الأربعاء، أغسطس 06، 2008

الكاتبة النحّاتة سوزان عبود: راهبة برلين

د. عدنان الظاهر

عرفتُ السيدة سوزان عبود قبل فترة بواسطة الصديق الفنان والكاتب الجزائري السيد محمد بوكرش . لم يكنْ الظرفُ وقتذاك مساعداً على إدامة وتمتين وتطوير هذا التعارف العابر ، فكان طبيعياً أن نفترق غرباءَ عن بعضنا وأن يمضي كل ٌّ منا في سبيله . عرفت وقتذاك أنَّ الفنانة سوزان ( وأصل سوزان هو سوسن بالعربية ) طالبة سورية تحضِّر للدكتوراه في مدينة برلين في فن النحت . أعجبني فيها عمق ثقافتها فيما يخص الأديان القديمة إذ لفتت نظري إلى أنَّ آلهة ً قديمة ً لها معبد في ضواحي مدينة حمص السورية ... كان هذا الرب ُّ أنثى وليس ذكراً إسمها < إيلي جابالا > . معلوم أنَّ البشرَ تعبّدوا منذ قديم زمانهم لأرباب ٍ من الذكور والإناث . كما تعّبد العربُ قبل الإسلام لكلا النوعين من الأرباب لعلَّ ( هُبل ) أكثرهم صيتاً وشهرةً وهو رب ٌّ ذكرٌ بينما كان الثلاثي المعروف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم من الإناث وهنَّ اللات والعُزى ومَناة [ الثالثة الأخرى ] .
أعود ثانية ً للفنانة السيدة سوزان العبود. غبنا كما قلتُ للتو عن بعضنا حتى حملت الصُدفة لي سلاماً غيرَ متوقع ٍ ولا بالمنتظر منها ... هكذا هي الحياة . جاءني هذا السلام صباح أمس مع رسالة الكترونية من صديقي الفنان الجزائري محمد بوكرش ( أبو إسلام ) ، الصديق الرائع والإنسان الثائر أبداً ووسيط السلام والإلفة والتعارف بين الأدباء من كلا الجنسين والفنانين والفنانات والشعراء والشواعر . هو البرد والسلام ورسول المحبة بين معارفه وأصدقائه لكنه هو الجمرُ وهو الثورة العاصفة في وجه المتعسفين والمنحرفين عن جادة الحق والعدل وكل الخونة والمنحرفين . أجلْ ، حمل لي أمس بريدُه سلاماً { من صبا بردى أرق ُّ / أحمد شوقي } من السيدة سوزان فكانت مفاجأة حقاً سرّتني وأشعلت فيَّ ناراً خبت ْ ثم إنطفأتْ منذ أنْ توقفنا عن تبادل الكتابة فيما بيننا. هكذا هي الحياة . إنطفاء وتوقد . سبات ونشاط . نوم ويقظة . موت وحياة ... هذه هي سنن الحياة . رسالة بوكرش الصديق الثائر أعنفَ من البركان حملت لي مفاجأة كبيرة فضلاً عن السلام : رابط موقع أو مدوّنة السيدة سوزان الجديدة . يا سلام !! إنفتحت فجأة ً أمامي أبواب السماوات الأولى حتى السابعة . الآن ـ قلتُ لنفسي ـ أستطيع أن أكاتبَ صاحبة هذا الموقع وأن أضع أمامها بعض الأسئلة وأن أكتب لها ملاحظات ٍ تظل ُّ زمناً طويلاً في موقعها من قبيل التهنئة بمولد هذا الموقع أو التعليق على ما كتبتْ سوزان اليومَ وما ستكتب غداً . رأيتُ لأول مرة ٍ صورتها في موقعها مع تعريف شديد الإيجاز بشخصيتها ومَن تكون . الأكثر أهمية بالنسبة لي ـ بصراحة ـ هو صورة الفنانة . صور الناس الذين أتعرف عليهم وأود الكتابة عنهم مسألة في غاية الأهمية ، لماذا ؟ لأنني مقتنع ٌ أني سأكتبُ عنهم أو حولهم بشكل أفضل وأعمق لو تعرّفتُ عليهم من خلال تصاويرهم . شخصية وماضي وحاضر المرء في صورة وجهه ( وجهها ) ... بل ويستطيع بعض الناس قراءة مستقبلهم في وجوههم وخاصة العيون . العيون أبواب الدخول إلى دواخل الناس ومفاتيح معرفة ما في هذه الدواخل وسراديب الأعماق . صورة مَن أخطط للكتابة عنها ( أو عنه ) تقرّبني منها ( أو منه ) وتقرِّبها مني وفي القرب والتقارب والتجاور تماس حسيٍّ لا غنى عنه لمن يود التعرف بشكل أفضل على الناس . حواسنا الخمس هي سبلنا ووسائطنا لرؤية ومعرفة وإدراك العالم المحيط بنا . الصورة لي هي حاسة أخرى ربما تحمل الرقم السادس أو السابع أو الثامن ... حسب قوة تأثير شخصية صاحبتها أو صاحبها . قوة التأثير هذه أجدها مركزة بشكل يكادُ أنْ لا يُصدّق في العينين [[ عيونُ المها ...]]. هذه إذا ً هي الفنانة السورية السيدة سوزان العبود التي غابت عني فجأة ً وإختفت فدرست ْ معالمُها وعفت ْ آثارها وأخبارها حتى نسيتها جملة ً وتفصيلاً . غابت فجأة لتظهر فجأة ً كاملة ً أمام عينيَّ موقعا ً وصورة ً جميلة ً بشعر سَدِل ٍ بعضه أشقرَ بلون السحر المتأخر ( يبدو في الصورة أحمر ) وبعضه الآخر إنفتلَ فشكل جديلة ً متقنة الفتل ملقاة ً على كتف الفنانة الأيسر بثقة ٍ وإعتداد ٍ خاليين من الإستعلاء والتكبر الفارغين . تلكم من فرط الثقة العالية بالنفس. كنتُ جَذِلآ ً جداً في رؤيتي للصورة وما وجدتُ فيها من لُقى ومقتنيات وحوافز تستفزني لكي أخاطب ربة َ ( أي صاحبة ) هذه الصورة [ لا أرفض أو أمتنع أن تكونَ ربتي ] وأنْ أكتبَ لها وعنها وأن أسعى لمعرفة المزيد من المعلومات عنها وعمّا سلف من زمانها وحياتها هناك في بلدها البعيد الذي تركته وفي صدرها منه غصص ٌ كشفتْ عن بعضها فيما كتبتْ في موقعها [ أربع عشرة مقالة أو حكاية طريفة كتبت سوزانُ أغلبها باللغة العامية السورية الدارجة ] . تحتاج هذه المقالات الثمان إلى وقفة خاصة (( قفا نبكِ ... )) لقراءتها ودراستها وتحليل عناصرها وإستكناه ما خبأته الفنانة بين السطور وما لم تشأ أنْ تفصحَ علانية ً عنه . لفت نظري قبل أي شئ سواه عمق وسعة الموروث الشعبي في ذاكرة سوزان العبود . ثم قدرتها الفائقة على التعبير عنه وتوظيف دلائله ومدلولاته لنقد أوضاع سائدة معينة أو السخرية منها بل وحتى تطرقت السيدة إلى مواضيع إجتماعية وفلسفية معقدة تناولتها بأساليب مبسطة لكي يستوعبها القريب والبعيد . إنتقدت ظاهرة إنتشار عناصر الأمن والمخابرات في بعض بلداننا العربية ( أقصوصة الرجل الخفي ) الذين نجدهم في أيما مكان قصدناه وفي أيما زاوية وركن . كانس الشارع وسائق التاكسي والبائع المتجول وربما قارئ مقاييس الماء والكهرباء بل ... حتى الرجل الذي طالما عانى وتشكى من هذه الظاهرة يكتشف ذات صباح وقد رأى وجهه في المرآة أنه هو الآخر ... رجل مخابرات !! لك شو ؟ هذا الوجه مش غريب علي ... إنه وجه رجل مخابرات أعرفه !! عادت سوزان إلى ذات الموضوع في أقصوصة ( طفولة ) لتفضح أو تكشف الأسس الأولى وبدايات إتقان صنعة التجسس منذ سني الأطفال الأولى حيث يشجعهم أولياء أمورهم في بيوتهم على التجسس والمراقبة ونقل المعلومات عن آبائهم لأمهاتهم وعن أمهاتهم لآبائهم فالعيب والخلل في الأسس وفي الجذور . مسني أكثر وأعمق موضوع أقصوصة ( حليمة ) حيث تطرقت الفنانة الكاتبة الكبيرة القلب العميقة الإنسانية السيدة سوزان إلى مسألة غاية في الحساسية وهي ظاهرة تعاني منها الكثيرات من بنات جنسها ، أعني مسألة العنوسة وتأخر زواج الفتاة التي تجد نفسها أمام خيارين لا أمرّ منهما كليهما : العنوسة أو أن تقبل الزواج من رجل لا يناسبها وقد يكون في عمر أبيها . أوأن يجبرها ذووها على الزواج من شخص لم ترَهُ في حياتها أو لا تتوفر فيه أدنى المواصفات التي كانت طوال حياتها تحلم بها.
رائعة أنتِ ومقتدرة يا سيدة سوزان يا آلهة حمص ( إيليا جابالا ) . رائعة في فكرك وقلمك وفي روحك الشجاعة وفي عمق حسك الإنساني وهو إكليل عرشك الإبداعي كتابة ً أو فناً . نتوقع منك الكثير وربما الأفضل فأنتِ ما زلتِ في أول الطريق ومعك العمر كله . ونحن ، قراءَك ِ ، نظل ُّ ننتظر ما تجودُ به أناملك من نحت وما تجود به قرائحك ودقات قلبك من أقاصيصَ وخواطرَ إنسانية هدفها الأول والأخير الإنتصاف للإنسان والذود عن كرامته وحريته وحقوقه الأولية فهل أنتِ يسارية ؟ الإنسانُ المثاليُّ محايد ٌ لا على جهة اليسار ولا على جهة اليمين .
رابط موقع سوزان العبود :

http://suzannnabboud.blogspot.com/2008/08/blog-post_02.htm

ليست هناك تعليقات: