ميرا جميل
تابعت الحركة الثقافية من ابداع أدبي ومسرحي وفني في البلاد منذ بداية وعيي .. وأقول بأسف شديد ، ان عدم وجود مؤسسات عربية محلية قادرة على استيعاب الدور الحضاري المؤثر للحركة الثقافية وسائر الفنون الثقافية والفنية ، أسفر عن ضياع جهود الطلائعيين الذين قدموا جهودا بطولية في ارساء القاعدة للتطور الثقافي متعدد الجوانب.. وللأسف ، مثلا .. بعض الموهوبين المسرحيين اصيبوا بحالة يأس واعتزلوا النشاط المسرحي الخلاق الذي بدأوا مسيرة حياتهم به .. وكانوا قد كرسوا احلامهم لرؤية تطور مسرح محترف وجماهيري ، منهم مثلا المخرج والممثل الموهوب صبحي داموني من الناصرة ، الذي قدم حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي مجموعة كبيرة من الأعمال اخراجا وتمثيلا ، كما تبين لي من مراجعة أرشيفات الصحافة وقتها . أيضا الصحافة كانت تلع دورا هاما لا أراه اليوم ، نقدا واستعراضا وتغطية صحفية . كان الاقبال على المسرح والأدب اقبالا جماهيريا منقطع النظير. كانت الندوات الشعرية والثقافية تعقد اسبوعيا وفي مختلف البلدات العربية وبحضور متفاعل ونشيط ، كانت المحاكم الشعبية لمختلف القضايا الوطنية أو الثقافية تقليدا يشد الاف الحضور.. كانت الندوات الشعرية يحضرها الآلاف وتتحول الى مهرجانات شعرية وسياسية . ثم بدأت ثقافتنا تترهل وتتهاوى ، وبدل ان يجد جيل الطلائعيين المسرحيين الدعم .. وجدوا الصد ومحاولات تقزيمهم ، فاعتزل من اعتزل وأبرزهم بالطبع صبحي داموني . نفس الحال جرت في الشعر والندوات الثقافية ، اليوم تحتاج الى محفزات وتأثير شخصي لانجاح ندوة أدبية .
بالطبع الحياة لن تتوقف ، رغم الكبوة التي طالت .. ولا بد من الانطلاق من جديد ، بدونه لا تطور ولا تقدم ولا حضارة ولا ثقافة ولا انتاج مادي وتطور علمي وعقلي .
الأمر الذي يقلقني حقا هو غياب التخطيط الثقافي من مؤسساتنا وسائر هيئاتنا الشعبية ، والفهم العميق لأهمية هذا التخطيط وانعكاساته على مجتمعنا . .
الثقافةهي معيار صحيح لقياس تطورالمجتمع .. وغني عن القول ، ان المسرح يعتبر من أهم الأدوات ، وأكثرها فاعلية ، في اثراء الحياة الثقافية الاجتماعية ، والتأثير عليها .
في الشهر الأخير شاهدت مجموعة كبيرة ، وأقول هذا بفخر وتأثر .. من الأعمال المسرحية ، ومن المعارض الفنية ، ومن الكونسرتات الموسيقية الغربية ، ومن العروض الموسيقية والغنائية الشرقية ..
هذا اثراء غير مسبوق لحياتنا الثقافية والفنية . بالمقابل لا ارى تنامي الوعي ، لدى مؤسساتنا، حول دور الثقافة والفن الاجتماعي والسياسي , واضيف لدور الفن التربوي في تنشئة الأجيال الجديدة ، التي نريدها ان تنشأ مرتفعة القامة ، صلبة العود ، فخورة بانتمائها الوطني والحضاري ، وأن ترى بالثقافة والفنون والعلوم مقياسا لحضارة مجتمعنا .
اني ارى الترابط العضوي الكامل بين الحديث عن الابداع الثقافي ، وطرح قضايا واشكاليات هذا الابداع . والقصور الذاتي في توفير وسائل الدعم .
ان غياب اي برناج ملموس في برامج الهيئات الرسمية ، للموضوع الثقافي ، هو اشارة حمراء للواقع المتهاوي ثقافيا الذي نندفع اليه بدون وعي.
استطعنا ان نطور ثقافة ابداعية بهرت العالم العربي .. ووصلت الى العالمية .. ان مجتمعا لا ثقافيا هو مجتمع من السهل هزيمته وتفسيخه .. وعزله عن محيطه الطبيعي .. وجعلة مجتمعا يعيش في محميات طبيعية ، أشبه بمحميات الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية . وهل نستطيع ان ننسى ما تفوه به لوبراني مستشار رئيس حكومة اسرائيل الأول ، دافيد بن غوريون للشؤون العربية ، عن رؤيته ، وعمليا رؤية السلطة الاسرائيلية .. بان المخطط تحويل الأقلية العربية الباقية في وطنها الى " حطابين وسقاة ماء ؟! هذه الجملة يجب أن تبقينا على أهبة الاستعداد دوما ..!!
فقط عبر الرؤية النهضوية الفكرية والثقافية ، استطعنا ان نهزم سياسة التجهيل ، وأن ننطلق في اجواء المعرفة والثقافة والعلوم ، لنتحول الى أقلية عربية متماسكة ..
ومع ذلك الظن ان معركتنا انتهت .. هو خداع للنفس . نحن في صراع دائم ومتواصل .. غير ان واقعنا ايضا يتغير للأسوأ .. ربما بسبب المساحة الدمقراطية الواسعة التي بتنا نتمتع بها ، بدل ان نستغلها لتعميق الانتماء والابداع أضحت تخلصا من الانتماء واستهتارا بالابداع. ونفتقد لأي مفهوم متقدم لأهمية الفعل الثقافي !!
عندما قررت الكتابة عن موضوع الاعجاز العلمي في القرآن ، كنت على وعي بأن ما أطرحه سيثير عاصفة ضدي ، ولكني أحترم عقلي وذاتي كمثقفة ، وأرى الخطر الداهم على مجتمعنا من ترويج حكايات وهمية لا استناد مادي لها في الواقع الملموس . يقودنا الى وضع صار فيه بسطاء الناس المتدينين ، وهم كثيرون ،خبراء في الاعجاز العلمي وهم لا يدرون اسس ومباديء أبسط مسألة علمية. وباتوا كلهم يكررون مقولات وآيات أنا في شك اذا كانوا يفقهون لها معنى ، او قادرين على شرح الاعجاز المكتشف . يتحدثون عن نظرية الكهرباء وهم لا يعرفون معنى الدائرة الكهربائية وكيف تعمل الكهرباء. يتفلسفون حول المجموعة الشمسية ، بحدود لا تتجاوز صياغات من العيب ان نذكرها لطلاب الصف الثاني ابتدائي . وقس على ذلك .. هل يمكن لمجتمع اتكالي ، مقتنع انه قمة الحضارة ، ويعيش في حضيض العالم علميا ، ان يفهم أهمية احداث نهضة علمية وحضارية ، نهضة تعليمية والقضاء على الأمية. . ؟!
ان خطر الحديث عن اعجاز غير قابل للاستعمال المادي في التطبيق ، هو محض تخريف ، وبغض النظر عمن يقف ورائه.
الثقافة ليست الابداع الأدبي والفني فقط ، انما الابداع المادي أيضا بانتاج ضروريات استهلاكية للإنسان . وهذا ما نفتقده بالمستوى اللائق والكميات الكافية .
عندما نتحدث عن حضارتنا العربية نغرق في نوسطالجيا . محاولين الاستعاضة عن واقعنا غير الحضاري اليوم ، بتاريخنا الحضاري.
ماذا ينفعنا تاريخنا اذا كنا غير قادرين على استئناف ما توقفنا عنده ؟!
من هنا رؤيتي ان للثقافة والتنوير أهمية عظمى في التجديد . ومن هنا حملتي على ابقاء العقل العربي خاملا مخدرا بأننا نملك العلوم ، وما هي الا "زغلول" آخر ونصبح مصدري علوم وتكنلوجيات ، نخرجها من قرآننا الكريم كما نخرج النفط من صحارينا!!
العقل العقل يا أبناء أعظم الحضارات ، مجدنا في تحقيق اعجازتنا العملية والثقافية وتحويلها الى قوة اقتصادية انتاجية تخلص مجتمعاتنا من فقرها وأنظمتها الاستبدادية المتخلفة ، وليس الثرثرة حول اعجازات وهمية ندعي اننا سبقنا بها الغرب . متجاهلين أن علومنا " المخبئة " فات عهد صلاحيتها ، ولم تعد تنفع للتسويق ، في الوقت الذي تحولت نفس العلوم الى قاطرة تنطلق بالمجتمعات الغربية ، وتتركنا مترهلى العقل والجسد ، نجتر الماضي ونختلف في تأويله !!
ميرا جميل - صحفية – حيفا – نيقوسيا
gmeara@walla.com
الأربعاء، أكتوبر 15، 2008
دور الثقافة في تعزيز الانتماء
Labels:
ميرا جميل
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق