نقلاً عن أجدابيا ـ نت
ـــ(اللهث وراء الاختلاف يلقي الكاتب في هوة التصنع ! )
ـــ يقول الشاعر مظفر النواب: قليل من الناس من يترك في كل شيء مذاقا ، والكاتب الليبي محمد الأصفر ينساق وراء الكلمات بأسلوبه البسيط ، المفعم بتلقائية فطرته ، يلتقط ببراعة اللحظات الصغيرة الفالتة من الحياة ، يكتب كما يعيش ، لامبالٍ بالتداعيات الناتجة عن نشر النص .. يميل في كتاباته إلي الواقعية النقدية ، يلج الأبعاد الاجتماعية ذات اللمسات الساخرة التي تزيد من حدة الانتقادات.
ومحمد الأصفر القادم من مواليد الخمس بدأ الكتابة في اواخر التسعينات وكانت الانطلاقة من مدينة درنة. صدر له : حجر الرشيد المداسة ، تقودني نجمة ، نواح الريق ، شرمولة و سرة الكون .
ومحمد الأصفر القادم من مواليد الخمس بدأ الكتابة في اواخر التسعينات وكانت الانطلاقة من مدينة درنة. صدر له : حجر الرشيد المداسة ، تقودني نجمة ، نواح الريق ، شرمولة و سرة الكون .
هنا حوار معه :
نهاية الاحتمالات
ـــــــــــــــــــــــ تقول الكاتبة أحلام مستغانمي ( إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا علي حياتنا ) بينما تقول أنت ( أنا لا أقول شيئا من خلال نصوصي ). فلماذا يكتب محمد الأصفر اذن ؟
مقولة الكاتبة أحلام مستغانمي القائلة بقتل الأبطال والانتهاء من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا علي حياتنا ناجمة عن عقدة مع الرجل خاصة الموهوب .. أنا عكسها دائما .. في رواياتي أتسلّي بقتل البطلات .. ليس لأنهن عبء عليّ !! فكلهن دمهن خفيف لكن لأن وجودهن في النص أكثر يسبب الملل .!! بالنسبة للشطر الثاني من السؤال تقول أنا لا أقول شيئا من خلال نصوصي فلماذا يكتب الأصفر إذن ؟ لا أدري لماذا اكتب ؟ لكن لا اكتب لأقتل الأبطال .. أبطالي أجدهم هامشيين فابرز حياتهم الجديرة بالاحترام . الأبطال في نصوصي لا اقتلهم لكن البطلات دائما مصيرهن الموت الجسدي أو المعنوي أو الموت المفتوح أي اترك نهايتها قابلة لكل الاحتمالات وأي احتمال يولد في ذهن القارئ هو وجود منقاد إلي مرفأ أي إلي النهاية . لا أدري لماذا اكتب ولم أفكر في هذه اللماذا ؟ في كتابتي لا أجيب عن أسئلة لذلك اكتب دون التعرض لمسائل واجب علي حلها .. اركل الكرة في أي اتجاه .. الجغرافيا ملعب شاسع لامتناه كلما اشعر برغبة في الكتابة اكتب حتي الشبع .. حتي النعاس والنوم .. أحلامي كتابة تستيقظ صباحا علي ورق جديد وبالطبع لا أقول شيئا من خلال نصوصي فالنصوص القائلة هي نصوص تقريرية نصوص تنظير ومنابر لا علاقة لها بالأدب وجوهره الشفاف الهفهاف كلما زادت مساحة السكون والصمت في النص تسامت قيمته وجلت بؤرة المعني فيه .. الحقيقة أني اكتب ولا أقول فالقول تركته للنقاد وللكتاب الساعين للمجد والتميّـز. النص اكتبه بسيطا سطحيا واضحا يلمسه الأعمي ويراه البصير.. القارئ لا أقول له شيئا لا أمارس علي ذائقته أي دكتاتورية بلاغية أو إبداعية لا ألف حول خطمه أي لجام أجرجره به أشركه في النص بإثارة عدة أسئلة لا إجابة جاهزة لها . الإجابة موت محقق ابعد عنه القارئ ما قدرت كل الإجابات في هذا العالم أثبتت فشلها. الفن والأدب والإبداع بصفة عامة شيء نسبي لا ثبات له ولا رسوخ .. الإبداع هو الثورة هو الهيجان المستمر والفوران الذي لا يتبخر ولا ينتج إلا ملح المجاز.
شرارة البدء
ـــــــــــــــــــــــــــ كتبت النص الشعري وضمنته في رواياتك لماذا لم نر محمد الأصفر كشاعر؟
اعتقد أنني شاعر ولو لم أكن شاعرا ما كتبت ست روايات في زمن قصير حوالي ثلاث سنوات . الشعر لديّ لا تحتويه الكلمات لو تتبعت أحداث أي رواية من رواياتي لرأيت قصيدة حيّة تلبس كساء الكلمات وتتجول في النص عبر عدّة هيئات .. في الرواية تجدين نصا نثريا قصة قصيرة مسرحية أمثالا وحكما وملحا استطلاعا أغاني رياضة برنامجا وثائقيا كل هذه الأشياء المبثوثة في رواياتي هي قصيدة شعرية مفككة تجمع كلماتها مغناطيسات الذائقة المتسامحة المرحبة بالجديد. بدأت الكتابة كشاعر ومعظم قصائد النثر الموجودة الآن في رواياتي كتبتها عام 1999م و2000م وتم استهجانها آنذاك لأنني غير معروف ونشرتها منفصلة ولم أضعها في سياقها الحقيقي داخل متن الرواية .. القصيدة وعاء متسع يحلق فيه المبدع في فضاءات واسعة والقصيدة بالنسبة لي ليست هي الشعر.. التفعيلة أو العمودي أو النثر.. القصيدة لدي هي حالة كتابة أسكبها علي الورق ولتتشكل في أي صورة شاءت .. ديدني الانسياق وراء الكلمات لأجد نفسي في السرد وليس معني ذلك أنني أهملت الشعر فكل نص اكتبه أبدأه بقصيدة ومن القصيدة انطلق في متاهات الإبداع .. عندما انتهي من النص أحرّك مكان القصيدة بأن اجعلها في منتصف النص أو في نهايته .الشعر في أغلب الأحيان شرارة البدء وأعظم قصيدة قيلت حتي الآن هي كلمة كن .
نسيج الرواية
ـــــــــــــــــــــ قلت في حوار سابق تظل القصة هي الأقوي بما فيها من تفاصيل صغيرة قصيرة ولحظات وامضة لماذا اتجهت إلي الرواية إذن ؟
مازلت اكتب القصة اكتبها وازرعها داخل نسيج الرواية .. الرواية الحديثة مجموعة لوحات أو مجموعة قصص ظاهريا منفصلة عن بعضها وداخليا متشابكة جدا .. الرواية معناها أن تحكي وأنا أحكي حسب مزاجي وليس حسب تنظيرات النقاد .. عندما انتهي من الكتابة اكتب تحته محمد الأصفر فقط ولا أجنس العمل .. دور النشر هي من تفعل ذلك وأنا لا أعترض ما يهمني هو مادة العمل وليس اسمه .. المادة جوهر خالد .. أصل .. الاسم شيء مستحدث قابل للتغيّر والتلون والإلغاء. رواية شرمولة مثلا تتكون من عدة لوحات تجدين فيها القصة مثل قصة المطرب الشعبي عبد الجليل عبد القادر، تجدين فيها المقالة الحوار الصحافي أدب الرحلات الخواطر الانسانية والوجدانية .. من يكتب القصة يمكنه أن يتحول إلي كتابة الرواية والمستحيل العكس . وتظل القصة بالنسبة للرواية مثل الشعر بالنسبة للنثر.. القصة القصيرة تلتقط بواسطتها اللحظات الصغيرة الفالتة من الحياة والتي يمكن للرواية أن تضطلع بها دون التورط في فخ الإطناب ومهما كتبت من روايات فسأظل كاتب قصة.
. قصة تـُروَي تداعيات النص
ــــــــــــــــــــــــــــ أنت متهم في نصك بأنك تكتب طبق الأصل سيرتك اليومية في الشوارع والبيت والعمل ماذا تقول ؟
اعترف بذلك فأنا تلقائي وصادق إلي ابعد حد اكتب ما يحدث لي في البيت في الشارع في الأحلام في الخيال ، أسجل كل شاردة وواردة ، اكتب تقارير عن نفسي . من يخالطني أش ِ به إلي نفسي قد تدفنه نفسي في سجن الكراهية أو تزرعه في نبض الحب . ليس لديّ جرس إنذار ما أفكر فيه اكتبه. لا أسعي أن تكون كتاباتي جيدة وموافقة للنظريات النقدية والأدبية التي أحترمها.. مقياسي الوحيد هو القارئ العادي غير المتخصص إن أعجبه النص شعرت بالارتياح للحظة أبدية .. الانصياع للنظريات النقدية معناه الوصول إلي النجاح والتجويد والرقي ومشكلتي أنني لا أحب هذه الأشياء .. أعشق الهبوط .. الهبوط إلي أسفل سافلين ...الخ وفلسفتي هي عشق الفشل .. الفشل حكمة كبيرة ولحظة صدق نعيشها دائما ولا نعترف بها .. الفشل دائما يهمني .. فلا أكتب أي شيء كامل النجاح .. النجاح والجوائز لا تهمني أيضا .. الأصدقاء لا يهمونني بل لدي كثير من الأصدقاء أود لو أتخلص منهم .. هذا الاتهام لا أنكره اكتب كما أعيش وهذا شيء صعب جدا أن تخلق من حياتك وحياة من حولك أدبا .. هو ضرب من العذاب .. هذا الأمر غير متاح لكل كاتب .. يحتاج إلي موهبة مشتعلة وجرعة صدق كمحيط وقراءة مستمرة ومعاناة وتضحيات بكل شيء ونسيان وتحرر من كافة الظروف الاجتماعية ولامبالاة بالتداعيات الناتجة عن نشر النص .. الكتابة بهذه الطريقة ليست متاحة للجميع .. أغلب الكتاب يتحدثون عن الآخر وما أصعب أن نتحدث عن أنفسنا ولو بالكذب .
ضوء غير مرغوب فيه
ـــــــــــــــــــــــ هل كانت القصة القصيرة بالنسبة لك مجرد تدريب علي الرواية ؟
أنا لا أحب التدريب .. اكتب دون مسودات .. دون شطب أو تنقيح .. كتبت القصة .. ومن القصة وجدت نفسي اكتب رواية .. الكاتبة ليلي النيهوم قالت لي : لديك إمكانيات كتابة الرواية .. كتبت فصولا من رواية المداسة ومن المداسة بدأت أدوس ما أمامي والذي أتي به القدر خلفي أرفسه بشدة .التنوع والغزارة في الكتابة في أكثر من حقل ابداعي هي من الأمور اللافتة في تجربتك .. كيف تجد الوقت لمقاربة كل هذه الأمور؟؟ الوقت هو الذي يجدني .. تعيش في داخلي حالة الكتابة .. أنا كاتب مخلص لهذا الهم .. لا يهمني شيء في هذا العالم سوي القراءة والكتابة .. اكتب في أي وقت وفي أي مكان وتحت أي ظروف .. كل العالم اشعر أنه مخلوق من اجل كتابتي .. أسافر إلي مدينة صحبة زوجتي من اجل كتابة بضعة سطور.. قد امكث شهرا أو أكثر لا أفكر في المال أو الأكل أو السكن .. كل مدينة لي بها أصدقاء وان لم أجد أصدقاء اصنع أصدقاء جددا .. لا أتقيّد بالشكل في الكتابة أو الموضوع. اكتب ما اشعر به .. أي نص يستهويني أضعه في الرواية .. قد يكون له علاقة بالموضوع وان لم يكن له علاقة علقته عنوة .. النصوص الجميلة دائما تحب العنوة .. اصنع له علاقة متينة أو هشة لا يهم .. الكتابة لدي حالة عشق أو فلنقل حالة مرض لا أريد لها الشفاء .. كل من يقدم لي ترياقا أراه سما فلا أتذوقه .. أنا كيميائي نفسي وحكيمها الأوحد.
مطية الرحيل
ــــــــــــــــــــــــــ نصك يتأرجح بين المغرب وتايلاند وليبيا والصين وتركيا فأي مدينة تسكنك ؟؟
الصين لا أحبها لأن أناسها تبصق علي الأرض وأنا أحب الناس التي تبصق علي الوجوه .. المدينة التي ارتاح لها هي مطيّة الرحيل .. حالة السفر الدائم .. ليس هناك مدينة بالمفهوم العمراني تسكنني .. ما يسكنني هو نفضة أحاسيس واتساعة مدي وخليط من الابتسامات والإشراقات المبهرة بملح بنغازي وطين مراكش ورذاذ بانكوك الملوث. المدينة التي تسكنني لا أتناول منها أجرة اتركها تسكنني مجانا مثل الزهور الدائمة في قلبي.. أغذيها بالأمان والحرية والجنون .. مدينتي هي الحرية الجمال الصمت ووطني هو حبر الحقيقة . هذه الأشياء أجد نتفا منها في بنغازي رباية الذايح وفي مراكش الحمراء وفي بانكوك مدينة الشمس المشرقة والابتسامة الدائمة أجد نتفا ضئيلة يستحيل جمعها في مدينة واحدة فالإسفنجة المثل ما زالت تتملص من أخاديد أصابعي وتندلق قريبا مني رواية مجنونة كغرور الخيال .
الاختلاف والتميز
ـــــــــــــــــــــــــ نقديا أنت مهتم بالمضمون أكثر من الشكل ماذا تقول؟
اجل اهتم بالجوهر إن وجد .. لكن الجوهر أتناوله من خلال السطح .. تري كتابتي سطحية بسيطة ساذجة . انسان يحكي أو يتكلم .. يعيد ما قاله في المرة السابقة .. يكرر الشيء مرات ومرات .. مفردات متوالية .. البعض يري السطح والبعض يري العمق من خلال هذا السطح .. السطح باب العمق وكل الأعماق المعروفة حتي الآن لها أبواب .. الجوهر والمضمون موجود في كتاباتي جميعها .. أري قلوب الناس ولا أري ملابسهم اسمع نبضاتهم ولا اسمع جعجعاتهم أنا اكتب كلمات عادية تتحدث عني أو عن أي شيء مثلا :ولد يستيقظ صباحا يتلفع بمنشفته رائدا دورة المياهأمه تستوقفه قائلة : الماء متوقف منذ الليل ولم اتوضأ إلا بقطرات الماء التي ينقطها ايركونديشن جارنا .في الكتابة لا أسعي إلي شكل جديد يميّزني اكتب ببساطة وتلقائية مفرطة.. أترك الخراب ينهال حيث أراد .. الشكل الذي يولد معي لا أجهضه .. اتركه يعيش .. الكتابة شيء بسيط .. لا تعقيد فيه .. اللهث وراء الاختلاف يرمي بك في جب الاصطناع أكثر.. المتشاعرون والمتقعرون والمتحدّبون أيضا هم كتاب ينشدون الاختلاف .. الاختلاف والتميّز يأتيان هكذا تلقائيا .. ابتسموا كما الأطفال ولا تمسحوا لعابكم .. اتركوا عرقكم يلعب علي الخدود ويسقيها ألقا .. الكتابة تحتاج إلي موهبة ومن لا يملك الموهبة فلا يتعب نفسه .. عليه أن يبحث عن موهبته في مجال آخر وما أكثرها في هذه الحياة . بالنسبة لي بحثت عن موهبتي في عدة مجالات، التدريس التجارة الرياضة الفن .. كل تلك المجالات فشلت فيها والآن سأفشل في الكتابة أيضا لأقفل دائرة الحظ بأوتار اللعنة .
ـ القدس العربي ـ بنغازي شتاء 2005 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق