الأحد، أكتوبر 26، 2008

مجرد خاطرة



سعد حمزة


لم يكن في خلدي أن أكتب هذا المقال وإنما الكيل قد طفح والصبر قد نفذ، ولم أقل انها مجرد صدفة بل صعقة كبيرة جعلتني أعيد ترتيب الأوراق من جديد وأرمم قليلا ما خربه واقع الحال، لأن الذي حدث لم يكن بالحسبان بل خارج حسابات المتوقع، هي صدمة كبيرة كان لها وقعا كبيرا على نفسي، بل انها خلقت نوعا من الاحباط باديء الأمر خصوصا لحظة وصولي الأراضي الاسترالية في نيسان عام 2005، وأنا ما زلت محملا بالطموحات والمشاريع الثقافية، والتي حملتها معي وحافظت عليها من الموت داخل الوطن وخرجت بها الى عمّان وحققت القليل منها وأنا في عمان وعاهدت أن أكمل البقية حيث أصل أستراليا الوطن الثاني، وهي ذات الطموحات التي حملها زملائي الذين غادروا العراق قسرا وحققوا الكثير منها في عمّان وقدموا في العاصمة الأردنية المزيد من الفعاليات الثقافية والفنية، وكتب عنها في العديد من الصحف الأردنية والعربية حتى باتت الثقافة البديلة في هذا البلد الفتي رغم أن مساحة التحرك هناك كانت ضمن ضوابط تقيّد حركة المثقف العراقي، وعدم منحه الحرية الكافية لادلاء ما في دلوه حاله حال باقي المثقفين في دول الجوار مثل دمشق وبيروت، رغم أن تجمعنا الثقافي في عمّان عاهد نفسه أن يواصل مسيرته الابداعية حتى بعد رحيل أغلب عناصره المبدعة الى دول اوروبا وأمريكا وأستراليا، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، باستثناء الكتاب والأدباء والفنانين الذين وصلوا اوروبا وليس جميعهم على وجه التحديد، هناك من حاول أن يؤسس تجمعا يليق بالثقافة العراقية البديلة لثقافة النظام الديكتاتوري المقبور وأنشطة ثقافية وفنية عززت سمعة العراق الثقافية التي ظلت على مدى ثلاثة عقود مغيبة بفعل سيطرة وسطوة المؤسسات الاعلامية للنظام السابق، أما في أمريكا بغض النظر عن الكتاب والأدباء الذين غادروا العراق في بداية السبعينيات وبداية الثمانينيات لم يكن هناك أي تجمع يذكر سوى من ولادات بائسة لا تستطيع أن تنفخ النار في الرماد، ان لم أقل أن أكثر عناصرها حالها حال عناصرها المتواجدين في استراليا، غادرت ابداعاتها وانخرطت في عالم المال والمهن والسعي وراء بناء بنى اقتصادية تعيد لها ما فقدته من عناصر الحياة الحقيقية.
وأعود لأتحدث عن الثقافة والمثقف وواقع حالهما كلما رأيته وسمعته وهو مأساوي للأسف الشديد، لأن المثقفين العراقيين كان لهم الحظ الأوفر للوصول الى استراليا خصوصا بعد عام 2000 ووصلت منهم مجاميع لا باس بها وبامكانها أن تشكل أكبر تجمعا ثقافيا له حضوره لأن هذه المجاميع تملك من التجربة السياسية والثقافية لا يحسد عليها، وبعد التحري عن كل هذه المجاميع من خلال زياراتي لبعض الولايات، ومن خلال اتصالاتي عبر الهاتف أو وسائل الاتصال الأخرى تبيّن لي وللأسف الشديد أن أغلب هؤلاء الزملاء غادروا مقاعد الابداع لينصرفوا وراء البحث عن المال ومزاولة التجارة وممارسة مهن لا تمت بالصلة لا بالقريب ولا بالبعيد عن ما كان يجوش داخلهم من طموحات يحققونها ويكملون بها مسيرتهم الابداعية التي عاهدوا أنفسهم على اكمالها حتى الرمق الأخير.
إن محاولات متواضعة هنا وهناك في القارة الاسترالية لا تفي بالغرض المطلوب، فحضور المثقف العراقي والعربي ضئيل جدا وحتى شكل هذا النشاط يخلو من العمق الثقافي والفكري الذي يعيد الى الأذهان ما تركه المثقف والأديب العربي مطلع القرن العشرين في اوروبا وأمريكا وفي كل بلاد المهجر والذي أسس أدبا له هويته وترجم الى عدة لغات وما يزال وحتى اليوم يدرس في مناهج الدول الغربية والوطن العربي، ونشرت مئات الأطروحات والرسائل الجامعية بصدده.
هنالك عوامل عديدة كانت السبب وراء غياب ونشر الثقافة العربية في أستراليا، وواحد من أهم أسبابها هو الصراع من أجل الهوية ، لأنه وللأسف الشديد للآن المثقف العربي أو حتى المواطن البسيط يعيش صراع الهوية، فهو لا يستطيع أن ينسلخ عن هويته القديمة ولا يستطيع أن يتكيف مع الهوية الجديدة، ولأنه ما زال وما يزال للآن يعاني هذا الأمر فهو بالتأكيد ظل أسير الأمرين. وثانيا هناك تجمعات ثقافية أقليمية تأخذ على عاتقها ابراز فقط ثقافة البلد الواحد بعيدة كل البعد عن ابراز صورة الثقافة العربية الموحدة ومنجزها التاريخي. وثالثا ليس هناك الدعم الكافي سواء كان معنويا أو ماديا على دعم الانشطة الثقافية العربية، لا من قبل ملحقيات ثقافية عربية ولا من مؤسسات ثقافية عربية في الداخل والخارج، وللآن وللأسف الشديد ما زالت هناك صيحات من قبل مثقفين وكتاب عرب تُميز ما بين أدب الداخل وأدب الخارج وكأن الثقافة العربية منشطرة الجسد نصفين. وأخيرا ليس هناك محاولة لاقامة مؤتمر عام للكتاب والأدباء العرب في أستراليا، والذي من خلاله تأسيس تجمع ثقافي عربي مدعوم يأخذ على عاتقه مسئولية نشر الثقافة العربية واحياء تراثها التاريخي واعادة الحياة للابداع العربي الذي بامكانه أن يمد الجسور مع ثقافات العالم الآخر، وبالتالي خلق تلاقح ابداعي مشترك يضيق الهوة المتواجده الآن بين حضارتنا التاريخية وحضارة الآخرين.
ثم أعود وأقول، كخطوة اولى من أجل مواصلة مسيرة الابداع الثقافي، شكلنا بداية هذا العام تجمعا ثقافيا في ولاية (كوينزلاند) أخذ على عاتقه تقديم بعض الأمسيات الثقافية التي شارك فيها أدباء ومثقفين عراقيين وعرب وأستراليين، ومن هذه الأمسيات، حفل تأبين رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة، وحفل إضاءة شموع عن رحيل الشاعر محمود درويش، وحفل تأبين عن أربعينية الشاعر المرحوم. وأمسية ثقافية بمناسبة صدور رواية (تراتيل عزاء البحر) الصادرة (عن دار العودة بيروت)، وأمسية شعرية للشاعر سعد حمزة بمناسبة صدور روايتهما المشتركة (سادينا) وبمناسبة فوزهما بجائزة ناجي نعمان للأدب لعام 2007 للروائية دينا سليم، كما حضر هذه الأمسيات عدد من المثقفين العرب والأجانب، حيث قرأت الفقرات باللغتين العربية والانجليزية، كما أن لهذا التجمع برنامج كل شهرين، يقدم من خلاله نشاط جديد، وسيكون النشاط القادم هو ( حفل توقيع كتاب) وذلك بمناسبة صدور الرواية الرابعة (الحافيات) للروائية الكاتبه دينا سليم في موعد سيعلن عنه لاحقا، وللتذكير أن أبواب التجمع مفتوحة لكل المثقفين العرب والأجانب، لأن هوية هذا التجمع هوية كونية، وشعار التجمع هو (ثقافة بلا حدود) بغض النظر عن الدين والهوية والقومية.

* سعد حمزة – عن التجمع الثقافي في ولاية (كوينزلاند) الاسترالية.

ليست هناك تعليقات: