الثلاثاء، أكتوبر 21، 2008

مدافن الأحياء

عوني وتد
وثائق جهريّه في أسفار أسرى 48.
أيتها النسور الملجمة ، أيتها السواعد المكبلة ، أيتها الأسود المصفدّة ..
سأقول عذراً ! ارددها .. ولن أتوقف .. لا لن أتوقف .
فقد بات عذري أقبحُ من ذنبي، وصمتي اشدُّ من سوطي، وهواني افضحُ من ذلّّي .
فقضيتكم اطهر من عمري ، وزنازينكم أقدس من سجني ، وأوسع من باحتي، وأبهى من سرمدي . لكنني مع كل عذري .. سأتمرد على صمتي، وانتزع سوطي ، واقلب لتجار قضيتكم ظهري .. وأكثر من ظهري.
وسأصرخ بأعلى صوتي:
" أيتها النسور الملجمة، أيتها السواعد المكبلة، أيتها الأسود المصفدّة!
اخجل من صفحاتي حينما تَعُدّ غياهب عزلكم،
اخجل من قلمي حينما يعجز أمام قيودكم،
اخجل من قياداتي حينما تتنكر لحريتكم، واخجل من أولادكم وزوجاتكم،
من أمهاتكم وعائلاتكم، لأنني خذلتهم وخنت قضيتكم !
والتمست العذر في صمتي ! ".
عذراً !
لقد عجزنا عن طرح قضيتكم فوق طاولة الحرية،
لأنها أثقل من هاماتنا، وأنفس من بضاعتنا، فلم نقوَ على حملها،
وخشينا الكلام حول مائدة اللئام، ونسيناها في رَحْلِ المزايدين.
وصنعنا من مصائركم شعارات ونياشين ، تعلق في مواسم أسواق الانتخابات ،
وصورا تزيّن الملصقات
وأغنيات تردد في المهرجانات. لكنها سرعان ما تذوي وتتلاشى أمام بزاتنا البرلمانية الجديدة.
عذراً !
بعناكم لغطرسة عزيز مصر بمهاترات معدودة، ومقايضات صُكَت من وثائق كراسينا الباليه،
ومناصبنا الخاوية. فركعنا وسجدنا لخزائن فرعون ،
نلتقط الفتات وبعضاً من الرواتب الشاغرة ،
وهرعنا لاهثين لمبايعة رابي رئاسته المنتظر بكل نخوة وشهامة،
وبدون شروط وكرامه ، عله ينعم بالاسترحام ،
ويغدق عليكم الأنعام، أترضون أن تكون ولايتنا بغير إمامه ؟ ومسيرتنا السلمية دون حمامه؟
عذراً !
لا نريد أن نخلط الحابل بالنابل ، فألوان وجوه حبالكم زرقاء، يزينها شمعدان الوالي،
ووجوه نبال إخوانكم برتقالية أو خضراء، قسمت ألوانها المعالي.
ولأننا امة تعشق الأمثال والحكم ، فلا بد من جعل شعبنا شعبين ،
وعربنا عربين، ووجوهنا وجهين وقضيتنا الواحدة شطرين .
عذراً !
فلقد نسيت امتنا العربية ، ثوابت مفاوضاتهم وأولويات قضاياهم المصيرية،
وزلت أنامل كوندليزتهم المطبعية ، فتاهت أسماؤكم وتناثرت بين كوفية فلسطينية مُستجديّه ،
وقُمباز مصريّ مُطبّع ، وعمامة شاميّة مُمْتنِعة ،
وعباءة خليجية مُهجَنَّه .فرضخ المفاوضون لقبول تلاوة (توراة سيناء )
و ( مزامير داود) ..
وكما ورد في سفر أسرى 48:
" كلوا أيها المفاوضون ما شئتم من وصفات ارض السمن والعسل !
ولا تقربوا مدافن الأحياء ! ". أترضون لنا أن نحرّف التوراة، ونرقص على غير هذه المزامير؟
ونخون حسن الجوار ، وصدق النوايا؟
عذراً !
فجدار العزل الملعون، حجب أسماءكم عن قيادات وهموم (شعب الجبارّين) بكافة فصائله، وحركاته وأحزابه.
وأنساها الخوض في قضيتكم، والمطالبة بحريتكم وحذرها الوالي
من ذكر أيديكم الملطخة بدماء العجل المقدس،
فهي لا تنتمي إلى فصيلة دم ( عامي بوبر ) المسجلة وفق قوانين الأمم المتحدة وحقوق الأسرى.
عذرا!
فحلمنا العربي ، والجامعة العربية ، والمؤتمرات الاسلامية ، والقمم الطارئة والموسمية ، والمهرجانات السياسية والفضائيات السوبرستاريه ..
مزقت ملف قضيتكم المصيرية سهواً ،( دونما سبق إصرار وترصد )،
حينما تهافتت على مستوى الوزارات الخارجية ، وتسابقت أياديها لتحظى بشرف طرح قضيتكم بكل عزيمة وإصرار .. فتمزق ملف قضيتكم بين أيديهم المباركة ،
وهم يتصارعون السباق على طرح قضيتكم.
عذرا!
لأن حبنا لأقصانا الأسير ، طغى على قلوبنا جميعاً ، وهمومنا جميعاً ،
فنسيناكم قبل ربوع عمواس وروابي القسطل .
وانشغلنا كثيرا في تسيير آلاف قوافل الحجيج من مطالع شطة ومشارف نفحة وعسقلان ،
لنسرج له قناديل الحرية ونوقد بخور الانتماء ، فعذراً إن كانت شدة حبنا لأقصانا الجريح ،
قد أنستنا أن حرمة أسير مسلم اشد عند الله من حرمة المقدسات .
وأخيراً قبل وداع خطوتنا الأولى ..
عذراً ! وألف عذر !
لأننا جميعاً لا نفقه فؤاد أم متوقد عدت الثواني تلو الثواني، تحلم بضم نجلها بعد طول الفراق.
لا نأبه لوقار شيخ عجوز طحن الأيام ، يتوق لتقبيل وجنتيّ ابنه والعناق.
لا نحس بألم أسير مريض يعد السنين ويعاني مر المذاق.
نعتذر ! لأن رجولتنا .. وصدق مواقفنا .. وقضايا مصائرنا .. وأولويات ثوابتنا ذلٌ وهوانٌ ونفاق .

فلسطين الداخل

ليست هناك تعليقات: