الخميس، أغسطس 21، 2008

تشرنق

د. حنان فاروق
حبست نفسها فى دائرة مغلقة بأربعينها التي انقضت عليها منذ شهور..تفتش مرآتها صباحاً ومساءاً عن تجاعيد جديدة لتثبت لنفسها أنها لم تكن على خطأ حين وقعت عقد الهجرة من بلاد الصبا...كل يوم يسحبها روتينها نحو فراغ الروح والأمل ..يقيدها في مقعد اللاعودة إلى أكسجين السعادة...كل من حولها أشاروا عليها بالخروج من القوقعة اللعينة لكنها تعللت بأن سني عمرها المدبرة ترفض ذلك...تشبثت بإصرارها حتى خافوا أن تقنعهم بقضبانها فرحلوا وتركوها ..لماذا هي متمردة الآن على اختيارها..لماذا تمزق الشرنقة التي غزلتها حول جدار قوقعتها التي تقبع داخلها خيطاً خيطاً ؟؟؟

واعدتها هذا المساء..جارتها التي مازالت تراود جمالها المستخفي لتستخرجه من مكمنه..أخبرتها أن الأمر أسهل مما تتخيل وأنها لن تصنع جمالاً جديداً هي فقط ستنفض الغبار عن القديم وتجدده بأدواتها..فتحت لها الباب على مصراعيه في الموعد..عاينت المجهود الذي سوف تطرحه عن كاهلها بعد قليل لتضيء هذا المصباح المستمسك بمواته..العمل كثير ولكن النتيجة بالتأكيد ستكون مذهلة..خبيرة هي بعملها ..ستبهرها وتجتذبها إلى عالمها الذى لاتنتهي حيله..وفي النهاية هي التي ستكسب وضميرها مستريح فتلك البلهاء التي تجلس أمامها كادت تضيع حياتها مقابل التنازل عن رتوش تكلف حفنة جنيهات وتغير مجرى التاريخ..بدأت عملها..زبونتها خفيفة الظل لم تكف لحظة عن الضحك والضجيج على عكس ماكانت تبديه من قبل..طفلة هي تلهو..فرحة باللعبة الجديدة التي تكلم الجميع عنها من قبل وفرت منها ومنهم...كلما أنجزت جزءاً من عملها بالغت فى عرضه وتضخيمه فيقفز قلب المسكينة فرحاً ناشراً أمامها مرآة الخيال تجيبها بأنها الأجمل والأروع...حين أنهت مهمتها..طلبت منها بخيلاء أن تذهب إلى زوجها لتسأله عن رأيه ..انتظرتها واثقة من النتيجة وهي تعد فاتورة الحساب التي لم تترك علامات الصبا الجديدة على وجه الدافعة فرصة لتفنيد بنودها..نفحتها أجرتها سعيدة وهي ترتب لها موعداً جديداً لاستكمال ما لم يتم فى الجلسة الأولى..أغلقت الباب بعد حروف ضاحكة متناثرة تزين التوديع الحار..أعادت عد الجنيهات التى رفضت عدها بالداخل مجاملة لصاحبتها...نظرت إلى الدرج بيأس شديد من أن يحملها إنهاكها المتشعب في أركانها...فتحت باب المصعد الذى عصت إغراءاته سنوات وسنوات وألقت بنفسها داخله..تخلصت من أحمالها على مدخل صالة شقتها..قذفت بنفسها على أول أريكة قابلتها..حين التقطت أنفاسها فاجأتها المرآة القابعة أمام مجلسها..أطلت عليها تجاعيد أربعينها..حاولت تهذيب خصلات شعرها المتناثرة هنا وهناك بعد أن نزعت غطاء رأسها دون اكتراث..انتفضت من صورتها المبعثرة ..سمعت صوتها المنحني يهمس بأسى: (السن له حكم)

ليست هناك تعليقات: