محمد محمد على جنيدي
هناك بمحطَّة القطار بمدينة الأقصر حيث لم أستطع الحجز للقاهرة إلَّا في غرفة النَّوم المُكلِّفَة جداً ، وأثناء
انتظاري( بكافتيريا المحطَّة )إذا بفوج يطلُّ علينا من الفنَّانين والفنَّانات ، تتقدَّمُهُم نجمة الشِّبَّاك الفنَّانة الشَّاملة أشجان حليم ، فوجدتني بدواعي الحبِّ والإعجاب شاخصاً بينهم مُوَجِّهاً لها حديثي مباشرة: الفنَّانة أشجان ..
لحظة تاريخيَّة لعمري كلِّه أن نراك مع هذه الأنجم وقد أنرتُم لنا عتمة المكان وأدخلتم البهجة على قلوبٍ مُنهكة ، فسمعتُ صوتاً خلفي يُحادثُني: مَنْ أنت؟ وماذا تعمل هنا؟! ، فقلت: أخوكم ساهر وأعمل شاعر ، فقال مازحاً: ساهر وشاعر يعني الكلام كلُّه ، أين نحن منك أيُّها الشَّاعر؟! ، أعجبتها جراءتي ، فسمحتْ لي بالجلوس معهم ثمَّ صاحبتُهم في عربة القطار الفاخرة وحَلَّقَتْ بي السَّعادة أكثر حينما طلبتْ مِنِّي أن أُسمعهم بعضاً من مقتطفاتي الشِّعريَّة ، ثمَّ بلغتْ فرحتي مداها حين أبلغتني: عزيزي أنت مدعو لحضور المشهد الأخير من تصوير آخر أفلامي .
وهناك وبعد الانتهاء من تصوير مشهد فيلمها الأخير طالبتني أمام مخرج الفيلم ومنتجه بوضع تصوُّراً لأغاني فيلمها الجديد ، وبمرور الوقت أردتُ أن أكتشف عنها الجديد، ولكنَّها وبالرَّغم من إعجابها بفنِّي وشخصي لم تستجب لدعوات العشاء مِنِّي .
وذات يومٍ مرضتُ فلمَّا لم تعد تراني ، فاجأتني بالزِّيارة لبيتي ومن شِدَّة سعادتي بوجودها تعافيتُ تماماً ووجدتني أُناشدها حبِّي وأصارحها بهياج أشواقي لها .. فقالت: مُسَلِّيةً لمشاعري ( كلنا بنحب القمر.. لكن ) فقاطعتُها قائلاً: بالطَّبع لا يمكن أن يحبَّ القمر هذا الكائن الفقير الماثل أمامك ، فقالت في مفاجأة عمري كُلِّه: بل أنت - وسكتتْ - ثمَّ عاودَتْ القول: نعم أنت ومنذ التقينا بمحطَّة الأقصر - هنا - غمرتني السَّعادة وعانقتْ روحي عنان السَّماء ، فقلت مُتَسَرِّعاً بغير تمهيد ( تتزوجينني؟ ) فلم تجب ، عاودتُ قولي .. وهنا وقَفَتْ مُمْسِكَةً حقيبتها وقد غالبتها دموعها قائلة: أرجوك .. أريد أن أذهب ، هكذا انتهى لقاؤنا ، فقلت في نفسي رُبَّما أكون قد جاوزتُ قَدْري ! .. - ولكن - الباعث للقلق عندي هو أنَّني كُلَّما كنتُ أحاول التَّقرُّب منها يُخَيَّلُ لي أن عيناً ما تُراقِبُني وقد صدق ظنِّي !! .
ففي ذاتِ ليلةٍ بعد لقائي بها وتَوَجُّهي إلى بيتي أيقظتني رسالة من مجهول على المَحْمول تقول: ( ابتعد عن أشجان وإلَّا ستبقى في خبر كان ) والغريب أنَّه في اليوم التَّالي اتَّصَلَت بي أشجان طالبة لقائي فتلاقينا وبصوتها الدَّافئ وقد خالطه الحزن قالت: بالرَّغم من أنَّني أحبُّك فوق ما تتصوَّر أرجوك .. ابتعد عنِّي، فأنا لا أتحمَّل فيك مكروهاً ، عُدتُ إلى البيت وأنا يَعْتَصِرُوني الإحباط وتَتَخَبَّطُني الحيرة والدَّهشة فتوقعتُ أن يبعثوا لي برسالة تهديد كالَّتي سبقتْ .. ولكن كانت يقظتي في هذه المَرَّة على أيادي فئة ضالَّة مُلثَّمة ، أمطروني ضرباً ولم يبرحوا المكان حتَّى شُجَّ وجهي وتورَّمتْ عيناي وكُسر ذراعي وفقدتُ وعيي الَّذي لم أستردَّه إلّا بين نخبة من أعزِّ أقاربي وأصدقائي وعندما سألتُهم: أين نحن ، فقالوا: بالمستشفى ، فنظرتُ إلى قدمي المُعَلَّقة ! فقلت بأيِّ قسم ، قالوا: أنت بقسم العظام ، فتذكرتُ أشجان وكلَّ ما حدث بيننا ثم ابتسمتُ ساخراً مُحَرِّكاً رأسي يميناً ويساراً وأنا أقول لهم: صدقتم فوالله لا يليق بِمَنْ تحبُّه أشجان إلَّا أن يكون مِنْ عِظام الأرض !! فنظر لي أحد الأصدقاء الخُبَثاء قائلاً: أرجوك الاكتفاء بهذا القدر من الحبِّ وإلّا ستصبح مِنْ عظام السَّماء ، فانخرطوا جميعاً في ضحكاتٍ طويلة وأنا ما يزال قلبي يدعونَني إليها ويُذَكِّرُني بها وبكلِّ ما حدث بيننا !! .
الخميس، أغسطس 21، 2008
المشهد الأخير
Labels:
محمد جنيدي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق