الأربعاء، يناير 18، 2006

هارون الرصيف

أكثر ما يدهشك في قصص الأديب العراقي حسن عبد الرزاق ضبط الموضوع واختصاره بشكل مدهش، لدرجة يجبرك معها على احتباس أنفاسك، ليفاجئك بنهاية لم تكن لتخطر على بالك، ولكنها مع ذلك تسعدك، وتجعلك من قرائه المدمنين، تفتّش عن (بتول) لترشف من زقها جرعة تريحك بعد تعب. وإليكم آخر ما أبدع:
بقلم حسن عبد الرزاق
نقلاً عن (دروب)
دست جسدها تحت الدثار طالبة الدفء.لم يستدر نحوها وتركها تحتك بظهره حتى الياس.كان منشغلا ببتول .. الزنبقة التي انبتت نفسها على نهر صباه قبل خمسين عاما ومنحته كل احاسيسها الريفية .انها الان تطل عليه من فضاء اللحاف حاملة بيدها زقا من نبيذ العنب وعلى جسدها ثوب عباسي ذي ذيل زاحف على الأرض وراءها .يقرب منها كفا ذات اشتهاء متمرد على الخدر .. يوصل اصابعه بالكاد إلى سطح الزق .. ويستعطف حبيبة الامس حين يعجز عن الامساك به:- اسقيني جرعة واحدة ارجوك. في حين يزوغ بصره بين لحظة واخرى صوب وجهها ليغترف من سمرته التي لها لذة الخمرة المعتقة. بتول تستجيب ولا تستجيب . فهي تقترب منه بعد كل زخة توسل .. توصل يديها إلى حدود اصابعه .. وحين تتحسس الجاذبية .. تسحب كل جسدها إلى الوراء وترمي له ابتسامة مشاكسة توقظ في غريزته رغبة ملاحقتها.يشتم الغواني ببذاءة .. ويعرج على كل جنس النساء .. ويصعد للام الاولى (حواء) .. فيتذكر عندها جنة ماضيه الضائعة ويذرف من راسه ذكريات صارت الان باردة كالليل الشتائي الذي ينام على احد ارصفته منذ اربعة مواسم :( قروي مترف.. تقوده المدينة مرة إلى ماخور شهي .. الماخور يدسه تحت الدثار مع جسد انثوي محترف .. فينسى منذ لحظة الالتصاق به زنبقة صباه ويذهب في اغفاءة طويلة تحت الدثار حتى تتلاشي ثروة والده الاقطاعي)يعاود الرجاء .. هاملا حرارة الانفاس التي تدفا ظهره .. يقول لبتول التي تزوجت من سواه وصارت الان جدة :- ما فائدة مجيئك اذا لم تسقيني؟فتتراجع عنه منسحبة خارج اللحاف مخلفة ابتسامة ساخرة طلعت من جوف مرارتها .. مرارة الريفية التي استبدلها خطيبها بالغواني المزوقات .يلاحقها في الشارع البارد .. يركض خلفها مقرور العظام .. ينادي عليها إن تعود (اريد الخمرة اولا ثم اريدك) تتضاعف رغبته لها رغم التعب .. لكنها تذوب في الظلام كومضة ضوء خاطفة جاءت من المجهول .يلهث بشدة على فراشه الوسخ .. وتتلاحق انفاسه الصعبة .. يسعل .. يلعن .. ويزفر بغيظ ..كقط فاتته الغنيمة .ثم ..بعد إن يهدا تماما .. يدير جسده نحو الجهة الاخرى .. واضعا قنينة الخمر الفارغة وراءه .. وبارتعاش سبعيني يحرك كفه إلى ظهر القطة التي تقاسمه الفراش منذ موسمين .. ويسحبها من مكانها إلى منصف جسده .. ليلصقها على فحولته الميتة ويبدا بممارسة الاحتكاك إلى إن تتسرب قطرات شحيحة جدا من ذكورته تكون كافية لجلب النوم الهاديء إلى شيخوخته المشردة.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

لقد أعجبني جداً اسلوب حسن عبد الرزاق السريع ، السهل، الممتنع، وأعجبتني لغته العربية المتينة. وهذا ليس بجديد على أدباء العراق.

غير معرف يقول...

this is a beautiful story. good luck mr. hassan.