عبدالله علي الأقزم
فلسطينٌ
على صدري
زلازلُ عالَم ٍ دام ٍ
حضنتُ
بحضنِها شمسي
و فوقَ جراحِهـا
نطقت
كـتـابـاتـي
و أفلامي
و أغرسُ
في تـلـفـُّـتـِهـا
و بينَ رجالِها الأبطال ِ
أحلامي
كلانا لم يكنْ إلا
سوى لفظٍ
سوى معـنى
يُجدِّدُ
وجهَـهُ السَّامي
و ما زالتْ
فلسطينٌ تـُظلِّـلـُنـي
قراءاتٍ تـُعـذبـُنـي
و أبقى
مثـلَ قافيةٍ
مُحطَّمةٍ
و أحـرَقُ بينَ آلامي
أيا زهرَ البطولاتِ
التي اتَّحدتْ
بأدعيةِ الندى
محورْ
وجودُكِ في تلاوتي
هوَ الأحلى
مِنَ الـسُّكَّرْ
على كـفـِّيِكِ
لنْ أشقى
و تحتَ القصفِ
لنْ أقـهَـرْ
سيخرجُ
منكِ حيدرةٌ
إلى تسطير ِ ملحمةٍ
تسلسلَ
فكرُهُ الأزهرْ
و ما عيناكِ
في عيني
سوى بدر ٍ
سوى خـيـبـرْ
و مَنْ يهواكِ
سيِّدتي
يُضِيءُ
العَالَمَ الأكبرْ
أحُـبـُّـكِ يا فلسطينُ
بحبِّـكِ تكبرُ الدنيا
و تسطعُ
في يديكِ لنا
البراهينُ
شوارعُكِ التي صلَّتْ
بأضلاعي
مدائـِنـُكِ التي اتَّحدتْ
بألواني
فصولـُـكِ كلُّها
بدمي
شرايـيـنُ
كلانا في توحِّدِنا
كلانـا الماءُ و الطِّينُ
و أنتِ بخارجي
وردٌ
و أنتِ بداخلي
تـيـنُ
ضلوعي
كلُّها كهفٌ
ألا كوني بداخِلهِ
وإنْ حُشِدَتْ بأضلاعي
المجانيـنُ
و لن ترضي
و لن أرضى
و غزة ُ في صلاةِ الـلَّـيل ِ
قد ذبِـِحَتْ
و تـُرمَى للإباداتِ
على تـقصيرِنا
صُـلِـبَـتْ مشارقـُهـا
و قـد زادتْ مغاربُهـا
و كلُّ جراحِـهـا
فاضتْ بطولاتِ
ستولَدُ مرَّةً أخرى
بمئذنـتي
و محرابي
ستـنهضُ في مٌناجاتي
سأنـقـلـُهـا إلى قـلبي
سأجعلُ ذاتـَهـا
ذاتي
سأجعلُ
حُسْنَ جوهرِهـا
بمرآتـي
هوَ الآتي
فلسطينُ
انظري فهنا
بلادُ العُرْبِ في كـفِّي
تـُـنـادي
الضِّفـَّة الأخرى
أفـيقي يا نجومَ الـلَّيل ِ
في نصِّي
و كوني النثرَ
و الشِّعـرا
سنكـتبُ
في تـفرُّقِـنـا
بوادي الـنـِّيـل ِ
أسطرَنـا
مناطقـُنـا
هيَ الصُّغرى
و تـكـبُرُ
حينما تـبـقى
فلسطينٌ هيَ الكُبرى
الأربعاء، ديسمبر 31، 2008
الوجهُ البشعُ لِـ 27ديسمبر
قصتنا القصيرة إلى أين؟
د. حبيب بولس
قصتنا القصيرة إلى أين؟! سؤال ينبثق الآن وبحق بعد مسيرة شارفت على الخمسين عاما. وانبثاق السؤال الآن يعني انه علينا اليوم وبعد هذه المسيرة الشائكة الشائقة في آن معا أن نقف قليلا لنقوّم ما كان كي نصل إلى ما نريد له أن يكون.
وكي ننجح في الأمرين معا أرى لزاما أن نعود إلى الوراء بغية رصد هذه المسيرة من جهة والتأشير على انجازاتها وعلى نواقصها من أخرى, ذلك كي ننطلق إلى الذي سيكون, إذ ما من رؤية مستقبليّة لفنّ ما أو جانر ما يمكن لها أن تتّسم بالمصداقيّة الاّ إذا بنيت على الماضي وانطلقت منه. من هنا ستكون هذه المقاربة عبارة عن تقويم ما كان, والنظر إلى المستقبل أي رسم تصوّر لما نريد له أن يكون بالنسبة لهذا الجانر الكبير الذي احتل حيّزا كبيرا في أدبنا العربي عامّة والمحليّ خاصّة.
بداية أقول إن قصتنا القصيرة قطعت شوطا لا بأس به من التطور خلال مسيرتها بعد النكبة وكادت بذلك أن تنافس أكثر الفنون التصاقا بحياتنا وأعني الشعر. وان كنا هنا نحاول الحديث عنها والتأشير على بعض النواقص فهذا لا يعني أننا ندينها بل يعني أننا نريد لها المزيد من التقدم, لتصل إلى حدائثية المرحلة, هذا من جهة, أما من أخرى فان التأشير على النواقص لا يلغي الإيجابيات والانجازات الفنيّة, بل يحاول اغناءها وإثراءها لتستقيم مع كلّ ما تطمح إليه أدبا كان أم قضايا فنيّة أخرى.
يقول تشيخوف: " إن القصّة القصيرة كذبة متفق عليها ضمنيا بين القاص والمتلقي". ولكن رغم ذلك القصّة بقدر ما هي كذبة هي أيضا تجسيد للحقيقة وذلك لأنها فنّ. والفنّ أسمى أنواع الحقائق, فهو لا يطيق الكذب. " تستطيع أن تكذب في الحب وفي السياسة وفي الأدب وأن تخدع الناس كلما أردت ذلك فهذه أمور معروفة الاّ أنك لا تلجأ إلى الخداع في الفنّ".
هكذا يقول تشيخوف ويصادق على قوله هذا كيبلنج بقوله: " الحقيقة شقيقتها الكبرى الحكاية" وطالما أن الفن مرتبط بالحقيقة, طالما أنه يضاهيها في السمّو, فمن الطبيعي أن يكون الفنّ محاكيّا للواقع مستمدا من الحياة عاكسا قضايا المجتمع. وطالما أن القصة القصيرة جزء من هذا الفنّ , يصبح القول النقدي المعروف الذي يقول: " إن صورة البنى والأشكال الأدبيّة متشارطة ومترابطة مع صورة البنى والأشكال الاجتماعيّة" أمرا بديهيا. ولكن هذا الاشتراط وهذا الارتباط ليسا مباشرين آليين بالضرورة بحكم تمايز واستقلال كلّ من الصّيرورتين عن الأخرى" كما يرى الدارسون.
انطلاقا من هذه البدهية يمكن لنا أن نعاين وأن نرصد التحولات والتفاعلات الاجتماعية الأيديولوجيّة من خلال رصدنا للتحولات والتفاعلات الشكليّة والبنيويّة والمضمونيّة التي عاشتها قصتنا القصيرة منذ انطلاقها إلى الآن. ومن هنا يرى النقاد والدارسون أنّ "ظاهرة القصّة القصيرة تعتبر دليلا قويّا على التحول الذي أصاب المجرى السوسيوثقافي للمجتمع" وهذا الكلام يعني أن تطوّر القصة القصيرة مترابط ومتفاعل مع تطور البرجوازيّة الصغيرة, أي أنه يترابط ويتفاعل مع الأحداث والمستجدات, منذ الأربعينات. وإذا نحن أردنا أن نرى ما طرأ على القصّة من تحولات علينا أن نرى إلى ما طرأ على الساحة السوسيوثقافية من تحولات أيضا والى ما أصاب ساحة الفعل عندنا, هذا الفعل يتلخص بالتشبت بالوطن وفي البحث عن الهويّة الاجتماعية الوطنيّة وفيما بعد الهويّة الاجتماعيّة الثقافيّة. وإذا أردنا التحديد نقسم مسيرة القصة عندنا إلى مرحلتين: الأولى من النكبة حتى أواسط الستينات, والثانيّة من أواسط الستينات إلى آخر الثمانينات. هذا التقسيم يساعد في متابعة المستجدات والمؤثرات. ولن ندخل هنا في رسم المميزات للمرحلتين سياسيا واجتماعيّا وثقافيّا لأمرين: الأول لأن معظمنا عاش المرحلتين وذاق المرارة وجرّبها, والثاني لضيق المجال. ولكننا رغم هذا أو ذاك نجد أنفسنا ملزمين بذكر مضامين القصص في المرحلتين لنرى إلى ما كانت تمور به الساحة من جهة والى ما استطاعت القصّة محايئته واستيعابه من أخرى.
تمحورت قصص المرحلة الأولى حول المضامين التاليّة:
1. الولاء للأرض والارتباط بها.
2. النضال ضد الاضطهاد القومي, وكلّ أشكال القمع والإرهاب ومصادرة الأراضي.
3. إظهار الظلم الواقع على الطبقات المستغلّة.
4. فضح مؤامرات السلطة.
5. الصراع النفسي السياسي, كقضيّة التسلل واختلاف المنطقين العربي والإسرائيلي.
6. التغني بالبطولات العربية والعالمية والانحياز الى حركات التحرر
7. التغني بالأمجاد الفلسطينيّة كاستلهام لماض ناصع.
8. التاكيد على الهوية المحلية
وما ميّز مضامين المرحلة الثانيّة, مع أن ما ورد في الأولى متواجد في الثنايا ما يلي:
1. التركيز على لقاء طرفي الشعب الفلسطيني.
2. المقاومة بكل أبعادها وأشكالها وبطولاتها.
3. البطالة أسبابها ونتائجها.
4. هموم المثقف.
5. الانفتاح على معاناة الشعب الفلسطيني في المنافي.
6. تصوير المجتمع الإسرائيلي بكل صراعاته.
7. مهاجمة الأنظمة العربيّة الرجعيّة.
8. تعريّة سلبيات الشعب الفلسطيني.
9. رصد الأحداث العالميّة.
10. شخصيّة اليهودي التقدميّة.
11. قضايا المرأة بكل ملابساتها وأبعادها.
12. الانتفاضة وأثرها وأبعادها.
ولكن ونحن نسجل ما حوته القصص من مضامين يجب ألاّ تغيب عن بالنا بعض الشروخ التي تخللت قصتنا في مسيرتها, ومنها:
1. النبرة التعليمية الإخبارية الوعظيّة.
2. المباشرة والخطابيّة إلى حد الكليشيه الجاهز أحيانا وهذان أمران فرضتهما ظروف المرحلة.
3. عدم الموازنة بين الخطابين القصصي/ الإبداعي والتاريخي/ الأيديولوجي.
4. بهتنا وتقلص المجال الانطولوجي للكاتب.
من هنا طغت ظاهرة التكرار على العديد من القصص , فدارت في معظمها بحكم عكسها للحساسية النفسية والفكريّة على محور ثيمي واحد. والأمران أديّا إلى أن يكون القاص حاضرا كراوي ومحور في النص يفرض ديكتاتوريته حيث تحول النص القصصي إلى مرآة لا يرى الكاتب فيها سوى نفسه. الأمر الذي أدى إلى "أن ينبش في سريّة ذاته أكثر من نبشه في سريّة مجتمعه وواقعه وتاريخه". وهذا قاده الى تصوير الواقع. بما هو عليه فقط دون الالتفات إلى ما في هذا الواقع من أنواع مغيبة ومضمرة.
ما ذكرناه سابقا جعل قصتنا في معظمها تميل إلى النظرة الأفقيّة المولعة بالتفاصيل الكثيرة, والى الترهل السرديّ واللغة الإخبارية الجامدة. كما أدى إلى بناء مدماكيّ تقليدي والى شخصيّة نمطية متماسكة موباسانيّة, وبالتالي إلى التركيز على البراني أيّ على الموضوع.
وبالتالي ماذا مع الشكل؟ فقد انحصر كلامنا عن قصتنا لغاية الآن في دائرة المضمون.
في الحقيقة أن قصتنا في قضيّة شكلها تنسجم مع القصّة العربيّة عامة. ولكنها بدأت تقصّر في متابعة التطور المتنامي في السنوات العشر الأخيرة. وإذا تطرقنا إلى قضيّة الشكل عندنا نجد أن عددا لا بأس به من الدارسين يرون أن القصّة العربيّة, وينسحب كلامهم على قصتنا, راوحت بين ثلاثة مناهج هي:
1. منهج العين الرائية الفوتوغرافيّة, وهي أقرب إلى الكتابة السينمائيّة.
2. منهج العين الباطنيّة/ فاعليّة الذاكرة/ المونولوج أو ما يسمى تيار الوعي بحيث تصبح الكتابة قريبة من الكتابة الشعريّة.
3. منهج ثنائي تقريبي يجمع ويوائم بين الفاعليتين: العين والذاكرة بحيث تصبح الكتابة القصصيّة كولاجا أو إنتاجا من اللغات والأصوات.
وللموضوعيّة أقول أنّ قراءة متأنيّة لمعظم ما كتب عندنا من قصص مثيرة تشي بأن الأغلب يقع ضمن الخانة الأولى, وان تجاوزنا القليل إلى الثانيّة وأقل من القليل إلى الثالثة.
وبالتالي, إن ما قلناه رغم قصره ورغم حاجته إلى البراهين- التي تمنعنا المساحة المخصصة عن ذكرها- يلخص وضع قصتنا من الأربعينات وحتى التسعينات شكلا ومضمونا.
والسؤال الذي يرتفع الآن: ما هو مصير هذه القصة؟! هل ستظل تراوح مكانها؟! بمعنى ما مستقبلها؟ وكيف نريد لها أن تكون؟ علما بأن المجتمع قد تغير والظروف قد تغيرت يستمد هذا السؤال شرعيته من الفرضية الأولى التي طرحناها في بداية هذا الحديث والتي تقول إن صورة البنى والأشكال الأدبيّة متشارطة ومترابطة مع صيرورة البنى والأشكال الاجتماعيّة.
عن مستقبل قصتنا إذن, عن تصورنا لها, أو الطموحات التي ترى إلى قصّة جديدة تواكب المستجدات وتعكسا سيكون الحديث في المقال القادم.
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com
الأراجيف
خالد ساحلي
قال الملك العظيم و ظن نفسه خالدا لا يفنى و ملكه لا يزول: " كيف لنا النسيان بأن لأعمارنا حدا تنتهي إليه؟ و ملكنا العظيم المبني على البطش والقهر و الجبروت وبأنهار الدم وليل المؤامرات سيزول أيضا؟ أينتفع به الآتي بعدنا ونحاسب عليه نحن من الرب؟ أم هكذا هي الممالك من عهد إلى عهد ؟ " نظر الوزير العظيم إلى جلالته و أحنى رأسه دلالة رضا على رجاحة عقل مولاه الملك ، ثم ما لبث أن أنحنى كليا حتى ألتصق بصره بسجاد الأرض وقال وهو راكع طاعة:" هو الملك يا مولاي كالنار يراها التائه ملاذا في ليل الصحراء المقفرة الباردة ، يراها خلاصا من عذابات الضياع، يرى فيها الدفء و النجاة من الذئاب الجائعة و الضواري الكاسرة والحيّات السامة .حتى إذا ما أقترب من أصحابها ومنحوه الأمان ، أطعموه وآووه بعد استعطافه ثم تأكد اطمئنانهم له ، حتى إذا ما تفتّحت عيناه شبعا بعد جوع هالك ثم رأى بعدها ما عند هؤلاء من مال و متاع وراحلة أجهز عليهم وانتزع منهم ما يملكون غدرا و بلا شفقة. نفسها النار التي قادته إليهم لا زالت مشتعلة مستعرة ثم نام قربها و قلبه البارد بالغدر لا يؤنبه ، لمّا غاص في بحر نومه أزعجته الكوابيس فأنقلب نحو النار حتى أحرقته فلا زال أثر الحرق ما عاش يذكّره بخيانته ومصدر ما هو عليه من نعمة ليست له. ووارثه لا يدري عنه شيئا إنما يعمل على المحافظة عليه ولو كان حراما كله فكذلك الملك يا مولاي". فهم الملك ما يرمي إليه الوزير ملمّحا ورد عليه: "أنت رجل لمّاح يا وزيرنا لكن كيف لنا أن نعهد بهذا المُلك حتى نحقن الدماء فلا تسيل كما سالت من قبل ، نجنب الناس الفتن و الهرج فلا تتعطل مصالح الناس فلا يخافون على أنفسهم وأموالهم؟ و رأيت أن أستشير الشيخ الحكيم جمال الدين فهو القادر تدبر أمر دعوتنا فكلامه مسموع وأمره مطاع، نأمره بجعل الخلافة في أبنائنا فلا نخاف بعدها مقتلهم أو خلعهم و يبقى ذكرنا بعد مـماتنا ما بقى المُلـك فيـهم" رد الـوزير:ــ سيرفض يعرف قد أخذنا الملك قهرا ؟
ــ نجبره فالوسائل كثيرة.
ــ الأمر ما يراه مولانا وانحنى طاعة ثانية وانصرف وقد رفعا الحاجبان رمحيهما وفتحا الباب الكبير المطرز بالذهب و عليه نقوش نسر وزخارف.
أمر الملك في طلب الشيخ الحكيم جمال الدين حين وقف بين يديه قال له: ــ أتدري لما أمرنا في طلبك؟
ــ لا أعلم وتمنيت لو منزلي أقصى ومسيري إليكم ألاف الأميال خير لي من دنوي لملك أو أمير.
ــ أستشيرك في أمر مهم يخص المملكة؟
ــ ربما لن تجد عندي ما يرضيك يا مولاي
ــ و كأنك تعرف ما نريده ؟
ــ لا أعرف لكن علمي بأمر الملوك لا يستدعون رجلا و لا يقربونه إلا إن كان في صالح ملكهم لا غير أما ما عدا ذلك فالكل للهلاك و لا يبالون.
ــ لا لا ، نحن نريد الأخذ برأيك السديد في أمر الفوضى التي بدأت تحدث في البلاد فلك عقل تعرضه و أدب تظهره في حلقة علمك.
ــ ما المطلوب منا ؟
ــ الدعوة لملكنا حتى يثبت .
قال الحكيم جمال الدين : أتريد النصيحة جارحة لا نفاق فيها أم تريدها عسلا فنرضيك ومن بعدها تكتشف السم الذي فيها.
ــ نريدها جارحة لا نفاق فيها.
قال الحكيم و قد نظر في الوزير العظيم شديد البطش و القهر الذي أشترى عداوة العامة وكان واقفا في مهابة قابضا يديه بين بطنه و صدره:
"ــ أصلح الله الملك إنك لتعرف ما يتوجب عليه أمر الضعيف و الغريب، إنك لتخيف المقهور حتى ضاق صدره وغلّ عليك قلبه، و الغريب الذي أتاك من أقاصي الأرض يعرض عليك شكواه في كتابه يعود خائبا بعدما احرق حجابك وعمّالك كتابه، يعود خائفا من جنودك وخدامك فيتحول خوفه لثورة يتحين الفرصة للانتقام ، وهذا كله لأنك لم تعاهده بالحماية ، يرجع خائفا مرتعدا من مصير في سيف بتّار وسوط لاسع ذابح، إنك يا مولاي لتميز بين شريف وغني وتعطيه الوجه الحسن بل إنك تطمعه في حيفك ضد خصومه وتقربه من طرفك ومجلسك تقيم الحد على صاحب المظلمة دون بينة عادلة، ذاك يا مولاي لا يملك ناصرا إلا ربه ولسانه و شجاعته، فأفعل عكس هذا و آس بين الناس كان عدلك ظلك وكان سيفك فزاعة للغربان والبوم."
غضب الملك العظيم من الشيخ الحكيم ورأى في النصح مهانة وقلة حياء ووقاحة ما بعدها وقاحة خاصة بعدما رفض الترويج لدعوته فأمر بسجن الحكيم جمال الدين ما تبقى له من أيام عمره بين اللصوص و القتلة...
سجن الشيخ الحكيم سنين ذاق في أثنائها ألوان العذاب من جلادين متنكرين. كان كلما خرج سجين خالط الحكيم إلا و أخذ حكمته، فصار حكيما بأخذه العلم الغزير. بدأت الأخبار تنتقل للملك الخائف على ملكه وعلى دنو أجله فالمدن بدأت تشهد صلاحا ، قلّ القتل فيها و السرقات و أمن الناس من الخوف. رأى الملك العظيم هذا أمرا جللا وخطرا عظيما وشرا مستطيرا على ملكه، ففتنة الناس بينهم جُنة الحاكم والعصور المثالية قصيرة الأمد وهو لا يرضى أن تكون مملكته مثالية فيقصر عمرها، هو يريد أن يأكل الشعب بعضه، فيحتاج للجند الكثير ففي مشاكل الشعب يكثر العسس. أمر عيونه باقتفاء أثر أصحاب الدعوة الجديدة وزجهم في السجون مع القتلة.
كان للملك العظيم ما أراد و أتباع الشيخ الحكيم جمال الدين لا زالوا تابعين لطريقة حكيمهم. السجون تفرغ من اللصوص و القتلة وتملأ بهؤلاء الأتباع، إلا أن الغريب مفاجأة اللصوص بخروجهم دعاة و عبّادا،كلما أُُُسر أحدهم زرع فيمن وجد أمامه بذور النصح و الخير و دعوة الحق وأصلح شأن فساده.0
قال الملك العظيم للوزير العظيم: ــ كلما أشتد الأسر و السجن و التضييق زاد الخطر و طوقنا أكثر.
قال الوزير العظيم: ــ أترك رؤوس أتباع الحكيم يقولون ما يشتهون، يطلقون ألسنتهم في ذم ملكك فإن الكلاب إذا نبحث كثيرا ضاعت شجاعتها لكن إذا ما كمّمت أفواهها ثم إذا ما شقت الكمامة عضّت من حولها و لو كانوا أصحابها. يامولاي أتركهم يتكلمون فيفرغون ما في قلوبهم فتمتص غضبهم ونقمتهم و تشتري ألسنة للرد عليهم و تكفي نفسك العوام و الأعداء وكم هم الباعة، يعرضون ألسنتهم للبيع يا مولاي إنهم بالآلاف.
أفرغ الملك العظيم سجونه بعدما رآها تحولت لمدارس الثورات، إذا ما ادخل إليها الصالحون و الحكماء و أمر بترك حرية الكلام؛ أشترى بعض الألسن المتقنة لفن الكلام و المراوغة و النفاق و أستأجر أبواقا محترفة في بث الشقاق بين الناس. كان الحكماء بعد سراحهم قد نالوا الحظوة في الكلام و التقوا بعد سنين من فراق وغياب لكنهم هذه المرة قرروا السكوت وحفظ اللسان. حار الملك العظيم من أمر سكوتهم وصمتهم. رأى الناس ما آل إليه موقف حكمائهم و انزوائهم في الظل، فشغلهم أمرهم عن أمر المتكلمين المستأجرين و المنافقين في المملكة.. راحوا يسألون ويخمّنون وصارت قضية الحكماء الصامتين محل خلاف وضاعت الألسنة المأجورة وصداها. قال الملك العظيم للوزير العظيم: ــ قد زاد خطر هؤلاء ماذا ترى أيها الوزير العظيم فلكم أنقذت هذا الملك من الزوال.
قال الوزير العظيم: أطال الله عمر مولانا و أبعد عنه الهمّ والحزن، عليك يا مولاي بالأفاقين و الكذابين وحدهم من يملكون السحر لعقول العامة.
بدأ الأفاقون و الكذابون عملهم بالليل و النهار و راحوا يتقاضون المبالغ الكبيرة و العطايا من أراضي و محلات و قصور بعدما نفوا الحكماء خارج مملكة مولاهم العظيم. هرب الحكماء بدعوتهم بعدما أفتتن الناس، وهناك من يقول أن أمر بليل دبر مقتلهم و دفنوا في الفيافي و الشعاب.
بعد زمن كثرت الأكاذيب ، لم يتحكم البلاط في انتشارها شاعت وصارت لا حد لها،اخترقت كل المحصّن من الأمكنة حتى دخلت قصر الملك العظيم وجرت بين أولاده ونسائه و عائلته و حاشيته و جواريه وخدمه ومستشاريه وكهنته، صار الشك سيد الأمر كله فكم من وزير وقاضي قتل بخبر كاذب و كم من قائد شرطة و قائد جند عزل أو ذبح بوشاية . كثرت الأحقاد على الملك من حاشيته و أتباعه ومقربيه كبرت الأكاذيب وصلت الوشاية الوزير العظيم عن عزم الملك العظيم التخلص منه وقتله و صلبه حتى دبر مؤامرة للملك العظيم و أكل الشر بعضه وانتهى الأمر كما بدأ.
الثلاثاء، ديسمبر 30، 2008
نجمك مازال يضوى
عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com
حاول بطليموس ، وشرلمان ، وجانكيزخان ، وغيرهم ... ، أن يؤرخوا الأعوام : بإسمهم ، أو : بيوم فتوحاتهم ، فلم يتمكنوا ؛ لأنهم أرادوا فرض أنفسهم على التاريخ .. أما أنت يا يسـوع ، فميلادك أضحى تأريخاً للتاريخ ، وفاتحة التقويم العميم !..
تمخضت الأرض من قبلك عن رجال عظام ، ذيلت أسماءهم بلقب أثير ، فكم سمعنا عن : اسكندر الكبير ، وبطرس الأكبر ، ونابليون الأعظم ، ووليم الظافر .. لكن واحداً من هذه الألقاب لا تليق بعظمتك ؛ لأنك أنت هو المسيح ، وكفى !..
عاش جاريبالدى لإيطاليا ، وكرمويل لإنجلترا ، وواشنطون لأمريكا ، وغاندى للهند .. أما أنت فعشت للجميع ، ومت لأجلهم !..
لم تتكلم سوى لغة واحدة ، هى لغة الشعب .. لكن كل لغات شعوب الأرض ، تتغنى باسمك بكرة وأصيلاً !..
لم تؤلف كتاباً واحداً ، ولم تكتب سوى مرة واحدة على الأرض .. لكن سفر الأسفار مكرس لذاتك ، وترجم إلى أكثر من ألف لغة ، ولهجة ، وفاق انتشاره كل الكتب ، و تأدبت فى حضرته عيون الأدب !..
لم ترسم صورة واحدة فى أيام جسدك ، لكن جبابرة الفن والتصوير ، ما زالوا يتسابقون فى تخصيص ابداع ريشتهم لذاتك ، ولتزيين بيتك !..
لم تنظم قصيدة فى حياتك ، لكن قصائد نابغى الشعراء ، تقدم عند قدميك ، تتلى فى مديحك : يوم ولدت ، ويوم مت ، ويوم بعثت حياً !..
لم تنشئ قطعة موسيقية ، لكن أروع الألحان ، تعطر الأجواء يوم ذكراك المجيـد !..
لم نسمعك مرة واحدة مترنماً ، بل رأيناك ثلاثاً باكياً ، لكن أبدع الترانيم القلبيـة ، ترفع لديك ، صلاة : حمداً وترتيلاً !..
لم تضع حجراً على حجر ، ولا لبنة على لبنة ، لكن بدائع فن البناء والعمارة ، مقامة بيوتاً لعبادتك جيلاً فجيلاً !..
لم تخترع اختراعاً ، ولم تكشف عن حقيقة علمية ، لكن أعظم المخترعين ، وأجلّ المكتشفين ، يخرون أمامك : سجداً وركوعاً ؛ لأنك أنت ملك العلم والمعرفة !..
أسس الاسكندر ، وشرلمان ، ونابليون ، دولاً، لكنها زالت فى حياتهم ، أو : بعد مماتهم ؛ لأنها أقيمت على القوة الغشوم .. لكنك أيها الناصرى ، أقمت ملكوتك : بالمحبة ، والوداعة ، والتواضع ، والخدمة ؛ ليظل خالداً بخلودك ، وليظل نجمك : مضيئاً ، مشعاً ، متألقاً على مغارة عالمنا ؛ لنأتى إليك بقلبنا ، وننحنى لجلالك ؛ راجين الولادة الجديدة ، بك ومعك !..
قلوبٌ تتماثل للأشواق
سامي العامري
حديث مع ربة الشفاء
------------------
لَهَفاً أعادَهمُ الشَّذا لعرينِهِ
وتسابقتْ لفِخاخهِ الأكبادُ
يا لَلرياحينِ الغَداةَ وقد سَعَتْ
بضَحيَّةٍ , إقرارُها مُعتادُ
وانا الضحيَّةُ ما أضاءَتْ أنجُمٌ
واستعجَلَتْ أعيادَها الأعيادُ !
ما لي أراكَ موَزَّعاً يا خافقي
بينَ الأُلى ... أتشُوقُكَ الأصفادُ !؟
فيُجيبُ : إني قد فُتِنْتُ بنجمةٍ
حَلَّتْ هنا وسماؤها بغدادُ !
-------------
لكي ينتبه الجميع الى عالم هائل من السِّحر واللهفة والتجدد ونبوغ المساءات , كان يكفي الربة أن تسمح لنغمة من صوتها العميق الندي أن تموج بين أروقة المستشفى للحظاتٍ غير أنها آثرت بموازاة ذلك أن تبعث أيضاً بطائر ضوئيٍّ أخضر لينقر النوافذ والأبواب ويجوب في الداخل ثم يحلق خارجاً , متسرباً من بين أنامل الهواء في الممرات الى الفضاء المحيط بالبناية مرة أخرى ,
بعد أن فُتحتْ الأبواب فتوفز البعض وفُتحت النوافذ فأطل النزلاء برؤوسهم منها الى الغابة المجاورة كان أول الخارجين قدامى المرضى من أصحاب العلل العقلية النفسية والقاطنين في البناية المجاورة فقد تدافعوا بحماس ودهشة بل وغبطة مُنقادين بقوة مجهولة الى الخارج .
تنفُّس
*****
بعد أن عزفتُ صمتَ الدقائق
ظللتُ أدهنُ جِلدََ الهواء بالخدوش
ذلك لأني أريد النفاذ , المرور كنحلةٍ
أو شمعةٍ أو قطارٍ بطول غيمة أطلسية
أو حتى بطولِ سَمَكة!
------------
شكراً جزيلاً لك ولكني أحب أن أسمعه منك , وفعلاً الأدوية والطبابة والعلاجات ضرورية
وهي عديدة غير أني أعتقد أنَّ أهمَّها هو فهم حياة المريض الداخلية أكثر فهذا يزيد من الخبرات الطبية ويعطيها دفعاً وذلك للنفع العام وإذا أردتم الحق فأقول لكم أنكم كبشرٍ , جميعكم مرضى ومصابون بعلل شتى مع فارق أنَّ مَن يحس بمرضه هذا ويدركه هو فقط المعافى ... هكذا بدأت الربة حديثها اللبق في جمعٍ من الأطباء والمرضى وغيرهم وذلك في حديقة المستشفى وكان حديثها جواباً عن سؤالٍ لأحد المرضى الشباب حول جدوى العلاجات وكنتُ قد نزلتُ للتو .
هنا قال أحد الأطباء بشكٍّ : عفواً باعتبارك مثالاً للصحة والسمو الروحي والعقلي ورفعة المنزلة أسأل مقامك العلوي ما اذا تحدثُ او حدثت عندكم حالاتٌ قريبة الشبه ببعض حالاتنا ! فاذا كان هناك نقص او خلل ما في مقدرة الإنسان العقلية او النفسية ألا يبدو هذا أن في الكون ما يستوجب إعادة النظر فيه !
قالت وهي تبتسم ببهجة : لا أيها العزيز كوننا او عالمنا هو عالم نقاءٍ تام , وصحيح أن طبقات كونية مُعيَّنة لامسها تلوثٌ أرضي غير أننا فوق هذه الإنعكاسات وهي إن تزايدت وتفاقمت فلا تؤذي سواكم أنتم الذين تعيشون وتعملون على الأرض , إنتم مع هذا ماضون في هَديٍ او بصيرة ولكنها تراتبية .
هنا صاح أحد المرضى وكان واقفاً في الشرفة الطويلة ويده على مسند خشبي وعلى جانبيه العديد من منتسبي المستشفى : أيتها السماوية الموقرة , النظرةُ المباشرة الموروثة تعطل اكتشاف مكامن القوة والجمال في الأشياء ولذلك قد نحزن أحياناً بسبب عدم مشاركة المحيط لنا بعض هذه المباهج وعدم انفعاله بسببها ... أقول هذا لك لأني بدأت أحس بالحنين لعالمي البسيط المألوف حيث كل شيء يفهمني وأفهمه وكم كنتُ أجد سعادة في ذلك فانا أعرف نفسي جيداً لهذا جئتُ الى رئيس الأطباء فقلتُ له بلطفٍ :
انا تعافيتُ تماماً بفضل عنايتكم اللطيفة المعهودة التي أشكركم عليها جداً والتي استمرت إسبوعين لذا فأرجو إنهاء أوراقي والسماح لي بالخروج الى البيت .
فقال لي انا افهمك ونحن سعداء بتحسن صحتك ولكني أعتقد أنك تحتاج الى ثلاثة او أربعة أيام أخرى , فشكرته وخرجتُ
ثم بعد أربعة أيام عدتُ له قائلاً : السيد الطبيب عفواً ها هي أربعة أيام مرت وحالتي الصحية في أحسن حال وأعتقد أني أستطيع الآن الخروج وعلى مسؤوليتي .
فأجاب :
نحن سنجتمع قريباً كلجنة طبية ثم نبتُّ بأمر خروجك .
ألا تعتقدين أن مثل هذا العمل سيؤدي الى الغرض المعاكس أي سيزيد من حالة المريض النفسية سوءاً ؟
قبل أن تجيب الربة أحسستُ بدافع عجيب للتكلم فانا الواقف تحت شجرة السرو القريبة من المشهد خفتُ لسبب لا أعرفه فأردتُ الحديث او التعقيب ولكني وجدت لساني لا يطاوعني وأخيراً إرتحتُ فانا أثق بالربة .
أجابت الربة : معقولٌ ووجيهٌ سؤالُك ولكن الصبر يأتيك بمنفعة كذلك لهذا أتمنى من رئيس الأطباء أن يردَّ رداً توضيحياً قصيراً .
فردَّ باحترامٍ جمٍّ : نحن نُوُلي مرضانا ومصابينا ثقة ولكن بحدود الممكن حتى نتأكد من أنهم يتكلمون بكامل لياقتهم العقلية وبعدها نجتمع فنقرر تركهم أحراراً في الذهاب الى أين يشاؤون او قد نعتقد بوجوب بقائهم لفترة معينة أخرى وهكذا , وهذه كما لا يخفى عليك مسؤولية وأمانةُ مهنتنا .
هنا قاطعت إحدى المجنونات المريضات قائلة :
صحيح ولكني أذكر إذْ كنتُ يوماً في إحدى المحطات فإذا برجل ضئيل الجسم يكاد يُغمى عليه بسبب الشحوب والبرد مرَّ من أمامي وهو يرتجف ناطقاً بعبارات فهمتُ من خلالها أنه يتبرم من عدم قبول المستشفى له في قسم العناية وسَمَعتُهُ يقول بعصبيةٍ قبل أن يواصل سيره المتداعي الحزين : حياة السجن أفضلُ من العيش هكذا ... وسؤالي هنا هو ماذا سيحدث لو أن هذا الرجل تجمد من البرد القارص فمات مثلاً ؟ او ماذا سيحدث لو أنه ارتكبَ حماقة فاختلقَ مشاجرة - او لو هو فعلها بسبب انهيار عصبي - مع شخص ثانٍ فجرحه عميقاً او او او ..
ثم هل أن رفضهم له في البقاء في المستشفى لفترة حتى يُنظَر في حاله , أقلُّ ضرراً مما لو دخل السجن ؟ وبعد ذلك كيف يمكن أن يُترك هكذا إنسانٍ طليقَ اليد فيما ذهنُهُ ما زال غير صافٍ ليتعاطى مع الأشياء بشكل طبيعي ؟
أجابت إحدى الطبيبات من شرفة البناية :
كل هذه التطورات الممكنة نحن نعرفها ونأخذها في الإعتبار ومن المؤكد أنَّ هناك لَبساً ما في هذا الموضوع المهم ولكن في حدود محيطِ عملنا هنا لم تحصل هكذا حادثة منذ بداية عملنا قبل عدة سنوات .
ومن الشرفة كذلك انبثقَ صوتٌ بسيط بريء قائلاً : أيتها العذبة كأباريق العُلى , انا عاملة تنظيف هنا وما يشغلني هو أني لابد أن أعمل ولكني في كل مرة أراني في العمل الذي لا أرغب به , فعلى مَن يجب عليّ أن أحقد !؟ أعلى الناس , أعلى الدنيا , أعلى نفسي ؟ ولكن المشكلة هي أن الحقد لا يجد له طريقاً الى قلبي .
أجابت الربة : إنك أسميتها مشكلة , وفي عرفي أنها مشكلة جميلة وفيها معنى انتصارك وسعادتك الداخلية , سعادتك أراها انا ساطعةً عندك ففتشي عنها دقيقاً .
هنا تكلم أحد المجانين الشبان المرضى العرب والذي يبدو أنه استعاد ذاكرته وتوازن عقله فقال : أيتها القوة الحانية أقدم لك شكري الكبير على كرمك الذي لا أنساه ,
انا طالبٌ في هذه البلاد منذ عامين وقد تعرضت لحادثة مرور تسببت لي بعدة إهتزازات في الدماغ , كنت قد نويتُ إكمال دراستي في بلدي
وبالفعل ذهبتُ بأوراقي وشهادتي الى الجامعة وفي الطريق حيث كنت جالساً في مقهى سألني شيخ فاضل :
يا ولدي هل أنت طالب جامعي ؟ فأجبته باهتمام ومودة : لحد الآن لا , غير أني آتٍ اليوم لهذا السبب وتحديداً لدراسة الفلسفة .
فقال لي : آخ فلسفة ! إسمع يا ابني أَصدقْني القولَ ,
مِن الأفضل لك أن لا تفعل ذلك هنا فانت سوف لا تتعلم منهم بعد الدرس وسنوات التحضير والتعب والسهر عدا حكمةً واحدة .
فسألتُ باستغراب وما هي يا شيخي الجليل ؟
فابتسم ومسح لحيته وقال :
الحكمة الخالدة هي التالي : وقف رجُلان على مسافة من أرنبٍ فسأل أحدهما الآخر أخبرْني هل هذا الحيوان ذكرٌ أم أنثى ؟ فاختلفا لوقت غير طويل ثم رد الثاني على الأول قائلاً : بسيطة , نرمي عليه حجارةً فإذا هربَ فهو أرنب وإذا هربتْ فهي أرنبة !
إسمعْ كلامي أيها الشاب إرجعْ واجمعْ ما تستطيع من نقود ثم سافرْ وادرسْ هناك فأرضُ الله واسعة .
ثم هناك علة أخرى شجعتْني على السفر .
وهي تذكُّري موقفاً محيراً في فانتازياته قبل سفري بسنوات وهو :
كان زوال الإتحاد السوفيتي السابق فرصة مثالية لكل عربي يدّعي الإسلام لأن يتشفى قائلاً إن انهيار هذا الإتحاد او كتلة البلدان الشيوعية السابقة لهو دليلٌ آخر على صدق نهجنا الإسلامي !
وهنا لكزَهُ مجنونٌ آخر كان يقف الى جواره والذي يبدو أنه يعرفه بطريقة ما , وعنَّفه بعصبية ولكن بصوت خفيض بالقول : هل جُننتَ !!؟
الربة تنتظر أسئلة عن أمور كونية مصيرية مطلقة او مهمة على الأقل وانت تتحفها بالحديث عن هذه التفاهات !!
صاحت الربة بجارهِ وهي ترسم على فمها ابتسامةً مشرقة : دعْهُ لأجلي , دعه ياابنَ الأرض ووارثَها , دعه يتمم كلامه .
هنا راح المجنون الأول مستطرداً :
شكراً لنُبلك , ثم بات هذا ديدن كل مكابر وأحمق وفاشل ومغامر ومراهق
قالت الربة مؤيِّدة كلامه راثيةً لمن عناهم : هذه المخلوقات التي حالت بينها وبين ما يُفترض أن تمتلكه من بقيا روح شفافة ووعي مرهف , طبقات سميكة من الجهالة والتي لا تمسك من الحقائق إلا قشورها ولا تفقه من دينها إلا ما يبرر لها العيش في كهف من الحسيات ولا تفقه بالتالي إلا الفروض الببغاوية ثم لترتعَ بعد الموت في عالم من الدسامة الفردوسية !
فعقب المجنون الأول : وقد سمعنا ما هو قريب من هذا أيضاً عن الدين والتقوى من زعيم عربي هو المغفور له ...
لا تجنِّني معك ,
قال له مرة أخرى زميله الذي الى جواره : مَن لي بحفنةِ صبر !؟ لا تَقلْ المغفور له ...
طيب وماذا أقول ؟
الصحيح أن تقول ( المحفور له ) !
قَبل إخراجهِ من حفرته ومن ثم شنقهِ !
صحَّحَ للربة خطأ عبارته معتذراً وشكرَ زميلَه .
سألتُ نفسي وقد خطرَ أمام عيني شريطُ الماضي هناك في تلك التربة : أحقاً تستحق الحياةُ وفق هذه المقاييس كلَّ هذه الفواجع والرذائل ؟
كم مقززةً حالةُ الصحو أحياناً !
قالت الربة وهي تحدثني بروية : اذا كان هم السياسي هو الجاه فهذا بحد ذاته ليس فيه ضررٌ ولكن عليه أن يجيب على السؤال التالي :
كيف أجعل تطلعاتي الشخصية لا تتعارض مع مصلحة وطني ؟
او بتعبير آخر , عليه أن يطرح على نفسه السؤال التالي : كيف أجعل نموَّ وطني وازدهارَهُ عماداً لِما أريد من مالٍ ومركز ؟
ثُم وجدتُها تعبِّر بحكمة جديدة : دعها تتخفى وراء واجهاتٍ هزيلة الآن ولكنْ ما كلُّ سمينٍ شَرِهاً كما أنه ليس كلُّ ضعيفِ بُنيةٍ متواضعَ الشهية !
ولمّا أصبح الصباح
***********
أُناسٌ مُتْرَفون يَضطجعون
على أرائكَ طويلةٍ كَصَبْر أيوب
ما أنْ حصَلَتْ غارةٌ جويَّةٌ
حتى كُرِّسَ لحمايَتِهم خمسون مَلجأ
ولمّا أصبح الصباح
وسكَتَتْ شهرزادُ عن الكلام المُباح
كان نِصفُ المدينةِ
حُطاماً يُنْعِشُ فُتوّةَ الصُحُفْ .
----
فرانكفورت 1991
العاشقة
عيسى القنصل
دموع الحزن تحرقها ..
رمادا فى مهب الريح تلقيها
وفى الايام مهزلة ُ
على مهل ِ تحمطها ..
الى الاحزان ترميهــــــــــــا
ولا احد ُ بجانبها
ليحميها ..
فان صاحت من الالم ...
فلا الترياق ُ ينفعها
ولا طب ُ ليشفيهــــــــــــــا
تراها بعمق الليل ساهرة ً
تناديه ..
تناديه ,,
ولا احد ُ ليسمعها ..
ولا قلب ُ يناديهـــــــــــــا
وعاشقة ُ
قيود الاهل تقتلها
بعمق الحزن تلقيهــــــــا
فان عشقت ْ
ايا عار ُ على الانثى ؟؟
ويا خجل ُ على من قد يداريها
وتبقى فى مشاعرها
تخاف البوح حقا عن مباغيها
هى حسناء بلدتنا
وزهر الزهر فى روابيهــــــــا
فحين الحب يمطرها
بامطار ٍ
سريع الجرى فى بواديهـــــا
ترى سدا ً
ترى غضبا ً
ترى جهلا ً من الانحاء يحويها
ايا وجعى لعاشقة ٍ
ضباب ُ الخوف يخفيهـــــــــــــا
عن الانام قاطبة ً
ولا احد ُليعرفها
سوى الرحمن ُ باريهــــــــــــــا
.....
مثقفة ُ ...موهلة ُ
وعالمة ُ بما يجرى
بعمق الكون ان هلّت ْ لياليها
لاسرتها مربيه ُ
وراعية ُ مدى الاعمار تعطيها
وحين الحب يحملها
باجنحة ٍ
الى دنيا من الاحلام ياخذها
ترى عيون الكل غاضبة ً
تعاتبها ..
تهددها .. لتهديهــــــــــــــــا
كأن الحب فى بلدى ..
مفاخرة ُ الى رجل ٍ
وعار ُ حين امراة ُ
بعاطفة ٍ نمت ْ فيهــــــــــــــا
بعمق الكون
الاثنين، ديسمبر 29، 2008
هِجْرَةُ الْحَبِيب
محمـد محمد علي جنيـدي
مِنْ أرْضِ مَكَّةَ لِلْمَدِينَةِ قَدْ سَرَى
بَدْرُ الْهُدَى يَضْوِي ثَرَاهَا الطَّاهِرا
أهْلُ الْمَدِينَةِ أُسْعِدُوا بِمُحَمَّدٍ
نَالُوا بَهَاه الْغَضَّ حُلْواً مُزْهِرا
أفَبَعْدَ هِجْرَتِهِ الْحَبِيبِ كَرَامَةٌ
مَنْ نَالَهَا ما نَالَ إلَّا الْكَوْثَرا
أهلُ الْمَدِينَةِ حُصِّنُوا بِمَقَامِه
والْحِصْنُ حِصْنُ اللهِ ما أحْيَا الْوَرَى
يا رَبِّ قَدْ ألْبَسْتَها تَاجَ الذُّرا
وسَكَبْتَ فِيها النُّورَ مِنْ أمِّ الْقُرَى
فانْعِمْ عَلَى عَبْد ٍبِوَصْلِكَ إنَّنِي
إنْ تَهْدِ قَلْبِي لَمْ أكُنْ مُتحَيِّرا
أدْعُو عَسَى تُلْقِي الْفُؤَادَ بِهِجْرَةٍ
فَيَطِيرُ مِنْ فَيْضِ الْحَنِينِ مُهَاجِرا
الْهِجْرَةُ الْغَرَّاءُ أنْهَارُ التُّقَى
واللهُ يُهْدِي مَنْ يَشَاءُ بَصَائِرا
غزة المحاصرة
مفيد نبزو
ياأختُ ياأمَّاهْ لا تسألوا عنِّي
مازالَ في الأفواهْ هذا الصَّدى منِّي
هل موطني أنساهْ من شبَّ في ظنِّي
لا لن تفيدَ الآهْ ياأمَّنا غنِّي.
غُّنوا مع المزمارْ في القدس والضَّفة
غداً تعودُ الدارْ وُتعْقدُ الزَّفة.
لوزلزلَ الزلزالْ أو هزَّتِ الهزَّة
بيَّارةُ الأطفالْ أرجوحة ُالعزَّة
فليكسروا الأقفالْ والبابَ والرَّزة
لن يفتكَ الأنذالْ بالشمسِ ِفي غزَّة .
ياأمَّنا بالويلْ ويلٌ لمنْ قد ناحْ
إذا ادَّلهَمَّ الليلْ سيشرقُ الصباحْ
والسيلُ بعدَ السيلْ وهجٌ وإعصارُ.
الموتُ يا صهيونْ والقتلُ والدماءْ
شريعة ُالجنونْ في الأرض والسماءْ
فلتخنقوا السجونْ ولتحجبوا الهواءْ
لن تمنعوا العيونْ أن ترسمَ الرجاءْ
والإفكُ لن يكونْ إرهابكمْ غباءْ
وزعمكمْ مأفونْ لو زرتمُ الجوزاءْ.
عروسنا نامتْ لا بدَّ أن تصحو
إذا الرؤى غامتْ سيُمطرُ الجرحُ
من ليلها النهارْ من وجهها الصبحُ
فلتشربوا البحارْ إن يُشربِ الملحُ.
يابحَّةََ َالناياتْ يا آهةَ َالشجنْ
إن نرفع ِالراياتْ نسيجها الكفنْ
حمراءَ بالدماءْ أرواحنا الثمَّنْ
جئنا بلا عنوانْ من ثورة الزَّمنْ
نُفجِّرُ البركانْ ليولدَ الوطنْ.
مفيد نبزو
حماة- محردة.
الأحد، ديسمبر 28، 2008
فَلِسْطِين
صلاح الدين الغزال
مَالَتْ وَقَدْ هَيَّـجَ الرُّكْبَـانَ حَادِيهَا
وَحَيْثُمَـا اتَّجَهَـتْ يُشْجِـي مَآقِيهَا
قَدْ هَدَّهَـا تَعَـبُ الأَيَّـامِ صَامِـدَةً
تَذْوِي بِمُفْرَدِهَـا وَالحُـزْنُ يُضْنِيهَا
وَالصُّبْحُ أَرَّقَهُ الإِظْـلاَمُ مُذْ سُمِلَتْ
بِالوَيْـلِ أَعْـيُنُ مَنْ كَانَتْ تُرَاعِيهَا
مَا عَـادَ فِي الكَوْنِ رُكْنٌ قَيْدُ أَنْمُلَةٍ
يُخْفِـي أَسَـاهُ بِمَنْ يُلْقُونَهُـمْ فِيهَا
تِلْكُمْ فَلِسْطِيـنُ فِي قَلْبِي وَإِنْ بَعُدَتْ
رَغْمَ المَسَافَاتِ فِي الأَعْمَاقِ أُخْفِيهَا
السبت، ديسمبر 27، 2008
الشيخ
د. نوري الوائلي
في مطلع العمر والآمال تشتعل = والفكر في الموت عنه القلب منشغل
شيخا رأيت مع الألام منطويا = والموت فيه وفيه للقذى ذلل
نادى بنيّ وصوت الحزن يغلبه = هلا سمعت كلاما صاغه الأجل
ان الحياة قطار سيره عجل = فيه المكوث قصير جله الجلل
القاطرات كألوان على قزح = فيها السواد وفيها الأبيض العسل
فيها المسافر ولهان الى هد ف = أن نال منه علاه الحرص والأمل
يبني بقاطرة والموت سائله = تبغي المكوث وعنها أنت مرتحل
الموت ينطق والأصوات منبعها = موت الخليل , فهذه للردى رسل
موت الصحاب وموت الأهل ياولدي = للمتقين بيان للردى قبل
هذا الكلام لكم يا شيخ لا عجبا = نحن الشباب لنا في العمر مقتبل
حقا أجاب ودمع العين يسبقه = ان الشباب معي في الركب منتقل
هذا القطار يسوق الخلق قاطبة = الفقر فيه وفيه من له كلل
ان عشت في السعد دهرا او بلا وجع = فالعمر يجري وأنت الخاسر الشغل
أعمل لدنياك في تقوى وفي ورع = فالرزق يكفل والأعمار تكتمل
ما أجمل العيش بالأيمان يا ولدي = فالعيش في الشرك ضنكن ما له حلل
أن الحياة بتقوى الرب مزرعة = فيها العطاء وفيها للتقى ضلل
ما يثلج الصدر من هم ومن جزع = الا الصلاة , ففيها للسما مقل
ان كان يصدق فالأيام واسعة = فيها أعيش ويوما سوف أعتدل
ماذا تقول وسيف الموت منبسط = لا يعرف الشيخ من طفل اذا يصل
دع عني الموت ما للموت من فزع = فالجسم صلب ونفسي ما بها خلل
اليوم انت قوي حين تحسبها = لكن يوما بك الأوجاع تكتحل
العسر في الدهر قد يعطيك مفترجا = لكن عسرا به الهامات تنفصل
الدهر يبليك يوما قد ترى أملا = والكرب فيه ليوم العسر متصل
لكن قلبي شباب عمره مدد = والقلب يا شيخ للذات يحتفل
مهلا فمهلا فلا تغتر يا ولدي = فالعمر يعجز من ناخت له السبل
عنه بعدت وقلبي كاد يسألني = ماذا يقول , خرافات بها هزل
قابلت دهري بزهو لا حدود له = والعزم فينا جبال ما لها قلل
كالصخر حربا أجاب الدهر مقتبلي = والسهم منه لجرح القلب منهمل
صارعت دهري وناسا ما لهم ذمم = من أجل خبز ولذات لها جبلوا
كاليوم مرت سنين العمر مسرعة = والموت فيها قريب ما له كلل
قد غاب عني بأن العمر قاطرة = حتى صحوت وشيب الرأس يشتعل
قد نلت مني أيا موت فلا عجبا = ان تحبس الروح , في الأجسام تعتقل
ماذا جنيت من الدنيا ؟ وربك لا = اهل تواسي ولا الآلام تحتمل
ماذا يفيد وقد مالت بي سفن = والبحر طين وما دارت به عجل
اه تراني جلست اليوم مجلسه = والحزن في النفس جرح ما له مثل
كالطفل عدت يتيما دون والدة = كالطفل عدت , فهل يأتي لي الأجل؟
حاجات جسمي لها الأدرار مغتسلا = والجلد فيه قروحا هدّها الشلل
ناديت عونا الا من منجد وأبي = بالعطف يمسح عن جسمي فيغتسل
ناديت ألفا لعون من لضى ألمي = والنطق للعون من صم به مَلل
لا تنفع اليوم آهات ولا ندم = فالجسم عجز وفيه للقذى مِلل
بين النوائب والأوجاع أيقضني = طيف لشيخ وقد أعيانني الوجل
من أنت ؟ شيخ التقى قد جأت ترشدني = فات الأوان لمن للنصح قد ثملوا
ياليتني لك يا شيخ التقى اذنا = للنصح سامعة , للعقل ممتثل
لكن طيشا هوى في النفس عاصفة = لا تعرف الخير من شر وان عزلوا
مرحى لمن عاش في الدنيا بلا طمع = والقلب فيه لذو الغفران يبتهل
لم يبق غير دعاء للسماء به = ارجو العظيم بأن يعفو وينتشل
أعياد الميلاد
د. عدنان الظاهر
- 1 -
الشمعةُ وحدي
أشعلُ ناراً فيها
تهتزُّ على جُنح الريحِ وقصف الرعدِ
تأخذها الأجراسُ لهيبةِ ناقوسِ كنيسةِ عيسى في المهدِ
تصهرني تمثالَ نحاسٍ بوذيّا
أتسلّقُها خفّاشا يتعلّقُ مقلوبا
شبحاً يتشبّثُ في مسمارِ جحيمٍ مُلقى في النارِ
حاورهُ عيسى يومَ الميلادِ على أبوابِ القدسِ
فأبى... وتمادى... شيطاناً إبليسا.
- 2 -
غصنٌ يتدلى
يتأرجحُ في تيهِ الضوءِ الساقطِ أطيافاً أطيافا
يتلألأُ ما بين غصونِ شجيراتِ مصابيحِ الميلادِ
فيُذكّرُني أعياداً ما فَتِئتْ تتوهجُ في فَلَكِ الأسحارِ
( ما أقساها ذكرى تتوضأُ بالنارِ )
( ما أقساها من ذكرى )
أطفيءُ فيها حسراتِ النفسِ الظمأى.
يا سارقَ أفراحي يا عيدُ
بالغتَ فضاعفتَ مساحةَ أحزاني يا عيدُ !!
- 3 -
مجرى دمع الشمعِ عيونُ رقيبٍ يترصّدُني في بابي
يحملُ سرّاً ذكرى ورسائلَ أحبابٍ غابوا…
درسوا أَثراً مختوما
بالشمعِ المصهورِ على صفحةِ قرطاسٍ من ماءِ
يجري أكبرَ من ظلي طولا
أعلى من سمتِ بيوت مجوسِ النيرانِ
أتوسّلُ بالشمعةِ أنْ تقرأَ حزنَ مرايا أحداقي
أنْ تسرحَ في طقسِ غريبِ طيوفِ الأنوارِ
ساعةَ أن يُضربَ ناقوسٌ في الدورِ
حيثُ الأصداءُ الصمّاءُ
تتوسعُ أمواجاً أمواجا
في معدنِ هزّاتِ الناقوسِ الملطومِ
تتناوحُ في جسدٍ مصلوبٍ مفصولِ الرأسِ
فالرومُ تحاصرُ أقصاها
والرومُ تعلّقُ في شجرِ الزيتونِ ضحاياها أجراسا.
- 4 -
أسمعُ صوتا
أسمعُ صوتاً عذْبا
يتسربلُ بالموسيقى جهرا
يرفلُ بالبهجةِ والغربةِ والسحرِ
يأتيني من باطنِ مؤودِ الأجسادِ السمراءِ
يأتيني من خلف دهورِ عبيدِ الأسوارِ
من قلعةِ ربٍ سوّاني جاناً من نارِ الأسرارِ
إبليسا، مَلَكا من شررٍ فوّارِ
يلفحني بالريح القصوى.
أسمعُ موسيقى
أسمعُ صوتا في صمتِ الأوتارِ
أَبَتي ... هل تسمعُ مثلي شيئا ؟
ثبّتها نقْشا محَفورا
في لوح الطينِ وفوق صدورِ الأسرى
كي لا يتساقطَ منها حزنُ الشمعِ الذائبِ في عيدِ الميلادِ.
- 5 -
مرَّ العامُ وها إني في دارٍ خالٍ مهجورِ
أتقلّبُ فوقَ فراشِ المحنةِ معزولاً محموما
لا أسمعُ صوتَ زفيرٍ حيٍّ في صدري
أتساءلُ أين الإثمدُ في أحداقِ يمامِ الحفلِ النشوانِ الشادي
أين صفوفُ كؤوسِ الخمرةِ حيث السامرُ يأتينا
يبقى حتّى ساعاتِ الفجرِ الأولى
يتأملُ دمعَ شموعِ ختامِ الحفلِ وما جفَّ على جدران كؤوس السُكرِ
يسألُ هل في دجلةَ ماءٌ رقراقٌ جارِ
يُشفي داءً في شَفْةٍ بعدَ الخمرةِ ظمأى للماءِ ؟
يسألُ هل غابت بعد الحفلةِ سكرى ماريّا ؟
غابتْ ماريّا ...
نفقتْ في حفلِ قيامةِ عيسى مصلوبا
نفقتْ ومضتْ في ثوبِ صبيٍّ مقتولِ
تبحثُ عن قبرٍ في وطنٍ للقتلى مجهولِ.
الخميس، ديسمبر 25، 2008
مغارة بيت لحم
مفيد نبزو
— محردة -
ياعدرا ياحنونة ويا نقية
أنت النور ياأم الطهارة
ياأم الدني يا جنة تقية
من الإيمان زيدينا حرارة
لحَّتى تنمحي عنا الخطية
النجم بشَّرويامحلاالبشارة
الهدية أكبر وأغنى هدية
ولادة ربِّنا الفادي بمغارة
ومغارة بيت لحم النور منها
قدَّس أرضهاصخوروحجارة
مافيني قول وفِّي القول عنها
ويسوع الرب للعالم منارة
شوفوا المجد بالعدرا وابنها
شعشع نور إيمان وحضارة
يا عدرا منِّك حفظنا الوصية
مذاهب ما عاد بدنا وطائفية
الولادة والصلب صاروا قضية
لحتى نفرِّق الدين بعبارة
وع بيت النور والإيمان طلوُّا
جميع المؤمنين وإلك صلوُّا
ياعدرا فاض نبع الزيت كلو
اعطينا شوي جينالك زيارة .
ما أسباب البرود الجنسي في فراش الزوجية؟
امتياز المغربي
"ترددت كثير في تلك الخطوات التي كانت تقودها إلى بيت عشيقها، ولم تنسى أن تخلع خاتمها لكي لا تتذكر زوجها، وهي تمارس الحب مع شخص أخر لم تكن تهواه، ولكنها تسير إليه دائما بدافع الحاجة والغريزة لا الحب والأمان، وكثيرا ما عصفت بها مقاييس العادات والتقاليد التي كانت تجبرها على القبول بما يعطيها إياه زوجها في الفراش حتى ولو كان ذلك قليلا جدا أو باردا للغاية، ولكنها قررت أن تستمر في زواج مقنع، وان تمارس ما تشتهي من فنون الغرام مع شخص يعرف كثيرا بأمور النساء والفراش".
"لم تبتعد نظراته عنها فهي مسيطرة عليه لدرجة الجنون، قادته في إحدى الليالي إلى بيتها لكي تمارس معه فنون الحب في الفراش تحت عنوان أنها محرومة للغاية وبحاجة إلى شي غير الوسادة، ولم يفكر هو كثيرا فزوجته لا تأبه له في حضوره وغيابه، وكان من السهل أن ينساق وراء نظرات امرأة تشده إلى حيث فراش خالي من المشاكل وعامر بفنون الحب والقتال الغرامي".
كثيرا ما ذهبت بنا العادات والتقاليد إلى أماكن ابعد من تلك، لأنها تقمع رغباتنا وتنتقل معنا لفراشنا، وتجعل من معابد الحب في فراش الزوجية شيئا أشبه بدورة تدريبية شفوية بكيفية التعامل مع الأخر بأدب واحترام شديد وأحيانا مبالغ فيه، دون استخدام الغنج أو فنون الحب والجنس في فراش مخصص لذلك، ومتسع أيضا لكل ما سيدور عليه.
إن ثقافة العيب التي أحاط سوارها بالمرأة، عملت على تحجيم الرغبات الجنسية لها، خصوصا في فراش الزوجية، حيث الشرعية التي تحق لها، ولكنها وبناءا على ما تعلمته تبقى حبيسة الأفكار الرجعية، وتعيش في هاجس العيب من إصدار أي صوت داخل الفراش أو الإتيان بأي حركة، وذلك أيضا بسبب وصايا أمها التي فعلت ذلك من قبلها بكل التزام على مدار سنوات زوجها، وكأن الصمت والاختناق هو من نصيب الزوجة في الفراش دائما.
وعندما يختلي الزوج بزوجته على فراشها فانه قد يعاملها على أنها وعاء متلقي، وذلك حسب الثقافة الذكورية التي تربى عليها وجعلت منه ذكرا في الفراش، أي ثقافة"سي السيد"، غير أبها بزوجته التي لها حقوق شرعية عليه، ولكن بعض الذكور في مجتمعاتنا العربية يؤمنون بشدة بعدم إعطاء المرأة حقوقها الجنسية في الفراش، وذلك لأنها لا تستحق ذلك في نظرهم، وأنها مجرد جسد خالي من المشاعر والإحساس والغريزة، أو أنها قد تشعر بقيمتها وتتمرد عليه مستقبلا، فتبقى المرأة إلى أن تموت حبيسة مفاهيم ذكورية لا تعترف بوجود النساء كبشر.
وعندما تتجه المرأة للبوح بعدم وصولها مع زوجها إلى الإشباع الجنسي اللازم في الفراش، فإنها تتهم بأنها غير سوية وقد توجه لها تهم مخلة بشرفها، وذلك فقط لأنها طلبت حقها الذي أراده لها الشرع والدين، ولكن الموروث الثقافي يقدس في نظر الغالبية أكثر بكثير من موضوع الدين الذي يستخدمونه فقط في الصلوات ويبعدونه عن حياتهم اليومية.
ومتى عرفت الزوجة طريق رجل آخر، فإنها تقع في بئر من التخبط، ما بين العادات والتقاليد وبين الدين وقناعاتها، ولكن في النهاية الذي يغلب على أمرها هي الغريزة التي تجعلها تسير إلى بيت رجل آخر، وهي ترتعد من شدة الخوف، وشدة الحاجة إلى من يفهمها في الفراش.
وبالمقابل هناك النساء اللواتي يأخذن حياتهن كأنهن فقط خلقن لكي يحصلن على فرصة الزواج، ومن ثم الجلوس في البيت وإنجاب الأطفال وممارسة أعمال البيت اليومية، ولسان حالهن يقول "تزوجنا وخلصنا"، وللأسف من تمتلك تلك القناعات فإنها تكون غير قادرة على إعطاء الحب والإشباع الجنسي لزوجها، لأنها تعتقد بأنه لن يستطيع الالتفات إلى أخرى بسبب كثرة المسؤوليات والأطفال.
وهناك الكثير من الأزواج سواء الرجل أو المرأة الذين يخجلون من طلب ما يستحقون في فراشهم، وللأسف ينتظر كل واحد منها الآخر، أن يقوم بإغداق المشاعر والحب والغرام التي لن تأتي لأن احدهما يخجل من طلبها، وهنا نرى أن ثقافة العيب قد امتدت إلى فراش الزوجية حيث التحفظ من طلب وممارسة الحق الشرعي، ويبقى الصمت عنوان لفراش بائس جدا.
وعندما تحاول المرأة طلب حقوقها الشرعية في فراش زوجها، فإن بعض الأزواج يعتقدون أن هذه المرأة وقحة، أو أنها قد مارست الجنس مع رجل في السابق، ولكن علميا فإن الرجل يحتاج في فراش الزوجية إلى امرأة ماهرة في أمور الإشباع الجنسي، فهو يريد امرأة مؤدبه أمام كل الناس، ولكن يريدها أمامه عاهرة إلى درجة كبيرة.
وهناك الأزواج الذين يتعقدون أنهم بارعون في إشباع رغبات زوجاتهم، وأنهم يحسنون الأداء في الفراش، ولكنهم يتناسون الجانب الإنساني والعاطفي في الفراش الذي قد يكفي المرأة أحيانا، ويجعلها تشعر بالراحة الكاملة، ولكن الثقافة السائدة تقول أن الإشباع الجنسي هو المطلوب فقط، وهذا الخطأ بعينه.
ولن أنسى أن أشير إلى الأزواج المتقدمون في العمر، عندما يقوم كلا الزوجين أو احدهما بهجر الآخر، وذلك لان ثقافة العادات والتقاليد تأمر الزوجين الكبار في السن وأحيانا اللذان لم يتجاوزا الخمسين عاما، بالابتعاد عن بعضهما، وذلك بحجة أنهم تزوجوا فقط لإنجاب الأطفال، وألان انتهت المهمة، ويجب التوقف عن ممارسة الحب والجنس في الفراش.
وهناك أسباب أخرى من شأنها أن تعمل على جعل فراش الزوجية، ثلاجة مقفلة لا تشعرك بأي نوع من الحب والدفء والحنان والأمان، ولأن مقالي لا يتسع لذكر كل هذه الأسباب التي تتسبب في وجود فراش بارد جنسيا.
وانهي مقالي بالقول لو لم يخضع كل من الزوج والزوجة لثقافة العادات والتقاليد خلال التعامل مع بعضهما في فراش الزوجية، وترك كل واحد منهما الآخر على سجيته، لكان هناك زوجان رائعان، يعكسان سعادتهما في الفراش على كل ما يحيط بهما، ولقلة أوراق الطلاق التي تزدحم بها ملفات المحاكم، ولعاشت الأسرة في وضع نفسي متزن.
أنت أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة، ماذا تخسران لو اشترى كل واحد منكما باقة من الورد ولو مرة واحدة في السنة وقدمها للآخر، واستغني عن فكرة بثمن الورد نشتري تموين المنزل.
emograbi@yahoo.com
أمريكا الأخرى و"البتراء - جدل الإنسان والطبيعة لهاني الحوراني
شارك هاني الحوراني في بينالي القاهرة الدولي الحادي عشر، والذي افتتح قبل أيام، بعملين تركيبيين من الفوتوغراف، حملا عنواني: "أمريكا الأخرى" و "البتراء- جدل الإنسان والطبيعة". وقد عبر العملان عن رؤية الحوراني لموضوعة "الآخر"، الذي شكل محور أعمال البينالي، وذلك من خلال جداريتين ذات مقاييس كبيرة (280 (160 x سم، حيث الآخر هو انسان تارة أو الطبيعة في تارة أخرى.
لوحة فسيفسائية من الصور عن "الشارع الأمريكي"
في عمله الأول
"أمريكا الأخرى" استفاد هاني الحوراني من دعوته للمشاركة في مسيرة كبرى ضد الحرب الأمريكية على العراق، جرت في العاصمة الأمريكية واشنطن في آب 2006، حيث قام بالتقاط مئات الصور الفوتوغرافية للمشاركين في المسيرة، وجرى اختيار 71 صورة تعكس جوانب مختلفة من تلك التظاهرات من أجل التعرف على وجه آخر لأمريكا، وهو الوجه الذي طمسته سياسات البيت الأبيض في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان. تبدو الجدارية الضخمة كما لو أنها لوحة فسيفسائية من الصور الفوتوغرافية بحيث تشكل كل صورة (قياس 9 x13 سم) وحدة واحدة من حوالي اربعمائة (400) وحدة تكونت منها الجدارية. وتركزالجدارية على وجود رأي عام أمريكي آخر، يرى نفسه ضحية لهذه السياسات ويقف مواقف تضامنية من الشعب الفلسطيني والعراقي، ويعكس رؤية تقدمية وإنسانية مناهضة للحرب واطماع استراتيجية واقتصادية في المنطقة.
تتألف جدارية "أمريكا الأخرى" من عشرات المصفوفات من الصور التي تتراصف بأعداد كبيرة لتظهر الرؤية النقدية السياسية والاجتماعية لفئات متنوعه من المجتمع الأمريكي في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وغيرها من مناطق العالم. كما تعكس فهماً عميقاً للمصالح الطبقية التي توجه سياسات البيت الأبيض، في عهد الرئيس جورج بوش، اي مصالح احتكارات النفط والسلاح، والتي تحققها من خلال الادارة الأمريكية ومواقفها العدوانية والعسكرية.
عمل فني أم بيان سياسي؟
وفي هذا الصدد يفسر هاني الحوراني اختياره موضوعاً سياسياً بامتياز كأحد موضوعات مشاركته في بينالي القاهرة، فيقول: على عمله الأول "أمريكا الأخرى" بقوله: حينما كنت أشارك في المسيرة الأمريكية المناهضة للحرب على لبنان والعراق، لم يكن يدور في خلد هؤلاء المحتجين أن صوتهم سيرجح بعد عامين، ليصبح هو الصوت السائد في الولايات المتحدة. كانت القوى المؤيدة للسلام والتقدمية والنقابات العمالية والمثقفين في الولايات المتحدة مشتتة وتفتقر الى القيادة السياسية، وكان الحزب الديمقراطي في أسوأ أوضاعه. لكن هذا لم يمنع هؤلاء من التكاتف والعمل معاً من أجل تشكيل رأي عام مضاد للحرب ولسياسات بوش.
ويضيف الحوراني: خلال عامين فقط تمكن لهؤلاء المتظاهرين المناهضين لسياسات اليمين الأمريكي من اسقاط المرشحين الجمهوريين وإيصال باراك اوباما وأغلبية من الحزب الديمقراطي. ان هذه الجدارية هي تحية من العالم العربي الى أولئك الذين صنعوا التغيير في أمريكا، وهي تذكير لنا بأن التغيير ممكن في العالم العربي، حتى وإن كان أصعب مما هو في الولايات المتحدة . أن ما يبدو بعيد المنال الآن قد يصبح حقيقة في المستقبل القريب.
وحول الطابع السياسي لمشاركته في البينالي يقول الحوراني، ان الفن لم يعد يتجاهل قضايا الشعوب في ظل العولمة والظلم الاجتماعي والاعتداء على البيئة والحروب، ولذلك من الطبيعي أن يقدم الفن، وخاصة التصوير الفوتوغرافي شهادته في هذا المجال.
جدارية البتراء
وحول جدارية "البتراء - جدل الإنسان والطبيعة"، يصف الحوراني هذا العمل بقوله ان الصورة النمطية للبتراء، هو المعمار الفريد الذي خلفه أجدادنا الأنباط على سطوح الصخر الوردي في جنوب الأردن، ولقد أردت من هذا العمل أن أبرز الوجه الآخر للبتراء، أي عظمة الطبيعة ذاتها، من خلال ترصيف عشرات الصور التي تبرز التنوع الهائل لجمال السطوح الصخرية، والتي شكلت البيئة الحاضنة للعمائر والحضارة النبطية.
لقد عملنا في الأردن من قبل على ابراز جمال الخزنة والمعابد والمدرجات والمظاهر المعمارية المختلفة لحضارة الأنباط. لكن الجدارية تلفت الانتباه الى المحيط والبيئة التي تعامل معها الأنباط. أي "المادة الخام" التي أحاطت بهم، والتي تعاملوا معها وهم ينحتون مدينتهم الخالدة. وبكلمات أخرى فإن الجدارية تظهر ذلك الجانب من الحوار الذي أداره الأنباط مع بيئتهم الطبيعية. هنا "الآخر" ليس انسان آخر، انما هو الطبيعة او السطوح الصخرية التي تغلف المنطقة التي انبعثت منها حضارة الأنباط.
وتتألف جدارية البتراء ايضاً من 436 صورة تغطى ما مساحته 3 x 1,8 متر.
يذكر أن الأردن يشارك في بينالي القاهرة الدولي الحادي عشر من خلال تشكيليين اثنين هما محمد الجالوس وهاني الحوراني، وذلك من اصل 84 فناناً ينتمون الى 45 بلداً. ويعرض الحوراني أعماله الفوتوغرافية منذ عام 1996، حيث أقام 13 معرضاً شخصياً لأعماله في عمان والبتراء وقطر وسورية والسويد والولايات المتحدة ومصر.
وأعماله مقتناة من دارة الفنون والمتحف الوطني في الأردن، وفندق موفينبك العقبة. اضافة إلى عشرات المؤسسات والأفراد في العالم العربي والولايات المتحدة.
وهذا وتعرض جداريات هاني الحوراني في قاعة أفق 1، وهي أحدث وأضخم صالة عرض تابعة لوزارة الثقافة المصرية، إلى جانب جناح اسبانيا، البلد الضيف على بينالي القاهرة لهذا العام.
حشد كبير في حفل توقيع كتاب ذاكرة الاسر للكاتب راسم عبيدات
اقتراح ترجمته عالميا
القدس-
اشاد سياسيون ومثقفون فلسطينيون الثلاثاء 23-12 بكتاب – من ذاكرة الاسر- للاسير المقدسي الفلسطيني المحرر راسم عبيدات الذي يرصد لظروف الاسر في المعتقلات الاسرائيلية عبر عقدين من الزمان هما تجربة السجن والاعتقال التي خاضها الكاتب على جلدة من خلال تنقله عبر محطات اعتقالية عديدة.
واجمع المتحدثون على ان الكتاب عبارة عن شهادات تسجيلية حية نادرة لم يجر تسجيلها او تدوينها من قبل بهذه الحميمية والشفافية وما تكتنزه من صور ومعان نفسية واجتماعية وسياسية مهمة.
واعتبر ابراهيم جوهر الناقد الادبي المعروف في حفل التوقيع على الكتاب قي قاعة مدرسة المطران في القدس ان الاحتفاء بالكتاب والكاتب هو مظهر حضاري مهم في ظل تراجع عادة القراءة والاهتمامات الفارغة للاجيال الجديدة. فيما دعا الكاتب راسم عبيدات الى ايلاء الاسرى كل الاهتمام السياسي والنضالي والتضامني وعدم توقيع اية اتفافيات مع الجانب الاخر قبل اطلاق سراحهم وتحريرهم جميعا من قيود الاسر والاعتقال الاسرائيلية الدامية والتكفير عن الخطأ الاستراتيجي في هذا المجال . واضاف ان الكتاب هو صرخة عالية لاستذكار نضالات وتضحيات ابطال الحركة الاسيرة الذين كانوا وما زالوا الشموع التي تضيء درب النضال الفلسطيني الطويل والمعمد بدماء الاسرى والشهداء.
وهاجم عمر شحادة مدير مؤسسة الهدف السياسة الرسمية الفلسطينية التي اجلت بحث ملف الاسرى وجعلته مجالا للمساومة مع طرف معاد لا يحترم انسانية الانسان والمناضلين من اجل الحرية والاستقلال. وتحدث مطولا عن الواقع السياسي الفلسطيني الراهن،وقال بأن حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين جناحي الوطن يجب أن تنتهي،وأضاف بأن الخروج من هذا المأزق غير ممكن دون الحوار الوطني،ودعا شحادة الى ضرورة وقف المفاوضات العبثية التي لم تثمر شيئاً،بل زادت وفاقمت من حالة الانقسام الداخلي،وكذلك هذه المفاوضات شكلت غطاء للإحتلال من أجل مواصلة سياسة التهويد والأسرلة،ودعا الى أوسع حملة تضامن مع أسرى شعبنا الفلسطيني ،وقال بان أبطال شعبنا هم الناس البسطاء من عمال ومهندسين ومثقفين ومدرسين وغيرهم،وراسم عبيدات واحد من هؤلاء الأبطال،والذي ظل وفياً لأسرى شعبنا،وكذلك هو صاحب القلم الحر،والذي لم يبع قلمه أبداً وما قام به من جهد في عملية توثيق لحياة أسرى شعبنا ومعانياتهم في سجون الاحتلال،هو خطوة نوعية لم يقم بها أي باحث أو مؤسسة من قبل ،وهذا الكتاب يستحق وجدير بالقراءة أكثر من مرة ،لما تضمنه من معلومات قيمة وجهد نوعي على درجة عالية من الأهمية.
وهنأ حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الكاتب عبيدات على كتابه المفيد والحيوي في رصد وتسجيل مواقف ذات دلالات معينة جرت وقائعها داخل اسوار المعتقلات الاسرائيلية. وطالب كل من له تجربة مفيدة وذات ابعاد ودلالات ان يسارع الى توثيقها لانها بمثابة التاريخ الحي لشعبنا الفلسطيني الذي ذاق في غالبيته مرارة الاسر وتكبيل الحريات.
وقال هاني عيساوي احد النشطاء السياسيين المقدسيين ان لا احد يدرك اهمية كتاب من هذا النوع الخاص الا الاسرى انفسهم ومن ذاق مرارة الاسر من قبل . واعتبر العمل الذي نشر على شكل مقالات في جريدة القدس، قطعة ادبية وجدانية وانسانية تصور باسلوب جميل وممتع ما يجيش في خواطر وهواجس الاسرى الفلسطينيين المكبلين ومغلولي القيد وفاقدي الحرية في ظل ممارسات تعسفية استفزازية خطيرة.
وأضاف العيساوي في كلمته،أن أهمية هذا الكتاب وقيمته،أنه لأول مرة في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية،تجري عملية توثيق لواقع وتجارب الحركة الأسيرة بهذا الشكل،وهذا الكتاب يشكل اضافة نوعية،ومهم أن تقوم وزارة التربية والتعليم بالعمل على تدريسه للطلبة،كي يقفوا على حقيقة وواقع أسرانا وظروفهم في السجون الاسرائيلية،وطالب المؤسسات والمراكز التي تعنى بشؤون الأسر بالعمل على رصد وتوثيق تجارب الحركة الأسيرة منذ عام 1967 وحتى اللحظة الراهنة.
وحيا الاسير المحرر محمود الصفدي الكاتب عبيدات على كتابه المتميز الفريد من نوعه على الساحة الفلسطينية. وقال ان الاسرى تلقوا بفرح غامر الكتاب واعتبروه وساما على صدورهم لانه ينقل بصدق وامانة انسانيتهم ومواقف صمودهم الرائعة داخل السجون دون تهويل او ادعاء بطولة زائفة بل رصد وتسجيل دقيق لاحلام وطموحات المعتقلين كبشر وكمناضلين لهم اشواقهم واحلامهم مثل غيرهم من فئات الناس. وطالب بترجمة الكتاب الى لغات عالمية حية حتى تقف الشعوب الاخرى على معاناة واحلام مناضلينا واسرانا البواسل.
وحضر حفل توقيع الكتاب جمهور غفير من الكتاب والمثقفين والسياسيين المناضلين اضافة الى عدد من مربيات الاجيال والمثقفات والأمهات الفلسطينيات واهالي الاسرى المقدسيين،ومما تجدر الإشارة اليه أنه صدر للكاتب في حزيران 2007 ،كتاب آخر بعنوان"صرخات في زمن الردة".
ونطفئ الشموع
عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com
كل عام ، ونحن نحتفل بذكرى اليوم الذى ولدنا فيه ،
نهتم : بأن تقف أمامنا صف من الشموع الصغيرة ، الموقدة
شموع ذهبية حارة ، ومفعمة بالحياة
وبعد لحظات عابرة ، نطفئها ؛ فيتبدد مجدها ! ،
وتتبدد الإجابة عن تساؤل :
لماذا نطفئ هذه المعالم المضيئة ،
التى كانت منذ لحظات تعبّر عن سنوات مضت من عمرنا ؟!
هل لكونها :
ترمز لسنوات عمرنا ؛
فيشفق الإنسان على نفسه ،
وهو يرسل من أعماقه موجات من الهواء الدافق ،
تأخذ بناصية الشموع ،
فتتوقف عن الاحتراق ؛
فلا يرى رمز نهايته ؟!
أم لأننا :
لا نريد أن نرى الأيام الماضيات :
خطاً حزيناً من شموع باردة ، وذائبة ، ومحنية ؛
فمرآها يبعث الشجن فى نفوسنا ،
ويشقينا أن نذكر نورها الأول ،
وبكل الأمل ننظر قدماً ،
وننتظر للعيد التالى ،
وشموع أخرى نوقدها ؟!
لقد أعطينا للشموع حق التعبير عن أفراحنا ،
وحق التعبير عن سنوات عشناها ،
فلماذا لا نعطيها حق الحياة ،
حتى ولو كانت حياتها : موتها ؟!
فموتها ، مسيرة عطاء
وعطاؤها ، مسيرة بذل
ولنعلم :
أنه كما لا يمكننا أن نطفئ ماضينا ،
الذى يمنح ذاكرتنا الحياة ،
والنور للمستقبل
فلن نتمكن يوماً من كبت نور شمعة اطفأناها ؛
إذ يرتحل شعاعها ملايين السنين فى الفضاء ،
حيث يمكن أن يلتقط ، ويشاهد
وهذا ما أثبته العلم الحديث
وأثبته قبل ذلك ، سفر الخلود
القائل :
بأن الإنسان لا يملك القدرة على أن يفنى شيئا ً !
الأربعاء، ديسمبر 24، 2008
ماذا تعني لنا دار نشر؟
د. حبيب بولس
في عدد من الندوات التي أقيمت ضمن شهر الثقافة الذي يقيمه بيت الكرمة طرحت العديد من الأسئلة التي على ما يبدو تشغل بال مبدعينا, وذلك لخصوصية الموقع وخصوصية المرحلة. من هذه الأسئلة التي احتلت مركز الصدارة في الندوات المشار إليها سؤال: ماذا تعني لك ككاتب أو كشاعر دار نشر؟ وسؤال آخر على جانب كبير من الأهمية هو: هل هناك أزمة قراءة في وسطنا العربي؟ وان وجدت هل هي أزمة محلية خاصة أم عربية عامة؟
وعدا هذين السؤالين نبعت أسئلة كثيرة على نفس الخلفية, منها أسئلة تتعلق باتحادات الكتاب, ودائرة الثقافة, ومناهج التعليم, وقضية النقد, ودور وسائل الأعلام وغير ذلك الكثير الكثير.
*في هذا المقال سأحاول الإجابة عن أحد هذه الأسئلة مرجئا الإجابة عن الأخرى إلى مقالات قادمة, الإجابة سترتكز على معطيات مسحوبة من واقع الحركة الأدبية المحلية والعربية وربما العالمية, وهي ستتأسس على الأسئلة المركزية مع محاولة لضم الفرعية منها ضمنها, مع لفت النظر إلى أن الإجابة مهما ستطمح إلى الصحة لن تكون شافية جامعة مانعة وإنما ستكون مساهمة فردية تعبّر عن قناعة معينة بالنسبة للأسئلة المطروحة علها تثري النقاش أو علها تفتح بابا كما ذكرت لإخصاب هذا النقاش وبالتالي للوصول إلى حل يمكن أن يخرج الكاتب أو الشاعر من هذه الإشكالية التي تكبس على صدره لينطلق محلقا في أجواء عالمه الأدبي, دون أن يحمل عبء النشر وعبء التوزيع, وكلاهما عبء ثقيل يعيق الخلق والإبداع.
* إذن السؤال الذي سيدور عليه هذا المقال هو: ماذا تعني لك كأديب دار نشر؟
*بداية أقول أن مجرد طرح سؤال كهذا وبإلحاح يشي بوجود إشكالية قائمة بين الأدباء من جهة ودور النشر الموجودة من أخرى. وهذا شيء طبيعي فالأديب بالنسبة لعملية النشر طرف ودار النشر طرف آخر, وكلاهما يبحث عن نفس الشيء من خلال الآخر. فالأديب يسعى من خلال دار النشر للانتشار الواسع والشهرة والربح المادي ودار النشر تسعى من خلال الأديب إلى نفس الغرض مع تغليب الربح المادي. ومقارنة بسيطة مع ما نجده في الوسط اليهودي والغربي نجد أن دار النشر تعني هناك الشيء الكثير بالنسبة للأديب, إذا كلما ازدادت دار النشر شهرة كلما تعلقت عينا الأديب بها وازداد طموحه للوصول إليها. ودار نشر تصبح لها مثل هذه الشهرة أو العالمية تصبح دار نشر انتقائية تنتقي ما ترتايه مناسبا يتجاوب مع مبادئها وأهدافها. ودار نشر لها مثل هذه الشهرة أيضا تعرف تماما ماذا تنتقي لأنها تعرف تماما ما الذي يرغب فيه قراؤها, هذا من جهة, ومن جهة أخرى دار نشر كهذه تكون قد وصلت إلى مثل هذه الشهرة بعد تجارب عديدة منها الربح والخسارة والنجاح والفشل حتى صار لها مجسّات تحس وتختبر وتعرف لأنها أصبحت كذلك صارت هي بدورها دار نشر لها خصوصياتها تختصّ بنشر نوع خاص من الكتب ترى إلى أهميتها من جهة, والى فائدتها التي تعود عليها من أخرى, ولذلك صار لهذه الدور جمهور من القراء له ذوقه الخاص واهتماماته الخاصّة التي يتوقع أن يجدها في هذه الدور.
* تأسيسا على ما تقدم, وانطلاقا مما ذكر أقول: إن دار نشر أي دار نشر, تعني لي, تلك الدار التي تبحث عن الكتاب الجيّد لتنشره وتوزعه على القراء والمكتبات العامّة والخاصّة, هذا الأمر يتم عن طريق تكوين لجنة مختصة تحتوي على عناصر مختلفة من ذوي الاختصاصات. هذه اللجنة يعرض عليها الكتاب المنتخب فتقراه وتتداول المشورة حوله فان أوصت به
بدا العمل على إخراجه للقراء. وبعد طباعته تبدأ دار النشر بالدعاية له والترويج, وبعدها يتم توزيعه على المكتبات والقراء إن كان ذلك عن طريق البيع المباشر او عن طريق الاستمارات, وحتى يتم البيع والتسويق بالشكل الناجع هنالك طرق عدة منها التنزيل ومنها الندوات التي تعقد حول الكتاب وما إلى ذلك.
ومن الطبيعي قبل كل ذلك أن يكون قد تم الاتفاق بين دار النشر والكاتب على حصته المادية, وبهذا تكون دار النشر قد جنّبت هذا الكاتب (ذل السؤال والتسوّل). فكم من كتاب جيد لكاتب جيد ما زال يحتفظ به في إدراج مكتبه ينتظر أن يرى النور!! وكم من كتاب جيّد طبعه صاحبه وعلى نفقته الخاصة- رغم ضيق الحال- ولم يوزع كاللازم ولم تصل فائدته التي كان يرجوها للآخرين.
* ويندرج مع ما تقدم دور اتحادات الكتاب ودائرة الثقافة, فاتحادات الكتاب لم تقم فقط للندوات والوفود المسافرة والمستقبلة ولم تقم لإقامة الاحتفالات للأحياء والأموات- وهو دور مهم لا شك في ذلك- وإنما دورها الكبير والأساس يكمن أيضا في إصدار الكتب وتوزيعها رغم قلة المصادر المادية. وهذا هو أيضا دور دائرة الثقافة وللحقيقة أقول انه لولا وجودها لما شهدنا هبة كالهبة التي نراها اليوم. ورغم ما نسب إليها من التسيب في نشر الكتب لان معظمها ينشر بلا مراجعة أو اطلاع عليها, تظل هذه الدائرة هي الرائدة اليوم في هذا المجال. أما التسيب فعلاجه موجود عند القراء والنقاد وعن هذا ستكون لنا وقفة أخرى.
* والسؤال الذي يرتفع الآن بعد هذا الحديث, هل تقوم دور النشر عندنا بدورها الذي بينته سابقا؟ الإجابة عن هذا السؤال تكون من باب السخف, فكلنا يعرف أنها بعيدة جدا عن ما ذكرت. والأسباب التي يطرحها أصحاب هذه الدور كثيرة: منها قلة المصادر المادية, ومنها من يضمن لهذا الكتاب الذي تنشره البيع الصحيح والربح المادي, فهي كدار نشر بالتالي دار ربحية. ولكن على دور النشر هذه في رأيي أن تأخذ دورها الوطني ولو أدى هذا الدور إلى الخسارة المادية أحيانا, فهنالك ما يعوضها من الكتب الأخرى التي تباع بكثرة هذه الأيام.
* وثمّة صرخة أود أن أطلقها في هذا المجال, وهي أين دور مؤسساتنا الوطنية؟! أين المتموّلون العرب وهم لا بأس بعددهم عندنا؟ أين دورهم في دعم أدبنا المحلي؟ لماذا لا يكرّس الواحد منهم مؤسسة أو فردا مسابقة سنوية, الفائز فيها يطبع كتابه مجانا وينال قسطا من المردود المادي. أو لماذا لا يشتري الواحد منهم كمية من الكتب المحليّة ليوزّعها على موظفيه أو عماله بدلا من التهافت على شراء هدايا تقليدية مكرورة ملّ منها الموظفون والعمال. هل هناك أجمل من مجموعة كتب تهدى في المناسبات؟ وهل هناك عمل أكثر فائدة من ذلك؟
ثمّ كيف السبيل والسعي إلى إقناع الناس بأهمية أدبنا المحلي؟ وهي مسالة تبتغي موقفا أطول؟!
* في رأينا كلنا مقصّرون. أبدا بنا نحن الأدباء فنحن لا نحترم إنتاجنا أي أن واحدنا لا يحترم إنتاج زميله, بل نراه إذا سمع عن إنتاج جديد له حتى قبل أن يقرا هذا الإنتاج يروح يقلل من قيمته ويهاجمه ويسخر منه, وهكذا.. وهكذا.
* أعزائي: إذا كنا نحن لا نقرأ أدبنا فكيف الآخرون؟ وماذا نقول لهم؟! إذا كنا نحن لا نحترم بعضنا فكيف الآخرون؟! من هنا أرى إلى ضرورة أن تأخذ دور النشر واجبا وطنيا وأن تأخذ مؤسساتنا ومتموّلونا هذا الدور أيضا. ومن هنا علينا نحن أصحاب هذا الهم أن نسعى إلى احترام أدبنا وأدبائنا. حيث أنه إذا أخذنا هذا كله على محمل الجد وصلنا. وان لم نأخذه فسنظلّ ندفع الضريبة وهي باهظة باهظة.
* أعرف أن كلامي هذا ثقيل من الصعب تنفيذه كله. ولكن الهمم والعزائم الصادقة لا تعرف ثقلا وأخذ القليل خير من ترك الكثير وبالله التوفيق
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com
مجـلة الشـعر – عدد ينـاير 2009
في أول يناير، يصدر العدد (132) من مجـلة الشعر، المصرية، الفصلية، التي تصدر عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، يضم هذا العدد قصائد ودراسات، لشعراء ونقاد من الوطن العربي، ومن المهجر، وترجمات شعرية من ألمانيا وأستراليا وبيرو.
في باب (تأويل)، نشرت المجلة ثماني دراسات حول الشعراء والأجيال والدواوين، حيث كتب د. صلاح فاروق دراسة بعنوان (بنية التجاور والتصوير الحسِّي عند شعراء السبعينيات) تناول فيها أعمال عشرة من شعراء السبعينيات من الوطن العربي: محيي الدين اللاذقاني- أحمد الحوَتي- أمجد ناصر– محمد آدم- وليد منير- جمال القصاص- مريد البرغوثي- محمد صالح- فريد أبو سعدة- محمد سليمان.
وكتب عبد اللطيف الأرناؤوط، عن "المنفى والغُربة في شعر الشاعر العراقي يحيى السماوي". وتناول الدكتور حسن فتح الباب ديوان "شلالات الضوء" للشاعر المصري الدكتور يوسف نوفل، وتناول الدكتور حاتم الصكر ديوان "قديمًا مثل هيباشيا" للشاعرة العراقية سهام جبار. وكتب الدكتور محمد السيد إسماعيل، عن ديوان مصطفى عبادة "لكنَّ التراجيديا غلبتني"، وتناول سعيد نوح ديوان "لزمن لن يراني" للشاعر السعودي عبد الوهاب أحمد. أمَّا الكاتب عويس معوَّض، فقد تناول ديوان "فقط يتأمَّل القارب" للشاعر صلاح جاد. وتناول وائل السِّمَري ديوان "عروس" للشاعر السوري ماهر شرف الدين.
والتقى في باب (النصوص) الشعرية 26 شاعرًا، هم: فريد أبو سعدة- محمد محمد الشهاوي- محمد السيد ندا- عزمي عبد الوهاب- هشام الصباحي- فرانسوا باسيلي (مصر- أمريكا)- خالد الحلِّي (العراق- أستراليا)- جميل محمود عبد الرحمن- إيهاب خليفة- أمجد ريان- محمود مغربي- مروة فاروق- شريف الشافعي- محمد جاد المولى- طه علي محمود- نادي حافظ- طارق الطيب (السودان- مصر- النمسا)- أديب كمال الدين (العراق- أستراليا)- كمال علي مهدي- سعد القليعي- محمد قاياتي- التجاني بولعوالي (المغرب- هولندا)- سارة سالم- الحسين خضيري- عبد الله المتقي (المغرب).
وضم العدد ملفًّا عن الشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة، بعنوان (نصف قرن من الإبداع)، أعدَّه وقدَّم له: عبد الناصر عيسوي. يضم دراسات تتناول عطاءه الإبداعي والنقدي، شارك فيه بالكتابة: عبد الناصر عيسوي، فكتب: "أبو سنة.. نصف قرن من الإبداع"- وكتب د. محمد عبد المطلب "أبو سنة.. الشاعر المغترب"- وقام بتغطية ندوة مجلة الشعر عن أبو سنة: أشرف عويس- وكتب د. محمد نجيب التلاوي "ثنائيات التماثل والتضاد في ديوان: رماد الأسئلة الخضراء"- وكتب د. عبد الحكم العلامي "أبو سنة: وَرْدٌ لكل الفصول"- وكتب محمد أبو المجد "تحولات القرية.. صانعة الشعر والأزمة". كما ضم الملف مختارات شعرية للشاعر محمد إبراهيم أبو سنة.
وفي (أسئلة الشعر): حاورت المجلة الشاعر محمد محمد الشهاوي، عن رحلته الإبداعية، أجرى الحوار: محمود شحاتة.
وبرحيل شاعر العامية المصري، وصاحب دار نفرو للنشر، محمد الحسيني، منذ أيام قليلة، عن عُمر 49 عامًا، بعد صراع مع المرض، تناول الدكتور عمَّار علي حسن، في باب (عطر الأحباب) شخصية محمد الحسيني، بعنوان "البرج العالي"، وضم هذا الباب شهادة شعرية للشاعر الراحل، ومختارات من قصائده.
وفي (ديوان العامية): التقى ستة شعراء، هم: طاهر البرنبالي- أشرف عزمي- طارق فراج- محمد حسني إبراهيم- عبد اللطيف مبارك- السيد الجنيدي.
ويضم باب (خارج الحدود) ترجمات شعرية من ألمانيا، حيث قام المترجم عبد الوهاب الشيخ بإعداد ملف عن الشعر الألماني الحديث. وترجم الشاعر والمترجم العراقي المقيم في ألمانيا- مختارات شعرية للشاعرة الألمانية هيلدا دومين. كما يضم الباب شاعرة من أستراليا، حيث قام الأديب والمترجم اللبناني حبيب فارس، المقيم في أستراليا، بترجمة مختارات للشاعرة الأسترالية أودغيرو نونيوكول، وهي أول شخص أسترالي الأصل يُنشَر لها ديوان. كما ترجمت الشاعرة فاطمة ناعوت، قصائد للشاعر ميجيل آنخيل ساباتا، عن الإنجليزية، وهو شاعر من بيرو، مقيم في نيويورك، يكتب بالإسبانية والإنجليزية.
و"خارج السرب" ختم رئيس التحرير صفحات المجلة، بمقاله "السلفيون قادمون".
مع العدد هدية مجانية كتاب "المازني.. أديب فوق العادة" للأستاذ الشاعر نشأت المصري.
مجـلة الشعر، يرأس مجلس إدارتها الأستاذ أحمد أنيس، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ويرأس تحريرها الشاعر فارس خضر، ومدير التحرير الشاعر عبد الناصر عيسوي، وسكرتير التحرير الشاعر أحمد المريخي. والمدير الفني للمجلة: الفنان التشكيلي والمخرج الصحفي مدحت عبد السميع. وقام بتنفيذ العدد: حسام عنتر. وغلاف العدد والرسوم الداخلية، مقاطع من أعمال الفنان العالمي هنري ماتيس.
الثلاثاء، ديسمبر 23، 2008
العزفُ بالمخالب
سامي العامري
--------------
عيد
*******
يا أيها العيدُ نعمْ
نعمْ كما يجبْ
أهديكَ مِثلَ كلِّ مرةٍ
بسمةَ أشعاري
وأنتَحِبْ !
******
تنفُّس
*****
بعد أن عزفتُ صمت الدقائق
ظللتُ أدهنُ جِلدََ الهواء بالخدوش
ذلك لأني أريد النفاذ , المرور كنحلةٍ
أو شمعةٍ أو قطارٍ بطول غيمة أطلسية
أو حتى بطول سمكة!
******
أحداق
*****
كم قد تمنَّيتُ لو لاحت أغاني صِباً
فهل يُبيحُ الذي قد فاتني الآتي ؟
هذا سِراجي الى الأرضينَ أدفَعُهُ
دفْعَ الخُزامى مَشوقاً مثل صرخاتِ !
إنْ ضقتُ ذرعاً فما لي ما يُطَبِّبني
إلاّكِ يا نبعَ أحداقٍ مريضاتِ !
*************
رصد
*****
لكي تُعَدَّ ناقداً مُبَرِّزاً
او كي يَعدّوكَ أديباً مَرجِعاً او مدرسهْ
بادِرْ لمَدْحِ شاعرِ المؤسَّسهْ !
*************
مراكز
*****
يا مراكزُ يقتتلون عليها
طَمَعاً بالوجاههْ
لِمَ أنتِ مُتَبَّلَةٌ بالتفاههْ !؟
*************
بلا جدال
*****
ما دُمْتَ صديقاً لتفاصيلَ صغيرهْ
وهمومٍ في الروحِ أثيرهْ
فستُضْطَرُّ لأن تَقْبلَ ما تعرضُهُ الأيامُ عليكَ
بدونِ مُجادلةٍ : اليأسَ المتواصلْ
ذاكَ جديدُ بضاعتِها
وهو عتيقٌ يا ابنَ الناسِ فَفيمَ تُجادلْ !؟
*************
نخبك
*****
عَناءٌ ... ثناءٌ
هَوانٌ ... جُمانٌ
فِراقٌ ... دِهاقٌ
وأموتْ
على مَذْبحٍ مِن نَبيذٍ وتوتْ !
--------
فرانكفورت
1993
*************
تجاورٌ
*********
هل ثَمَّةَ مَن يطرقُ رايةً ؟
صدىً :
لكنَّ الدربَ خالٍ ...
بَكيا زُهاءَ غابتَين :
روحٌ تتَصَدَّعُ جَرَّةَ نسائم
وأُخرى تُخرِجُ من أعماقها حريقاً ,
تتملّى فيهِ فتَذوب !
--------
بايرن
1988
*************
حلقة
*****
أيها الحُبُّ أنتَ الذي بكَ أعتصمُ
وإلاّ فمَن مُبعِدي عن زماني
وضيقِ كياني ؟
ولأيِّ النبؤاتِ يُنتَدَبُ القلمُ !؟
*************
كولونيا – 2008
alamiri84@yahoo.de
لذة اسمها أنت
الهام ناصر
.............
تستحضرني,مع المطر..
أعود مع الغيومِ, داخل حبة المطر
أتدفق من فمِ الغيمة,من بطنها,من جوارحها,.. أتزحلق على نافذتك ماءً ونسمة باردة.
أتسلل من شقوق النافذة لحناً وريحا هادئة, خوف إيقاظ حنان وجهك النائم.
أعبث في أوراقك, أداعب ثيابك المعلقة على المشجب, ألاعب ملاءتك,
أدغدغ أطرافك,واستمتع باختراقي لخصوصيتك,لأسرارك المحفوظة بين طيّات أغراضك الشخصية.
كريم ما بعد الحلاقة المعطر والمثيرة رائحته للغرائز الأنثوية التي تغزو أنفي كلما زارني ثغرك,
وتٌسارع في احتقان مشاعري وانجذابي إلى تقبيل الوسامة المتسربة من ذقنك.
ورغوة الجسم ذات الرائحة النفاذة التي تملأ الهواء شحنات إثارة وانتعاش يهزمان غرور أنثى, يشدّانها عن بعد أمتار,,
أزرار القميص, فرشاة شعرك, ومقلّم الأظافر, كلٌّ يصلّي في مكانه بأناقة.
أشياؤك المقدّسة تغريني, تشعلني, تستعبدني, تجرني إلي السرير, لأنام بشهيّة على عشبِ صدرك العاري... ريح شتاء " شرسة ".
elhamnaser@hotmail.com
صدق او لا تصدق
على جبر
في امتحان الفيزياء في جامعة كوبنهاجن بالدانمرك
جاء أحد أسئلة الامتحان كالتالي : كيف تحدد ارتفاع ناطحة سحاب باستخدام الباروميتر (جهاز قياس الضغط الجوي)؟
الإجابة الصحيحة : بقياس الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وعلى سطح ناطحة السحاب
إحدى الإجابات استفزت أستاذ الفيزياء وجعلته يقرر رسوب صاحب الإجابة بدون قراءة باقي إجاباته على الأسئلة الأخرى
الإجابة المستفزة هي : أربط الباروميتر بحبل طويل وأدلي الخيط من أعلى ناطحة السحاب حتى يمس الباروميتر الأرض . ثم أقيس طول الخيط
غضب أستاذ المادة لأن الطالب قاس له ارتفاع الناطحة بأسلوب بدائي ليس له علاقة بالباروميتر أو بالفيزياء , تظلم الطالب مؤكدا أن إجابته صحيحة 100% وحسب قوانين الجامعة عين خبير للبت في القضية
أفاد تقرير الحكم بأن إجابة الطالب صحيحة لكنها لا تدل على معرفته بمادة الفيزياء . وتقرر إعطاء الطالب فرصة أخرى لإثبات معرفته العلمية
ثم طرح عليه الحكم نفس السؤال شفهيا
فكر الطالب قليلا وقال: " لدي إجابات كثيرة لقياس ارتفاع الناطحة ولا أدري أيها أختار" فقال الحكم: "هات كل ماعندك"
فأجاب الطالب:
يمكن إلقاء الباروميتر من أعلى ناطحة السحاب على الأرض ، ويقاس الزمن الذي يستغرقه الباروميتر حتى يصل إلى الأرض ، وبالتالي يمكن حساب ارتفاع الناطحة . باستخدام قانون الجاذبية الأرضية
إذا كانت الشمس مشرقة ، يمكن قياس طول ظل الباروميتر وطول ظل ناطحة السحاب فنعرف ارتفاع الناطحة من قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين
إذا أردنا حلا سريعا يريح عقولنا ، فإن أفضل طريقة لقياس ارتفاع الناطحة باستخدام الباروميتر هي أن نقول لحارس الناطحة : "سأعطيك هذا الباروميتر الجديد هدية إذا قلتلي كم يبلغ ارتفاع هذه الناطحة" ؟
أما إذا أردنا تعقيد الأمور فسنحسب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وأعلى ناطحة السحاب باستخدام الباروميتر
كان الحكم ينتظر الإجابة الرابعة التي تدل على فهم الطالب لمادة الفيزياء ، بينما الطالب يعتقد أن الإجابة الرابعة هي أسوأ الإجابات لأنها أصعبها وأكثرها تعقيدا
بقي أن نقول أن اسم هذا الطالب هو " نيلز بور" وهو لم ينجح فقط في مادة الفيزياء ، بل إنه الدانمركي الوحيد الذي حاز على جائزة نوبل في
الفيزياء
ياترى من الذى جعل الطالب يحصل بعد ذلك على جائزة نوبل
مع تحياتى للطلبة بالتوفيق
gabr189@yahoo.com
الاثنين، ديسمبر 22، 2008
إليها
عبد الكريم عليان
حينما طلبت مني أن أكتب شعرا
رَبِيعُ عَيْنَيكِ الأَخْضرُ،
نبيذُ شفتيكِ الأحمرُ،
هَلْ لي أعذبُ منها؟
في الدُنْيا لا أَتَصَورْ!
وخَيَالي يَعْجَزُ عَنْ الوَصْفِ
يا حُلْوةَ..
أنتِ أَحْلَى مِنْ كُلِّ خَيَالي،
وأَكْبرْ!
... ... ...
وتَقُولِينَ لِي:
لمِاذَا لا تَكْتُبَ عَنِي شِعْراً؟
وكَانَ جَوَابِي:
لا أقْدَرْ..
وتُعَاتِبَني
وَتَحْلفُ بأَنْ لا تُكَلّمَنِي..
مَنْ مِثْلِي يا حلوةَ يُعذَرْ؟
... ... ...
يا رَبّي!
في أَوَّلِ لقَائِي بِها
وثَغْرها صَارَ أَزْهَرْ
بِأَحْلَى مِنَ الوَرْدِ
وأَصْفَى وأَشْهَى وأَنْضَرْ!
مَنْ عَلَّمَها أَنْ تزْهَرْ؟
مَنْ عَلّمَهَا؟
... عَلَى الدُنْيَا أنْ تَتَكَبّرْ؟
وتَتَحَدّى بِمَوْسِمَهَا الطَالِعَ
كُلَّ مَوَاسِمَ البَيْدَرْ
مَاذَا أَقُولُ؟
وفِي عَيْنَيكِ
ظلُّ اللَيالي مَعِي
يَسْهَرْ..
وتُراقِصَني وتُعَذِّبَني وتُبْعِدَني..
وتَتَمَنّى فِيمَا تَتَمَنّى!
أنَّ الصُبْحَ لا يَظْهَرْ..
......
وعَلَى صَخَبِ الهَمْسِ
لَمْ نَتْعَب..
لكِن، دوَّخَنا المرَّ..
وقاَلتْ فِيما أَتَذَكَرْ:
إِنْ ضَاعَتْ رَحمَْةَ الرَبِّ
كلَّ ذِنُوبَكَ عِنْدي تُغْفَرْ..
وبَيْنَ الشفقِ والفَجرِ ضِعْنا..
وضاعتْ الدُنيا...
وامتزَجَتْ النارُ مع السُكّرْ،
وخُصُلاتِ الشَعرِ تُغَطيني
أطفالاً نَلهُو، بَلْ أصْغَرْ
أصابعٌ نامتْ على القدِّ
وأصابعٌ كانتْ..
تضيعُ في الشعرِ الأشقَرْ
وما عُدْتُ أذكرْ
سوى
أنْ نحيا في الحبِّ.. لا أَكْثرْ
وإنْ حَرّمَ الرّبُّ
حلالٌ عِندَما في الحبِّ نَسْكَرْ
حوارٌ مع أبي
محمد محمد على جنيدي
كان أبي ابناً لإحدى الطُّرق الصُّوفيَّة وكثيراً ما كان يحدث عند عودتي للبيت وأثناء الثلث الأخير من الليل وأنا أفتح عشوائيّاًَ إحدى غرف الشَّقة يصرخ مُنفزعاً بشدَّة حتَّى يكاد يُغشى علينا معاً وبعد أن نهدأ كنتُ أسأله: ما الَّذي يحدث يا أبي؟!، فيُجيبني مُبْتَسِماً: يا بُنَي.. هذه هي الخُلْوَة، وفي دخولك المُفاجئ أشعر كأنَّكَ تستحضر روحي المسافرة لبارئها فجأة، فيحدث مِنَّي ما تراه - هكذا- كان يعتقد ويُعَوِّلُ على هذا الاعتقاد كُلَّ ما يصدر منه في حياته، كما أنَّه كان لي تحفظات تَخُصُّني على هذه الأفكار وهذه المعتقدات.
وذات يومٍ.. دعاني للسَّفر معه بقرية تُدْعَى ميّانة بشمال صعيد مصر - وذلك - لحضور أُمسية دينية أُعِدَّت احتفالاً بشيخ طريقته والَّذي من خلالها سوف يُلْقِي محاضرة ما - المهم - توافدتْ على مسجد القرية والطُّرقات المؤدِّية إليه أُلوف البشر - كُلُّهم - يُقبِّلُون كَفَّ الشَّيخ ويتبركون به !! حتَّى أتى دوري، فنظرتُ إليه، فرأيتُه رَجُلاً قد غزا الشَّيبُ لحيتَه تماماً.. لا تتجاوز عيناه موضع سجوده.. مُمْدِداً يده لمن شاء تقبيلها!! .. خفيف البدن تطمئنُّ الْعيون للنَّظر إليه.. أعتقد بأنَّه قد تجاوز الثَّمانين من عمره ببضع سنين - ولكنَّني - أمسكتُ بيده الرَّقيقة وهَزَزْتُها فقط مُبدِياً له استيائي من هذا السُّلوك لأهل القرية، وأيضاً عدم رضائي لقبوله تقبيلهم يدَه - هنا- رفع الشَّيخ عيناه في عيني لحظة ليراني- ولم يُعَقِّبْ - ثم أخذتُ مكاني بآخر المسجد بصعوبةٍ بالغة وجلستُ فيه متحفِّزاً لسماع محاضرة الشَّيخ قائلاً لنفسي: ما الَّذي سوف يُضِيفُه هذا العجوز، وبعدها التزم الحُضور بالصَّمت تماماً، وبدأ الرَّجل حديثه قائلاً: بسم الله - هنا - أخذتني غفوةٌ طويلة لم أفق منها نهائيّاً إلّا وهو يختتم محاضرته بقوله: والسَّلام عليكم ورحمة الله، فتَمَلَّكَتْني الدَّهشة، وجُنَّ جنوني، لأنَّني قبل قليلٍ كنت في كاملِ وعيي ونشاطي وعلى أهبَّة الاستعداد لسماع الشَّيخ، فانطلقتُ مُنْدَفِعاً نحو والدي لأستفسر منه وأُحادثه.
فقلت له: كيف قَبِلْتُمْ بتقبيل كفِّ الشَّيخ وكيف قَبِلَ منكم هذا؟!
قال: نحن نُقبِّلُ بركتَه وعلمَه، وهو لكبر سنِّه لم يستطع مقاومتنا، فأهْدَى لنا يدَه.
قلت: أتعتقدون بنافعٍ لكم مع الله وهو النَّافع الضَّار؟!
قال: حاشا لله!! ما أحببناه إلّا لقربه مِنْ مَنْ انتهتْ إليه أشواق المُتَحابين فيه.
قلت: أتستعينون بعبدٍ وربُّنا أقرب إلينا من حبل الوريد؟!
قال: بل نتوسَّل لمولانا العلي القدير بعباده الصَّالحين، كما نتوسل بصالح أعمالنا وصلاتنا ودعائنا.
قلت: إذاً هي الوساطة يا والدي!!
قال: بل هو طلب اتِّباع المقرَّبين .
قلت: وما تفسيرك لغفوتي وأنا في كامل نشاطي وتَحَفُّزي، حتَّى أنَّني لم أسمع من محاضرته سوى ( بسم الله.. والسَّلام عليكم ورحمة الله ).. فتبسَّم والدي وقد وضع يدَه على صدري.
قائلاً: هذه كرامةٌ أُخرى قد أجراها الله على يديه.. أعْرِفُ يا بُنَي قدرَ غيرتِك على دينِك، ولكنَّني أدعوك لمزيدٍ من التَّواضع لربِّك.. وأحببْ فيه مَنْ أحبَّكَ يُحِبُّك.. واخفض جناحك لمن والاه .. يُعِزَّك .. وليَكُن نصب عينك وأساس علمك قوله سبحانه وتعالى ( فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) صدق الله العظيم.
فهزَزْتُ رأسي مُسْتَغْرِقاً في دهشتي راضٍ بمنطق والدي، قائلاً له: بحقٍّ والله.. ( فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) صدق الله العظيم.
عَبَاءَةُ الجَمْر
صلاح الدين الغزال
عِشْرُونَ عَامـاً مَلَفِّي حَامِلاً عَبَثـاً
أَسْعَـى بِلاَ أَمَـلٍ مِنْ أَجْـلِ تَعْيِينِي
لاَ زَادَ يَسْنُـدُنِـي مِمَّـا أُكَـابِـدُهُ
أَطْوِي المَدَى ظَمِئـاً وَالبِيدُ تُقْصِينِي
مُمَزَّقَ الجِسْمِ مَنْهُوكَ الخُطَى وَجِـلاً
لاَ إِنْسَ يَسْمَعُنِـي أَوْ ظِـلَّ يَأْوِينِي
حَتَّى بَلَغْـتُ زَعِيـمَ الجَـانِ مُعْتَقِداً
أنِّي سَأَبْلُـغُ شَيْطَانـاً مِـنَ الطِّينِ
وَكَانَ كَالمَوْتِ فِي الجَدْبَاءِ مُلْتَحِفـاً
عَبَاءَةَ الجَمْرِ مَدْسُوسـاً عَلَى الدِّينِ
فَأَوْصَدُوا بَابَـهُ دُونِي وَمَا عَلِمُـوا
أَنِّي عَلَى اللهِ رِزْقِـي وَهْـوَ يَكْفِينِي
قَدْ هَدَّنِي الجُـوعُ وَالإِنْهَـاكُ لاَئِمَتِي
وَاسْتَلَّنِي السُّهْـدُ حَتَّى كَـادَ يُرْدِينِي
لاَ دَخْـلَ يَعْرِفُ لِي بَابـاً فَيَطْـرُقَهُ
وَلاَ حَلِيـفَ مِـدَادٍ سَـائِدَ الجِـينِ
جَأَرْتُ خَوْفاً لَدَى الإِزْهَاقِ مُرْتَجِفـاً
وَمَنْ سِـوَى اللهِ إِنْ نَادَيْتُ يُنْجِينِي
سِيَّـانِ عِنْدِي حَيَـاةٌ دُونَمَا عَمَـلٍ
وَالمَـوْتُ فَتْكـاً بِبُـطْءٍ دُونَمَا لِينِ
ضَرْبٌ مِنَ العَظْمِ قَدْ أَوْهَمْتُ أَعْيُنَهُمْ
لَمَّا اقْتَفَـوْا مَأْتَمِـي شُعْثـاً لِتَأْبِينِي
قَدْ عِشْـتُ بَيْنَهُمُ لاَ ثَـوْبَ يَسْتُرُنِي
وَبَعْدَ مَوْتِي أَتَـوْا رَكْضـاً لِتَكْفِينِي
رَبَّاهُ أَدْعُـوكَ أَنْ تَجْتَثَّهُـمْ زُمَـراً
مَنْ بِالأَسَى سَحَلُوا رُوحِي وَتُحْيِينِي
jazalus@yahoo.com
شارع في كركوك: مجموعة قصصية لـ نصرت مردان
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، بالتعاون مع مؤسسة أدب فن في هولندا؛ صدر للأديب العراقي المقيم في سويسرا "نصرت مردان"، مجموعته القصصية "شارع في كركوك".
تقع المجموعة في 192 صفحة من القطع المتوسط، وتضم ست عشرة قصة قصيرة، بالإضافة إلى ثلاث عشرة قصة قصيرة جدًا جمعها المؤلف تحت عنوان "قصص برقية".
عن المجموعة يقول القاص والتشكيلي فاضل ناصر:
(نصرت مردان في جديده القصصي، ينظرُ إلينا في استراحةِ الهدنةِ القصيرة من ثقبِ رصاصةٍ في ذاكرة الأيام التي أصابت كينونَتَنا الاجتماعية والسياسية في جغرافيةِ وجودِنا وألمنا الإنساني. إنه يسبُر ويوغلُ عميقًا في تحولاتنا ليشاطر ملامحَنا وتماهينا مع الحياة اليومية في أجلى صورِ الكشف والائتلاق، إنه يُقاربنا خلسةً، وبكلِّ تأنٍ وهدوء، وبلغةٍ واقعية وحسيّة مشحونة بالدلالةِ والترميز والإيحاء والإيجاز، وببناءٍ فنيٍ محكم لعالمٍ مُدهشٍ وأخّاذ من جهة، خانق ومقموع من جهةٍ أخرى، وهو في كلِّ هذه التضادات والمفارقات الحيّة يقدّم لنا ملامحَ بشرية نعرفها بدقة، بَيْدَ أننا نكتشف بغتةً بأنها ملامحُنا جميعًا وبدون استثناء.
وبغضِّ النظر عن خلفيةِ بعض مشاهده القصصية التي تشرخُها القسوةُ وأزيزُ الطائرات والبارود، فإن أغلبَ قصص المجموعة يرصدُ شرخَ الزمن في المحيط والبيئة والإنسان تمامًا مثل المرآة العاكسة التي تتحدثُ عن تحولاتِ زمنِ العشقِ في دواخلنا، وعن اقتحامنا للزمن الراكد فيها والذي زلزله الراوي من أعماق صوته الرافض والمُصادَر.
إن هذا الابن الوفي للعراق بمجموعته القصصية هذه قدم لنا تأسيسًا واستشرافًا أدبيًا وفنيًا لمستقبل القصة العراقية المعاصرة بعيدًا عن السرديّة القاتلة والتزويق الفَجّ الذي أجهض أغلبَ النصوص القصصية العراقية لأدباء الداخل والخارج طوال عقودٍ أربعة. لقد أتت هذه المجموعة بدونِ التباس، واضحة، وعارية إلا من غلالةِ الواقع الحي والشفيف وهي تغوص في أديم مسراتنا ومواجعنا........).
• • • • •
نصرت مردان
• أديب ومترجم عراقي مقيم في سويسرا.
• صدر له :
- عمت صباحًا أيها المساء : قصص. بغداد، 1986
- مطعم القردة الحية : مسرحية للكاتب التركي غونكور ديلمن (ترجمة). وزارة الإعلام، الكويت 1989
- روايتا (الصحيفة) و(لو يقتلون الثعبان)، للروائي التركي يشار كمال (ترجمة). دار الشؤون الثقافية العامة،
بغداد 1990
- رواية (محمد الفاتح) للروائي التركي نديم غورسيل (ترجمة)، منشورات الجمل، ألمانيا 2001
- حانة الأحلام السعيدة : قصص، منشورات ضفاف، النمسا، 2003
- شارع في كركوك : مجموعة قصصية. شمس للنشر والإعلام، القاهرة 2008م
- البريد الإلكتروني:
• • • • •
رجل عديم الأهمية
من المجموعة القصصية "شارع في كركوك"
كان على مائدة الصباح، يحرك ملعقته بهدوء في كوب الشاي، متابعًا كعادته قراءة الصحيفة الصباحية، اعتاد أن يمر مرور الكرام على الصفحة الأولى وصفحات الأخبار السياسية، التي يعرف بتفاصيلها من أخبار الفضائيات، كانت الصفحة الثقافية هي ما تهمه، وكان أيضًا يهتم بقراءة نصوص الأسماء الشابة أكثر من الأسماء المعروفة، التي كان يعرف منذ السطر الأول؛ بسبب طول متابعته؛ ماذا سيقول صاحبها، وأين سيستعمل الفارزة والنقطة.
ارتشف رشفة من الشاي، فراق له طعمه، عاد يقلب صفحات الصحيفة بملل ظاهر، إلى أن انتبه إلى خبر نعيه المنشور في زاوية ما قبل الصفحة الأخيرة، كان الخبر يشير إلى مقتله أمس على يد مجهول!.
وضع الصحيفة جانباً، ملتفتًا إلى زوجته التي بادرت للحديث، وكأنها تعلم مسبقًا ما سيسأل عنه:
- كنتَ جالسًا صباح أول أمس على نفس مقعدك، جرى كل شيء بسرعة البرق، أجل كنتَ هنا، ترتشف شايك من نفس الكوب، آه لكم كنت رجلاً رائعًا يا حبيبي!
أخذ يعيش لحظات محرجة حار في تفسيرها، الصحيفة وزوجته تتحدث عن موته، بينما هو جالس إلى جانبها، يرتشف الشاي ويقرأ صحيفته، والأغرب من كل ذلك أن زوجته تحدثه بهدوء، وتتقبل بهدوء جلوس رجل ميت إلى جانبها يرتشف الشاي ويقرأ صحيفة!
كانت تبدو وكأنها تقرأ بحر التساؤلات المتلاطم الأمواج في أعماقه، استمرت تسرد له ما جرى،و هو يصغي إليها بهدوء:
- كنتَ سعيدًا في ذلك اليوم، فقد كنت لا تزال تعيش فرحة نشر القصة التي ظللت تطارد تفاصيلها في مخيلتك كما أعلم طويلاً، لم تكن ولادتها على الورقة يسيرة، عندما انتهيت منها أخذت تصرخ كالأطفال: انتهت، انتهت يا ميسون! كنت أظنها لا تنتهي أبدًا، لقد لفظتها أخيرًا من مخيلتي وروحي.
شاركتك الفرحة واحتضنتك بفرح، فلم يكن لي من لحظات أسعد مما أراك فيها بعد انتهائك من كتابة قصة، على عكس المقالات التي تكتبها للصحيفة التي كنت تعمل فيها على مضض.
هرعت بعد ذلك كما هي عادتك، وأحضرت قنينة النبيذ وأعددت كأسين إحداهما لك والأخرى لي، لقد كان ذلك احتفالاً اعتدنا عليه عند انتهائك من كتابة كل قصة.
أنهيت القصة وكتبتها دون أن تفكر إذا ما كانت ستنشر أم لا، فأحيانًا حتى الصحيفة التي كنت تعمل فيها، كانت ترفض نصوصك بحجة خروجها عن المألوف السياسي أو الاجتماعي في مجتمعنا، مجتمعنا المهترئ المليء بالقبح والقيح، كما كنت تسميه دائمًا.
ارتشف رشفة أخرى من الشاي وهو ينظر بصمت إلى زوجته التي ستأتي على ذكر موته. مجت زوجته نفسًا من سيجارتها، ثم واصلت حديثها بنفس الهدوء:
- كان أكثر ما يؤلمك، ازدواجيتك ككاتب، كنتَ تجد نفسك في القصة، بينما كنت تكتب بتأفف العمود اليومي في الصحيفة، والذي كنت تكتبه من أجل خبزنا اليومي، كنت تصف كل مقالة بأنها بلا طعم ولا رائحة، وكأنما هي مكتوبة بقلم شخص آخر، بينما كنت تكتب قصصك بحماس وانفعال، كم مرة ارتشفت دموعك التي كانت تنهمر وأنت تقرأ لي بعض قصصك بصوت متهدج من الانفعال!
كنت معتزًا بقصتك الأخيرة التي عجلت بنهايتك، ليتك لم تكتبها!
هنا خنقتها العبرات،وامتلأت عيناها بالدموع:
- كان بطل القصة متمردًا، يفكر بصوت عال، خلقته وسيمًا، يسخر من كل شيء حتى من نفسه، يحب أن يوقد النار ولا يطفئها إلا في اللحظات الأخيرة، عندما توشك أن تأتي على كل شيء. خلقته يحب الأرصفة والمهمشين المسحوقين من البشر، يجالسهم ويسامرهم ويتبادل معهم كؤوس العرق.
وسامته واعتداده بنفسه أهلته لكي يدخل المجتمع الراقي، مجتمع أصحاب الكروش المنتفخة، والنخبة التي تحيط بالنظام كما يحيط المعصم بالساعد.
لقد جعلته يؤمن أنه بالولوج إلى هذا العالم الذي تتحكم فيه الأنانية والمصلحة الشخصية والانتهازية، يمارس نوعًا من الانتقام منه في نفس الوقت، كان يعده نوعًا من الانتقام، أن يدخل حافٍٍ مثله عالم الأثرياء والنخبة والرفاق، أن يجلس معهم على موائدهم، يأكل من طعامهم ويتباسط معهم في الكلام والشراب، ثم يأتي بعد ذلك إلى أصدقائه في الأرصفة والحانات الرخيصة أصدقاء وعالمه السري، ليتقيأ كل ما دخل معدته ثم تبدأ منادمته معهم حتى الصباح مع كؤوس العرق الرخيص.
أجل لقد جعلت بطلك وسيمًا، وجعلت الخير والشر يجري في أعماقه، لكنه لم يكن يجد شرًا في أن يولج إلى عالم غير عالمه ولم يكن يرى نقيصة في أن يكذب عليهم ويتملقهم ويمارس الانتهازية معهم، كان يرى ذلك مشروعًا من اجل أن يصبح نجم الحفلات السرية التي كان يقيمها الرفاق والطبقة الطفيلية.
هناك اكتشف كم من سافل وجبان يتحكم في مصائرنا وحياتنا، اكتشف بألم وحرقة، أن مصيره ومصائر الآخرين مرتبطة بكلمة تنطلق من شفتي هذا الداعر أو أولئك المكرشين من أصحاب النياشين والأوسمة، الذين انقلبوا ما بين ليلة وضحاها من عمال أميين ومنبوذين ونكرات إلى مسؤولين، لا لشيء إلا لتمكنهم من ممارسة القمع والقتل بدم بارد.
لكنه اكتشف أيضًا كيف ينهار هؤلاء المنفوخين بنياشينهم أمام سيقان النساء وصدروهن العامرة، فيلثمون تلك السيقان حتى لو كانت صاحباتها من بنات الهوى أو غجرية بلهاء.
ازدادت كمية العرق التي كان يتقيأها كل ليلة قبل أن يجلس مع أصدقائه في الحانات الرخيصة أو الأرصفة النائية عن العيون وحركة السيارات.
في ليلة ألقوا القبض على بطلك وقادوه إلى قبو شبه مظلم، قالوا إنهم يعرفون عنه كل شيء، يعرفون أنه يكره النظام ورموزه.
قابل الأمر بسخرية:
- وهل أنا أول من يكره النظام؟
وصف أصدقاءه في العالم السفلي من المهمشين والمنسيين، بأنهم هويته الحقيقية،وأنه ينقي معهم معدته وروحه من الأدران.
نظر إلى بطلك أكبر الحاضرين رتبة، نظرة فاحصة، عميقة ثم طلب من الجميع الخروج من القبو.
قال لبطلك:
- نحن نعرف عنك كل شيء وخاصة علاقاتك النسائية مع زوجات بعض الرجال المهمين، التي هي ليس خافية علينا، كيف استطعت إغوائهن يا كلب!
أراد بطلك أن يلقي عليه خطابًا، فلم يتردد، قال بهدوء:
- المرأة تملك جسدًا وأحاسيس ومشاعر مثل مشاعركم، إن لم تكن أرقى وأعمق، من مشاعركم الشهوانية التي تطفئونها مع الساقطات.
ثم أضاف:
- لقد أسمعت تلك النساء كل ما يودن سماعه من كلمات الحب، كل ما يتشوقن إلى سماعه من أزواجهن الغارقين في المتع الرخيصة.
صوّرتَ الضابط في القصة وكأن مسًا من الجنون أصابه في هذه اللحظة، حيث أخذ يصرخ بأعلى صوته طالبًا من فريقه الذي أخرجهم من القبو بالعودة.
- تعالوا وأدبوا هذا الخنزير!
انهالوا عليهم بالضرب واللكمات، إلا أنه طلب منهم التوقف، كان يريد أن يهينه، فالإهانة أحيانا كما كان يعتقد أكثر مقتلاً من التعذيب،
صرخ بهم:
- اخلعوا ملابسه!
خلعوا ملابسه قطعة قطعة، لم يبق ما يستره إلا لباسه الداخلي.
صرخ بهم ثانية:
- جردوه منه أيضًا!
انتزعوا منه القطعة الأخيرة، استعد الضابط ليضحك ويملأ مع فريقه القبو بالضحكات، لكن بطلك أجاب بهدوء:
- بدلاً من ضحكاتكم الداعرة، أسالوا أنفسكم لماذا أنتم فاشلون مع زوجاتكم، كفشلكم الذريع في إدارة الدولة؟
كان يعلم بالتفاصيل لذلك لم يقاطع زوجته بل تابعها بصمت واهتمام وكأنما تروي له قصة كتبها غيره.
تناول رشفة أخرى من فنجان القهوة، أخذت زوجته نفسًا من سيجارتها وواصلت الحديث:
- طبعًا لم تنشر القصة في الصحيفة التي كنت تعمل فيها، بل نشرتها في إحدى المجلات البيروتية. قرب الفجر حضر زوار الفجر أمس، وأخذوك معهم بكل فظاظة، ذهبت ولم تعد.
اعتبروا قصتك مستمسكًا ضدك، ودليلاً على معاداتك للنظام، لا أدري ماذا قلت في التحقيق، لكن الذي أنا واثقة منه، هو أنك لم تتحمل التعذيب، نزفت كثيرًا حتى الموت.
أحضروك جثة هامدة قرب الفجر أيضًا، وكأنهم يخشون إحضارك في ضوء النهار.
قالوا لي: لا عزاء، هيا رافقينا إلى المقبرة لدفنه دون مشاكل.
كنت على نفس المائدة يوم أول أمس، تخطط لكتابة قصة جديدة، كنت مهووسًا بالقصة.
لم يعلق على كلام زوجته، ترك المائدة وبخطوات وئيدة وبطيئة، دخل غرفة نومه وامتد على سريره ثم غط في نوم عميق.
السبت، ديسمبر 20، 2008
رجل معبأ
ليلى البلوشي
أنت كما هو
مذ عرفتك
رواية طويلة تتسرب تفاصيلها كوميديا
مرفهة بالصمت والغموض والجنون
أنت كما هو
مذ غرقت في غمازتيك
المعبأتين بالدهشة ،
كطائر السنونو تعشق الرحيل
إلى الأزمنة اللامأهولة بالضجيج
وإلى مدن الصدق والحرية والوفاء
حيث تغدوا شاذا ..
أنت كما هو
مذ قررت أن أحبك
وأن تكون الرجل الأول
والأوسط والأخير فيه..
لكنك رجل المستحيل ،
ترتشف الشاي مع الملح
وتقرأ جريدة الصباح قبل النوم ..
أنت كما هو
مذ بعثرنا الزمن
نبضين ناضجين على طريقتهما في الحياة
كنتَ سلحفاة
وكنتُ أرنب
وسرعان ما تآلف تناقضنا في سقف واحد
أنت كما هو
مذ أعلنت تمردي على مملكتك
وعصياني على دقة مواعيدك
وحنقي على صدقك ووفائك وحريتك
في زمن الرياء ،
وكنت كما أنت دائما وأبدا
معبأً بالصمت والغموض والجنون ..!
Lailal222@hotmail.com
الجمعة، ديسمبر 19، 2008
اليك اعتذارى
عيسى القنصل
سامحينى يا ملاكى
يا ملاك ُ سامحينــى
كنت ُ مجنونا بعشقى
امتطى خيل الحنيـــن
اترع الاشواق َ دومـا
لا ابالى بالسنيـــــــن
لا ارى غيراك انثــــى
ابتغيها فى جنــــــــون
اشرب ُ الاحلام كأســا
من يديكم فى يقيــــــن ِ
حين ابكى تحتوينــــــى
كملاك ٍ تحتوينـــــــــــى
تعطنى عطرا لعمــــــرى
وارتياحا تمنحينــــــــــى
سامحينى كنت ُ طفـــــلا
وغبيا فى جنـــــــــــــــون ِ
ما اردت الخوف ياتـــــى
مثل طوق ٍ يا عيونــــــى
يحرق الاعصاب فيـــــــــك ِ
بين شك ٍ ويقيــــــــــــــــن
كنت ابغيك بقربــــــــــــــى
كل ايام السنيــــــــــــــــــن
اشتهى صوتك ياتـــــــــــى
عمق عمقى فى سكـــــــون ِ
نتحاكى كل يـــــــــــــــــــوم ٍ
دون خوف ٍ من عيـــــــــون ِ
عن حكايات اشتيــــــــــــاق ٍ
وانفعالات الحنيـــــــــــــــن ِ
كنت ُ اهواك ِ كأنّــــــــــــــى
الف قيس ٍ فى الجنــــــــــون ِ
ما حسبت ُ البعد ياتـــــــــى
بيننا عبر القــــــــــــــــــرون ؟؟
غير انّى فى غبــــــــــــــاء
بعت نفسى للظنـــــــــــــــون ِ
لم اكن ابغيك يومــــــــــــــا
غير جفن ٍ لعيونـــــــــــــــــى
ولسانى وفــــــــــــــــــــــؤأدى
وحروفى كل حيـــــــــــــــن
سامحينى ,,,انت عنـــــــــدى
كل ُ غالى وثمـــــــــــــــــــين ِ
شجرٌ وطين
(إلى الصديق الشاعر شوقي مسلماني)
سواء كانت حنجرتك نافورة صهيل
أو ساقية همس
فهي كأثداء أمّهاتنا الطيّبات
لا تُرضع السطور غير مداد الفضيلة
وكينابيع تندلق من تلقاء نفسها:
ينهض قلبك الطفل
ناسجاً من حرير نبضه
مناديلَ للعشّاق
خياماً للمشرّدين
وبيارقَ للذائدين
عن الوطن
يا واضح الغموض
ويا غامض الوضوح
ثمّة بين الشعر والنضال حبلٌ سرّي
كلاهما يحدِّق في تخوم الغد
وكلاهما جسرٌ ذهبيّ
يربط بين شجر الأحلام
وطينِ اليقظة.
الفتحة المباركة
خالد ساحلي
النور تراه، الضياء الساطع يبهرك، من زمن ألفت الاقتراب من تلك الفتحات، تقترب أكثر لترى خيوط النور المخترقة الظلام الدامس، الظلمة تحفّك من كل جانب وأنت لا تهتدي لمهجتك المفقودة، تقترب أكثر لتمد بصرك الدافئ بساطا قدامك، البحث عن أشيائك الثمينة، تدخل فضاء الضوء حين ولوجك خيوط النور، يتوهج أكثر، يتوهّج يزداد نوره. أحسست بصرك يكاد يحترق، المكان ازداد اتساعا، بدت الظلمة نورا أو تكاد تكون نورا، تحوّلت فتحات النور مع الوقت إلى فتوحات. ألف المكان مكانه شعرت به يلّفك كحزام، حزام من نور لا نار، النار تتحول إلى نور ياللمفارقة، من لا يملك نارا لا يملك الضوء.حيث أنت في الوقوف حيث الوقوف لا يتعدى حد قدميك، لكنه الاتساع المنفتح. بارد هو المكان، بارد كمخالب وحش كاسر لا يشبع. وهذه الجدران الصامتة تحمل الحروف الصامتة، الأسرار الصامتة كما أنت.جدران ثلاثة لا غير، الجدار الرابع بوابة حديد من قضبان؛ سلسلة كبيرة، الحلقة فيها بحجم المرساة، آه المرساة، لقد رست سفينتك من زمن.هنا في هذه الزنزانة اللعينة رست سفينتك، لم تكن لتشبه سفينة نوح و لا سفينة المساكين في سورة الكهف ولا تشبه سفينة القرصان صاحب الرجل الخشبية و اليد الفولاذية على شكل علامة الاستفهام. ليس فيها الرجال الذين ماتوا من أجل الصندوق الكنز. الجدران الأربعة تكوّن الغرفة و الجدران الأربعة تكوّن البيت. هنا الأبواب كثيرة و المفاتيح فيها لا تتشابه ومع هذا صار صوت الأقفال مألوفا لديك. السجناء ليسوا كلهم لصوص، هناك من بينهم من وجد نفسه داخل هذه الغرفة الباردة و القيد البارد في يده أيضا.أنت الآن تتمتع بهذا الفضاء الواسع الذي لا يملكه غيرك. الكتب التي تقرأها حررتك من أسرك وأنت الحر الأسير كنت. قالها لك الحارس الخشن ذو الوجه القبيح و الأنف المفلطح: ــ أهلا بك في الجحيم، أهلا غير مرحب بك.
أخذتك الرهبة بادئ الأمر، ارتجفت أوصالك، لم تعتقد يوما بأن الجحيم تدخله الملائكة ولا الشياطين تدخل الجنة وتبشّر بالخير ووحدانية الله. لم تطلب وقتها غير الكتب وكان كتاب الله أول ما تطلبه، كانت السخرية داخل هذا السجن كما خارجه، الكل يسخر من الكتب وحاملها حتى و لو كانت الكتب المقدسة.أعتدت على هذا الضوء المنبعث من هذه الفتحة كم تشتاق لهذه اللحظة الولادة.مخطئون هم حين يقذفون الشمس بالحجارة. لا أحد يتفكر في أمر الشمس أو ينظر في الآفاق التي أبدعت صورتها، هذه الأشعة الحية من الضوء. قد صرت إلى ما يشبه العبادة. هذا الطقس المتوحد فيه مع أفكارك.مخطئون نحن دوما لا نشعر بفيض الأفكار إلا حينما نكون في فم الهلاك أما في رحابة النجاة فلا نأبه لشيء. حين تفيض الأفكار تسكت اللهجات لا تصغي حينها للبشر و لو ملكوا كل اللغات . حفظت رقمك، رقم زنزانتك، أحب الأرقام لقلبك. حتى أنك قرنت هذين الرقمين بأحرف الأبجدية وجدتها ترّكب كلمة ضوء ونور. الكل هنا يتوق للخروج من السجن على عكس خروجك أنت، تنظر لعمرو ابن أبي العلاء في مقولته "كل شرف خارجية في أوله" . لا تتوق للقيان البشر المتشابهون كنسخ رديئة، كل النسخ الغير صالحة، مقرفة النسخة المعتادة المتسخة. خارج هذه الزنزانة خارج هذا السجن استحالة الحياة إلا بالفرار. بمرور السنين الطويلة تحررت بفضل الكتب تحررت وتنورت، أثبتت نفسك مرتقاها من قيدها المدمي، حرّرت عقلك أيضا خارج الإطار، مخضّبة كفك بحبر الورق.
ــ اللعنة عليك قارئ بائس، اللعنة عليك أيها النتن المتسخ بثقافته.
هذا الموال تسمعه مرات كثيرة في اليوم ومع هذا يحالفك الحظ حين تبدأ في التحايل على المساجين تجعلهم يألفون ما ألفت، استطعت إقناعهم بالابتعاد عن حلولهم السحرية، أخضعتهم لمنطق آخر، منطق الحرية والتحرر من هذا الوقت داخل السجن. السجن هو مرحلة داخل الوقت لا أحد يساعد الآخر إنما يخبره وهو يتدبر أمره. هكذا أستطاع السجين تلو الآخر بشق طريقه نحو الأفضل. هل بالضرورة السجن هو الأسر؟ لم تأتيك الرسائل مذ أقحموك في قضية لا تعرف بدايتها ، تباعد عنك الخلاّن ونسيك محبّوك لم يسأل عنك جيرانك، لا يأبه لك أحد ، تمنيت لو أن الكلاب كانت تجاورك ونسلك كان من نسل القطط وجذورك جذور ابن آوى، تمنيت لو لم تعرف أحدا. أتتك رسالة واحدة فقط ذاك اليوم، يطلب صاحبها التعرف إليك وهل يمكنه تولي مهمة الدفاع عنك، كان يدّعي الإيمان بقضيتك و بأنه بحث عنك كثيرا وتطلّب منه ذلك الوقت الكثير. يخبرك أيضا أنهم ظللوا له الطريق حتى لا يقتفي أثرك. يخبرك في آخر الرسالة أنه أجتهد وغالب اليأس حتى لقيّك. كانت رسالته مفعمة بالإعجاب و الحب وعبارات الحماس و الاندفاع، كان يسميك المثل فيما كان يكتبه و يرسله إليك.أعماه الإعجاب ووصل به الأمر لأن يسميك القديس هذا ما رآه هو. لكنك رأيت خلاف ذلك، كاتبك بأشياء كثيرة عن الحرية و حقوق الإنسان والتضحية، لم تكن لترد على رسالته ولم يكن لديك شك في أنه عميل سري حقير أو مخبر، لم تكن تظن أنها خطة يراد بها تلغيمك بقضية زائفة من جديد. الفخاخ ألفتها والعناية الإلهية تكشفها، لكنك خلاف ذلك قلبك يخبرك دون عقلك أن صاحب الرسالة رجل صادق يشبهك كما أنت في مثل عمرك. لم تكن لتقترح عليه تبادل الأدوار.ماذا لو أخبرته بعرضك في تبادل الأدوار؟ هو لا يعرف ما معنى كونه في وضعك، قد لا يتحمله ــ حين نكون في الاتساع يمكننا قول كل شيءــ هو لا يعرف الحرية التي يتكلم عنها بكونها مجرد وهم و خيال، الحرية المناضل لأجلها تشبه الفوضى. بعد الرسالة الأولى صارت تلحقك الرسائل الكثيرة، لم ترد على واحدة منها. ومع الزمن أهملت قراءة كل ما يصلك. لم تشأ شرح حياتك الجديدة بمصاحبتك شخصيات كثيرة وأشخاص لا يتغيرون كما أسمائهم. وتخويلك نفسك كل السلطات التي تملكها لتحكم بما تشاء و الأقدار التي بيدك إن شئت قتلت و أحييت. ترفع بها أو تضع كان بإمكانك حتى إقالة الرؤساء وإفقار الأغنياء وتسريح كبار المافيا من الخدمة. كل القصص التي كتبتها والسيناريوهات صارت داخلة في وقتك لا غير. الوقت وقتك. كبرت الضجة فيما هو متعلق بك، أنت لا تأبه لها تمنيت لو تركوك لشأنك فقد فوّضت أمرك للرب وحسبت أجرك عليه، تمنيت لولم يجعلوا قضيتك مطية لأطمعاهم وظهورهم على حساب اسمك وقضيتك.أنت تموت لأجل أشيائك الثمينة وهم يقتاتون من أغانيهم باسمك. لم تطلب منهم سماع الأغنية ثانية ولن ترددها معهم لأن كونفوشيوس لا يغني الأغنية مع الفرقة إلا إن كانت صادقة ومؤثرة. لم يتوّقع سجّانوك بتحويل المساجين مثلك مدمني قراءة ومدافعين عن الحق. صرت أخطر مما كنت عليه في الوقت الذي ظن هؤلاء منحوك حريتك أعدموك، لكنك اخترت الاختباء باحثا عن الدفء الذي كان يرسله ذاك النور من الفتحة المباركة، اختفيت في بعثة النور الجديد بعدما تبين لك استحالة الحياة مع هذه النسخ بعدما تبين لك أن الرسل حرّفوا الرسالة... اختفيت و لا أحد يعرف إلى أين مضيت و لم تبقى إلا الألسن تتكلم عن سبب سجنك المؤبد وحدك تعرف الذي لا يعرفونه انك قتلت أخا يشبهك ودفنته ووقفت عند قبره... هل تذكرتني؟ أرجو أن تكون قد تذكرتني و أنت تقرأ الآن جزء منك. قد كنت صاحب كل تلك الرسائل، أريدك فقط أن تعلم أني لا زلت اللحظة انتظر رسالة قد يأتي بها ساعي البريد تقول لي فيها كيف شعورك وقد فارقت فتحة النور المباركة... أعرف أنك ستقول أنني سجنتك بدل فك أسرك، اعتقد أني قدمت الخدمة التي يجب أن تقدم لبريء...
الخميس، ديسمبر 18، 2008
ميكي.. لك في القلب حسرة و لوعة
ربحان رمضان
عشر سنوات وام زينو تترحم على " ميكي " ، القط الأبيض الخفيف الظل ، ذو العينين الزرقاوين ..وتذكر زوجها به حزينة ، وهو يذكرها به أيضا بين الفينة والفينة ..
ليحزنها عليه ..
أتذكري كم كان ذكيا ً ؟؟ يكاد أن يتكلم .. ينظر إلينا نظرة الواثق ..
وكانا يذكرا خصائل " ميكي " أمام ضيوفهم ليثبتا أنهما يحبا قطهما كثيرا ً، فيذكر أبو زينو كيف كان يقفز " ميكي" في تمام السادسة صباحا على صدره فيستيقظ مرتعشا ثم لا يلبث أن يعرف بأن " ميكي " هو الذي أنقذه وليس جهاز الأمن الوقائي أو غيره ..
كل ما كان يقصده " ميكي "هو ايقاظ أبو زينو ليذهب إلى عمله في المطعم وليس إرهابه ..!!
ويستمر في الحديث عنه قائلا ً : لا يموء بل كان يغمز أم زينو لما يجوع كي تضع له الطعام في صحنه البلوري ...
يحدث أصدقائه عن اليوم الذي ضربه " ميكي " فيه .. كيف أنه لما نرفزه ضربه بقبضة يده وكأنه إنسان " سبحان الله"
كان يقعد بمواجهما ينظر اليهما , وإذا كان أحدهما خارج المنزل فإنه يصاب بعصبية ظاهرة .. يزرع البيت جيئة وذهابا إلى أن يأتي أبو زينو أو أم زينو إلى البيت ، ولا يسمح لأحدهما بالخروج حتى يأتي شريكه يكاد أن يتكلم ، ولما " يزعل " منهما يدير لهما قفاه ..
لكن في نهاية المطاف ، وضعاه في كيس وأخذاه إلي ملجأ الحيوانات في المدينة ، فقد أصبح شعره يهرّ بغزارة ، وأم زينو لا تحب تنظــيف البيت يوميا .
لم يستطيعا وداعه ، بكت أم زينو ، أجهشت بالبكاء مما دعى إلى أن تقدم لها مديرة الملجأ كأس ماء لتهدئ من روعها .
بعد غياب " ميكي " أسدل ستار حزن على المنزل .. تحاورا حول أفضل الطرق للخروج من حزنهما فاقترحت السيدة أم زينو أن تشتري أرنبا يربياه بدلا عن ميكي ..
اشترت قفصا كبيرا يتسع للأرنب ولألعابه , ويتسع لجرن طعامه ، ولناعورة توسطت القفص ... ولجرن ماء .. واشترت حوالي عشر جزرات تركتهم ام زينو في الثلاجة بانتظار الأرنب الذي اتفقا أن يسمياه " ميكي " على اسم القط الأبيض الذي ترك في قلبهم لوعة وشوق دائمين ..
في الأسبوع التالي حظيا بأرنب رمادي في مخزن من مخازن بيع الحيوانات الأليفة .. اشتراه لها زوجها بمبلغ محترم .. لم يعد يتذكره أبو زينو لأنه لم يكن الأويرو موجودا ً بعد ..
بدا الأرنب لطيفا في أيام وجوده الأولى ، لكنه عندما كانا يخرجاه من القفص للفسحة في أرض الغرفة يقضم أكبال الكهرباء المعقدة والواصلة بين التلفاز والفيديو والانترنيت و”الساتيليت .. فتركض ام زينو وراءه ، فيهرب على القفص حتى أصبح في آخر المطاف يقاوم الهجوم عليه ، يكشر عن أنيابه ويصدر أصواتا ً تدل على أنه غير مرتاح مع هذه العائلة المتعبة بتاتا ً ...
ليس ذلك فقط وإنما أصبح يقضم سجادة الصلاة ، وستارة النافذة التي اشتراها أبو زينو من بلجيكا لما كان في زيارة عمل هناك ..
مرة ثانية سيفقدا عزيز عليهما .. مالعمل ؟
تناقشا ، تحاورا .. توصلا إلى نتيجة أن يهدياه مرة أخرى لملجأ الحيوانات الأليفة في المدينة .
اتصل أبو زينو بإدارة الملجأ وحدد موعدا ً مع السيدة مديرته لتسليم "ميكي " الثاني لهم ، ولكن عندما فاتح زميله في العمل " أبو ياسين التركي " بالموضوع طلب الأخير منه أن يهديه الأرنب له بدلا ً من الملجأ ، فهو يملك بيت واسع مع حديقة له جميع المواصفات التي تؤهله وتؤهل عائلته في استضافة أرنب ،وعنده طفلا ً اسمه ياسين سيلعب به ..
قال له أبو زينو : أمهلني حتى غدا لأقول لك النتيجة ، وفي المساء أخبر زوجته أم زينو بما بالوعد الديأعطاه لأبو ياسين .
خافت أم زينو على " ميكي" وقالت : وإذا ذبحه أبو ياسين ؟؟
قال لها : لا يمكن .. فأبو ياسين أصبح أوربي ، ولا يقل وجوده في هذه البلاد عن عشرون عام في نفس الفترة التي جاء فيها جوني الذي كان اسمه عبده إلى هذه البلاد .. فأبو ياسين وكما ترين أوربي أصلي ،حتى أنه ليس بحاجة لستاليت ، إنه يشاهد صراع القطط على القناة النمساوية وحسب ..
لا لا ، أجابته أم زينو ، هذه مغامرة ، ويجب أن نزور عائلة أبو ياسين لأتأكد أن أولاده لطفاء يمكن أن نترك معهم " ميكي " ..
فأكد لها أبو زينووحسب معرفته بأبو ياسين أن الجماعة " تأوربوا ّ كما تأورب الكثير من الناس ..
وبعد أخذ ورد ، ونقاش وافقت أم زينو على تسليم الأرنب لعائلة أبو ياسين التركي . . وبقيت أكثر من سبعة اشهر تسأل زوجها عن الأرنب وأحواله حتى اضطر زوجها أن يكذب عليها آخر مرة ويقول أن قطا ً بريا ً اقتحم بيت أبو ياسين وانقض على الأرنب ، والجماعة في مأتم منذ أسبوع .
حزنت أم زينو ، و" زعلت " من زوجها الذي أهدى الأرنب لبيت أبو ياسين التركي حيث لم يهتم به أبدا ، ولم يحافظ عليه ، وبقيت على هذا الحال فترة طويلة ..
ذات يوم وبينما كانا يتمشيان على الشاطئ الغربي لنهر الدانوب رأيا أبو خالد الذي يصبغ شعره الأشيب باللون الأحمر .. جارهما في حي الغجر غرب المدينة وفي يده قطة صغيرة تزعق زعقا بدلا ً عن المواء ..
تطفلا وسأل أبو زينو ذاك الرجل ، لماذا تزعق القطة بهذا الشكل ؟
- أغسلها بماء النهر ، أجابهما حمودة .
- ولكن هذا خطر على صحتها ، الماء باردة .
- لا تخافا ، أجابهما ، وأردف يحدث نفسه القط بسبع أرواح .
- ولما عادا رأياه حزين ، فتطفلا من جديد وســألاه : لم أنت حزين يا أبو خالد ؟
- فأجاب ماتت القطة .
- ألم نقل لك أن الماء الباردة خطر على صحتها ؟؟ أجاباه بحنق .
- فأجاب : لم تمت من الغسيل .
- فإذا َ ؟؟ !!
- قال : من بعدما عصرتها بعد الغسل ماتت .
بعد سنوات رزقهما الله بطفل ، وليلهياه عنهما بحثا عن قطة جديدة .
اشتروا له قطة مع عدتها وعتادها .. ولم ينسيا " ميكي " ..
كانا يريا " ميكي " في قطتهما الصغيرة التي سريعا ما بحثا عمن يقبلها كهدية لأن الطفل القاسي القلب " لعبجها " من كثر ما " جعـــلكها " أثناء لعبه ..
وأهديا كلما يتعلق بالقطة لأصحابها الجدد الذين أصبحوا كاليتامى بعدما توفت قطتهما بعد عناء من مرض السرطان اللعين ، وقد أجريا لها سبع عمليات جراحية دون جدوى ، ولما توفاها الله أهدوا جميع حوائجها وألعابها إلى ملجأ أيتام القطط الأهلية .
أيضا مرت سنتان أخرتان وقبل رأس السنة بفترة قصيرة ، أحبا أن يهديا طفلهما هدية بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة ، تحاورا ليومين أو أكثر ، وبعد أســـبوع توصلا إلى حل :
سيشتريان له قطة .
اتصلت أم زينو بمديرة ملجأ الحيوانات فحددا معا ً موعد على لأن يكون بعد أسبوع من تاريخه ، وبانتظار الموعد راسلت عدة جهات تهتم بهذا الشأن ، فقد جائتها رسالة ردا على سؤال وجهته حول العناية بالقطط تقول فيه صاحبته :
أختي أم زينو هذا اول موضوع لي في المنتدى العام, وهو عن كيفية الاهتمام جيدا بالقطط المنزلية وطرق العناية بها.
انها تجربتي الشخصية أنقلها لكم وعن خبرة مدتها سنتين, تعلمت خلالها كيفية تربية القطط والاهتمام بنظافتها ومراقبة سلوكها وأيضا طعامها.. معلومات عامة:
القط حيوان أليف محبب لبعض الناس.وهي حيوانات ذكية بطبيعتها تعتمد على نفسها وهي مغرمة باللعب والتسلية وهي تتميز بالالفة والاخلاص لبعض الناس.
تعيش معظم القطط فترة تتراوح بين 13 او 15 سنة وقد تصل اعمار بعض القطط الى 18 او 19 سنة.
فترة التزاوج:
يتم التزاوج في فترة معينة مثل فبراير ومارس ويناير ويوليو.مدة الحمل 63 يوما وتلد الانثى الحامل حوالي من 3 الى 8 قطط. تتزاوج القطط عندما تبلغ اعمار اناثها بين 5و9 شهور, والذكور بين 7 و10 شهور.
من المعروف ان الانثى الحامل تبحث عن مكان امين مظلم بعيد عن اعين الفضوليين لتلد فيه,لذلك عزيزي القارئ من الافضل ان تقوم بتوفير المكان المناسب لها وذلك عن طريق وضع كرتون يتسع لها ولاطفالها,وبعد الولادة تقوم الانثى بتنظيف اطفالها من كل الاثار وكسائر الحيوانات الثديية تقوم الام برضع اطفالها.
طعام القطط:
من الافضل ان تقوم بالتنويع في طعام قطتك, عني انا اقوم باطعام قطتي من طعام البيت والمعلبات ويضا البسكوت الخاص بالقطط.
حمام للقطط:
يمكنك استخدام الرمل العادي والرمل الصحي الموجود في المحلات التجارية .[COLOR=DarkOrange]ومن الافضل تدريب القطط الصغيرة على استخدام الرمل خلال 5 او 6 اسابيع من اعمارهم وسيكون من السهل عليها استخدامه.
الاهتمام بنظافة القطط:
القطط بطبيعتها تحب النظافة, وهي تقوم بلعق جسمها والشعر الزائد, ولذلك من الافضل تمشيط شعر القطة دائما لازالة الشعر الزائد وترتيبه.وعن تحميمها, اقوم بغسل قطتي مرة في الاسبوع لانها نظيفة(من الافضل غسل القطة بشامبو خاص للقطط,وليس اي شامبو, لان قد يؤثر على شعر قطتك وبالتالي يؤدي الى تساقطها!! :
ساكمل الموضوع قريبا ان شاء الله, اي احد منكم معلومة اواضافة ياليت يكتب لكي يستفيد من باقي الاعضاء ..
ردت عليها سيدة أخرى فقالت :
مشكورة أختي على المعلومات القيمة .
وأنا عن نفسي أحب تربية القطط وعندي قطة أنثى من نوع ( شرازي ) وأهم مشكلتين في تربية القطط هي مشكلة الشعر المتطاير لأنه يسبب حساسيه للأطفال ، ويثير الربو المصابين بمرض الربو وحلها زي ما قالتي تمشيط وتنظيف الشعر باستمرار وبصراحة ألي عنده في البيت أي واحد يعاني من الربو أوأي مرض في التنفس يلغي فكرة تربية القطط لأن رائحة وشعر القطط خطير جداً على المصابين بهذه الأمراض .
والمشكلة الثانية هي تعليم القط الذهاب إلىالحمام أوإلى سطل الرمل إذا أراد أخراج مخلفاته وهذه المشكله صعبه للمبتدئين في تربية القطط وحلها سهل جداً .
أولاً نجيب سطل ونعبئه رمل ونحطه في مكان يسهل على القط الوصول إليه وبعدين تقوم بإطعا مالقط بعد ما ياكل بساعة أو نص ساعة تأخذ القط وتحطه فوق سطل الرمل بيشعر القط بالرمل وبنزل مخلفاته بعدها سبحان الله لما يحتاج القط للحمام بروح إلى سطل الرمل من نفسه.
ثم كتب شخص عرف عن نفسه أنه دكتور ما يلي :
الأمراض الشائعة التي تصيب القطط:
الامراض لمنتشرة التي تصيب القطط مثل العطاس ونزول افرازات من الانف والعينين والحمى, لذلك من المهم تحصين القطط عندما تبلغ 8 او 9 اسابيع من عمرها وأخذها عند الطبيب البيطري.
وهناك ايضا امراض خطيرة وتسمى التهاب الامعاء المعدي السنوري ويسببه فيروس وهو من اخطر الامراض واكثرها انتشارا وقد يكون مميتا!!من أعراضه: الكسل وفقدان الشهية,ارتفاع درجة الحرارة والقئ والاسهال الشديد. اذا لاحظ اصحاب القطط هذه الاعراض يجب اخذهم الى الطبيب البيطري, وتطيعمهم ضد هذا المرض.
ثم وردت رسالة أخرى بدون توقيع ورد فيها :
سنستعرض معكم انواع القطط وهي :
القط البريطاني ذو الشعر القصير:
هو المفضل لدى الاوروبيين, ويتميز بشعر متوسط و وعيون بارزة وهو قط اجتماعي وذكي .
البيرمان:
ويعتقد انه منحدر من مدينة بورما, وهو يتميز بذيل كثيف ووجهه وذيل لونهما . بني.
مين كون:
ينتمي هذا القط من القطط الاميركية ذوات الشعر الطويل, ويتميز بشخصيته اللطيفة من خلال تعامله السهلة مع الاطفال وايضا الكلاب!!
القط الفارسي:
اجمل انواع القطط وقد حصلت على المراكز الاولى من بين افضل انواع القطط في العالم, وهي تتميز بالشعر الكثيف وقوائم قصيرة وانف صغير.
القط السيامي:
وهو من أصل تيايلاندي وهو من اذكى القطط , فمه بني وارجله بنية بيضاء, عيناه زرقاوان وذو وبر قصير, وهو ايضا حيوان حساس مطيع لاوامر صاحبه ويصاب بحالة نفسية سيئة اذا تخلى عنه صاحبه وقد يمتنع عن الطعام.
القط التركي:
الغريب في هذا النوع من القط, انه يحب الماء, اي انه يحب ويستمتع بالسباحة وليس كباقي القطط!!!
الهيمالايا:
وهو خليط من الفارسي والسيامي, وقد حصل على جوائز كثيرة في مسابقات اجمل القطط التي تقام سنويا في معظم البلاد الاوروبية..
وأنهى مداخلته بصورة قطته كتب تحتها : " هذه صور لقطط ربيتها بنفسي ، انظروا كم هي معتدة بنفسها ، تقبرني شو حلوة .
ثم كتب شاب من الكويت مختتما ً حديث الجميع :
الف الف الف شكر على الموضوع
أنا من زماااااان خاطري بقطوه بس امي وابوي ما يرضووووون
مادري ليش ؟؟ !!
على العموم احب اشكرك على الجهود والتنسيق بالالوان وكل شي مضبوووووط 100%
أم زينو ذهبت إلى الملجأ في موعدها المحدد وأخذت ابنها يرافقها ليختار القطة التي ستدفع أمه من أجلها مبلغ 200 أويرو كتبرع لملجأ الحيوانات الأليفة .
وقبل أن يستلمها عرضت القطة على طبيب الملجأ الخاص وأصدر تقريرا ً يفيد أن القطة بصحة جيدة .
لم تنسى أم زينو أن تمرّ وقبل لقاءها بالسيدة مديرة الملجأ على المخزن الخاص بالحيوانات الأليفة لتشتري لقطتهم القادمة قليلا من المعلبات ، وألواح من الشوكولا ، وصحن للأكل ، وآخر للماء ، كما اشترت وعاء للتواليت الذي ستبرز القطة فيه ، وكيس من الرمل ستضعه في الوعاء .. وفأر من القماش ، ومشط لتمشيط شعر القطة ، وكيس يشبه كيس الحمام للمسّاج ، وهيكل خشبي مؤلف من طابقين لقفز و" تمشاية " القطة ، وأيضا لوح كبير " تخرمشه " القطة ..
اشترت قفصا ً لنقل القطة من ملجأ الحيوانات الأليفة إلى البيت قفص جميل مصنوع من خشب الخيزران ، له باب على شكل قوس وضعت بداخله الفأرة من قماش ..
حمله زينو وهو فرح ، فرح بالقطة فرحا شديدا ً .. كان يود أن تطير السيارة بهم ليصل بسرعة إلى البيت ليلعب معها .
مرّت السيارة بالغابة التي تتوسط المدينة ، ثم في شارع فينر شتراسة ، ومن ثم سالزبورغ شتراسة .. ثم دخلت السيارة في زقاق صغير فيه أبنية قديمة ، كان بيتهم فيه هو الثالث على اليمين .
كانت هناك مجموعة قطط سوداء وبيضاء ورمادية تتقاسم علبة حلوى ..
قفزت قطة زينو وركضت نحو القطط ..
ركض زينو ورائها ..
هربت جميع القطط ومعهن قطة زينو .