الأحد، أغسطس 17، 2008

محمود درويش: فلسفة الموت والانتصار

مفيد نبزو
هل برعمَ البرتقال؟
هل أزهرَ البرتقال؟
سلاماً لك في انطفاء الجسد،
واعتزال الخيال.
أما آن للقلب أن يستريح؟
سلاماً لوجهٍ تحدَّى الرياح..
سلاماً لصوتٍ تحدَّى الجراح..
وقاوم قاوم حتى استعدَّ ،
وآن الأوانُ لتجرعَ كأس المسيح.
سلاماً وأججت نار القصيدة..
وأشعلت كل الدروب..
وأضرمت كل الحرائق..
ونمت على القش بين البيادر..
وعلمتنا كيف نمشي..
وعلمتنا كيف نزهو..
وعلمتنا كيف نشمخ..
وكيف ُتحَّلُ جميع المسائل..
ومن يبذر الأرض قمحاً يغلُّ السنابل..
ومن أدمن القتل لا ينام..
ومن عاقر الإثم لا ينام..
ومن صادر الأمن لا ينام..
وَمِن تحتهِ بَرْكنََ البحرُ موجَهُ بالقنابل.
سلاماً لمحمود كل السلام..
سلاماً وسبعة وسبعون عام..
ومليون زيتونةٍ ليمونةٍ بيَّارةٍ لو أزهرت بالكلام..
لما شرَّدَ البومُ رفَّ الحمام..
سلاماً لمحمود من ميمه الموت مثوى
ومنفى ومسرى..
ومن حائه الحب حرية حمراء..
ومن ميمه الثانية ماء ومغزى ومغمى..
وواو هي الورد والوعد والوداع..
لمحمود فاء الفضاء الفراشات فجر الفداء..
ولام الخليل الجليل العصافير والليل
واللهيب..
وسين السنونو سماء سهول سفوح..
وطاء الطيور الطريق الطويل..
وياء اليمام يطير يطير ويخضورة الينابيع..
ونون النواطير ناي النشيج النحيب النداء:
صبَّارة ٌفي الروح
والشوك موَّالي
صوت المسا مجروح
غير الأسى مالي
يا ربِّ أرسلْ نوح
طوفاننا عالي
باب السما مفتوح
محمود يا غالي.
ودار من الطين مزرابها للمطر
وسطح من القمح والعصافير تنقر حباته..
وله سَّلمٌ من خشب..
لمحمود شتلة التبغ حبل الغسيل، وزيتونة في الرصيف..
وفي مدخل البيت عريشةٌ للعنب..
سلاماً لمحمود شدَّ الرحال إلى أمِّهِ..
ونادت له الأرض لبى النداء..
خذيني إليك وبين يديك..
فموتي وعيشي سواء سواء..
سلاماً لمحمود والموت ليس انهزام..
فمن عَّلم الحرَّ أن لا يموت، ولو مات
يبقى بفلسفة الموت انتصار.

ليست هناك تعليقات: