذريةً صالحةً بالتلقيح الخارجي من رجل آخر مجهول ؟ شروق الجامحة الشديدة التناقض الصارخة بهواها لرجل آخر إسمه عبد ، لم تأنف من ممارسة الحب مع رجلٍ ثانٍ آملةً في أن تحملَ منه وهي لم تزلْ في عصمة زوجها لكي يقولً الناس إنها حملت من زوجها صاحب . لذا ، وحين تركها زوجُها وترك بلد الهجرة وعاد لوطنه الأصل زهدت بحبيبها عبد وهجرته ولم تسمحْ له أنْ يمسسها كما كان شأنه معها بوجود زوجها معهما في مدينة واحدة ، بل ورفضت عرضه للزواج منها / الصفحات 137 ـ 143. هل فعلتها إمرأةٌ أخرى قبلها ؟ هل خانت إمرأةٌ زوجاً كان حبيباً على أمل الحمل من رجل آخر تحت سمع وبصر الزوج الشرعي ؟ هل كانت تخونه إنتقاماً منه لأنه تزوج غيرها وجلب ضرّةً منافسةً لها أم خانته كي تنجبَ من رجل سواه فتقف بذا نداً مساوياً مكافئاً للمرأة الأخرى ضرتها ؟ المهم في هذه المسالة المعقدة هو السؤال : هل مارست شروق حريتها وحياتها وجسدها كما شاءت هي وكما أرادت وخططت متحدية كافة التقاليد والأعراف لا لشئ إلا لتثبتً لنفسها وللعالمين أنها إمراة حرة تملك نفسها ومقدرات حياتها بيد من حديد وإرادة لا تلين فتجاوزت كل معروف ومالوف أم إنها فعلت ما فعلت إنتقاماً مزدوجاً من زوجها الذي إقترن بغيرها ومن الطبيعة التي خذلتها وخانتها فعجزت عن الإنجاب لخلل طبيعي في تكوينها الجسدي ؟ إذا وجدنا عذراً في السبب الأول فما وجه عذرنا في السبب الثاني وهل من جدوى في الإنتقام من الطبيعة وإرادتها لا من رادٍّ أو رادع لها ؟ إني اعتبرها نموذجاً سيئاً للمرأة وإني لا ارى في سلوكها ما يثير إعجابي بل أراه سلوكاً منحرفاً عن الطبع والسوية أعزوه لخلل في الجهاز العصبي المركزي لهذه المرأة فالإنحراف الخُلُقي مردّهُ خلل عصبيٌّ ذو خطورة .

4 ـ ملاحظات عَرَضية :

أولاً / أجواء الحرب التي وصفتها الكاتبة السيدة دينا سليم لا علاقةَ لها بفلسطين بلدها الأصل ، إنما هي ظروف وأجواء الحروب التي خاضها نظامُ صدام حسين سواء مع إيران أو في غزوه للكويت . أحسنت الكاتبة إذْ وضعت اليد على ظاهرة تدين الشباب نتيجةً للأزمات الضاربة القوة واليأس من الدنيا باللجوء إلى عالم الميتافيزيك والروحانيات والتعلق بخالقٍ مدبِّرٍ مطلق القدرات يُحيي ويميتُ ويعوّضُ ويجازي ويهب ويعفو ويغفر . هالها أنْ رأت أخاها سامح بلحية ومسبحة حمراء يتعفف عن ملامسة يد شقيقته :

[ ... إرتميتُ في حضن إخوتي الثلاثة ، لم أعرفهم ، هم الذين تعرفوا عليَّ ، ( سمرقند ) يُتيحُ لي البكاء و ( نازل ) يمرر يديه على خدي و ( سامح ) يستغفرُ الله من بعيد ، لم يلمسني وكنتُ بحاجة ماسة للمسه وشمِّ رائحته وتقبيله . إنتفضَ ، إرتجفَ ، إستغفرَ ، أغمضَ عينيه وبدأ يُسبّحُ لله الغفور وقال : تباً للشيطان . يرددها عشراتِ المرات وهو يلوي يده كأفعى ويُدخلها إلى جيب خفية في صدره، يُشغلها عن لمسي ، خطيئة أنْ تتلاقى أعيننا ويراني بعد كل هذا الفراق ... واليد الأخرى تُشاغلها مسبحةٌ حمراءُ قاتمةٌ يتلهى بها عني . ينفضُ إرتجافَ أطرافه بحبّاتها تاركاً كفهُ مضمومةً مُغلقةً ... إشتقتُ للمس راحته / الصفحة 103 ] .

هذه بعض ما تُخلّفه الحروبُ من كوارث وما تتركه في الشعوب المغلوبة على أمرها من ظواهر وإنسحابات لداخل النفس البشرية هرباً من إستحقاقات الحياة الطبيعية المتوازنة وعجزاً عن مواجهتها كما هي . الحرب إذاً هي حرب صدام حسين ومغامراته التي لم تجلب للعراق والعراقيين غير الموت والخراب والدمار وأخيراً الإحتلال الحالي .

ثانياً / المرأة الثالثة في الرواية : دينا سليم الكاتبة والمصممة والمخرج المنفّذ !

ما شانُ السيدة الثالثة دينا ؟ إنها في نظري الشأن كله ، كل الشأن . لم أجدها في القسم الأول لكني وجدتها بعينها وعيانها في القسم الثاني ، شروق . من قراءتي ومتابعتي الدقيقة لكتابين سابقين لها كتبتُ عن واحد منهما حمل عنوان " تراتيل عزاء البحر " أستطيع المجازفة بالقول إنَّ شروق هي نسخة أخرى مُعدّلة لصوت قوي خافت حيناً جاهرٍ أحياناً أخرى من أصوات السيدة دينا سليم نفسها . إنها المرأة التي تودُّ أنْ تكونها ، المراة التي تتمناها ، المراة التي تريدُ في تخيلاتها وفي أحلامها أنموذجاً لتحدي المجتمعات الغارقة في جهالتها والمفرطة في الإساءة للمرأة وهي النصف الأجمل في الحياة بل هي زينة وجمال وفتنة الحياة . قدمت دينا سليم من شروق نموذجاً متطرفاً للخروج عمداً عن المألوف من باب التحدي وإثبات الذات لكني وجدته نموذجاً سيئاً وسيئاً جداً بسبب تطرفه بالخروج عن الطبع السوي والفطرة السليمة . هل تنتقمُ إمرأةٌ من طبيعة جسدها العاجز عن الإنجاب بممارسة الجنس مع رجل ثانٍ وهي في عصمة زوج شرقي بأمل أن تحمل من العشيق فتنجبُ ؟! نستمع إلى ما تقول شروق بخصوص حرصها على الحمل والإنجاب أولاً ثم فيما يخصًّ علاقتها برجل ثانٍ يحمل سمةَ عشيق .

[ ... حرصتً على عدم تفويت ايام الإخصاب فكنتُ أخطط لهذه الأيام الخمسة ، اسقطُ في السرير عاريةً أنتظرُ زوجي الذي ازداد حبي له بمجرد أني خشيتً على فقدانه ، أدخلُ حضنه وأفكاري مُشتتة تائهة حائرة وأنتظر ... / الصفحة 107 من الرواية ] . فكيف كان شأنها مع عشيقها عبد ؟ لنستمع :

[ إرتطمت أسلاف الشهوة بالممنوع فعلقت ذكرياتي الصدئة بذهني المريض ، ذكرى أبت أن تموت وإنْ ماتت عند الآخرين فتبقى حيةً داخلي . ذكرى أنْ أكونَ إمرأةً لرجل واحد وضرّة ، أو أنْ أُغيّرَ وجه التأريخ وأهدمَ معالمه فأكونُ وبمحض إرادتي إمرأةً واحدة لرجلين إثنين ... رفضتُ العيشَ في وهم الحب ، بل أردتُ تحقيقه والتشبث به فكان ما كان . إشتقتُ للعبة يتشاركُ فيها ثلاثة ، كانت أحلى اللعبات ، المسافةُ أقصر والذروةُ على شفة الإكتشاف ، الطريق أسهل وإتحاد اللحظات مُختصر ... تخلّصتُ من شبح الخوف أنْ يتركني زوجي ويهجرني من أجل أخرى ، أخذتُ زمامَ الأمور بين يديَّ فبقيتُ أحيا في كَنفه غير مكتفية فحنانه لم يكفني ، كنتُ متعالية شهوانية وطمّاعة فبدأتُ أنهلُ من حضن ( عبد ) ما كان يُنقصني فحقق لي جميعَ رغباتي ، قوياً متماسكاً متزناً وهائجاً فكان عبداً لي / الصفحات 108 ـ 109 ] . أية مقاييس يمكن تطبيقها على مسلك شروق الجامح هذا ؟ لا تنطبق عليها المقاييس المتعارف عليها في مجتمعات الشرق أبداً فكيف نفهمها وكيف يمكننا تقويم سلوكها وسبر أغوار القوى التي دفعتها للمشي في الطرق التي مشت غير مكترثة بسمعتها ولا بسمعة زوجها الذي أحبت قبل الإقتران به . إنها وقبل كل شئ إمرأة متناقضة ومنشقّة على نفسها منذ لحظة ولادتها حيث أُعطيت إسمين إثنين لا إسماً واحداً الأول شروق والثاني فضيلة . ثم إنشق بيتها إلى شقين يضم إمرأتين ضرّتين ثم إنشقت ثالثةً لتوزعَ نفسها بين زوج وعشيق . وحين تركها زوجها زهدت فتركت العشيق ( عبد ) في حين كان المتوقع أنْ تتزوجَ من هذا العبد الذي أحبها وطمأنَّ حاجاتها جميعاً وأخلص لها . لا أدري هل تحدث هذه القصة كثيراً في الشرق الأوسط أو لا ! هل في هذا الشرق الكثير من أمثال السيدة شروق ؟ لا أستطيع تفسير سلوكها إلا بإصابتها بخلل عقلي نتيجة علّة في جهازها العصبي لذا فإنها لا تصلحُ أنْ تكونَ نموذجاً يُحتذى ويُضربُ به المثل لإمرأة تحررت وتحدّت مجتمعها بشكل صارخ سافر لا يتقبله جميع الناس بل ولا حتى كثرتهم . لحرية المرأة وجوه شتى منوّعة لا يمكن حصرها بحريتها في ممارسة الجنس فقط رغم أهمية هذه المسالة في حياة النساء .

ثالثاً / بعض خصائص تقنيات دينا سليم في السرد الروائي

فضلاً عن مقدرتها في الكتابة المكشوفة { البورنو } ، إنَّ السيدة دينا سليم قادرة على خوض أي موضوع معقد تشاء . وتخوضه بكفاءة عالية لأنها تملك الوسائل والقدرة على الخلق والإبداع والمزج والتوليف الذي يقارب التوليف السينمائي . فوق ذلك وقبل ذلك ما لديها من كم هائل من الذكريات والخبرات الخاصة والعامة سواء في شؤون القرية أو المدينة. ثم رغبتها العارمة في الكتابة وتدوين خواطرها وذكرياتها حلوها ومرها فإصرارها واضح وعزمها أكيد . تعجبني بوجه خاص بعض جملها وبعض تراكيبها اللغوية السوريالية الطبيعة التي يحسّها القارئ دون أنْ يفهمَ مغازيها . أقرأ هذه التراكيب فيتولد لديَّ شعور خاص غريب أني أمام لوحة تضجُّ بالحياة وتضجُ الحياة بها دون أنْ أستطيعَ تفسيرها بل وأشعر أني لستُ بحاجة لتفسيرها . بقاؤها غامضة أجمل وأكثر بلاغة وتزودني بما لاحصرَ له من فيض المشاعر والإيحاءات والتصورات وذلك أرقى شكل من أشكال التعبير . أسوق أمثلةً على ما قد قلتُ :

[ ... فالذاكرة المحمولة على الكف والتي تكتبُ بصورة خفية تكونُ مختلفة عن غيرها / الصفحة 72 ] . أما في عالم البورنو فأُحيل القارئ إلى الصفحات 36 ، 94 ، 115 ـ 117 ... على سبيل المثال .

غامرت دينا في رواية الحافيات ونجحت في مغامرتها إلى حدود بعيدة . ما كانت تنقصها الجراة ولا القدرة على خوض مسائل شائكة معقدة وما خانها الأسلوب في السرد الروائي الراقي الناجح خلا بعض الأخطاء اللغوية والإنشائية المبعثرة هنا وهناك ... ولكم تمنيتُ أنْ لا أجدها في متون الرواية فهي كبقية آثار الجدري في صفحة الوجه الجميل .

* الحافيات / رواية لدينا سليم . الناشر : أزمنة للنشر والتوزيع ، عمان . الطبعة الأولى 2008 .


ليست هناك تعليقات: