سيمون عيلوطي
في ظلِّ غياب المحرِّّّرين الأدبيِّّّّّّّّّّّّين في صحفنا المحلَّّية، أصبحت تعم هذه الصًّحافة كتابات "أدبيَّة"الكثير منها لا يصلح أن يكون حبوًا نحو طريق الأدب، وأحد أسباب جعل هذه الحالة تنتشر "وبهذا الشكل الفوضوي" هو غياب النَّّّّّّّّّّّقد الموضوعي والموجِّه ، حتى أن الكتَّّّّّّّّاب المعروفين، وكذلك الذين اشتدَّ عودهم، وأخذوا يكتبون مادَّة أدبيَّة مقبولة تتوفر فيها العناصر الفنيَّة المطلوبة والصَّالحة للنشر، صار الكثير منهم يتردَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّد بنشر نتاجه الأدبي بين هذا الكم الهابط من "الأدب"، وإن الصحف التي تحترم نفسها تأتي بمحرِّر أدبي يعرف أصول أنواع الآداب المختلفة، فإذا أتته قصيدة مكسٍّّّّّّّّّّّّّّرة الأوزان يعرف أنها مكسَّرة، وإذا أتته قصًّّّّّّّّّة فيها خلط ما بين القصَّة والصًّّورة القلميِّة ، يعرف كيف يتعامل مع مثل هذا النِّتاج . أما عن الخربشات الأدبيَّة التي تدَّعي الحداثة، فحدِّّّّّّث ولا حرج.
أرى أن صحافتنا الأدبيَّة بدأت تتهاوى منذ أن توقَّفت مجلَّّّّّّّّّّة "الجديد" عن الصًّّّّدور، وغاب عن جريدة "الإتِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّحاد" ملحقها الثقافي الأدبي الذي كان له دور بارز في تثقيف أجيال وأجيال، وأذكر أن المحرِّرين الأدبيِّين الذين أداروا الجديد والإتِّحاد كانوا يتَّصلون بالكاتب ويناقشونه حول مادته الأدبيَّة التي أرسلها للنشر، وبعد أن يأخذ الكاتب بالملاحظات أو يقنع المحرِّر برأيه الآخر، تنشر المادة، وكثيرًا ما تترك صدى طيِّّّّّّّّّّّبًا في نفوس القراء، والذي زاد الطِّين بلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّة ذلك العدد الكبير من الصَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّحافة "البلاشيَّة" المعتمدة على الإعلان والتي يهمًّّّّّّّّّها أوَّلاً وفوق كل اعتبار الرِّبح السَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّريع، فأخذت تنشر ما هبَّّّّّ ودبَّّّ من قصَّة وشعر ومقالة أدبيَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّة مليئة بالأخطاء النَّحويَّّّّة واللغويَّة والتراكيب العجيبة الغريبة، الأقرب إلى الفارسيَّة والتركيَّّّّّّّّّّّة، وبشكل غير مباشر شكَّلَ كتَّّاب هذه الصَّّحافة، ومعظمهم من الشَّباب، ظاهرة ذات صوت عال أضاع في ضجيجه صدى الأصوات الرَّصينة ،فتشابكت الألوان وغاصت حركتنا الأدبية في فوضى عارمة .
إن مثل هذه الفوضى، بل هذا التَّّّّّّّسيب المنتشر في صحافتنا المحليَّة يدعو الكتَّاب والأدباء الجدِّيين والمسؤولين تجاه الكلمة والأدب، أن يأخذوا دورهم في الحياة الأدبيَّّّّّّّّّة وأن يؤسِّسوا جسمًا أدبيا لعلَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّه يحد من ظاهرة الفوضى التي أفرزت حالة مائعة.. متهالكة كان من نتائجها بالإضافة إلى ما تقدَّم، أن أصبح كل من يعرف صياغة جملة، يكتب مقالاَ نقديَّا حول كتاب ما، وتحدِّد تقييمه للكتاب علاقته الشَّخصية بالكاتب، فتراه مادحًا أو قادحًا.
عندما أقول هذا، آخذ بعين الإعتبار الدِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّراسات النَّقدية التي صدرت لبعض أدبائنا الذين يتعاملون مع النَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّقد ، والتي غابت عن معظمها المنهجيَّة العلميَّة ، والإيديولوجية الفكرية ، والفهم الحقيقي لماهيَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّة فن المادة الأدبية التي يضعونها تحت مشرحة النَّقد ، إذ كيف يمكن "لناقد" مهما بلغت سعة ثقافته أن يعرف في القصَّّة والرِّّّّّّّّّّّّّّّواية والقصيدة والمسرحية في حين أن العالم اليوم أخذ يتَّّّجه نحو التخصًّصات في النَّقد الأدبي ، وهذا التَّّّّّّخصص هو الذي جعل النَّقد نقدًا له دوره ومكانته .
مَن ينظر إلى مشهدنا الثقافي لا بدَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ أن يرى العديد من الظَّواهر التي نمت وترعرعت في ظلِّ هذا المناخ المتسيِّّّّب والذي يسمح مثلاَ بإقامة ندوة إحتفائية بصدور كتاب يشارك فيها عدد كبير من المدعوِّين الذين لم يحصلوا على نسخة من الكتاب بعد، فيتحوَّّّّّّّّّل الاحتفاء بالشَّّخص وليس بعمله الأدبي ، ونجد أن هناك من يُجيد "فن" التحدُّث في هذه المناسبات حتى بلغ به الأمر أن صار يتابعها بمقالات نقديَّة ، فما أن يصدر كتاب حتى يكتب عنه مقالة "نقديَّة"، ومن كثرة ما يكتب وينشر، ينسى ، فتراه يتحفَّظ حينًا من ظاهرة أو صياغة في كتاب ما، ثمَّ سرعان ما يمتدح نفس الظَّاهرة أو الصِّّّّّّياغة في كتاب آخر.ولأن الكتابة عند هذا "الناقد" هي الهدف دون أن يكون لها رسالة أدبية ثقافية، يلجأ كثيرًا إلى المدح الذي يخلِّصه من ردِّ الأديب الذي يتناول إصداره "بالنَّقد"، باعتبار أن الأدباء يحبُّّّون المدح ، ناهيك عن أن الكثير من مراجعاته تأتي بعد صدور الكتاب بيوم واحد، فيكون النقد في واد والكتاب في واد آخر. ولكي لا أتجنَّى عليه أذكر أنني كنتُ شاهدًا على أحد أصدقائي الكتَّاب، أهداه ثلاثة كتب، وبعد يوم واحد فوجئتُ بمقالات منشورة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عن هذه الكتب، وهذه المقالات ليست أكثر من كلام للإستهلاك قائمة بالتأكيد على قراءته لتذييل الكتب، والذي يساعد على انتشار هذا النَّّّاقد بعض الكتَّاب الذين يمتدحهم، فنراهم يرسلون مقالاته إلى مختلف الصحف والمواقع الالكترونية.. فهذا يُحيك وذاك يُسوِّق.
والمضحك المبكي أنه نشر في الصحف خبرًا عن ندوة أدبيَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّة مفصِّلا برنامجها والمتحدِّّّّّّّثين فيها ثم نشر كلمته التي كان من المفروض أن يُلقيها ، ولأنه اعتذر مسبقُا عن الحضور، لم يعرف أن الندوة أجِّلت إلى أجل غير مسمَّى.. وفي اليوم التالي قرأنا الخبر والكلمة وكأن كل شيء تمَّ بالفعل.
إن عدم حضوره لهذه الندوة أمر غير طبيعي لأنه دائم الحضور في الندوات ، ودائم الظُّّّّّهور على المنصَّات ، حتى لو لم يُدرج اسمه في برنامج النَّّّّدوة، نراه يُصر على أن يقول كلمته، يتحدَّث كثيرًا ولا يقول شيئًا.. وإن قال تصبح عنده نازك الملائكة مؤسسة لقصيدة النَّثر، مع العلم أنَّّّّّها لم تكتب شطرة شعريَّة واحدة غير موزونة، بل كتبت قصيدة التَّفعيلة. وناقدنا لا يُميِّّّّّّّّّز بين الزَّّّّّّّّّّّّّّّّّّجل وبين الشعر العامي ، ونحن لا نستطيع أن نقول إن ما يكتبه أحمد فؤاد نجم أو ميشيل طراد زجل بل قصائد عاميَّة تدخل الشعر من الباب الواسع .
هنا يجب أن أطرح سؤالا يلحُّّّّّّّّّّّ عليّ ، هذا الوضع الفوضوي والمتسيِّب بمسؤوليَّة من؟؟.
هل الصحافة؟.
أم غياب الكتَّاب ؟ أم النَّقد؟.
أم غياب جسم أدبي مسؤول وموجِّّّّّّّه؟.
أم غياب المناهج التدريسية المثقِّفة؟.
أرى أنها مسؤوليَّة عامَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّة شاملة .. وإذا أخذ كل جسم دوره الصَّحيح، يبدأ الاتجاه في التَّّّّّّّّّّّّّّغيير نحو الأفضل.
سيمون عيلوطي – شاعر وكاتب ومحرر موقع "الموقد الثقافي" – الناصرة
الأربعاء، أكتوبر 15، 2008
تهالك ثقافي "وخربشات" نقديَّة
Labels:
سيمون عيلوطي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق