الاثنين، أغسطس 11، 2008

نفور وحوافر: مَنْ لا عقل له

شوقي مسلماني
قال بلسانِ الجعجعة وهي لسان الرحى: "لا تهرف بما لا تعرف، والهَرَف: الإطناب في المدح، وهو مثل يُضرَب لمن يتعدّى الحدود في مدحِ الشيء قبل تمام معرفتِه. إنّ شرّ أيّام الديك يوم تُغسل رجلاه، ويكون ذلك بعد الذبح والتهيئة للإشتواء. يجب عليك يا إبن أمّه أن تعلم أنّ الحوافر للّخم واللّكم وتحطيم كلّ عظام الجسم. الحمير تُعرَف بالنهيق، والنهيق يكون حيث توجد الحمير. عندما يطلِعُنا رجلُ العلِم على نتيجة تجربته يطلِعنا أيضاً على كيفيّة إجراء تجربته، لكي يكون بمقدورِنا أن نعيدَها، وإذا لم نحصل على النتيجة ذاتها فإنّ نتيجة تجربتِه لن نقبلَها كحقيقة".
وبربرَ وزمجرَ وجرجرَ وبأْبأَ بفِيه قائلاً: "أنا أظهرتْ تجاربي أنّ اللبيط، إبن عمّ الرفس وإبن خال الركل، علم خطير، لكن للأسف الشديد هو علم قائم لذاته".
سمع إبن أمّه. عضّ على شفته. قال: "تحكّكتِ العقربُ بالأفعى، وهو مثلٌ يُضرَب لمن ينازع مَنْ هو أقوى وأقدر. يجب يا إبن أبيه أن تعلم بأنّ الغزال الذي يقف ساكناً ويتلقّى رصاصة الصيّاد التي تقتله، لو كان يمتلك عقلاً واعياً لاستفاد منه في معرفةِ ما يجري ويُحاك له، ولأنقذَ حياتَه مِنَ الموت المحقَّق. الحوافر أيضاً للدّعس والفعس والهرس والمعس. أنتَ كالمربوط والمرعى خصيب. اللبيط علم قائم بذاته وليس لذاته، ويطلّ من أبراج عالية على الرياضة البدنيّة والصحّة العامّة. ما هكذا تُورَدُ يا سعدُ الإبل. قيل أنّ حماراً تنكّر في شبه أسد، فلّما رفعَ صوتَه وصاحَ عُرِفتْ حقيقتُه. أنت تركب مركب الأعداء. يقول الزير قهّار المواكب: "رماني الدهر في كلِّ المصائب، فلا تسمع أخي قول الأعادي لأنّ الضدّ شوره ليس صائب، يشورون عليك في رأيٍ وخيم ليسقوك أخي كأسَ العواطب". إمرأة قالتْ لجارةٍ لها: "كيف صار الرجل يتزوّج بأربعة ويملك مِنَ الإماء ما يشاء والمرأة لا تتزوّج إلاّ واحداً ولا تستبدّ بمملوك؟. قالتْ لها: قومُ الأنبياء منهم، والخلفاء منهم، والقضاة منهم، والشُرَط منهم، فحكّموا فينا كما شاؤوا وحكموا لأنفسهم بما أرادوا". يا أحمق مِنْ ناطحِ الماء لا تشرب السمّ اتّكالاً على الترياق. وإذا ترفض سماع ما أقول فاعلمْ أنّه لا يضرّ السحاب نبحُ الكلاب".
قال إبن أمّه: "مفتاحُ البطن لقمة ومفتاح الشرّ كلمة لا نهقة. تراهم يقولون للحمار: "حا"، ويصبر. ويقولون له: "هش"، ويصبر. فما هو العجب إذا أصبح لقمة في أفواه الضباع والفهود والأسود وأبناء آوى؟. إنّي آكل لحمي ولا أدعه لآكل. قال رجل لمزبّد: "إذا استقبلك الكلب في الليلِ فاقرأْ: يا معشر الإنسِ والجنّ إن استطعتم أن تنفذوا مِنْ أقطارِ السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلاّ بسلطان. وهي الآية 33 من سورة الرحمن". قال مزبّد: "الوجه عندي أن يكون معك عصا".
قال إبن أمّه: "يا أختل مِنَ الذئب".
قال إبن أبيه: "يا أحقد مِنْ الجمَل".
قال إبن أمّه: "أسدٌ اشتدّ عليه الحرّ، فدخلَ في بعضِ المغائر يتظلّل، أتاه جرذ ومشى فوق ظهرِه، فنظره الأسد وضحكَ منه. قالَ الأسد: "ليس مِنَ الجرذ خوفي وإنّما كبر عليّ احتقاره لي، أي أنّ الهوان على العاقل أشدّ من الموت".
قال إبن أبيه: "وقفتْ بعوضةٌ على قرنِ ثور، وحين قالتْ له: "أثقلتُ عليك"؟ أجاب: "لا يهمّ، فنزولك مثل رحيلك".
وتناكفا، حتى إستشعر إبن أمّه إرهاقاً، فطلب السلامة قائلاً: "أليس إلى أمّه يلهفُ اللهفانُ؟، والرجل يلهف إلى أهله، واللهفان هو المتحسِّر والمكروب".
قال إبن أبيه: "الإيناسُ قبل الإبساس، فيقال للناقة قبل حلبها: بس بس، والناقة التي تدرّ على الإبساس تُسمّى البسوس".
قال إبن أمّه: "مَنْ خشي الذئبَ أعدّ كلباً. هيّا إلى كبيرنا، فيعثر بعقله الجليل وأخلاقه الرفيعة وسموّ قدره على الحقّ إذْ ضاع بيننا".
طارا إلى وادي النار وجبل الكبريت، وإذا حميت الشمسُ تصير مثل جهنّم. ونظراه في خيمته يُعلّق على صدر امرأة حبلى، اتّقاءَ ليليث، أو الجنيّة ليلى، الجناحَ الأيسر لدجاجة. وانتظرا، فخرجت بعدما زفرت وشهقت. سجدا للكبير. قاما بعدما أذن لهما. عرضا عليه ما اختلفا فيه، ثمّ التمسا، بفضل منه لا يُنسى، أن يفصل بحقّه ما اشتبك بينهما: "اللبيط علم قائم لذاته أم بذاته"؟.
قال الكبير: "لا يحمل الحقدَ مَنْ تعلو به الرتب ولا ينال العلا مَنْ طبعه الغضب".
وأردف: "مَنْ طلبَ العلا مِنْ غير كدٍّ سيدركها إذا شابَ الغراب. ديدننا إذا تعثّرنا، منذ كبيرنا الأوّل، أن نقصد الميدان، ومن يطعن خصمَه في صدرِه، ويريحه مِنْ عمرِه، أو يضربه على هامِه ويلقي رأسَه قدّامه، تُضرَب له النوبات، وتزغرد النساءُ والبنات، ويكون على الحقّ، فيما القتيل، له الخزي، فقد كان على الباطل".
قالا: "مَنْ وضعَ نفسَه مواضع التهمة لا يلومنّ مَنْ أساءَ به الظنّ".
خرجا إلى الميدان.
قال إبن أبيه، وهو يشهر سيفه: "أنا البطل الرئبال".
قال إبن أمّه، وهو يفعل مثله: "أنا قوم اللقا عند النطاح".
واصطدما كأنّهما جبلان، وعلا بينهما الصياح، وما زالا في قتال إلى وقت الزوال حين تعاكست بينهما ضربتان صائبتان، فشقّ كلٌّ منهما زميله وشبيهه إلى شقّين متساويين من الرأس حتى العصعوص.
قال الكبير: "إستراحَ مَنْ لا عقل له".
Sawki1@optusnet.com.au

ليست هناك تعليقات: