سامي العامري
لمّا مات جميل بن معمر وبلغَ بثينةَ نعيهُ , أنشدتْ هذين البيتين كعهدِ وفاء :
وإنَّ سلوُّي عن جميلٍ لِساعةٍ
من الدهر ما حانت ولا حان حينُها
سواءٌ علينا يا جميل بن معمرٍ
اذا متَّ بأساءُ الحياة ولينُها
------
البيتان هنا يفيضان عذوبةً وشجا وموسيقية ألفاظٍ وأتذكر أنني حفظتهما بعد قراءتي الأولى او الثانية لهما !
كم جميل أن يحبَّ المرء بصدقٍ وأن يستمر هذا الحب حتى الموت !
حب الحبيب , حب الأرض , حب الناس , حب المصير , كلها تجليات لمعنى واحد فالحب لا يتجزأ .
ولكن ما أشقى مَن يدَّعي الحب .
بل ويسلكُ سلوكَ المُتفضِّل على مَن يدَّعي حُبَّهُ !
تتحدث مع البعض عن حقوق المرأة العربية مثلاً او مساواتها او حريتها فيجيبك كالمتفضل : لقد كتبتُ كذا عدد من المقالات حول هذا الموضوع او شاركتُ في هذه الندوة او تلك الخ ...
او تسأله عن هذا النزيف العجيب الذي إسمه الوطن فتسمع نفس الإجابة في حين أنك تطمح فعلاً الى سماع ذلك اللحن الحزين المجروح الذي ينطلق من الروح , روح المتحدث وهو يتحدث عن حال المرأة عندنا او حال الوطن بالأمس واليوم حتى بات السؤال عن هذه الحقائق الملحة مثاليةً ما بعدها مثالية .
وهذا القبح , أي شعور البعض بأنه كمَنْ يتفضَّل ويُحسِن , لا يسعُ المرأة العربية , شأنَ الوطن , إلاّ أن تحتقره وتسخر منه , وعن هذا يقول أبو الطيب ببراعتهِ المعهودة :
إنّا لَفي زمنٍ تَرْكُ القبيحِ به
مِن أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ .
وهو يعني - كما هو واضحٌ - أنَّ تركهم للقبيح يُعَدُّ إحساناً منهم الينا !
وهذا الإدِّعاء الذي له تأريخٌ وتشعُّباتٌ وجذور بل وأخشى أن أقول تكايا ومبشرون !
يعجبكَ سطوعهُ بمجرد أن تتصفح سريعاً ما يُنشر اليوم مما يسمى شعراً وأدباً ونقداً ومتابعاتٍ .
فلا قاريءَ يحب الشعر مثلاً ويستفيد منه ويستمتعُ به او يؤْثِر الأدب بشغفٍ ويحرص على مواكبته إلاّ وأصبح اليومَ انتقائياً فالإستسهال في الكتابة والترجمة والنشر أصبح كالوباء , وإمكانية أن تقدِّم نفسك كاتباً او شاعراً أصبحتْ أسهل من عملية سلق بيضةٍ !
في تشبيهٍ لطيفٍ يُعبِّرُ أهلُ العراق عن هدوء المكان ونظافتهِ قائلين ما معناه : حتى اذا سقطتْ إبرةٌ سيَسمعُ رنَّةَ سقوطها الجميع !
واذا توسعتُ في اشتقاقِ دلالاتٍ بسيطة أخرى لهذا التعبير او المثل فقد أقول تجوُّزاً بالنظر الى هدوء المكان : إنَّ الحادثةَ , أيةَ حادثةٍ , مَهما صغرتْ او مَهما حاول البعض كتمانها فلا بد أنها ستظهر الى العلن !
واستطراداً , كان فيما مضى أحد الرهبان الذين عُرفوا لسنواتٍ بنكران الذات ومحاربة شهوات الجسد أي بالسمعة الرصينة حسب فهم الناس لها في زمانه غير أنه في حقيقته كانت له دوافعه الجنسية التي ظلت قوية بحيث لم يستطع صبراً وهو بدلاً من أن يعلن للناس صراحة عدم قدرته على الإستمرار في حياة الرهبنة وقسوتها فيهجرها , فعلَ ما يسيء لشخصهِ وسمعته وسمعةِ الكنيسةِ في بيئة مغلقة او مجتمعٍ صغيرٍ محافظٍ فما كان من الناس حوله إلاّ أن تنكروا له ورفضوا التعاطي معه رغم محاولاته المتكررة للتبرير فمكثَ في بيته وحيداً منطوياً شبهَ يائس ولكنه يوماً وكما الإلهام ! نهض من عزلته الكئيبة شادَّاً الرحال الى مدينة بعيدة وباشر العمل في مجالٍ آخر مكرساً وقته لحياة عمليةٍ بهمَّةٍ وحماسةٍ بعد أن غيَّر اسمه ,
وبمرور الأيام والأعوام ذاع صيته كواحدٍ من أثرياء زمانهِ ووصل ذلك الى المدن والأطراف المجاورة والبعيدة ومن بينها الناس في بلدته السابقة من غير أن يعرفوا هويته الأصلية فنما اليه ذلك الخبر ففكر مع نفسه وقال : أودُّ معرفةَ صاحب الفضل الأول في نجاحي وثرائي : هل خطيئتي ام هِمَّتي ام رفض الناس لي ؟!
وفي كل الأحوال نجح هذا الثري ( الراهب سابقاً ) في التخفي وتمويه شخصيته حتى مات ...
ما أرمي له الآن هو أن العولمة التي تغلغلت عميقاً في تفاصيل حياة البشر على الأرض من خلال أحد رموزها الرهيبة - الإنترنيت - جعلتْ الكثير من دقائق حياتنا الخاصة تبدو أكثر انكشافاً من الإبرة في مثالي الأول فهي مسموعة ومقروءة ومرئية !
والأمرُ اختلفَ كذلك في هذا العصر جذرياً فلم يعد ممكناً لأشباه الكُتّاب الذين أسرفوا في الإعتداء على أذواق القرّاء وتعكير مزاجهم أنْ يشدِّوا الرحال الى مدنٍ أخرى ويغيّروا أسماءهم !
ولم تترك الثورة التقنية المهولة ملاذاً آمناً لعاطلٍ أضناه الفراغ اذا هو ادَّعى الشعرَ او الفن فهو مفضوحٌ أينما حلَّ وتصدق هذه الحال على الصحفي بالطبع وعلى غير الصحفي , غير أنني سأترك هذه القضية الآن قليلاً لأنوِّه الى قضية أخرى تتوازى معها ألا وهي طبيعة رد فعل هؤلاء الأدعياء او بائسي الموهبة على الإحتقار المُوجَّهِ لهم من القاريء فهم في ذلك صنفان فأما الأول فهو لا يحس بهذه الإهانة لبلادته وأما الثاني فهو يحسُّ بها ولكنه يبتلعها بروحٍ رياضية عالية !
وهؤلاء هم عدد غير قليلٍ من مُتبجِّحي الكُتّاب والكاتبات .
إنك قد تجد في أحيان عديدةٍ نصاً هابطاً ما لكاتبٍ معروفٍ بمقدرته وحذقهِ إلاّ أنك تصفح عن ذلك لمعرفتك بأنَّ لدى هذا الكاتب قلماً متميزاً او أنه ذو موهبة مشهودة فالعملية الإبداعية ليست بالأمر الهيِّن او طوع البنان دائماً لذا فضعفُ البناء او التصورات مفترضٌ ويمكن إغفالهُ مرةً او مرتين ولكلِّ حصانٍ كبوةٌ !
أمّا مَن لا يمتلك أدواتهِ الفنية اللغوية الإبداعية ولا يمتلك مؤهِّلاً معرفياً وثقافةً متماسكةً وشعوراً فطرياً بوجوب أن تكون هناك مسؤولية في الكتابة وأهمية للموضوع الذي يريد الخوض فيه فلا بدَّ لنا أن نسأله عن أي شيءٍ تبحث وانت تهرع لنشر هذا السطور ؟
هل الغاية أن تقول للناس بأنك هنا ؟ وأنك مازلت حاملاً ثقل ظلك كالأحجار تلقي بها على الرؤوس صباحَ مساء ؟
وماذا عن الذي يسبُّ الفراهيدي لا لشيءٍ إلاّ لأنه لا يستطيع أن يدرِّب أذنه على تمثل البحور التي وضعها هذا العالِم الكبير ؟ وفوق كل هذا يُسمّي ما يكتب حداثةً , وهل من حداثة دون إحاطة بالتراث ؟ وهل الحداثة تعني إلغاء الغناء ؟
بل هناك الكثيرون صاروا يجنحون الى القافية او الكلام المسجوع لإيهام القاريء غير المتخصص بأنهم إنما يكتبون وزناً او هم أساسأ يعتقدون أن الشعر هو تواترُ قوافٍ فحسب !
إنها دون شكٍّ استماتةٌ من أجل الظهور وليكنْ ما يكون !
والشيء بالشيء يُذكر فقد كتب قبل فترة قصيرةٍ شاعرٌ قصيدة صادقة ولطيفة , قال في أحد مفاصلها : ( لا أبغي الشهرة ... ) فأمسكتُ بقلمي الإفتراضي وكتبتُ له عبارة كتعليقٍ قائلاً : ( الكلُّ اليومَ باتَ مشهوراً !! ولكنَّ الرهان مَن يستطيع أنْ يُظهِر نصَّه او صورته على صفحات النت دون أنْ يُغلِق القاريءُ النت بوجههِ او ينتقل الى موضوعٍ أكثر رأفةً ؟ هذا هو الرهان , هذا هو التحدي !! )
فهناك الصحفي الذي يتصدى لكتابة قصيدةٍ عصماء ويتَّصل بمعارفه قبل نشرها وكأنها فتح ! او بتقريريةِ لغته ينبري لتفكيك عمل روائي او قصصي , وهناك الفاشلُ إبداعياً يجري ( حواراً ) مع فردٍ أكثر فشلاً منه ويحاول تسويقه باعتباره متفرِّداً سابقاً لعصره وجيلهِ , وهناك مَن يجعل جمْعَ ابن آوى أبناءَ آوى وليس بنات آوى !!
وبالفعل فهم لا يختلفون عن بنات آوى إلاّ في كون ابن آوى قد عُرِفَ بالحيلة والذكاء والظرافة بينما هم لا يملكون حظاً من هذا , فهذه اللغة العربية المعروفة بجمالها ومرونتها وروعة تراكيبها تجدها على أيدي هؤلاء مخلوقاً منفياً تَعِساً او كياناً مهَلهَلاً ,
ولا بأس اذا اقتبستُ شيئاً مما ذكرتُهُ في مقالة قصيرةٍ سابقةٍ حول فصاحة الحَجّاج بن يوسف فقد قال عنه الحسن البصري : ( إنَّ مَن يستمع الى الحَجّاج وهو يخطب في الناس يعتقد أنَّ الناس هم الذين يظلمونه !! ) هكذا هو تأثير البلاغة وهكذا هو سِحر البيان ,
ونحن لا نتوقع أن يمتلك الكثير من كُتّاب اليوم وشعرائه فصاحة هذا الجلاد وإنما نرغب أكثرَ الأحيان بجملةٍ ذات معنىً سائغٍ مفهوم !
إنَّ الكتابة التي لا تنطلق من جذورٍ لا يمكن لها أن تسمق , لا يمكن لها أن تستشرف , لا يمكن لشجرتها أن تثمر ولا يمكن لمتعَبٍ أن يتفيأ ظلالَها , وهذه المعضلة يتساوى فيها اليومَ الكثيرُ ممَّن يحاولون أن يكتبوا إبداعاً أدبياً او شعرياً ومَن يحاولون الكتابة في قضايا السياسة او الفكر او المجتمع او المرأة وهكذا فالحدث او الفكرة او الموضوع قد يكون مثيراً وذا أهمية إستثنائية في حينِ أنَّ لغة التعبير عنه تكون ميتة او ملتوية تفتقر الى العنصر الأهم في شدِّ القاريء ألا وهو السلاسة والتدفق , فمن يوقف هذا الضخّ العجيب من الكتابات الباهتة ؟ لا أدري , لا أدري ,
وأمرٌ باهتٌ أيضاً هو الإتيان بأمثلة نحن نعيش وسطها .
من آراء أحد مفكري هذا العصر وهو صموئيل هنتنغتون : ( إن العالم قد انتقل عبر ثورته التقنية الحديثة من القَبَلية المحلية الى القبلية الكونية ) .
ونحن شئنا ام أبينا ما نزال على مستوى التفكير والأهواء نحاكي مجتمعاً قَبَلياً مغلقاً لم يشارك العالَم ( قبليته الكونية ) .
لمَ لا نقرأ مساجلاتٍ حيةً او محاورات لأفكار هنتنغتون او فوكوياما في كتابات الكثير من سياسيينا مثلاً ؟ وهذان هما مفكران كونيان ومن أهم مُنظرِّي السياسة العالمية بعد الحرب الباردة ؟ واذا ما قرأوا لهما فلماذا يمرون عليهما بندرة وبشكلٍ خجول ؟ او لماذا لا يقرأون لهما بانفتاحٍ وتجردٍ ؟
انا عندما أتطرق لأمور دنيانا نحن أهل الشرق فكثيراً ما أكتب بانفعالٍ يقرب من الحنق !
ومِن بين مَن اهتمَّوا بالكشف عن محنة جيلنا اليوم وتحليلها رادَّاً على محاولة تشويه الهوية الثقافية عندنا وغائصاً في التراث والحداثة هو الشاعر والناقد الأدبي والفني فوزي كريم بمقدرتهِ الفذة على الإقناع وذلك في كتابهِ ( ثياب الإمبراطور ) الذي صدر عن دار المدى قبل سنوات والذي أسميتُهُ انا وثيقة العصر ............
وكنتُ وما زلتُ أردِّد : خسارةٌ للشاعر العربي , خسارةٌ للمثقف العربي أن لا يطلَّع على هذا الكتاب .
ومما قاله المبدع فوزي كريم قبل أعوام قليلةٍ أيضاً ما معناه أنه منذ ربع قرن مثلاً لم تُوَجَّه له دعوةٌ لقراءة شعرية او ما شابه .
هكذا هو وسطنا الثقافي في طبيعته الصارخة , وما قاله الشاعر هنا ليس إلا مثالاً بسيطاً على افتتان هذا الوسط بالأخوانيات والعلاقات الشخصية او الحزبية او اليوتوبيا الكاذبة كما يطلق عليها هو , ولأن الشاعر والأديب فوزي كريم لا يسكت عن زيف واحتيالٍ ويعتقد عميقاً بأنَّ أغلب مهرجاناتنا لا تصنع إلاّ فتى الصحافة اليومية لهذا لم يأبه بأنْ قاطعتهُ أغلبُ المؤسسات الثقافية .
ومما يثير سخريتي وعجبي من فتيان الصحافة هؤلاء وغيرهم من هواة العيش على السطح او العيش على الأطعمة الجاهزة ! هو تخيُّلي لهم وهم يجلسون أمام شاشة الحاسوب ويسطِّرون كلماتٍ يسمونها أدباً او شعراً ويغلفونها تارةً بعبارات هيامٍ ووجدٍ للإيحاء برقَّة قائلها ! وتارةً أخرى لا بأس أنْ يلوح اسمُ الوطن بين ثناياها ولا بأسَ أنْ يطعَّموها بسطورٍ واثقةٍ تتحدث عن عذاباتٍ لهم لا تنتهي ! الخ
قد يستطيع كاتبٌ ما أن يجلس أمام شاشة الكومبيوتر ويكتب او يطبع أفكاره مباشرةً اذا كان الموضوع الذي يريد تناوله يتطلب المباشرة او التوضيح او يتطلب لغةً إنشائيةً او قد يُنقِّح نصاً ما فيضيف جملةً خطرت في ذهنه او خياله فجأةً غير أنَّ الفعل الإبداعي الحقيقي هو ليس سوى ذلك الإحتراقِ اليومي يعيشه المبدع عبر دقائق حياته اليومية , وشتانِ ما بين هذا الإحتراق اليومي الجميل وبين قصيدة ( الكيبورد ) إبنة العصر !!
والملاحَظ أن الكثير من السياسيين عندنا لا يولون الأدب اهتماماً خاصاً فهم اذا شرعوا بقراءة قصيدة مهمة مثلاً فلأنها وقعت في أيديهم صدفةً لذا فهم لا يسعون اليها إلا فيما ندر بينما السياسي الغربي الحقيقي منظورٌ اليه في أعين الكثير من الغربيين باعتباره إنساناً يمتلك حساسية الفنان ومفكراً بل ومُشرِّعاً لا يني يصدر مؤلفاتٍ تثير اللغط والجدال ولاعجب اذا رأيتَ أنَّ مِن أولوياتهِ الحرصَ على زيارة المعارض التشكيلية او اقتناء مكتبة موسيقية متميزة وغير ذلك وعلى الجانب نفسهِ نرى الهوَّة بين سياسيينا وأدبائنا من جهة وبين القرّاء من جهة ثانية قد أصبحت أقرب الى الهاوية منها الى الهوة !
فلا الأديب هو الأديب الحقيقي المعَوَّل عليه ولا السياسي يخبرك عن السبب الحقيقي في عقدة نفوره من ( إرستقراطية ) الأديب وما يزعمه من نرجسيةٍ خاصةً عند الشاعر .
كان الفارابي وهو أيضاً فنان موسيقيٌّ ذو نزوعٍ صوفي يصرُّ في مدينته الفاضلة وغيرها من مؤلفاته على وجوب أن يكون السياسي فيلسوفاً وبمرتبة عالية في الأخلاق والفضل ,
ولهيغل فهمٌ للسياسة قريب من هذا فهو يقول : ( التأريخ السياسي هو فكرة الدولة ذات القوة الروحية والأخلاقية التي تتجاوز المادة والإهتمامات المادية كموضوع ) .
ولنتأملْ فهمَنا اليوم للتأريخ السياسي او للسياسة عموماً بمصالحها , باستبداديتها , بإرهابها !
فالسياسي الفنان مُغيَّبٌ او هم اجتمعوا عليه كي يسير حثيثاً فيصبح في حكم الماضي
وأمّا الشاعر الحقيقي فيعبِّر عنه البياتي في قصيدة ( المغنّي والقمر ) أصدق تعبير :
قميصهُ ملطخٌ بالتوتْ وخيطُ عنكبوتْ يلتفُّ حول نايه المحطم الصموتْ وقمرٌ أخضرُ في عيونهِ يغيب عبر شرفات الليل والبيوتْ وهو على قارعة الطريق في سكينة يموتْ !
كولونيا – صيف 2008
alamiri84@yahoo.de
لمّا مات جميل بن معمر وبلغَ بثينةَ نعيهُ , أنشدتْ هذين البيتين كعهدِ وفاء :
وإنَّ سلوُّي عن جميلٍ لِساعةٍ
من الدهر ما حانت ولا حان حينُها
سواءٌ علينا يا جميل بن معمرٍ
اذا متَّ بأساءُ الحياة ولينُها
------
البيتان هنا يفيضان عذوبةً وشجا وموسيقية ألفاظٍ وأتذكر أنني حفظتهما بعد قراءتي الأولى او الثانية لهما !
كم جميل أن يحبَّ المرء بصدقٍ وأن يستمر هذا الحب حتى الموت !
حب الحبيب , حب الأرض , حب الناس , حب المصير , كلها تجليات لمعنى واحد فالحب لا يتجزأ .
ولكن ما أشقى مَن يدَّعي الحب .
بل ويسلكُ سلوكَ المُتفضِّل على مَن يدَّعي حُبَّهُ !
تتحدث مع البعض عن حقوق المرأة العربية مثلاً او مساواتها او حريتها فيجيبك كالمتفضل : لقد كتبتُ كذا عدد من المقالات حول هذا الموضوع او شاركتُ في هذه الندوة او تلك الخ ...
او تسأله عن هذا النزيف العجيب الذي إسمه الوطن فتسمع نفس الإجابة في حين أنك تطمح فعلاً الى سماع ذلك اللحن الحزين المجروح الذي ينطلق من الروح , روح المتحدث وهو يتحدث عن حال المرأة عندنا او حال الوطن بالأمس واليوم حتى بات السؤال عن هذه الحقائق الملحة مثاليةً ما بعدها مثالية .
وهذا القبح , أي شعور البعض بأنه كمَنْ يتفضَّل ويُحسِن , لا يسعُ المرأة العربية , شأنَ الوطن , إلاّ أن تحتقره وتسخر منه , وعن هذا يقول أبو الطيب ببراعتهِ المعهودة :
إنّا لَفي زمنٍ تَرْكُ القبيحِ به
مِن أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ .
وهو يعني - كما هو واضحٌ - أنَّ تركهم للقبيح يُعَدُّ إحساناً منهم الينا !
وهذا الإدِّعاء الذي له تأريخٌ وتشعُّباتٌ وجذور بل وأخشى أن أقول تكايا ومبشرون !
يعجبكَ سطوعهُ بمجرد أن تتصفح سريعاً ما يُنشر اليوم مما يسمى شعراً وأدباً ونقداً ومتابعاتٍ .
فلا قاريءَ يحب الشعر مثلاً ويستفيد منه ويستمتعُ به او يؤْثِر الأدب بشغفٍ ويحرص على مواكبته إلاّ وأصبح اليومَ انتقائياً فالإستسهال في الكتابة والترجمة والنشر أصبح كالوباء , وإمكانية أن تقدِّم نفسك كاتباً او شاعراً أصبحتْ أسهل من عملية سلق بيضةٍ !
في تشبيهٍ لطيفٍ يُعبِّرُ أهلُ العراق عن هدوء المكان ونظافتهِ قائلين ما معناه : حتى اذا سقطتْ إبرةٌ سيَسمعُ رنَّةَ سقوطها الجميع !
واذا توسعتُ في اشتقاقِ دلالاتٍ بسيطة أخرى لهذا التعبير او المثل فقد أقول تجوُّزاً بالنظر الى هدوء المكان : إنَّ الحادثةَ , أيةَ حادثةٍ , مَهما صغرتْ او مَهما حاول البعض كتمانها فلا بد أنها ستظهر الى العلن !
واستطراداً , كان فيما مضى أحد الرهبان الذين عُرفوا لسنواتٍ بنكران الذات ومحاربة شهوات الجسد أي بالسمعة الرصينة حسب فهم الناس لها في زمانه غير أنه في حقيقته كانت له دوافعه الجنسية التي ظلت قوية بحيث لم يستطع صبراً وهو بدلاً من أن يعلن للناس صراحة عدم قدرته على الإستمرار في حياة الرهبنة وقسوتها فيهجرها , فعلَ ما يسيء لشخصهِ وسمعته وسمعةِ الكنيسةِ في بيئة مغلقة او مجتمعٍ صغيرٍ محافظٍ فما كان من الناس حوله إلاّ أن تنكروا له ورفضوا التعاطي معه رغم محاولاته المتكررة للتبرير فمكثَ في بيته وحيداً منطوياً شبهَ يائس ولكنه يوماً وكما الإلهام ! نهض من عزلته الكئيبة شادَّاً الرحال الى مدينة بعيدة وباشر العمل في مجالٍ آخر مكرساً وقته لحياة عمليةٍ بهمَّةٍ وحماسةٍ بعد أن غيَّر اسمه ,
وبمرور الأيام والأعوام ذاع صيته كواحدٍ من أثرياء زمانهِ ووصل ذلك الى المدن والأطراف المجاورة والبعيدة ومن بينها الناس في بلدته السابقة من غير أن يعرفوا هويته الأصلية فنما اليه ذلك الخبر ففكر مع نفسه وقال : أودُّ معرفةَ صاحب الفضل الأول في نجاحي وثرائي : هل خطيئتي ام هِمَّتي ام رفض الناس لي ؟!
وفي كل الأحوال نجح هذا الثري ( الراهب سابقاً ) في التخفي وتمويه شخصيته حتى مات ...
ما أرمي له الآن هو أن العولمة التي تغلغلت عميقاً في تفاصيل حياة البشر على الأرض من خلال أحد رموزها الرهيبة - الإنترنيت - جعلتْ الكثير من دقائق حياتنا الخاصة تبدو أكثر انكشافاً من الإبرة في مثالي الأول فهي مسموعة ومقروءة ومرئية !
والأمرُ اختلفَ كذلك في هذا العصر جذرياً فلم يعد ممكناً لأشباه الكُتّاب الذين أسرفوا في الإعتداء على أذواق القرّاء وتعكير مزاجهم أنْ يشدِّوا الرحال الى مدنٍ أخرى ويغيّروا أسماءهم !
ولم تترك الثورة التقنية المهولة ملاذاً آمناً لعاطلٍ أضناه الفراغ اذا هو ادَّعى الشعرَ او الفن فهو مفضوحٌ أينما حلَّ وتصدق هذه الحال على الصحفي بالطبع وعلى غير الصحفي , غير أنني سأترك هذه القضية الآن قليلاً لأنوِّه الى قضية أخرى تتوازى معها ألا وهي طبيعة رد فعل هؤلاء الأدعياء او بائسي الموهبة على الإحتقار المُوجَّهِ لهم من القاريء فهم في ذلك صنفان فأما الأول فهو لا يحس بهذه الإهانة لبلادته وأما الثاني فهو يحسُّ بها ولكنه يبتلعها بروحٍ رياضية عالية !
وهؤلاء هم عدد غير قليلٍ من مُتبجِّحي الكُتّاب والكاتبات .
إنك قد تجد في أحيان عديدةٍ نصاً هابطاً ما لكاتبٍ معروفٍ بمقدرته وحذقهِ إلاّ أنك تصفح عن ذلك لمعرفتك بأنَّ لدى هذا الكاتب قلماً متميزاً او أنه ذو موهبة مشهودة فالعملية الإبداعية ليست بالأمر الهيِّن او طوع البنان دائماً لذا فضعفُ البناء او التصورات مفترضٌ ويمكن إغفالهُ مرةً او مرتين ولكلِّ حصانٍ كبوةٌ !
أمّا مَن لا يمتلك أدواتهِ الفنية اللغوية الإبداعية ولا يمتلك مؤهِّلاً معرفياً وثقافةً متماسكةً وشعوراً فطرياً بوجوب أن تكون هناك مسؤولية في الكتابة وأهمية للموضوع الذي يريد الخوض فيه فلا بدَّ لنا أن نسأله عن أي شيءٍ تبحث وانت تهرع لنشر هذا السطور ؟
هل الغاية أن تقول للناس بأنك هنا ؟ وأنك مازلت حاملاً ثقل ظلك كالأحجار تلقي بها على الرؤوس صباحَ مساء ؟
وماذا عن الذي يسبُّ الفراهيدي لا لشيءٍ إلاّ لأنه لا يستطيع أن يدرِّب أذنه على تمثل البحور التي وضعها هذا العالِم الكبير ؟ وفوق كل هذا يُسمّي ما يكتب حداثةً , وهل من حداثة دون إحاطة بالتراث ؟ وهل الحداثة تعني إلغاء الغناء ؟
بل هناك الكثيرون صاروا يجنحون الى القافية او الكلام المسجوع لإيهام القاريء غير المتخصص بأنهم إنما يكتبون وزناً او هم أساسأ يعتقدون أن الشعر هو تواترُ قوافٍ فحسب !
إنها دون شكٍّ استماتةٌ من أجل الظهور وليكنْ ما يكون !
والشيء بالشيء يُذكر فقد كتب قبل فترة قصيرةٍ شاعرٌ قصيدة صادقة ولطيفة , قال في أحد مفاصلها : ( لا أبغي الشهرة ... ) فأمسكتُ بقلمي الإفتراضي وكتبتُ له عبارة كتعليقٍ قائلاً : ( الكلُّ اليومَ باتَ مشهوراً !! ولكنَّ الرهان مَن يستطيع أنْ يُظهِر نصَّه او صورته على صفحات النت دون أنْ يُغلِق القاريءُ النت بوجههِ او ينتقل الى موضوعٍ أكثر رأفةً ؟ هذا هو الرهان , هذا هو التحدي !! )
فهناك الصحفي الذي يتصدى لكتابة قصيدةٍ عصماء ويتَّصل بمعارفه قبل نشرها وكأنها فتح ! او بتقريريةِ لغته ينبري لتفكيك عمل روائي او قصصي , وهناك الفاشلُ إبداعياً يجري ( حواراً ) مع فردٍ أكثر فشلاً منه ويحاول تسويقه باعتباره متفرِّداً سابقاً لعصره وجيلهِ , وهناك مَن يجعل جمْعَ ابن آوى أبناءَ آوى وليس بنات آوى !!
وبالفعل فهم لا يختلفون عن بنات آوى إلاّ في كون ابن آوى قد عُرِفَ بالحيلة والذكاء والظرافة بينما هم لا يملكون حظاً من هذا , فهذه اللغة العربية المعروفة بجمالها ومرونتها وروعة تراكيبها تجدها على أيدي هؤلاء مخلوقاً منفياً تَعِساً او كياناً مهَلهَلاً ,
ولا بأس اذا اقتبستُ شيئاً مما ذكرتُهُ في مقالة قصيرةٍ سابقةٍ حول فصاحة الحَجّاج بن يوسف فقد قال عنه الحسن البصري : ( إنَّ مَن يستمع الى الحَجّاج وهو يخطب في الناس يعتقد أنَّ الناس هم الذين يظلمونه !! ) هكذا هو تأثير البلاغة وهكذا هو سِحر البيان ,
ونحن لا نتوقع أن يمتلك الكثير من كُتّاب اليوم وشعرائه فصاحة هذا الجلاد وإنما نرغب أكثرَ الأحيان بجملةٍ ذات معنىً سائغٍ مفهوم !
إنَّ الكتابة التي لا تنطلق من جذورٍ لا يمكن لها أن تسمق , لا يمكن لها أن تستشرف , لا يمكن لشجرتها أن تثمر ولا يمكن لمتعَبٍ أن يتفيأ ظلالَها , وهذه المعضلة يتساوى فيها اليومَ الكثيرُ ممَّن يحاولون أن يكتبوا إبداعاً أدبياً او شعرياً ومَن يحاولون الكتابة في قضايا السياسة او الفكر او المجتمع او المرأة وهكذا فالحدث او الفكرة او الموضوع قد يكون مثيراً وذا أهمية إستثنائية في حينِ أنَّ لغة التعبير عنه تكون ميتة او ملتوية تفتقر الى العنصر الأهم في شدِّ القاريء ألا وهو السلاسة والتدفق , فمن يوقف هذا الضخّ العجيب من الكتابات الباهتة ؟ لا أدري , لا أدري ,
وأمرٌ باهتٌ أيضاً هو الإتيان بأمثلة نحن نعيش وسطها .
من آراء أحد مفكري هذا العصر وهو صموئيل هنتنغتون : ( إن العالم قد انتقل عبر ثورته التقنية الحديثة من القَبَلية المحلية الى القبلية الكونية ) .
ونحن شئنا ام أبينا ما نزال على مستوى التفكير والأهواء نحاكي مجتمعاً قَبَلياً مغلقاً لم يشارك العالَم ( قبليته الكونية ) .
لمَ لا نقرأ مساجلاتٍ حيةً او محاورات لأفكار هنتنغتون او فوكوياما في كتابات الكثير من سياسيينا مثلاً ؟ وهذان هما مفكران كونيان ومن أهم مُنظرِّي السياسة العالمية بعد الحرب الباردة ؟ واذا ما قرأوا لهما فلماذا يمرون عليهما بندرة وبشكلٍ خجول ؟ او لماذا لا يقرأون لهما بانفتاحٍ وتجردٍ ؟
انا عندما أتطرق لأمور دنيانا نحن أهل الشرق فكثيراً ما أكتب بانفعالٍ يقرب من الحنق !
ومِن بين مَن اهتمَّوا بالكشف عن محنة جيلنا اليوم وتحليلها رادَّاً على محاولة تشويه الهوية الثقافية عندنا وغائصاً في التراث والحداثة هو الشاعر والناقد الأدبي والفني فوزي كريم بمقدرتهِ الفذة على الإقناع وذلك في كتابهِ ( ثياب الإمبراطور ) الذي صدر عن دار المدى قبل سنوات والذي أسميتُهُ انا وثيقة العصر ............
وكنتُ وما زلتُ أردِّد : خسارةٌ للشاعر العربي , خسارةٌ للمثقف العربي أن لا يطلَّع على هذا الكتاب .
ومما قاله المبدع فوزي كريم قبل أعوام قليلةٍ أيضاً ما معناه أنه منذ ربع قرن مثلاً لم تُوَجَّه له دعوةٌ لقراءة شعرية او ما شابه .
هكذا هو وسطنا الثقافي في طبيعته الصارخة , وما قاله الشاعر هنا ليس إلا مثالاً بسيطاً على افتتان هذا الوسط بالأخوانيات والعلاقات الشخصية او الحزبية او اليوتوبيا الكاذبة كما يطلق عليها هو , ولأن الشاعر والأديب فوزي كريم لا يسكت عن زيف واحتيالٍ ويعتقد عميقاً بأنَّ أغلب مهرجاناتنا لا تصنع إلاّ فتى الصحافة اليومية لهذا لم يأبه بأنْ قاطعتهُ أغلبُ المؤسسات الثقافية .
ومما يثير سخريتي وعجبي من فتيان الصحافة هؤلاء وغيرهم من هواة العيش على السطح او العيش على الأطعمة الجاهزة ! هو تخيُّلي لهم وهم يجلسون أمام شاشة الحاسوب ويسطِّرون كلماتٍ يسمونها أدباً او شعراً ويغلفونها تارةً بعبارات هيامٍ ووجدٍ للإيحاء برقَّة قائلها ! وتارةً أخرى لا بأس أنْ يلوح اسمُ الوطن بين ثناياها ولا بأسَ أنْ يطعَّموها بسطورٍ واثقةٍ تتحدث عن عذاباتٍ لهم لا تنتهي ! الخ
قد يستطيع كاتبٌ ما أن يجلس أمام شاشة الكومبيوتر ويكتب او يطبع أفكاره مباشرةً اذا كان الموضوع الذي يريد تناوله يتطلب المباشرة او التوضيح او يتطلب لغةً إنشائيةً او قد يُنقِّح نصاً ما فيضيف جملةً خطرت في ذهنه او خياله فجأةً غير أنَّ الفعل الإبداعي الحقيقي هو ليس سوى ذلك الإحتراقِ اليومي يعيشه المبدع عبر دقائق حياته اليومية , وشتانِ ما بين هذا الإحتراق اليومي الجميل وبين قصيدة ( الكيبورد ) إبنة العصر !!
والملاحَظ أن الكثير من السياسيين عندنا لا يولون الأدب اهتماماً خاصاً فهم اذا شرعوا بقراءة قصيدة مهمة مثلاً فلأنها وقعت في أيديهم صدفةً لذا فهم لا يسعون اليها إلا فيما ندر بينما السياسي الغربي الحقيقي منظورٌ اليه في أعين الكثير من الغربيين باعتباره إنساناً يمتلك حساسية الفنان ومفكراً بل ومُشرِّعاً لا يني يصدر مؤلفاتٍ تثير اللغط والجدال ولاعجب اذا رأيتَ أنَّ مِن أولوياتهِ الحرصَ على زيارة المعارض التشكيلية او اقتناء مكتبة موسيقية متميزة وغير ذلك وعلى الجانب نفسهِ نرى الهوَّة بين سياسيينا وأدبائنا من جهة وبين القرّاء من جهة ثانية قد أصبحت أقرب الى الهاوية منها الى الهوة !
فلا الأديب هو الأديب الحقيقي المعَوَّل عليه ولا السياسي يخبرك عن السبب الحقيقي في عقدة نفوره من ( إرستقراطية ) الأديب وما يزعمه من نرجسيةٍ خاصةً عند الشاعر .
كان الفارابي وهو أيضاً فنان موسيقيٌّ ذو نزوعٍ صوفي يصرُّ في مدينته الفاضلة وغيرها من مؤلفاته على وجوب أن يكون السياسي فيلسوفاً وبمرتبة عالية في الأخلاق والفضل ,
ولهيغل فهمٌ للسياسة قريب من هذا فهو يقول : ( التأريخ السياسي هو فكرة الدولة ذات القوة الروحية والأخلاقية التي تتجاوز المادة والإهتمامات المادية كموضوع ) .
ولنتأملْ فهمَنا اليوم للتأريخ السياسي او للسياسة عموماً بمصالحها , باستبداديتها , بإرهابها !
فالسياسي الفنان مُغيَّبٌ او هم اجتمعوا عليه كي يسير حثيثاً فيصبح في حكم الماضي
وأمّا الشاعر الحقيقي فيعبِّر عنه البياتي في قصيدة ( المغنّي والقمر ) أصدق تعبير :
قميصهُ ملطخٌ بالتوتْ وخيطُ عنكبوتْ يلتفُّ حول نايه المحطم الصموتْ وقمرٌ أخضرُ في عيونهِ يغيب عبر شرفات الليل والبيوتْ وهو على قارعة الطريق في سكينة يموتْ !
كولونيا – صيف 2008
alamiri84@yahoo.de
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق