الأربعاء، يناير 31، 2007

أسد الطف


الدكتور نوري الوائلي
مؤسسه الوائلي للعلوم

Noori786@yahoo.com


عجزت كتاباتي ونطقي واصفا
قمر العشيرة أبن خير ٍ حازم ِ

ما أعظم الشجعان عند لقاءهم

بعدوّهم كالصقر فوق حمائم ِ

عشق لهم نحو الردى وسيوفهم

الموت عند نفوسهم كتوائم ِ

أنت الشجاعة يا أبا الفضل الذي

أردى بيوم الطف شرّ عمائم ِ

أهل الشجاعة بدرهم بعد النبي

ووصيّه العبّاس حصنُ فواطم ِ

أسد ٌ , تخصّل بالشجاعة وارثا ً

من والديه ِ قوّة ً بعوازم ِ

في كربلاء ٍ أسمه هزّ الوغى

فتمالك الفرسانُ ذعر الهارم ِ

ملك الشجاعة َ والشهامة َ حاميا ً

أهلَ الرسول, فيا له من عاصم ِ

شهَرَ الحسامَ مدافعا عن دينه

فإذا به يتعالى عند جماجم ِ

وبرزتَ كالحصن العظيم بكربلا

فحميتَ يا عبّاسُ خدرَ فواطم ِ

حاربتَ ضمآنا كليث ٍ قد ضما

من حشدِ بهتان ٍ هواةِ جرائم ِ

ودعاك أطفالُ الضحايا عمّنا

نحن العطاشى فاسقنا من علقم ِ

فوثبتَ كالأسد الجسور مطاردا

أهلَ الضلالة يا لهم من مهزم ِ

هربتْ حشودُ المارقين ومن لها

لمّا رأته حاملا كالقاصم ِ

فإذا الحشودُ أمامك , الدنيا لها

كهفٌ يواري خوفها من قادم ِ

ووقفتَ في الماء الزلال بلهفة ٍ

فملئت كفك من عليل مناسم ِ

فأبى وفاؤك للحسين وأهله

أن تشرب الماء الفرات بطاعم ِ

فرميتَ من كف ٍ عذوبة ما بها

وحملتَ بالجود المياه للاطم ِ

لكنهم ,جمعوا لرميك أسهما ً

من جبنهم , وتخبّؤا بدواعم ِ

سقطت سهام أمية في عينه

وأريق ماءُ الجود بعد تزاحم ِ

وتدافعَ الحقدُ الجبان بخلسة ٍ

قطع اليدين, فيالهم من ناقم ِ

فهوت جباهُ الحق ّ تحت عمودهم

من بعد ما فلق الحشود بصارم ِ

صاح الشهيد أيا أخي في نبرة ٍ

فيها وداع ٍ للحسين الصائم ِ

نادى الحسين الآن غاب لواءنا

لم يبق بعدك يا أخي من قائم ِ

***

عباس يا باب الحوائج هدّني

حزني وسالت أعيني بالأنجم

قمر العشيرة قد رأيت بمجلس ٍ

كفيك في وهج الأصيل المنعم

كفين من جسم ٍ تكفنه السها

مُ ولم يزل للخلد نضّاح الدم

باب الحوائج عند قبرك سيدي

تقضى لأجلك حاجة بمكارم

باب الحوائج قد أتيتك ناعيا

فدعوت ربي فيك حسن خواتم

حوارية زجلية بين الشاعرين جمال الدلة وبدر حجاوي



قصيدةالافتتاح

جمال الدلة

فتحوا شبابيك المعنى ع النهــــــــــــــر
والفرح راج والحزن غصو القـهـــــــــــــــــر
وطلت وفود الموج ع الشاطــــــــــــئ
سوا تا يعقدو دبكة نصرنا المزدهـــــــــــــر
وضحكو النوارس مع نسيمات الغــوى
ورقصوا الزنابق للفراش المنهمــــــــــــــــر
وهجم النحل حامل شهد ورد ارتــــوى
من ورد سدر الساقية وروض الزهــــــــــــر
وفردوا الموائد للضيوف بمستــــــــوى
ملوك القوافي ال بالبلاغة تشتـهـــــــــــــــــر
وبدأ الحوار برصد ميزان القـــــــــوى
وتنافسوا دله وبدر دفع المهــــــــــــــــــــر
وطرحوا مواضيع ومضامين الروى
وتبادلوا الإهداء من بحر ونهــــــــــــــــر
حصة بدر طلعت مجانين الهــــــــــــ
والدله ع العقل وعلى الحكمه سهــــــــــر
ان قدرت عالج بدر واوصفلو دوا
أكبر غنيمة بعدها مكسب وفيــــــــــــــر
وإن ماقدرت يابدر ذوب وإنصهر

جمال الدله

بدر الحجاوي

طوفي بواسع هالمدى وجودي
شتي وفا مع حب ي ردودي
وخلي المعــــاني تحن والردات
تهدي جمال اليوم أنشــــــودي
لما ألتقيتك صاغت الكلمـــــــــات
عهد الأخوة بشرع معبـــــــــودي
وصارت بصدري تروح هالنسمات
تحمل معاها بالوفا وعــــــــودي
وأيقنت أنك شاعر وبــــــــالذات
لم طغى عطرك على ورودي
شاعر بقلبوا كثرت اللوعـــــــــــــات
لوعة وطن بالاه مرصـــــــــــودي
ولوعة حنين معنونه بأنـــــــــــــــات
جوى الصدر بالأوف ممدودي
يوصل صداها معطر بنغمـــــــــــات
مزينه بأشـــــــــــواق منضـــودي
ويبث ها لأشواق ع الـــــتـــــــلات
تا تحفر الكلمات والأهــــــــــات
حب الوطن عنوان لوجودي


بدرالحجاوي قال:


لم اله كون كون هالدنــــــــــــــي
قدر منازل للواكب والنجــــــــوم
منها الفقير بنورها ومنها الغنــــــــي
ونور بدر الكون مصدر والعموم

جمال الدله يرد:

يابدر يامصدر إضاءة للحـــــــمـى
ونور الكواكب والنجوم الساطعـة
مهما افتخرت تظلك بأول سمــــا
والدله نورو في السماء السابعـــة

بدر الحجاوي قال:
بسابع سما نور المعنّى والقصــــيد
شعشع بريقو من الروح الطالعـــــة
ياألف رحمه ونور عاروح الفقيــد
والعين تدمع والقلوب ملوعـــــــة

جمال الدله يرد:

يا بدر ما بلومك ع فقدان الوعـــي
خوفا من الدله وشعاعو الليــــــزري
والارض لفت فيك لفة مدعـــــــــي
شاف اللي ميت حي والقاتل برى

بدر الحجاوي قال :

بعد التداول والنظر بالبينـــــــــــــــــات
والبحث والتمحيص بكتاب الجنــــاة
جاني ع نفسك حكمك بحقك صدر
عايش بوهمك حي اشبه بالرفـــــــــاة

جمال الدله يرد :
بعد اطلاعي ع الخصائص و الصفات
ووحدة ضحالة فكرك وإلإفتئــــــــــات
قصر النظر صورلك المنطق وهــــــــم
وما فيك تمييز الخلود من الممــــات


بدر الحجاوي قال :

وبين الخلود وبين فكري مأججــــــــي
نيران شعري وبالدرايه مسيجــــــــــــــي
ولو شفت فكري ضحل بعدك ما غضت
في بحر أشعاري ومسالك منهجــــــــــي

جمال الدله يرد:
يابدر إصحى من سباتك والركود
الشمس طلعت والبراعم فتحـــــوا
ماظل مطرح للأرانب....والأسود
كل ليث بيزأر في عرينو ومطرحو

بدر الحجاوي قال:

يا شمس مهما تغربي او تطلــــــــعي
بدر المعاني بيكسفك لا ترجـــــعي
وما كان وردك والبراعم فتحــــــوا
لولا انسقو من مطلعي ومن منبعي

جمال الدله يرد:

يابدر نام النوم راح بيـســــــــــاعدك
وعن سطوة الوهم وجنونويبـاعدك
الإعياء واضح في عيونك ربمــــــــا
ان قدرت تجميع القوى بنواعدك

بدر الحجاوي قال:

مش محوجي تجميع عزمي والقوى
قبال الي هامو مال حدي والتـــوى
بغفى ان وبنام مرتاح الضــــــــــــــمير
وتبقى انت سهران وهمــومك ســوا

جمال الدله يرد:

المجنون بس بينام مرتاح الضمير
وبجهل بدايات الخليقه و المصيـر
والعاقل الحساس بيعيش بقلـــــــق
وبينام فوق الشوك لوتحتو حريـــر

بدر الحجاوي قال :

مغرم انا برشف المعاني وكاسهـا
وردات أشعاري سما مقياسهـــــــا
مترنح الخطوات مشيي حنجلي
عالحن فكرة وعا نغم إحساســـها

جمال الدله يرد:

ثاري المعاني بهالبدر وهو وسراب
شعر وخداج وبالحضانه بلا ثيـــاب
حتى تكاغي بيلزمك كمن ســــــنه
وكمن عقد بدك تا تبدأ بالعتـــــاب

بدر الحجاوي قال:

لو شفت فيّ طفل مقداري علــــي
طاهر فؤادي من خطاياكم جلــي
بس العتب عا عاقل بساحو قبــــــل
خصمو طفل مجنون شو هالبهدلة

جمال الدله يرد:

مش عيب يا مجنون خصم تصير الــــي
محضرلك الحلوى معي والسلســــــــــله
ان جننتني ومثلك صرت مكسب الـك
وان صرت مثلي عاقل المكسب الــــي

بدر الحجاوي قال:

جايي بسلاسل غم وهوم الحــــيات
والمحن والتفكير شو هالمعطيـــات
بالي انا مرتاح والمكسب إ لـــــــــــي
وحدك انت خسران كل المــيزات

جمال الدله يرد :

هات لي سبب مقنع لأجلو تريحت
وضمنت مكسب منتصروتنحنــــــحت
مش بس ضبابيات الجنون العمـــى
كيف بعمى بصر وبصيرة تسلــــحت

بدر الحجاوي قال:

طالبتني بأسباب نصري ونــــــــــظرت
شكلك ي عاقل خار عزمك واحترت
ناسي بهالضمار قول الشافعــــــــــــــي
ما ناظرت مجنون الا وخســــــــــــــرت

جمال الدله يرد:

عاقل أنا يابدر حكمي واقعــــــــــــي
وطمعي بمكسب ما بيضعف وازعي
كونك رهن تأثير نوبات الجنـــــون
وحب النصر حرفت قول الشافعـي

بدر الحجاوي قال:

خالفت في حكمك ثوابت واقعك
شاعر انت بالحق زين مطلعــــــــك
لولا جنون العاطفه وخصب الخيال
ماكان بيت من الشعر بيطلع معك

جمال الدله يرد:

بصدق العواطف والخيال بيرتقو
حتى بفردوس البلاغه بيلتقـــــــــو
وبيتركو جنون العواطف للدبب
كل أم بتعشق ابنها بتخنـــــــــقو

بدر الحجاوي قال:

حبيتها وعشقانها ومجنونــــــــها
محبوبتي وكل الحلا بعيونـــها
ومجنون ليلى بالبلاغه قدوتي
حاذر عواصف شعرها وفنونها

جمال الدله يرد:

انهض يامومياء الشعر من غفوتــــــك
واكسر جليد الضعف واشرب قهوتك
بلكي وعالله تصير شاعر متــــــــــــــزن
تمشي بثقه وتضبط ترنح خطوتـــك



قصيدة الخاتمة
بدر الحجاوي

بين الصدق بالعاطفة وبين الخـيـــــــــال
مطلق تناقض ما بيجتمعو محــــــــــال
ومهما خيالك جال ياإبن الحـــــــــــــلال
وتوهمت ما فيك توصل للكمــــــــال
وحتى بآخر شوط تنهى هالسجــــــــــال
واوضح الموضوع بضربلك مثـــــــــال
لينين فكر وتاه في بحر الضــــــــــــــــــلال
عقلوا لروحو جاب أسباب الوبــــــــــال
ومثلو مثايل خايف يطول المقـــــــــــــال
ويمل هالجمهورمن طول الجـــــدال
وتا نختم الموضوع في عندي ســــــؤال
مين أفضل ياصديقي بهالمجــــــــــال
مجنون يوم الآخرة ...... رب الجــــلال
غافر ذنوبو من اقوال ومن افعـــــال
ولا طواغيت الفكر وعقولهــــــــــــــــــــــــا
جاوب وحدد ياحبيبي ياجمـــــــــــال

قصيدة الخاتمه للشاعر جمال الدله
راح أعذرك لو تشتكي ياقافيـــــــة
وكلمة بعزيكي ببدر مش كافيــــــــــة
يابدر بعطيك الإجابة الشـــــــافية
لما شمس وعيك بتشرق صافيــــــــــــة
ولما تأكدلي بحكمة وافيــــــــــــة
خروج الضغينة من القلوب الدافيــــــة
وتجبلي صحوة من العيون الغافيـة
وفرحة وسرور من الفقيرة الحافيــة
وجبال صلبة من الرمال السافيـــة
وما انفك تعمل عمل لا النافيـــــة
وتنّرسي إشكالات باتت طافيــــــة
بمنطقية للعقل مش خافيـــــــــة
ونبهج جماهير البديهة اللافيـــــة
ال آمنت بالّله بعقل وشفافيـــــــة
وشهدت وصامت وزكت وحجت البيت
ودخلت جنان الخلد صحة وعافيـــــة
ردة الكورس:: ودخلت جنان الخلد صحة وعافية

أووووووووووووووووووووووووووووووووووووف
لا زلنا نطقم ونلبس بُذَلنا
رغم تبديل عزتنا بذِلنا
وإذا ما الدم للأقصى بَذلنا
خسارة الأكل فينا والثياب
**

جمال الدلة شاعر وكاتب وزجال فلسطيني
بدر الحجاوي شاعر وزجال فلسطيني

علاقة


حسن عبد الرزاق

دروب

عادت إلى الدار من الدائرة. ارهاق صيفي بجسدها ولهاث في الصدر .. وفي الفؤاد ألم مقيم.

استقبلها بابتسامته المعهودة .. ابتسامة مستمرة في كل الفصول يتوهج شبابها كلما تقدمت هي في السن.

قالت له :- مساء الخير .

ورمت اليه قبلة هوائية ومضت بهمة النساء الشاطرات إلى الثلاجة ثم المطبخ … وعادت إلى المائدة بطعام ساخن لذيذ.

بعد انتهاء الغداء جاء موعد الشاي .. ياالله ما احلاه في الفم حين تشربه على انغام ابتسامته .

ثم جاء موعد حمام الظهيرة الذي يسبق جلسة الاستراحة المؤقتة.

حاصرتها القيلولة بعد كل ذلك .. وحان وقت النوم فنهضا معا من جلستهما.

هي مضت إلى الفراش مع عامها الثامن والاربعين.

وهو مضى إلى مكانه ليرعى قيلولتها كدابه منذ إن جعلته الحرب ابتسامة ثابتة وعينين مفتوحتين في صورة محنطة على الجدار.

الثلاثاء، يناير 30، 2007

الى عينيك سيدتى

الى انسة ٍ رايتها فى المركز العربى فى هيوستن وما عرفت اسمها .. ولا رايتها مرة اخرى


شعر عيسى القنصل

كندف الثلج منظرها ..

وما احلاه من منظــــر

رايت اليوم بسمتهـــا

فيا ويحى من العنبــر

ترافقنى ..بخطوتهــــــا

كأن السحر فى المحضـر

وان مالت فيا غصــــنُ

من الانسام والسكـــــــر

فلا عجب ُ فقامتهــــــــا

تنادينى بان احضـــــــــر

وان اكتب ..بقامتهــــــــا

ملايين من الاسطـــــــــر

رايت اليوم .. فاتنـــــــــه

فثار القلب ُ واستحضــــر

كينوع من النعــــــــــــــم

كعاصفة ٍ من العنبـــــــــر

كساها الله اوسمـــــــــــة

فمن خصـــرٍ الى منحــــر

من عين ٍ فان رمقــــــــت ُ

غدا قلبى بها اكبـــــــــــر

فلا صدرى له سكــــــــــــن

ولا ضلعى غدا يستــــــر

وان نطقت .. فمنطقهـــــــا

كصوت السحر اذ يسحـــــر

ايا ويحى ..انوثتهـــــــــــــا

اعادت غصنّى اخضـــــــــر

وشعرى صارت قافيـــــــــة

بها الاوصاف لا تحصــــــــر

**
كينبوع ٍ من العطــــــــــــر

كامواج ْ بلا ابحـــــــــــــــــر

بقامتهـــــا ... بجلستهــــــــا

بوجهٍ ناعم اسمــــــــــــــــــر

ونهدٍ نام مختبئــــــــــــــــــــا

على صدر ٍ من المرمــــــــــر

وتحت الجفن ...ناعســــــــة ُ

فان رمقـــت ّغدت اخطــــــــر

لها شفة ُ منسقــــــــــــــــــــة ُ

ينام ُ بها ضيـــاء الفجــــــــــر

انا المقتول قاتلتـــــــــــــــــــى


عيون ُ رمشها خنجـــــــــــــــر

فيا ويحــــــى معذ بتـــــــــــــــى

غدت صنما من الاقصــــــــــــــر


على الاعصاب لم تشفـــــــــــــق

على الاشلاء لم تنظـــــــــــــــــر

كفى دلعا ً معذبتــــــــــــــــــــــى

كفى قتلا كفانا نحــــــــــــــــــــر

جمالك انت اغنيـــــــــــــــــــــــة

ورابية ُ من الزعتــــــــــــــــــــر

فما ارقاك ِ انستــــــــــــــــــــــى

وما احلاه من محضـــــــــــــــــر

عقل ... سبع سنوات؟...

بقلم/الكولونيل شربل بركات


يحتفل الأهل اليوم بالذكرى السابعة لاستشهاد أحد أبطال الجنوب الرفيق القائد، المقدم عقل هاشم، الذي أحبه الكل وعرفوه أكثر بأبو الياس...

منذ سبع سنوات استشهد عقل على أرض الجنوب التي أحب...
لم يستطيعوا مواجهته فغدروا به، كعادتهم، من بعيد...

كان عقل قد حفر في تلك الجهة من مرج دبل بئرا، أراد أن يروي بها الأرض، لتنغرس عميقا جذور الأهل فيها، فيتشبثون بترابها. وكان يلذّ له أن يمضي كل فرصة متاحة بين أفياء الأشجار التي غرس، يروي الخضار، ويتامل بالزهور تزين الحفافي، ويملأ جعبته من غلتها التي تغطي التلوم وتبعث الأمل في قدرات تلك الأرض الخيرة.

ولم يترك عقل سلاحه ولا المسؤولية التي يتطلبها حمل ذاك السلاح. ولم ينم أبدا على حرير التطمين والممالقة. لأنه عرف أن الأعداء كثر، والنوايا معكرة، والقلوب تزيد سوادا يوما بعد يوم في الطرف الآخر. عرف بأنهم يبيعون الوطن، ويبيعون التاريخ، ويبيعون التعايش، من أجل وهم نبت في بلاد الفرس ليأخذ في طريقه حلم لبنان وأهله.

وكان ذلك النهار، وليته لم يكن، ولكنه ربما كان خيارا من عند الله عز وجل، ليمنع عنه تذوق الآتي الذي كان سيعتبره أصعب عليه من الموت.

ذهب عقل قائدا لآخر قوافل الشهداء، وانتهى به مجد تلك النواحي، ودفن معه العنفوان... فالصديق تخلى، والعالم تنكّر، والحكم الذي كان من المفترض أن يتسلّم المسؤولية جيّرها لقطاع الطرق، شذاذ الآفاق، من لم يكن فيهم خير لأهلهم فدفعوهم للموت كي يبني ملالي طهران أمبراطوريتهم على أنقاض لبنان، وأطفال لبنان، وشباب لبنان، ومن أجل أن يتحكم فينا والي الشام الذي لم يحلم بأن يُغرر بالأحرار فيقتلوا الحلم، ويقتلوا الوطن، ملجأهم وبيتهم الوحيد في ظلمة هذا الشرق الغادر الذي متى غاب لبنان غاب عنه كل سلام وحب ومنطق وتفاهم.

مضى عقل صحيح، ولكنه لم ير ما وصلنا إليه، وتلك نعمة منّ عليه الله بها. لم ير كيف يقتل الحلم بقيامة الوطن بالرغم من خروج الأعداء وانسحاب جيوشهم، وبالرغم من وقوف العالم إلى جانبنا.

مضى عقل بدون أن يعطي الفرصة لأحد منهم أن يمننه بجميل، وبدون أن يسمح لهم أن يقولوا فيه كلمة حق قد يغلفها العهر، فالخوف من الطارئين أرعبهم، ووصل بهم الحال إلى منع رأس الكنيسة من أن يؤدي واجب التعزية، وهل من عجب ألا يستطيعوا بناء وطن بعد خروج الأعداء؟...

من لم يعرفك بطلا في حياتك عرفك بالتأكيد لردة الفعل الهمجية التي سيطرت عليهم يوم استشهادك، وكأنهم اعادوا الأندلس أو احتلوا القدس أو ربما أحيوا صلاح الدين. بهذا القدر كنت عظيما.

لقد ظهر بالفعل مدى هيبتك بينهم ومدى وهرتك عليهم ومدى خوفهم من مجرد سماع اسمك. وبالفعل خسرك لبنان وخسرتك منطقتك التي أحبتك وخسرناك نحن الرفاق والأهل لتزيد غربتنا في هذا العالم الظالم.
نم يا صديقي قرير العين، وأسمح لي أن أحييك وأنت في عليائك باستعارة أبيات من شاعرنا الذي كنت تحب، وقد أبى إلا أن يلحق بك هاربا من الذل، معترضا على الظلم بكل الكبر الذي كان فيه، قالها على مسمعك وفي أمثالك من أبطالنا الأباة، يوم فرض علينا الحصار فوقفنا بكل عزة نفس ندافع عن الكرامة، فيسقط الأحبة يمينة ويسرى، وتحمل أنت الراية ليستمر النضال، ولو بالثمن الغالي... قال، وكأني به يقولها لك اليوم:

حيي شهيد العلى أكرم به بطلا لـولاه مـن عــاره لبنــان مــا غســلَ
وصغ له المجد تيجانا مرصّعة وأجعل حلاها الهوى والشوق والقبلَ

نعم فقد كنت والرفاق خير مدافع عن الوطن في غمرة الأحداث التي لم تترك مجالا للحوار والنقاش، وكان الخيار الوحيد إما الهرب وترك الأهل والأرض التي أحببنا، أو الصمود والدفاع عن الناس ومنع تهجيرهم وترهيبهم، ومساعدتهم على الاستمرار والعيش بكرامة، وانتظار الحلول وعودة الدولة، التي كانت هربت أمام جحافل عرفات من جهة، وجيوش قحطان وأتباع حوران من جهة أخرى. ولكن الدولة التي انتظرنا كان صادرها نصر الله بموافقة الجبناء والاغبياء، الذين يعانون اليوم أكثر بكثير مما عانيت أنت، وذلك ثمنا لسكوتهم وقبولهم بأن يتلهى أمثال عرفات أولا، ونصر الله ثانيا، بالجنوب وأهله، ويحاربونهم، ويقتلون أولادهم، ليسمحوا أن يستقر الوضع في العاصمة. ولكنهم لم يعرفوا أن الوحش لا يشبع، وأنه عندما لا يبقى له من يقاتله سينقض بالضرورة على أهل بيته فيأكل حتى أولاده...

صديقي كم تمنيت أن نعود إلى بلاد الأرز التي دفع الرفاق حياتهم للذود عنها، كن تمنيت أن نعود سوية إلى ربوع بيروت والجبل والبقاع نتفيأ ظلال الأمان ظلال الهناء التي عودنا لبنان عليها، ولكنك رحلت، ولبنان ما يزال في رحلته البعيدة، مقيدا بسلاسل الحقد، يعيث خرابا في أرضه شعب غريب بتطلعاته وأهدافه، بكرهه الآخرين وبثقافته التي لم نعتدها، ثقافة الانزواء والانتحار.

في ذكراك السابعة اليوم نعاهدك كما بالأمس ألا ننسى الحلم بلبنان حر سيد مستقل، كبير بين الكبار، منفتح على الكل، يظلله سلام دائم، وينعش جنوبه تعاون المحبين الشرفاء، الذين رفضوا ثقافة الموت وحلموا دوما بالحياة تضج في ربوعه وتزين تلاله بالمجد والعز والكرامة...


تورونتو  كندا

لي النقمة أنا أجازي يقول الرب"


بقلم/الياس بجاني
الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية


يصلي أهلنا في جنوب لبنان اليوم لراحة نفس فقيدهم وعزيزهم وابنهم البار شهيد وطن الأرز عقل هاشم في الذكرى السابعة لاستشهاده على أيدي جماعات الأصولية والإرهاب والغدر، طالبين لنفسه الطاهرة المراحم في جنة الخلد حيث الأتقياء والصديقين، وحيث الراحة الأبدية والفرح.

مع أهلنا الجنوبيين كافةً، ومع الذين لا يزالون منهم قسراً لاجئين في إسرائيل تحديداً، ومع كل لبناني شريف وصادق يؤمن بلبنان الهوية والكيان والتعايش والحريات والمحبة والسلم والتسامح والرسالة، معهم جميعاً نرفع بخشوع أيدينا إلى السماء حيث آله الحق والعدل والمحبة والحساب، ونتضرع له خاشعين أن يترأف بلبنان ويعيد له السلام والمحبة والأمن، وأن ينعم على أهل لبنان بالسلم وراحة البال والعيش الرغيد بعزة وكرامة واطمئنان تحت رايات السيادة والاستقلال، وفي كنف القانون وشرعة الحقوق الدولية، وأن يقوي إيمانهم ويثبت رجاءهم.

لقد قدم عقل هاشم نفسه قربانا على مذبح وطن القداسة والقديسين والـ 7000 سنة حضارة وتاريخ وعطاءات، وقد مشى بكبرياء الأبطال وعنفوانهم، وعن طيبة خاطر وقناعة تامتين طريق الشهادة وهو رافع الرأس وشامخ الجبين، لعلمه الإيماني والروحاني الراسخ والأكيد بأن الأوطان التي لا يفتديها بنوها بدمائهم والمهج تزول ويتشتت أهلها وتضيع في غياهب النسيان هويتها والخصائص.

عقل هاشم بطل من أبطال لبنان وشهيد من شهدائه، وهو مثلهم رفض الهوان والذل وقال لا مدوية للنزوح عن وطن الأجداد.

عقل هاشم ورغم كل الصعاب والشدائد وقلة الإمكانيات العسكرية والمادية قرر وعن إيمان البقاء في أرض جنوبه الغالي وفي بيته وقريته وبين أهله، رفض الإستسلام وقاوم بإباء وبطولة قوى الشر والظلامية والأصولية إلى أن سقط برصاص الغدر ليسقى بدمه تراب وطن الأرز وينضم لقافلة الشهداء الإبرار.

استشهد عقل هاشم وهو يعلم أنه كحبة الحنطة التي إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة وواحدة، وإن هي ماتت تصبح حبات.

استشهد عقل هاشم وهو يردد مع مار اسحاق السرياني: "أن نموت في الجهاد أليق بنا ألف مرة من أن نحيا في السقطة والذل. فهذا العالم ميدان جهاد وقد أوجب علينا الرب إلا يقف جهادنا حتى النهاية".

استشهد عقل هاشم وهو مؤمن بتعاليم الكتاب المقدس التي تقول (رومية 12): "لا تجازوا أحدا عن شر بشر معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس. إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل أعطوا مكانا للغضب. لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب".

يا أيها الشهيد الغالي نم قرير العين فالرب سيجازي ويحاسب وينتقم من كل الذين اغتالوك ويغتالون كل يوم تحت الرايات الصفر أمن واستقلال وهوية وسيادة وطن القداسة، وطن رسالة المحبة وثقافة التعايش والسلم.

يا من أحببتم عقل هاشم، إن النصر الحتمي سيكون لكم لا محالة لأنكم أهل رجاء وأصحاب حق وأرض وقضية. إن قرابين شبابنا هي الخميرة التي تخمر باستمرار عجينة الوطن لتصون قدسية ترابه والطهر، أما المارقون والقتلة فحسابهم عند الرب وهو المجازي ومع الصلاة اليوم لروح عقل "باركوا على الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا" (رومية).

العسل يزيد الوحدة الوطنية نضارة والتفاهم تألقاً

بقلم / يوسف صادق

نأمل أن يكون الاتفاق الذي أبرم فجر اليوم برعاية أمنية مصرية هو الأخير من نوعه، سيما وأن قضيتنا الفلسطينية بدأت تنهار أمام أعيننا بعد السجل المشرق الذي بنته المقاومة الفلسطينية في كافة مراحل القضية الفلسطينية.
ويبدو أن هذا الاتفاق هو إتفاق تمهيدي لما سيحصل لاتفاق مكة المكرمة برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو ما نعتبره قوة الدفع الأخيرة من الدول العربية الشقيقة نحو التهدئة الفعلية في الشارع الفلسطيني.
بينما نهمس قليلا في أذن قياديي حركتي فتح وحماس أن هذا الاتفاق وما سينتج من اتفاق مكة كان على طاولة المفاوضات والنقاشات والاقتراحات التي قدمتها كافة الفصائل الفلسطينية بدءاً من حركة الجهاد الإسلامي، مرورا بالجبهتين الشعبية والديمقراطية، وانتهاءاً بالمفكرين والمثقفين، لكن وكما تعود شعبنا الفلسطيني أو قيادتنا دوما أن الحل لا بد وأن يكون من الخارج، ومن أصحاب الثقل السياسي والمالي.. وهو ما يؤكد ترحيب حركتي فتح وحماس في أقل من خمسة دقائق بمبادرة العاهل السعودي "طيب الله وجه"، وهو ما يؤكد أننا كفصائل فلسطينية "أنكم أقصد"، تبيعون دمائنا كمواطنين فلسطينيين تسفك في أي وقت تشاءون، لأجنداتكم السياسية.
كل ما أود قوله هو أن فصائلنا الفلسطينية التي هي دون فتح وحماس، كانت دوما جاهزة بمقترحاتها وأجنداتها السياسية لإخراج القضية والأزمة الفلسطينية من هذا المستنقع الخطير التي وصلت إليه، إلا أن الآذان يبدو أنها صمت أمام تلك المبادرات والحلول الداخلية، وكان لا بد من وجوب مبادرة من خارج اللحمة الفلسطينية كي تضاف إلى السجل السياسي المليء بالأجندات المختلفة.
نؤكد ونرحب بالمبادرة المصرية والسعودية التي ستخرجنا من هذا المأزق ولو لعشرة أيام نستطيع خلالها التزود بالمواد الأساسية لبيوتنا، حتى نفرض على أنفسنا منع تجوال طبيعي وخوف ورعب لأطفالنا.
ونوجه كلمتنا للجهاد الإسلامي والجبهتين الديمقراطية والشعبية أن كافة الحلول التي طرحتموها أمام الحركتين " فتح وحماس" لا تقل أهمية عن أي مبادرة عربية ولكن السياسة تتطلب أن تتقزم مبادراتكم أمام المبادرات الأخرى، وكأن الليالي التي قضيتموها في محاول لنزع فتيل الأزمة باتت تتقاذفها رياح المصالح.
على كل نأمل أن تتكلل تلك المبادرات بالنجاح المطلق حتى يعود الوئام لأهله من جديد ونستطيع أن نواجه المحتل الإسرائيلي الذي يصدر لنا الأزمة تلو الأخرى والتي كان آخرها إشعال نار الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني ليقف كمتفرج عما يدور في شوارع غزة، دون أن يكلف نفسه أي رصاصة طرفنا.
وننصح كعادتنا آخر ما نكتب أن للعسل فوائد كثيرة، فهو يزيد الوجه نضارة ويعطي الشعر أكثر تألقا، فأكثروا من أكل العسل.
Yousefsadek2004@hotmail.com

الاثنين، يناير 29، 2007

رسالة إلى الصحفي الرائع أبو بكر الجامعي


مليكة طيطان



الشاب الوسيم الصحافي المتنور أبوبكر الجامعي شكل موضوع حرية الرأي والتعبير في المغرب هذه الأيام بفعل اضطراره اتخاذ قرار إزاحة نفسه من مهمة تسيير مؤسسته الصحفية المتميزة والمبصومة بخط تحريري لم تعهده الصحافة المغربية من قبل أبوبكر قدم استقالته من تسيير المؤسسة الصحفية التي يضطلع بالاشراف على تحريرها وأيضا هو مبدع خط تحريرها لأن حراس الأفواه الجريئة التجأوا إلى استعارة قفازات أجنبية نسجت خيوطها في دهاليز أصحاب الوقت المغاربة تكلفت بإرغام المتميز أبي بكر على مغادرة المهنة اضطرارا منذ انطلاقتك واختيارك ركوب الأمواج العاتية بدل المهادنة والاستكانة والاسترخاء والتساكن أمام العتبات ؟؟؟

أقول منذ البدء واكب المسار زخما من المحطات ...كاد البعض منها أن يعصف بمشروعك الاعلامي إن لم يعصف به بالفعل زمن الرسالة المعلومة التي كانت سببا في وقوفنا على معطى ممتع مفاده أن ينضاف حزب وكاتب أول لحزب إلى خانة المقدسات ...تجرأت وانسجاما مع الأمانة الصحفية والخبر المقدس ونشرت الرسالة المعلومة ...ارتكنت في دهليز وسر الزعماء ، والضحايا هم نحن البسطاء ...كانت صفعة رمت الكرة في مرمى من يهمهم الأمر ...

لهذا السبب أعتبرك أستاذا أعاد توجيهنا ورفع عن أعيننا غشاوة التيه ألا تعلم أيها الرائع بأنك أول من تجرأ على كشف الغطاء على جسم الصحافة اقتناعا منه بالحداثة والتنوير وأشياء أخرى تخذم صاحبة الجلالة ...رغم أنك في مثل سن أبنائنا وهذا يشرفنا ، وبالمناسبة تقبل هذا التشبيه مني أيها الشاب ولا تعقب علي بذلك الرد المعلوم والجدل المضحك الذي كنت بطله وأنت تستجوب وزير الداخلية المغربي الذي خلف الوزير المخلوع بالقناة التلفزية الثانية ...لحظة ممتعة نستحضرها حينما رفضت أن يناديك الوزير بيا ابني ...

بكل بساطة قلت أنا لست بابنك ...لكي يكون رده من صميم ما تحمله عقول لا يمكن أن تجمع إلا هذا المتاع ....نعم رغم كل الحيثيات الزمنية أو الانتماء تبقى صاحب امتياز في إعادة تربيتنا نحن البسطاء الذين كان قدرهم تمرس السياسة بصيغة الفطرة والسذاجة تطبيقا لتوجيهات الشيخ للمريد جاء دور الاشاعة كنت عرضة لها في مصانع المقاولات الأحزاب ومن يتعلق به الأمر ، يخلقون الاشاعة ويتفنون في حبكة إخراجها ينفتون فيها من أجل تقويتها وتمكينها من سرعة الانتشار ...

تذكر أيها الرائع حكاية أول لقاء لي صدفة معك وأعتقد كنا نتعارف على مستوى الأسماء فقط ...تذكر وفي ذلك اللقاء الأول والسريع مادار بيننا بخصوص مدينة أسفي وعلى أنك تنحذر بدورك منها من جهة الوالدة تذكر جيدا ما فاجأتك به حينما طرقت قعر ذاكرتي واسترجعت من هي الوالدة ، ابنة أسرة معروفة كسائر الأسر المغربية المسلمة ومشهود لها بالتميز بمدينة آسفي اغترف أبناؤها من معين الثقافة والانعتاق في اتجاه الحرية والعجب العجاب في الأمر أنه لا أدري الأسباب الكامنة في دواخلي التي رمت بي إلى هذا الخنذق الحزبي الذي صنع إشاعة أن الوالدة مغربية يهودية تعيش بإسرائيل....ولأن شجاعتك أنهكتهم ما ترددوا وما استكانوا في نسج الاشاعة لعل الأمر يساهم في إطفاء جدوة تلهف قرائك بدون تفصيل ممل لأن شرح الواضحات من المفضحات ....

أنت إعلامي استثنائي مستهدف ومنذ الانطلاقة ...لا يمكن أن تتعايش الخسة والندالة مع الجرأة والاستقامة وتقدير جسامة المهمة الاعلامية ...ببساطة لايمكن أن يتعايش خطك التحريري مع الاستعمال المائع للصحافة الذي أفقدها المصداقية جملة وتفصيلا تمارس المهمة من منطق الجودة والنقاء من كل الشوائب ...

تمكنت من تأسيس الصرح الصحافي الذي شكل نشاطا ساهمت فيه كل الطاقات الصحفية بدأ من صاحب الكلمة مرورا بتقنيي التصنيف والتبويب والاخراج والطبع وصولا للمستهلك أي القارئ ...هذه الطاقة برمتها تنحو في اتجاه واحد ألا وهو تحقيق الهدف الواحد ....إنه الكلمة والخبر الصادق ....

فحينما ينتج تحصيل الهدف لدى المتلقي أي الارتواء بحقيقة الأشياء آنذاك تحدثنا أن خطك التحريري يسعى إلى تأسيس متعة حرية التعبير ليس بغريب على المهتم بالصحافة أو العابر سبيل ان الشرط الأول الذي استفز حراس الأفواه الجريئة الذين ضايقتهم جرأتك أقول أن الشرط الأول لإثارة حفيظة من يرفض هو سرد الحقائق التي يشعرون وبشكل إرادي أنها تقترب منهم ....يتمثلون أنه ثمة قوة صحفية تقهرهم وبالتالي ستعريهم وكردود أفعال هاهي الدسائس والمناورات والقوالب والمحاكمات والاكراهات التغريمية تجعل المحترف الصحافي يغاذر المهمة المزعجة اضطرارا كما هو حالك أيها الرائع رغم الاكراهات هذه التي جعلتك تغاذر المسؤولية الاعلامية مضطرا تأكد وعن طريق اليقين الذي لا يخترقه شك أنك صحفي مبدع تتقن ( غرزة )الحرفة بطريقة فنية تستحضر فيها الشروط المطلوبة ...لا تدبلج ولا ترتب ، تصب المعطى في أذهاننا وتمدنا بوسائل استيعابه ويكون حاضرا كموضوع أساسي لقراءة تفاصيل التاريخ ومعطيات الحاضر وترتيب المستقبل ....معه أيضا نستحضر انفعالاتنا ومن خلاله نستنتج حكمنا ....

حكم يساير ويوافق حقيقة الأمور بعد تمحيص وملاحظة واستقراء ومقارنة وصولا إلى الحكم وهو الشرط الذي ترفضه العقول الأقزام التي تصر على أن تصبنا في قوالب جاهزة أوضاع وطنك السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي ديدن تحركك وجهرك وجرأتك المرفوضة ...

اخترقت خطوطا حمراء لأنك علمتنا أن التحولات الكونية تجبر على ذلك ...أيضا أود أن أشير إلى أن البعض من زملائك يكرر أنك على طرفي نقيض من منهجهم...يكيلون لك في السر وفي العلن وبشكل ضمني أحيانا ....في الأصل يكيلون إلى منهج حداثي أزاح إلى سلة المهملات التعتيم والتضليل والاغراق في الغموض السمة الغالبة عند كتبة تحت الطلب ...في نفس السياق تأكد أيها الرائع أنه حيث يرابض حراس الأفواه الناطقة بالحقيقة في المجال اللاعلامي الصحفي وإن تفوقت لا قدر الله في التلجيم والتكميم حتما سيتكاثر عوسج التضليل والبهتان والكذب والنفاق ...بالمناسبة ماهو رأيك أخي في الصحافة الحزبية المغربية ؟؟؟؟

وأخيرا أيها الشاب الصحافي اللامع وبما أنه شكلت مختبرا لكل الوسائل الزجرية من أجل الاستكانة والاقناع والجنوح والسلم والمهادنة وما يحمله قاموس الانهزام ....ولأن اختيارك هو الأحلى من بين الحلول المرة التي كانت في متناولك تأكد أن الاستقالة ليس معناها في أذهان من يجهل حقيقة الأشياء أنك سقطت من سماء الصحافة ...بل تربعت على سدتها .....

هجرانك للمسؤولية فرصة سانحة من أجل اتحادك مع عالم صاحبة الجلالة أكثر سيما وأن جلالتها تهتم وتعتني بوسائل الاستجابة الآتية من التحديات وفي حجم تحيادياتك وأديل رسالتي هذه أيها اللامع بالنصيحة التالية دائما استكن في نفس الوضع هو نفس المبادئ والقيم والقناعات تناسى ما يحاك وينسج فإن الأقزام بإمكانهم وبيسر أن يغيروا الأسماء دون إخبار الأمهات أطرح نفسك في محيط الوجود الصحافي والتزم بالسكون وعدم الاكتراث بالأشياء الصغيرة التي تصدر وتحاك من أشخاص بدورهم أقزام في النهاية تأكد أن جميع الأمور ترجع إلى جذورها الأصليةولا شيء غير حقيقة الأشياء وهل التاريخ فاجأنا بأن نبيا بشر بنبوته في موطنه ؟؟؟؟؟

أمسية رحبانية في أبوظبي

تحت رعاية "اتحاد كتَّاب وأدباء الإمارات" يقيم مجلس العمل اللبناني ومجلس العمل السُّوري في أبوظبي أمسية أدبية – فنية حول كتاب "جماليات الإبداع الرحباني" للدكتور مفيد مسُّوح يحييها الشاعر اللبناني هنري زغيب.



وستقام الأمسية في تمام الساعة السَّابعة والنِّصف من مساء يوم الإثنين الموافق 12/02/2007 في مبنى المسرح الوطني - أبوظبي بحضور شخصيات رسمية وثقافية.


يتضمن الاحتفال كلمة مؤلف الكتاب عن الأدب الرحباني وعن مؤلفه الجديد وقراءات من الشعر الرحباني يقدمها الشاعر هنري زغيب ومعزوفات من التراث الموسيقي للأخوين رحباني يقدمها الفنان أحمد جميل، بعدها يقوم الدكتور مسُّوح بتوقيع كتابه.



يلي الأمسية حفل كوكتيل في صالة المسرح، والدعوة عامة.
جماليا
www.jamaliya.com

الأحد، يناير 28، 2007

هل يستنكر المثقفون العراقيون قتل الفلسطينيين في العراق؟


بقلم: سعيد الشيخ

ما زالت مأساة الفلسطينيين في العراق تشهد فصولا متسلسلة من القتل والتنكيل والتهجير على أيدي قوى باتت معروفة بطائفيتها، تمارس أبشع أنواع الأعمال الاجرامية عبر فرق تمتهن القتل وتجوب المناطق لاصطياد ضحاياها المختلفة عنها مذهبيا ومنها اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي خمسين الفا كانوا محل ترحاب من الحكومات العراقية المتعاقبة منذ نكبتهم الاولى عام 1948 وحتى إسقاط النظام الوطني العراقي في التاسع من نيسان عام 2003 على إثر الغزو الامريكي لهذا البلد العربي.

وفي ظل التعامي الامريكي وصمت حكومة المالكي بما يبدو مباركة لما يحصل للفلسطينيين فأن القوى الظلامية تبدو أنها مصممة في المضي الى آخر مشروعها في تهجير الفلسطينيين الى خارج العراق . وهذا ما دفع وكالة الانروا الدولية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين الى مناشدة الدول العربية الى فتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين الفارين من الجحيم العراقي.

والغريب في الامر ان بعض الدول العربية تفتح ابوابها للمهاجرين من حملة الجنسية العراقية وتغلقها في نفس الوقت بوجه المهجرين الفلسطينيين ... وكأن قدر هذا الفلسطيني ان يظل في صحراء التيه يصرخ وحيدا وينزف وحيدا في ظل تعتيم إعلامي عربي ودولي على ما يجري من فظاعات مشينة تعود الى القرون الوسطى.

ولو أرادت إيران التي ترعى وتدعم هذه القوى ان توقف هذا العدوان على الفلسطينيين لكانت فعلت ذلك، وهو أقل الايمان من دولة تعلن إصطفافها الى جانب القضية الفلسطينية بمواجهة المشروع الصهيوني ـ الامريكي. ولكن لعبة إيران في العراق هي فضيحة كبرى لايديولجيتها التي لا ترى أبعد من مصالحها التي تتقاطع مع قيام عراق عربي لجميع أبنائه بمختلف دياناتهم وطوائفهم.

ولا نتوقع ان يتدخل المحتل الامريكي لوقف الاعتداء على الاقلية الفلسطينية حسب اتفاقيات جنيف الرابعة التي حددت مسؤولية حماية المدنيين على عاتق قوات الاحتلال . فهذه القوات إرتكبت أشنع االممارسات اللاانسانية في العراق منذ احتلالها له، عدا ان السياسة الامريكية في العراق هي تغذية روح الفرقة بين الطوائف لاشعال حرب أهلية تفسح لها التمكن من اطالة أمد الاحتلال والسيطرة في مرحلة لاحقة على المنطقة عبر البوابة العراقية.

يروي الفلسطينيون الناجون من مصائد الموت في العراق فظائع تعذيب وموت...ممارسات تنال من انسانيتهم وأرزاقهم لا يمكن ان تمحى من الذاكرة بسهولة وهي تؤسس لعلاقة عدائية محل علاقة تاريخية من الاخوّة والمودة بين الشعبين .

وحسبي ان في العراق ما زال من القوى الديمقراطية والتقدمية هي مطالبة اليوم وعلى عجل اعلان استنكارها وشجبها للقتل العشوائي الذي يضرب العراق وادانة ما يتعرض له الفلسطينيين هناك.

كذلك هل ينتصر المثقفون العراقيون لانسانيتهم ويعلنوا موقفا واضحا وصريحا ومستنكرا لما يلحق الفلسطينيين من أذى في العراق... هل يضموا أصواتهم الى صوت الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف الذي كتب بكل شفافية ووفاء:
"نستعيد الان كيف حمانا الفلسطينيون، يوم شرّدنا، وكيف وهبونا الصدارة في خيمتهم. كيف ساروا بنا في موكبهم المناضل، من بلد الى بلد ، يجرجروننا وأطفالنا، كما يجرجرون أنفسهم وأطفالهم، عبر القوى الظالمة"...
شاتيلا في بغداد؟
أي زمان هذا؟

سعيد الشيخ
كاتب وشاعر فلسطيني

السبت، يناير 27، 2007

ستون عاماً على غياب الياس أبي شبكة



بين قيثارة الياس أبي شبكة وغَلْوائه

"ما نحنُ نحييك لكنْ أنتَ تُحْيينا"

د. مفيد مسُّوح

لم يكن يعلم التاجر اللبناني يوسف أبو شبكة وهو يجوب البلدان سعياً لتأمين متطلبات الحياة الكريمة لعائلته الصغيرة أن ابنه الياس سيكون ذا شأن في لبنان وفي المحيط الأدبي حياً وبعد رحيله. كان همّه الرئيس أن يرى ابنه ناجحاً في دراسته وكان الفتى حريصاً على إرضاء والده الذي أجبره السَّفر على التغيُّب عن الأسرة لفترات متقطِّعة مما خلق عند الياس حالة من الاشتياق الدائم لوالده وتعطُّشاً لاستقرار لم تنل الأسرة حظاً وفيراً منه.
في رحلة للعريسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان لزوجة يوسف أبو شبكة أخ معروف في الأوساط الفكرية والأدبية هو الياس فرزان، من الزُّوق – كسروان، ولد الطفل الذي سُمِّي على اسم خاله لشدة إعجاب الوالدين به. كان ذلك في الثالث من شهر أيار عام 1903. من نيويورك عادت الأسرة إلى لبنان فسكنت بيتاً في حيٍّ فاخر من قرية الوالدين الجميلة في كسروان "زوق مكايل". كان المنزل الكبير مصمَّماً على الطراز اللبناني التقليدي ومبنياً بأيدٍ ماهرة وبجودة عالية من الحجر الكلسي الأبيض وقد سُقف بالقرميد الأحمر ونقشت علىسقفه الداخلي رسوم تزيينية وفُرشت أرضه بالرخام وسُوِّيتْ حديقته التي زُرعت بأشجار اللوز والليمون والرمان وغيرها فكانت إطلالة البيت العالي على البحر في الصباح وعند الغروب جزءاً من بيئة جميلة تعلَّق الطفل الياس بها وهو يتعرَّف على طبيعة بلده لبنان.
من هذا البيت بدأت حياة الياس أبو شبكة وفيه انتهت باكراً. منه ابتدأ الطفل دراسته في مدرسة "عينطورة" للآباء اللعازريين وبقي فيها ثلاث سنوات. كان أبو الياس قد لقي حتفه في ظروف غامضة خلال جولة عمل له بين لبنان ومصر والسودان التي قتل فيها غدراً فأثار غيابه حزن أسرته وحالة من الإحباط عند الولد ابن التاسعة بقيت ترافقه لفترة طويلة من حياته التي كانت مشاعر الكآبة غالبةً على أيامها. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية صعُبت الظروف في محيط أسرة الفتى فترك المدرسة بادئاً البحث عن عمل يعيله وأسرته ثم عاد ليستأنف دراسته بعد انتهاء الحرب في "مريمية جونيه" وانتقل منها إلى مدرسته الأولى في عينطورة التي تركها بعد سنتين بحثاً عن وظيفة تقيه وأسرته العوز دون أن يوفَّق .. كانت الأبواب موصودة أمامه وكانت مشاعر الإحباط تزداد في نفسه ويزداد معها سخطه على المجتمع الظالم وعلى الأنانيين من الناس .. وكان لابدَّ للشاب ذي الحساسية العالية والطموح الكبير من التعبير عن رفضه لما يحيط به من ظلم وقسوة ونقمته على الظلم والظالمين عبر كتاباتٍ بدأت برسائل إلى أصدقائه وحبيبته وصارت قصائد جمعها فيما بعد ليصدر ديوانه الأول تحت اسم "قيثارة" في عام 1926. في قصائد هذا الديوان نفحات من الحزن والألم وعذاب الضمير عكست حالة الشاعر المتشائمة واليأس من مصيره وهو يحاول شقَّ طريقه في هذه الحياة المليئة بالمتناقضات والتي انعدم فيها العدل وطغى الظلم وسيطرت مظاهر التخلف وغلب التراجع وغابت عنها صور الماضي المتألق والحضارة العريقة. وهي في نفس الوقت سجل بدايات أبي شبكة الذي تعلَّم الأدب وكتابة الشعر بجهوده الخاصة أكثر ما لقَّنتْه سنوات الدراسة المحدودة المتقطِّعة.
السنوات المعدودة التي درس الياس أبو شبكة خلالها في مدارس جونيه وعينطورة كانت كافية لتعريفه بالأدب العربي والعالمي وبرموزه في لبنان وخارجه وحثَّته على القراءة الدائمة باللغتين العربية والفرنسية فغدا ملمَّاً وعارفاً وتكوَّنت له شخصية بدأت متأثرة بأبي العلاء المعري وجبران خليل جبران وغيرهم من الأدباء والشعراء التراثيين والمعاصرين، وجدير بالذكر أن الياس أبو شبكة كان معجباً بشعر خاله الياس فرزان، المفكر الذي عاش ومات في نيويورك وكان له فيها حضور فكريٌّ مثيرٌ. سرعان ما تميَّزت شخصية أبي شبكة بفرادة في الرؤى والوسائل وفي تقنيات التعبير فأصبح لأبي شبكة عالمه الخاص الذي جذب المهتمين بالأدب والشعر والفلسفة فالتفوا حوله وتردَّدوا إلى منزله الذي تحوَّل بصالته الواسعة وأناقته إلى ملتقى وضيافة ذكرها الكثيرون في كتاباتهم.
كسائر الأدباء والشعراء كان التعليم أيسر مهنة توفَّرت لشاعرنا فعمل دون رغبة أو قناعة في معهد الآباء اليسوعيين ومدرسة الفرير وفي مدرسة المقاصد الإسلامية. كانت أمنية الشاعر في التفرُّغ للكتابة والإبداع الأدبي كبيرة، وكان قد بدأ التَّعرُّف على كتاب وأدباء وصحفيِّي لبنان المرموقين من خلال كتاباته ورسوماته في بعض الصحف والمجلات البيروتية وكانت إحداها مجلة "المعرض" التي أسَّسها ميشال أبو شهلا (1898 – 1956) وكتب فيها عدد كبير من الأدباء والمفكرين والفنانين المجدِّدين. وفي قلب هذه المجلة المثيرة تكوَّنت في عام 1930 "عصبة العشرة" التي كان الياس أبو شبكة أحد أعضائها الرئيسيين وكان فخوراً بها وبالنقاشات الأدبية الحيوية التي وصفها بأنها تجعل المتحاورين "يحلّقون في سماء الأدب تحليق النسور في مذاهب الجو". كان أعضاء هذه العصبة، إضافة إلى ميشال والياس، كلٌّ من خليل تقي الدين (1906-1987) وفؤاد حبيش (1904-1973) وكرم ملحم كرم (1903-1959) وتقي الدين الصلح (1901-1988) وتوفيق يوسف عوَّاد (1911-1989) ويوسف ابراهيم يزبك وعبدالله لحُّود وميشال أسمر.
حتى ذلك العام كان الياس أبو شبكة قد أصدر بعد "قيثارة" وبين العامين 1927 و 1928 دواوينه "طاقات زهر" و"العمال الصالحون" و"المريض الصامت". كان الشاعر الرومانسي يعيش حالة من الحب بدأت وهو صبي يافع عندما تعرَّف على ابنة القرية، الصبية الذكيَّة والتلميذة في مدرسة عينطورة "أولغا سيرافيم" وصديقة اخته فيرجيني وكان في السادسة عشر من العمر، وكانت تكبره بعامين. هذا الحب الصامت الذي استمرَّ أكثر من عقد من الزمن وصل بالحبيبين إلى زواج في عام 1931 وصداقة روحية عميقة استمرَّت حتى وفاة الشاعر بين يدي زوجته في 27 كانون الثاني عام 1947.
حبُّ الياس أبو شبكة لرفيقة عمره "أولغا" كان ملهمته لكتابة معظم أشعاره وخاصة الرواية الشعرية المتميزة التي حملت العنوان "غَلْواء" والتي جاء اسمها من الاسم الذي أطلقه الشاعر على زوجته بعد مداعبة اسمها الحقيقي بقلب ترتيب أحرفه. كانت "أولغا" الصبية الجميلة الجريئة المثقَّفة سلوى الشاعر الفتي في معاناته واصطدام طموحاته الكبيرة بالواقع المكبِّل والظالم. يقول الشاعر هنري زغيب عنه: (عرفتَ غَلْواكَ والأيَّام بُرْعُمةٌ .. ورحْتَ ترْصدُ فيها الأنسَ والسَّمَرا).
و"غَلْواء" التي تأنَّى الشاعر في إصدارها فلم تظهر حتى عام 1945، علماً بأنه كتبها وهو في ذروة الحب العذري بين 1926 و 1932، هي رواية شعرية بقالب ملحمي غنائي بطلتُها زوجتُه وقد قال إنها: "رواية شعرية ذات أناشيد أضمّنها بعض المشاهد الحيّة من البيئة التي أعيش فيها كظلم الإنسان للإنسان، وتمّرد القوي على الضعيف، وهذيان السياسات المريضة، واستسلام الشباب إلى شهواته .." وقال أيضاً: "بنيت الموضوع على شطر من حياتي الغرامية، وحملتُ غلواءَ الطاهرة البريئة، مثال الفتيات تحت هذه السماء ..".
تتألَّف "غلواء" من أربعة "عهود" تشكل مراحلَها يقدِّم الشاعر في عهدها الأول تعريفاً برؤياه عارضاً قسوة الحياة ومفاجآتها في صورة مرض الحمَّى الذي أصاب غلواء في صيدا وإذ يتحسَّر بسبب معاناتها يصفها بطريقة شاعرية يمتزج فيها جمالها الجسدي والروحي بجمال الطبيعة. في العهد الثاني ننتقل إلى معاناة الشاعر من جفاء غلواء وما تركه في نفسه من شجن وما آلت إليه حاله من عذاب ووهن، وهو يستنجد بأمِّه شاكياً، ونصل في العهد الثالث إلى ما سمَّاه "عهد التجلّي" و"طريق الجلجلة" وفيه يُظهر الشعور بلذَّة الألم المصاحب لعذاب التَّوبة ودموعها وفي الفصل الأخير تعود حالة الصفاء المقدَّس في ما سمَّاه "عهد الغفران"، إذ يلتقي الحبيبان في هيكل الحبّ، حيث العفاف والتقوى وراحة الضمير.
أما "إلى الأبد" فهو ديوان ظهر بعد "غلواء" وقد كُتبتْ قصائده في "ليلى العضم"، التي تبادَل الشاعر وإياها الإعجاب والمحبَّة في علاقة عاطفية أقلقت توازنه وتركت أثرها في حياته الشخصية والإبداعية وكانت مثار جدل في محيط الشاعر.
في الثلاثينيات، وبعد تأسيس "عصبة العشرة" التفت الياس أبو شبكة إلى العمل الصحفي والترجمة فكتب مئات المقالات في الصحف الأكثر انتشاراً في لبنان ومصر وسوريا مثل النداء، البيرق، البيان، المعرض، الجمهور، العاصفة، المكشوف، وصوت الأحرار وكذلك في المساء والمقتطف المصريتين، وترجم أعمال كتَّاب وشعراء مرموقين فرنسيين فأصدر "البخيل" و"الثري النبيل" و"مريض الوهم" و"الطبيب رغماً عنه" لموليير و"جوسلين" و"سقوط ملاك" للشاعر لامارتين وقصص لفولتير و"تاريخ نابليون" وغير ذلك كثير.
في عام 1938 صدر ديوان أبي شبكة "أفاعي الفردوس" الذي اعتبره مخائيل نعيمة من أروع ما كُتب في وصف الشهوات الجسدية الجامحة. وقد استخدم الشاعر نصوصه لعرض مفاهيمه في الشهوانية والخطيئة مقارناً سطحية السلوك المعاصر بالفضيلة الحقيقية وشارحاً نزعات النفس التواقة الى اللَّذة والمنقادة نحوها بتلقائية، وحصيلة هذا الانقياد وما يتركه من شعور بالنَّدم، وهو لذلك يربط هذه النزعات بالجوانب السلبية الأخرى عند الإنسان مقارباً التراث الفكري القادم من أساطير المنطقة عبر التوراة وماقبلها.
في عام 1941 أصدر مجموعة شعرية بعنوان "الألحان" جاءت قصائدها في لبنان وطبيعته وأهله وطقوسهم وعلاقتهم بالمواسم والفصول والأعياد وعرَضَ فيها الفولوكلور اللبناني بحسٍّ وطني صادق عاشق للأرض وبغزلية عذبة .. ولم يفت الشاعر الرومانسي في أحد أحاديثه عن العلاقة الطيبة التي تربطه بلبنان مبتدئة من بلدته (الزوق) المرتفعة فوق سطح البحر تطل عليه من الغرب والتي تستقبل الشمس في مشرقها من خلف الجبال المفصولة عنها بوادٍ وصفه الشاعر " .. مهيبٍ يبتدىء بخليج جونيه الذي غنَّيتُه في (الألحان) وفي (إلى الأبد) ..".
وللشاعر أيضاً ديوان "نداء القلب" – 1944 وديوان "إلى الأبد – 1945 وكتب أخرى مثل "الرسوم" – 1931 و"روابط الفكر بين العرب والفرنجة" – 1945 وهو كتابٌ في الأدب والنَّقد ..
في إحدى المقابلات الأدبية مع الشاعر اللبناني هنري زغيب أجراها منذ سنتين الدكتور محمد جمال الطّحان تحدَّث زغيب عما يمثله الياس أبو شبكة بالنسبة إليه فقال معرِّفاً به أصدق تعريف:
كنت في طفولتي الأولى أمضي عطلات الصيف عند بيت جدي وجدتي في الضيعة وكانت المدرسة الدخولَ الأول في عالم الشعر الغامض، تعطينا فروض العطلة الصيفية فكنت خلال فترة الصيف أكتب فروضي وأمضي أسابيع طويلة بين كروم العنب والتين وبين أشجار اللوز في أحضان جدي وجدتي وبيتهما الجبلي الريفي الجميل فكان جدي يملك دكاناً في ساحة الضيعة كلما أتى مساء يسألني "هاتِ اقْرأ لي ما كتبت اليوم"، فأقرأ عليه فروض الإنشاء فكان يغتبط طرَباً لما أقرأ له. لم يكن يدري جدي أنه في هذه الطريقة نمَّى فيَّ الوقفةَ المنبريَّة، وقفةَ القراءة الجهورية أمام الناس. فكأن جدي كان جمهوريَ الأول ..
ذات ليلة دخل كالعادة، قال لي: "هات .. ماذا كتبتَ اليوم ؟"
قرأت له موضوع إنشاء أتذكَّرُه حول الربيع وهو بدائي وليس له معنى، فأغرقتْ عينا جدي بالدموع فرحاً وغبطة، وحينما انصرفتُ إلى حقيبتي أدرس فيها موضوع الإنشاء سمعتُ جدتي تقترب منه وتقول: "لم أفهم شيئاً مما قال الصَّبي ولكني أخشى أن يستمر هكذا ويغدو غداً كهذا المجنون عندنا في الضيعة". فقال لها: "لا تخافي سوف يكون كاتباً ولن يغدو مجنوناً".
نمتُ تلك الليلة وأنا أفكّر "من هو هذا المجنون الذي شبَّهتْني به جدتي ولماذا شبهتْني بالمجنون إن أنا قرأتُ أو كنتُ كاتباً؟!". وعندما استيقظت في اليوم التالي سألتُ جدتي: "من هو هذا المجنون الذي تحدثتِ عنه الليلة الماضية ؟". فقالت: "لا تهتم يا حبيبي هذا مجنون كان عندنا في الضيعة يمشي يهزُّ بكتفيه ويحمل عصاً يضرب بها الأرض، كنا نقول له إلياس أبو شبكة".
أنا كنت صغيراً ولم أعرف من هو إلياس أبو شبكة. عندما انتهى فصل الصيف وعدتُ إلى البيت، أول ما فعلته طلبت من أبي أن يشتري لي كتب الياس أبو شبكة، اشتراها لي وقرأتُ في هذه الكتب ولكني لم أفهم شيئاً، كنت صغيراً جداً وبقيتْ هذه الكتب قربَ وسادتي سنتين أو ثلاثاً وربما أربعاً وكنتُ كلما قرأت فيها أكثر كلما كبرتُ في السن أكثر وكلما فهمتُها أكثر وأحببتُ الشعرَ على صفحات الياس أبو شبكة. اليوم ماتتْ جدتي وهي لا تدري بأن سؤالاً صدْفَويّا سألتْه لجدي ذات ليلة صيف من ليالي الطفولة حولتْني به نهائياً صوب شعري.
إلياس أبو شبكة كان أول شاعر قرأتُه وتأثَّرتُ به مرَّتَين: مرَّة لتركيبه الشِّعري ومرَّة لصدقِه في شِعره. وحتى اليوم لا أزال على هذه المدرسة .. على هذه النزعة .. على هذا المنوال لأن الصدق في الشعر هو جوهر الشعر".

يحلو للكثيرين من النقاد والأدباء في لبنان وسوريا تسمية أبي شبكة بـ"شاعر الحب" كثْرةَ ما تمحورت قصائده ودواوينه حول الحب الروحانيّ ونقائه وسموِّ مشاعره وقدرتها على التأثير على الأفراد والبيئة ومغبَّة بطلانه أو فقدانه أو أخذه الأشكال والوظائف الغريبة عنه كالأنانية والغرضية والمادية ونشود اللذَّة العابرة من خلاله. قال أبوشبكة للشاعر جورج غريِّب عندما سأله عن هدفه في الحياة: "جئت لأفتح ورشة حبّ".
ما من شكٍّ أن عالم أبي شبكة الشعري عكس حياته الخاصة وتجاربه سواء مع حبيبته غَّلْواء التي رافقته منذ يفاعته وحتى إغماضة عينيه، أم مع صديقته "ليلى العضم" أم مع الناس في مراحل الدراسة والعمل. فالرجل الذي كان مرهف الإحساس وعميق التفكير بالأبعاد الروحية للإنسان وشديد الالتصاق بالطبيعة كان في نفس الوقت ثوريَّ التطلُّعات شغوفاً دؤوباً كبير الطُّموح حادَّ الرأي شديداً في تقييمه لأداء الآخرين وخاصة أولئك الواقعين تحت المسؤولية الاجتماعية. وهو، وإن بدا في أعماله وكأنه يأخذنا إلى عالمه الخاص وغرامه إلا أنه قصد من ذلك دعوتنا إلى بيئة روحية المكونات طاهرة كالحب النظيف نقية كالعذارى بريئة كالطفولة وديعة كأشجار البراري حرَّةً كطيورها عميقة كالمحيطات ثائرةً كأمواجها وكريمة كالينابيع طيبة كمائها الرَّقراق.
الرومانسية في مرحلة الشباب عند الياس أبي شبكة تعود أساساً إلى حياته الخاصة وتجاربه الشخصية، أما الظروف الموضوعية فلم تكن مواتية لإبداعات رومانسية الطابع في تلك السنوات. حتى أن أبا شبكة أقلع نسبياً عن رومانسيته في فترة الأربعينيات، إذ كانت الساحة اللبنانية مليئة بالأحداث المؤلمة والتوتر خلال الحرب العالمية الثانية وما نجم عن ذلك من افتتنان واقتتال أهلي وكذلك من تنافر بين مصالح الأهالي وأطماع المحتلين الفرنسيين والذي تمثل بالإضرابات المستمرة وبحملات المداهمة إلخ..
ولكن أشعار أبي شبكة الرومانسية المبكرة تحلِّق بك من بيته في الزوق ومن وادي جونيه وساحل بيروت وصيدا إلى سماءٍ عالية لا فوق لبنان وفي أعماق الطبيعة وأسرارها وسحرها بل فوق الكون الفسيح وفي لانهائيته.
المرأة مصدر الشَّاعرية عند شاعر الحب أبي شبكة ويصعب عليك قراءته بعيداً عنهما .. وهو يرى الحبَّ الحقيقي في جراح القلب وفي اتِّقاد العاطفة وهذا شرط الشعر (إجرحِ القلبَ واسقِ شِعرَكَ منه // فدمُ القلب خمرةُ الأقلام). ونحن في بعض شعر أبي شبكة نتحسَّس أوجاعه ونشاركه آلامه ونعود إليه في مكتبه وتحت قنديله السَّاهر يرافق قلمه المرتجف تناغماً مع خافقه المتسارع النبضات واهتزازة جسده المضطرب في أركان هواجسه الكثيرة. فإذا رحنا في بعضه الآخر إلى الطبيعة وجمالها السَّاحر سبحتْ أرواحُنا في صورٍ امتزج فيها جمال الواقع بسحر الخيال وتحوَّلت الزهور والأشجار والينابيع والطيور إلى كائناتٍ نتبادل وإياها المشاعر والأحاسيس والتفاعل أيضاً ونترافق معها برحلة إلى عالم فوق العالم ونعيش زماناً خارج الزمن. وقد وصف جورج غريِّب حالة أبي شبكة وهو يكتب فقال: (كان في لحظات إبداعه يعيش في غيبوبة عن العالم. وكأنه ينتقل الى عالم آخر، صنعه بنفسه وجعل حدوده الحلم والحب).
تحرّك الليلُ، فقال الخَيَال: من ليس يَبكي في الليالي الطوَّال ولا يُدمّي المُقلَة السَاهِدَه .. مَن لم يذقْ في الخُبز طعم الألَمْ ولم يُنكر وجنَتيهِ السّقمْ وتسلخ الأوجاعُ منهُ حُطَمْ ..من لا يرى في الشَمس طيفَ الغرُوب ويُسمع الليلَ اختِلاجَ القُلوُب ويَرصُدِ الشمعة حتى تذوب ..من لم يُغمِّسْ في هواه دَمَهْ ..من يَمنَع الأهوالَ ان تُطعِمَهْ ولا يرى في كل جرح حِكَمْ ..من ليسَ يَرقى ذروةَ الجُلْجُلةْ ولم يُسمِّر في الهوى أُنمُلَهْ ويُرفَعُ العَلقمُ والخَلّ لهْ ..مَن يَصرفِ العُمرَ على المُخمَلِ ولا يذوقُ البؤسَ في الأولِ ولا الأسى في مخدَعٍ مُقفَلِ ..لن يعرفَ، العُمرَ، شعَاعَ الإلَهْ ولَن يَرى آمالَه في رؤاهْ بل عالماًًً يخبِط في مهزَلهْ
وإذ كان أبو شبكة يرى الجمال في كلِّ ماهو طبيعي حوله فإنه كان دائم القلق من الأفعال البشرية التي تبدو الأشياء معها باهتة وقبيحة. وفي هذا يذكِّرنا هنري زغيب إذ يقول: (إن الخيانة لا في الأرض بل فينا).
والحبُّ عند أبي شبكة مكشوفٌ يُفخرُ به وليس سراً يُخفى (جمال قلبيَ عرْيانٌ على شفتي) وقد أعاب الشاعر الحبَّ في الخفاء بكافة أشكاله وميَّز بين براءة الجمال الحقيقي ومكْر الحسْن المخادع (والبصيرُ البصيرُ يُخدعُ بالحُسن وينقادُ كالضَّرير الضَّريرِ) وكان مع حبيبته غلْواء شديدَي الصَّراحة انطلاقاً من جمال الحب الروحاني. يقول هنري زغيب بلسان غَلواء (ياشمس في الظِّلِّ خلِّينا بلا قمرٍ // فأعذب الحبِّ ما في ظِلِّكِ اسْتَتَرا).
والحبُّ عند شاعرنا شرطُ زهوّ الجمال: (ولو انَّ القلوبَ لم تفنَ في الحبِّ لما أورقَ الجمالُ وغنَّى). ‏
الصِّدق في شعر الياس أبي شبكة كالصِّدق في حبِّه وفي شاعريَّته، فأعذب الشِّعر ما صدق. والصِّدق في فلسفة الشاعر صفة من صفات الطبيعة فكيف للمرء أن يتجاهل هذا ويلجأ إلى الكذب (فكيف أكذب والدُّنيا تصارحني؟!) .. هاهو يقول: (أنظرْ إلى النَّهر في صفْوٍ وفي كَدَرٍ // فهل تخفَّى على الصَّفْصاف والبان ؟) ويؤكِّد: (وانْظرْ إلى حرمونَ الشيخِ كيف بدا // فهل لِهَيْبَتِه الشَّمَّاء وجهان؟).
كان الشاعر شديد التعلُّق بوطنه وكان من أعمق هواجسه حريَّة لبنان المفقودة واستقلاله وسلمه الأهلي. فقد عاش طفولته ولبنان يرزح تحت نير الاحتلال العثماني ويخوض أبناؤه حرباً عالمية لا ناقة له فيها ولا جمل وما انتهت هذه الحرب حتى بدأ عصرٌ جديدٌ أثقل وطأة وقع فيها بلده تحت ظلِّ الانتداب الفرنسي استمرَّ الظلم والاضطهاد خلاله لأكثر من عقدين عانى خلالهما وخلال الحرب العالمية الثانية الفاقة والقسوة والتخلف. وكان أبو شبكة يناجي لبنان في أشعاره الوطنية (لو ترينَ الدمعَ جارياً في الصَّدر مثلَ الجدولِ // تمتلي منه عيوني وخدودي الصفرُ منه تمتلي .. فآستقي منه وداداً .. فدموعي من ودادي يابلادي) ويحضُّ الناس على الفخر بلبنان وحمايته (يابلادي لكِ قلبي .. لكِ آمالي وحبّي .. قالت الدُّنيا: جبيني لم يكنْ لو لم تكوني). ولكنه يلوم المستهترين والمتنكِّرين (وهمُُ الأبناءُ باعوا الأُمَّ في سوقِ المزادِ) ويتوعَّد الظلاَّم (للظلم يومٌ وللمظلوم يومانِ) وذلك لن يتأتَّى إلا بالجهاد الذي به فقط تُرفع الهامات: (أخفضي الرأس الى أَنْ ترفعيهِ بالجهادِ). وما تحقق لأبي شبكة حلمه في أن يرى لبنان، وطن الجمال والحب، عزيزاً مكرَّماً قوياً وموحَّداً .. ولا هو علم بما حصل للبنان بعد إغماضة عينيه الأخيرة .. وقد خصَّ هاجسَه هنري زغيب بجزء من قصيدته في عام 1978 وفي كلامه حرقةٌ وأسى: (تشَرْزَمتْه الأيادي فانتهى مِزَقاً // وكلُّ صَوبٍ غدا في المُلْكِ نيْرونا) دون أن يدبَّ في نفسه التشاؤم (وطعنة الجرح ليست من تسامينا).
وكان أبو شبكة نصيراً للعمال الفقراء يستنكر إهمال الأثرياء والمسؤولين في الحكومة لهم والإعراض عن الاهتمام بقضاياهم والاكتراث بمعاناتهم في حين أن عزَّ ورخاء الأغنياء يقوم أساساً على جهدهم: (يا مَن طلى بدم الفقير عروشه // وتراه يجلس فوقها يرتاحُ - هذي العروش جماجمٌ مرصوفةٌ // في جوفها تتمرَّد الأرواحُ).
أصدقاء الياس أبي شبكة ومعارفه الذين اعتادوا التردَّد إلى داره في الزُّوق أمضوا أمتع الأوقات وأكثرها جدِّيةً وفائدة طُرحتْ فيها شتى المواضيع الفكرية والأدبية والاجتماعية والسياسية ودارت حولها النقاشات وكُتب فيها الكثير. وكان هؤلاء الأصدقاء من مختلف الانتماءات الفكرية والسياسية ومن كافة أرجاء لبنان وجميعهم أحبُّوا أبا شبكة واستمتعوا بأشعاره الجديدة التي ألقاها على مسامعهم. كان الياس يحبُّهم جميعاً ويرحب بهم دوماً ويكره الوحدة (كانت الوحدةُ كالمدفنِ). ولقد كان لمنهج شاعر الحب والرومانس ولرؤاه أثره على معاصريه وأيضاً على شعراء الجيل اللاحق. ونحن إذن لا نستغرب ما سمعناه في مطلع قصيدة الشاعر هنري زغيب عام 1977: (جدَّدْ رؤاكَ أنا أستكملُ السَّفرا // فحُلْمُكَ السَّمْحُ ناداني وبي اختُصِرا).
أحد هواجس أبي شبكة "الموت" الذي كان يخشاه وكأنه يترقبه: (ربَّاه هل ينتهي حُلْمي ببارقةٍ // من اللهيب ويخبو الطّين في الطّينِ - وهل أرى زاحفاً في الليل ملتهباً // بجمرة السّخط في أيدي الشياطينِ). هاهو يتساءل وهو يرى شمعة تذوب (أكلّ شيء، مثلَها لا يدوم؟ ... أينتهي الحبُ كما تنتَهين؟!) وستحل بعدها الظلمة الحالكة (مدفن الأنوار) .. وماذا وراء هذه الظلمة (ماذا وراءَ الليل، هل من ضِياء؟).
وصف الأديب والشاعر اللبناني الراحل جورج غريِّب صديقه الياس أبو شبكة قائلاً: "إنه مجنونٌ بين العقلاء وعاقلٌ بين المجانين". وكان الصداقة بين جورج وأبي شبكة، الذي يكبره بسبعة عشر عاماً، قد تمتَّنت في الأربعينيات إذ كانت تجمعهما النَّدوات الأدبية ومهرجانات الشعر.
بعد وفاة الياس أبو شبكة أُهْمِلَ منزله في الزُّوق الذي كان قد رهنه ذات يوم لدائنين حاول آخرهم في أواسط السبعينيات استغلال علاقات خاصة للقيام بمشروع هدمه وإشادة مبنى متعدد الطبقات مكانه ولكنه منع من ذلك حرصاً من مجلس بلدية البلدة على الحفاظ على تراث أبي شبكة وقد وُضِعت خطة لترميم البيت وتحويله إلى متحف تمَّت بنجاح وجُمعتْ قطع الأثاث المتناثرة وكتب ومجلات وصحف ومخطوطات وأدوات ومقتنيات الشاعر الشخصية والإبداعية وأُصلحت الحديقة التي تضم الأشجار التي أحبَّها والزهور ونُصب على طرفها تمثال نصفي لأبي شبكة بإزميل النحَّات اللبناني المعروف بيار كرم وافتتح المتحف للجمهور في خريف عام 2004.
كعادتها، ورغم الظروف القاسية، كرَّمت الأوساط والمجالس الثقافية اللبنانية الشاعر الكبير الياس أبو شبكة في مناسبات عديدة وفي مهرجانات أقيمت خصيصاً له. في 13 آذار عام 1977 احتُفل بثلاثين الشاعر في الكسليك برعاية "مجلس كسروان الثقافي" وألقيت الكلمات والقصائد التي كان من بينها قصيدة الشاعر هنري زغيب (لكي تُحَبَّ أتيتَ الأرضَ) وفي العام التالي احتفلت بلدة زوق مكايل بالذكرى الحادية والثلاثين وقد ألقى زغيب قصيدة أخرى بعنوان (تأملات على تلَّة الزُّوق) قال فيها:
نُحْييكَ؟
أمْ أنتَ في ذكْراكَ تُحْيينا؟
يا شاعرَ الحبّ
ضَيَّعْنا الهوى فينا
هو الخلودَ
تمنَّيْنا نُشارفه
حتى غدا يتغاوى في تَمَنِّينا
والعبقريُّونَ في أبراجهم هنِئوا
نشْتاقُهمْ
وهُمُ بالمجْد ساهونا
نجيئُهمْ خلَلَ الذِّكرى
نُعاوِدُها لكي نحُسَّ بأنَّا بعْدُ باقونا ..
......
......
نأتيكَ؟
أم أنتَ في ذكْراكَ تأتينا؟
يا شاعرَ الحبّ
ضَيَّعْنا الهوى فينا
فاغْفِرْ لنا أننا جِئْناكَ مُفْتَقَداً
ما نحنُ نحْييكْ لكنْ أنتَ تُحيينا

روابط ذات صلة
قصيدة الشاعر هنري زغيب (لكي تُحَبَّ أتيتَ الأرضَ)
هنري زغيب: الياس أبو شبكة – 77 الشارع العام – زوق مكايل





**





الياس أبو شبكة: 60 سنة
أزرار - 483 -

هنري زغيب

اليوم السبت: ذكرى 60 عاماً (27 كانون الثاني 1947- 27 كانون الثاني 2007) على غياب الياس "أبو" شبكة (والـ"أبو" بين مزدوجين لأنه كان يكره أن يرى اسمه منصوباً "أبا" أو مجروراً "أبي". كان يريده "أبو" في جميع حالات الإعراب).
في ثلاثينه (كانون الثاني 1977) احتفلنا بذكراه وكانوا جميعاً هناك: غلواء، ليلى، صديقه الأقرب جورج غريّب، توفيق يوسف عواد، يوسف الخال، أنطون غطاس كرم، فوفّوه حقَّه بوفاء كبير وشاركوا، حضوراً أو منبرياً، في ذاك الاحتفال.
في ستينه (اليوم) غابوا إليه: غلواء التحقت به قبل سنوات حاملة معها صمتها العميق طوال بقائها نصف قرن بعد غيابه، ليلى (حبيبتُه عروس "نداء القلب" و"إلى الأبد" التي كتب لها أجمل شعره) غابت وغامت معها أجمل ذكريات كانت تنثرها علينا خلال أمسيات لديها في بيتها المطل من كتف الزوق على خليج جونيه، جورج غريب غادرنا قبل أشهر بعدما قال كل الكلام عن ذكرياته الأقرب الى صديقه الغالي، توفيق يوسف عواد استشهد عام 1989 حاملاً معه ذكرياته التي طرّزها بقصيدته "ذات الوشاح الأسود" (عن ليلى التي لبسَت ثوب الحداد خمس سنوات متواصلة على شاعرها مفجوعة به)، يوسف الخال غاب قبل سنوات بعدما أعلن أن "أبو" شبكة "رائدنا في الشعر اللبناني"، أنطون غطاس كرم غاب أيضاً قبل سنوات حاملاً معه لَمْسته الذوّاقة على جماليَا "أبو" شبكة شعراً ونثراً... فماذا ومَن بقي له في ذكراه الستّين؟
زوق مكايل (التي قال عنها في "غلواء": "وكانت زوق ميكائيل تصغي الى همس النياسم في الحقول") لم تعد "زوقه" هو (الهادئة التي كان يأبى أن ينام ليلة واحدة خارج بيته فيها، حتى أنه مرة عاد ماشياً من بيروت إليها كي لا ينام في بيروت). تغيّرت الزوق اليوم بعدما ضجت بالمدنيّة وجعلها نُهاد نوفل (رئيس بلديتها) عروس بلدات لبنان ذوقاً وجمالاً.
بيته (الذي كتب فيه كل شعره ولم تزُرْه أولغا-"غلواء" زوجته" إلاّ بعد غيابه بنصف قرن) لم يعُد تلك الحارة المهجورة التي تقاضمت حجارتَها وقرميدَها وشبابيكَها والأبوابَ عوادي نصف قرن بعد رحيله، بل أصبح لائقاً به وبذكراه وبتراثه بعدما نَجح نُهاد نوفل في شرائه وترميمه (بإعادته كما كان بغرفه والرسوم في سقفه وحتى باستعادة معظم أثاث الشاعر مجموعاً من مصادر عدة) وتَهيئته ليُصبح متحفاً نَموذجاً (على الطراز العالمي الحضاري) للمتحف الشخصي، وشملت البيت تحسينات زوق مكايل الحديثة العصرية فبات له عنوان جديد: "77 – الشارع العام – زوق مكايل".
ولَم يقتصر جهد نهاد نوفل على ذلك. فهو كان منذ سنوات سَمّى المدرسة التكميلية في البلدة "مدرسة الياس أبو شبكة"، وكان وراء جميع احتفالات ذكرى الشاعر (معظمها في القصر البلدي)، ووراء إصدار طابع بريدي عن الشاعر، ووراء إنشاء لجنة متحف أبو شبكة من كبار ذوي الصلة، ووراء الاحتفال الكبير بِخمسينية غياب الشاعر (1997) وتثبيت تِمثاله (بإزميل بيار كرم) أمام البيت وتسوير البيت بباحة جميلة خضراء، وها هو اليوم يتهيَّأ لإنْجاز المتحف على أعلى مستوى محترف.
وتنقضي المهلة القانونية على حقوق كتبه، فتصبح حقاً عاماً وتنفلت الفوضى في طباعة مؤلفاته، معظمها من دون ضمير مهني، فيعلن ناشر عن "مؤلفات أبو شبكة الكاملة" فيما المضمون قصاصات صحف ومقالات قديمة ودراسات سابقة.
ذكراهُ الستون تَمُرُّ اليوم، ولبنان (لبنانه الذي طرَّزَ فيه أجمل شعره وقال فيه "لبنان أوّلُكَ الدُّنيا وآخرُكَ الدُّنيا، وبَعدكَ لا أفْقٌ ولا شُهُبُ") غارقٌ في همومه ومشاكله ودخانه الأسود الذي يغطي بيروته وأهله ومصيره وذعر أبنائه المقيمين وقلق أبنائه المنتشرين في العالم، فيعود صوت الياس أبو شبكة بما كان عام 1945 قاله: "لبنان أغنى كنوز الأرض ما تهبُ"، فيَسمع الجميع اليوم قوله ويهزُّون برؤوسهم آسفين: "معك حق يا الياس أبو شبكة، نَحن نعرف أنَّ لبنان كنْزنا الأغلى والأغنى، ولكنَّ بين سياسييه اليوم يوضاسيين سيضيِّعون بشخصانيَّتهم هذا الكنْزَ الفريد".


هنري زغيب
odyssee@cyberia.net.lb


روابط ذات صلة

الياس أبوشبكة – 77 الشَّارع العامّ – زوق مكايل

قصيدة هنري زغيب في ثلاثينية الياس أبوشبكة:
"لكي تُحَبَّ أتيتَ الأرض"

بين قيثارة الياس أبوشبكة وغلوائه

مختارات من قصائد الشَّاعر الياس أبوشبكة


من الظلمات إلى النور


ـ محمد الصفّار

ظلام وعتمة وضياع، حروب واصطفافات ودماء، شتات وتمزق وضعف، وضع أشبه ما يكون بالجاهلية الأولى، والوصف هنا على قساوته لا يرقى لتوصيف الواقع المرير والظروف الصعبة التي تحاول أمتنا العربية والإسلامية تخطيها وتجاوزها رغم الدماء والجراح والآلام.
أمة عربية وإسلامية كبيرة، وجسم ممتد على مساحات شاسعة من اليابسة، غير أن هذا الجسد أو الجسم ينهش وينال منه، وتصاب أعضاؤه بالأمراض والبلايا، ليتدحرج من ضعف إلى وهن، ولنصبح أمة مشلولة وغافلة عن العالم ومشغولة ببعضها.نحن بأمس الحاجة في ظرفنا الراهن إلى الفكرة المنقذة والخطاب المتأمل، والنص الحكيم، لأننا أصبحنا في واقع زادُنا فيه هو الأفكار الهوجاء التي تسود الساحات، والخطابات المتشنجة الصاعدة جماهيريا وشعبيا، وتعززت فيه الكتابات المتهورة لتصبح سيدة الموقف.إننا اليوم في زمن الفتنة، وقد استكملت عدتها وعتادها، وتحركت تزرع الحقد، وتدفع أرواح الأبرياء ثمنا لأهدافها، نحن اليوم في ظروف استحوذ الشيطان فيها علينا جميعا، فأصبح هو السمع الذي نسمع به والبصر الذي نشخص الأشياء به، والدافع الذي يبعثنا مختارين إلى الوحل والظلمة والمستنقعات الآثمة.هنا لا يسعني الا الكتابة عن وقفات محبة مع كتابنا الكرام وخطبائنا الأعزاء، ومثقفينا الأفاضل.
الأولى: إن مسؤوليتنا الدينية والأخلاقية تتطلب منا إطفاء نيران الفتنة التي تشتعل من حولنا، وطلب العون من الله سبحانه أن يوفقنا لوأدها، وأن يعطينا من الجهد والقوة ما يمكننا من الإعانة على رتق الصدع، لتعود النفوس كما كانت متحابة ومتسالمة، فإن لم نستطع ذلك (بأن نطفئ نار الفتنة) فأقل ما يجب علينا فعله هو إضعافها، فإن لم نتمكن من ذلك أيضا فالمتيسر أمامنا هو تطويقها وحصرها، ولا يصح منا أن نعمد إلى نشرها بأي أسلوب كان.
هذا ما يصنعه الإطفائيون لمعالجة الحرائق الكبيرة، حين تلتهم الأخضر واليابس، إنهم يعزلون منطقة الحريق، أو يرشون ما حولها بالماء منعا لحدوث حرائق جديدة في المناطق المجاورة.ليس ثمة انتصار يمكن أن يحققه الكاتب (أي كاتب كان) بعباراته التعبوية، وعباراته التهيجية، فهذه لغة بعيدة عن رسالة الكتّاب، بل هي عكسها تماما إذ تهيئ المناطق الأخرى التي تبث فيها لانتقال الفتن والمصائب إليها، وامتدادها إلى مساحات جديدة.
الثانية: وراء كل حدث وحادثة تسود ردود أفعال ليست ناضجة أحيانا، لأنها مأخوذة بصدمة الحدث وسكرته، وتبدو ردود الأفعال هذه إنفجارية ومتوترة، يحركها أصحابها في ظروف التوتر والاحتقان غير عابئين بما يتولد عنها بعد حين.إن من المهم والمفيد أن نتأمل الأحداث، وأن نتأملها، حتى تنجلي السكرة وتأتي الفكرة، وحينها نكتب ما يرضي ربنا وينفع مجتمعنا، إن التغلب على ساعات السكرة عملية مهمة وضرورية كي نحولها (السكرة) إلى فكرة نرعاها ونؤكدها في نفوسنا ونبثها للناس من حولنا ليتعظوا بتجارب غيرهم، ويستفيدوا منها دروسا ليس ثمنها الا الإنسان وأمنه وسعادته.الثالثة: نحمد الله سبحانه وتعالى على الأمن والأمان في بلادنا، وعلى صلاح البال الذي ننعم به، فالكثير من الفتن تتحرك قريبا منا أحيانا لكن تبقى ونبقى على مسافة (بعيدة إن شاء الله) عنها.
هذا الوضع يتيح لنا أن نكون في موقع المراقب للأحداث عن كثب، وهو موقع ثمين ومهم، يتيح قدرا كبيرا من التروي والتفكر واستخلاص الدروس والعبر، والاستفادة من تجارب الآخرين، وتقلبات الزمان التي تمر بهم.كتابنا وخطباؤنا ومثقفونا مطالبون بعدم الاستعجال في الانتقال من موقع المراقب والمتأمل إلى موقع الفاعل والمشارك، فالفتن تأخذ من الجهال والبسطاء والمساكين ما يكفيها ويزيد، أما أنتم فالحاجة إليكم هي في استنقاذنا من الجهل والبساطة والاستغفال، كما أن دوركم الموجّه هو ضرورة ملحة نحتاجها لتعزيز المحبة وتوطيد الاحترام المتبادل.
أنتم أيها الكتاب زين البلاد وحيادكم هو ما يمكننا من قراءة الفتنة من جهاتها المتعددة، ويتيح لنا حرية أكبر في اختيار الموقف الذي يرضي الله ورسوله ويرضي عنا ضمائرنا وانسانيتنا.ولنتذكر أن هذا الوطن المعطاء يستحق منا أن نحميه بكلامنا الطيب، وكتاباتنا المعتدلة، وأن نشدد الرقابة على أنفسنا حتى لا نستورد صراعات الآخرين من الخارج إلى سور الوطن، إن رسالتكم أيها الكتاب هي هذا الوطن بما فيه من دين وأهل، والشهم هو من يخدمه بوحدته وتراصه وتوافقه، ويخرج أهله من ظلمات الاعلام والتشويه والشائعات إلى النور وصفاء الإنسانية.


الجمعة، يناير 26، 2007

الهام لقصيدة

عيسى القنصل

جمالُك ِ

نعمة ُ من صتع ربّـــــى

ولطُفك ِ

خفقة ُ فى كل ِ قلــــــــب ِ

وطيب ُ الحس ِ ..

مكتنز ُ لديـــك ِ

كما الافكار ُ فى اعماق كتْب ِ

جمالُك ِ

زهرة ُ فى روض حقــــــــل ِ

وعطرُك ِ ..

فاح َ من درب ٍ لـــــــــــدرب ِ

فبسمتكم ..

كانسام البــــــــــــــــــــوادى

ومحضرِكم ...

انار سواد دربـــــــــــــــــــى

وقدّك ِ ...

مثل موج البحــــر ِ مـــــــــد ُ

وثغرك .. آهة ُ فى قلب صــــب ِ

فسعدك انك ِ زهرُ الربيــــــــــع ٍ

وما ارقاه من سعد وحــــــــــب ِ

فثغُرك ِ

قد اُصيغ السحر ُ منــــــه

وعينُـــــك ِ

قد ترى امسى وغيبــــــــــــى

وخاصرة ُ تباهى الله فيــــها

وعانقها الهوى من كل جنـــــب ِ

وكل ُ خطوط الجســــم ِ فيــــــك ِ

مباركة ُ

مصنعةُ

على انغام ...حـــــــــــــــــــــــــب ِ

فما ارقاك من انثـــــى

فمن حسن ٍ الى ادب ِ

ومن لطف معاشــــرة ٍ

لمن ضاع فى الــــــــــدُرب

الى اعطاء حاضرنا ...

لذيذ ً الحس بالطـــــــــرب

وصفتك انت ِ

عطرا بل عصير العطر فى كتبــى

وصفتك انت ِ

برقا ً بل عنيف البرق فى السحــب ٍ

وكان الوصف ُ مبتـــورا ً

وكان الوصف ُ مختصرا ً

فما انت سوى ظلــــــــى

فما انت سوى ضلــــــــع ُ

حمى قلبا ً من الكـــــــرب ِ

()()()

مباركة ُ ثوانيها ..

تلاقينـــــــــــــــا

مباركة ثوانيهــا

تعارُفنــــــــــــا

ولو حينــــــا

وحين الحزن ُ يحملنى

ساذكركم ,,,

فياتى السعد ُ ينبوعــــا

فيغسلنا .. ويسقينـــــا

فانت كنجمـــــة ٍ

فى ليلتى الظلماء ،،تهدينــــا

الصراع في لبنان حضاري وليس مذهبي


سعيد علم الدين

في البداية نريد أن نعبر عن عميق حزننا لسقوط الشهداء الذين لن تذهب أرواحهم سدى! لأنها المشاعل المشرقة على درب الاستقلال والتي سيظل ضمير الوطن حيا من خلالها، ولكي تنتصر بها الشرعية على الميليشيات وتقوم دولة القانون السيدة الديمقراطية التعددية الحقيقية.
ونريد أن نعبر عن عميق حزننا أيضا للخسائر البشرية والمادية التي تعرض لها الناس، ومشاركتنا القلبية أهل الضحايا آلامهم.
نعزيهم بمصابهم الغالي ونعزي أيضا الشعب اللبناني الصابر صبر أيوب على الأرواح البريئة التي أزهقت وفي كل أنحاء لبنان بسبب تحريض وممارسات ميليشيات "حزب الله" المشينة الرعناء، ومعه كل عملاء المحور الإيراني السوري واعتداءاتهم الاستفزازية على المناطق الآمنة:
من قطع طرق وحرق دواليب وتهديد مواطنين حتى بالضرب لمنعهم من الذهاب إلى أعمالهم وتعطيل قسري للحياة بطريقة استبدادية تحاول إلغاء حرية الآخر.
كل ذلك لم يكن إضرابا على الطريقة الديمقراطية المتحضرة المعروفة في كل أنحاء العالم، بل عنفاً دموياً ومرضاً وراثياً وإرهابا همجياً.
فما حصل كان هجوما سافرا على مناطق ليس لهؤلاء أي تواجد فيها وهي ليست مناطقهم في الأصل. فأن يأتي شباب "حزب الله" وبشكل قتالي إذا لم نقل انفعالي من الضاحية الجنوبية إلى الطريق الجديدة لقطع شوارعها والاعتداء على المواطنين والممتلكات فيها، أو لاضطهاد المارة أمام بيت الكتائب المركزي بعيدا جدا عن منطقتهم، فهذا يعتبر تعديا مقصودا وتحديا مبرمجا ومحاولة سافرة جدا لإشعال الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
بعد ذلك فكل تصريحات نصر الله وبري والشيخ قبلان العاطفية للتهدئة ما هي إلا كلمات باهتة لذر الرماد في العيون. فقبل ذرف دموع التماسيح والدعوة إلى إطفاء النار التي أشعلوها بأيديهم تحريضا، عليهم أن لا يسمحوا بإرسال عصاباتهم بالفانات والسلاح لتهديد كرامة بيروت وشعبها، ومناطقها وأحيائها الآمنة التي ليس لهم فيها أي تواجد يذكر.
فبيروت للبيارتة فقط! لماذا لا يعتصمون في الضاحية؟
بيروت لمن يحبها وليس لمن يحتل ساحاتها، ويشتم شهدائها، ويقطع شوارعها، ويحرق ممتلكاتها، ويلوث سماءها بحقده الأسود.
بيروت ليست وحيدة. وإن غضبت فلن يكون لغضبها حدود.
فعدوا للعشرة يا من تلعبون بالنار كالصبية الصغار وكفاكم استهتارا بالكبار!
وإن نادت بيروت فسنلبي النداء من الوطن وكل بلاد الانتشار.
شباب "المستقبل" أو "القوات" أو "التقدمي" أو "الكتائب" أو اليسار الديمقراطي لم يذهبوا إلى الضاحية الجنوبية لاستفزاز أهلها ولا حتى رميهم بوردة.
وهل يريد حسن نصر الله أن يأخذ ثأره من بيروت بدل العدو الإسرائيلي؟
ليكن واضحا أن ما حدث في بيروت يوم الخميس من اضطرابات وعنف مرفوض، ليس للبنانيين الشرفاء المخلصين من سنة وكاثوليك وشيعة ومورانة ودروز وأرثوذكس علاقة به البتة.
فهم يعيشون معا كعائلة واحدة وجيران في مناطق مختلطة وفي كل مدن وقرى وطن واحد اسمه لبنان.
وسيظلون إلى الأبد موحدين مع قسم جبران.
فلبنان دفع ثمن حروبه المذهبية والأخوية مئات الآلاف من الضحايا البريئة أيها العميان!
وسنوات التحارب بين الأحياء المتجاورة وخطوط التماس ما زالت ماثلة للعيان.
وإنما ما حدث ويحدث هو في الحقيقة اعتداءات متكررة من قبل عصابات 8 آذار وكل عملاء المحور الإلهي ومنذ إعلان نتيجة الانتخابات صيف عام 2005 والتي أدت إلى اكتساح قوى 14 آذار لأكثرية نيابية مريحة للحكم . هذه النتيجة لم تعجب بعض الدكتاتوريين كدكتاتور سورية بشار فأعلنوا عليها الحرب.
لأنهم في الأساس طغاة لا يؤمنون، وأغبياء لا يفهمون، التعامل بالقيم والأخلاق والأدوات والأساليب الديمقراطية السامية.
بالتأكيد إصرار الشعب اللبناني وحكومة السنيورة على معرفة الحقيقة ومتابعة تشكيل المحكمة الدولية زاد من هجمة المحور الشيطاني المتورط. وبدأت موجة الاعتداءات ضد أحرار 14 آذار باغتيال رموزها وتفجير مناطقها وما زالت مستمرة وهي في تصاعد دخاني وفي كل أنحاء لبنان. ذهب خلالها في البداية شهيدان من "القوات اللبنانية" بيد قاتل من آل فرنجية، لم يسلمه سليمان فرنجية للعدالة، وأكثر من شهيد من الحزب التقدمي الاشتراكي على أيدي أنصار طلال أرسلان ووئام وهاب. أما تيار "المستقبل" فأنصاره وطلابه ومناطقه ومكاتبه تتعرض من الشمال إلى الجنوب إلى البقاع وبيروت لاعتداءات عدوانية متكررة وهو يدعو دائما لضبط النفس ويتحلى بأعلى درجات الوعي الوطني مع كل أحرار 14 آذار.
لأن هدف الإخوان في ريف الغزلان واضح وهم يعملون له ليل نهار ومعهم كل الزعران : الفتنة ثم الفتنة كي يهربوا من المحكمة الدولية! إلا أنهم واهمون فالمحكمة بأيدي أمينة والعدالة قادمة يا جهينة!
مرة أخرى إن ما حدث ويحدث في لبنان ليس صراعا بين موارنة وسنة ودروز من ناحية وشيعة من ناحية أخرى من يرى الوضع كذلك فهو أغشى البصيرة والبصر ويفكر ويحلل سطحيا.
فما يحدث هو في جوهره حربا باردة وصراعا ساخنا بين قوى كشف الحقيقة في جريمة 14 شباط المشؤومة وكل الجرائم الأخرى، وتشكيل المحكمة الدولية ومعاقبة المجرمين، والحرية والخير والبناء والعمل والازدهار والعروبة المستنيرة والمنطق والعقلانية والانفتاح على العالم والانطلاق في المجتمع إلى الأمام والتسامح مع الآخر وتحقيق السلام العادل والديمقراطية والشرعية واحترام الدستور ممثلة بحكومة السنيورة وأحرار 14 آذار من ناحية،
وبين قوى وعصابات ودول الباطل وتجهيل القاتل وعرقلة المحكمة الدولية بالاغتيالات والقنابل، والاستبداد الديني والتخلف العقلي والانغلاق الفكري والانسداد الروحي والإرهاب السياسي والدكتاتورية والفساد والعنف والعهر وقطع الطرق بالدواليب والانقلاب على الشرعية وعدم احترام الدستور وإرادة الشعب من خلال رفض اختيار قرار الأكثرية واعتبارها وهمية ممثلة بجماعات 8 آذار من ناحية أخرى.
أنه في النهاية صراع حضاري ستنتصر به قوى الخير على الشر، والحقيقة على الباطل، والديمقراطية على الدكتاتورية، والشرعية على شريعة الغاب، والعروبة المنفتحة المستنيرة الإنسانية على العروبة البعثية الفاشية الدموية والقومية العنصرية، ودولة القانون على دولة الطوارئ، وحقوق الإنسان على تجريده منها، وحريته على تكبيله، وكرامته على إذلاله، وحرية قراره واختياره على استعباده وإجباره.
هذه القيم النبيلة التي تحدثنا عنها موجودة عند كل المذاهب والأديان لا فرق هنا بين سني وماروني وشيعي ودرزي وعربي وكردي وسرياني وأرمني وتركي وإيراني وباكستاني وهندي وطلياني.
الدليل على أن الصراع حضاري كيف أن السنيورة يجاهد من أجل جلب الأموال والمساعدات لإعادة بناء لبنان وتقدمه وإصلاحه،
وهم يجاهدون لحرقة بالدواليب وإدخاله في الحروب والفتن والمحاور الشريرة لتهجير شعبه وإفقاره.
وكما أن الشعب الإيراني الصديق مغلوب على أمره باستبداد الملالي الديني المذهبي،
وكما أن الشعب السوري الشقيق مغلوب على أمره بالاستبداد السياسي الطائفي،
أيضا الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان مغلوب على أمرها باستبداد "حزب الله" على منهج "ولاية الفقيه" عاطفة ومظاهر، مدعوما بالسلاح المقدس القاهر، والمال النظيف الطاهر، وشراء الذمم والضمائر.
وكما أن الصراع في لبنان حضاري فهو في العراق الحبيب أيضا كذلك. ولا بد ان ينتصر عراق الحضارة والحياة على عراق المذهبية والعنصرية وثقافة تمجيد الموت.
الشواهد في العالم كثيرة على انتصار قوى الخير والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأهمها الانتصار المدوي لهذه القيم في نهاية القرن الماضي على الامبراطورية السوفيتية الدكتاتورية ومعها كل دول المعسكر الشرقي دون حروب والتي تهاوت أنظمتها كقصور من ورق ومعها حائط برلين الذي كانت تحرسه الرشاشات الآلية والكلاب والفِرَقْ.

حكايات ما بعد الانقلابات والثورات

بقلم: إبراهيم علي

"حكايات مصرية" برنامج تبثه قناة الحرة، وفي حلقة هذا الأسبوع، كانت هناك ثلاثة مشاهد تبعث على الحزن والأسى والضيق لما وصل إليه الحال في أول دولة عربية وجد على أرضها مشروع نهضوي، و نعني بها مصر التي أراد حاكمها محمد علي باشا في الفترة من 1805- 1849 أن يجعل منها نموذجا حضاريا في الشرق.

إننا الآن في العام 2007م ،أي مضي أكثر من مائة وخمسين عاما على انطلاق تلك النهضة العربية، فماذا نجد في مصر؟ نجد حكايات يشيب لها الولدان، شاهدنا بعضها على شاشة قناة الحرة، و ربما كان ما لم نشاهده أكثر مرارة و مدعاة للألم. ففي الحكاية الأولى رأينا مشاهد لأفران الرغيف البائسة، ورأينا كيف ينتظر الناس امامها منذ الخامسة فجرا، ليتدافعوا صوبها بمجرد فتحها ثم ليتعاركوا بضرب بعضهم بعضا من اجل الحصول على الرغيف الذي من يتمكن من الوصول إليه قبل إعلان الفرن عن نفاذ مخزون الدقيق يعتبر محظوظا في ذلك اليوم " السعيد".

الحكاية الثانية كشفت لنا عن مدى صعوبة العثور على اسطوانات الغاز التي لا يحصل المواطن المصري على واحدة منها إلا بشق الأنفس، فان حصل عليها وجدها رديئة الصنع و غير مستوجبة لأدنى معايير السلامة، وبما يحولها حقيقة إلى قنابل موقوتة، خاصة و أنها توضع في اغلب الأحايين قرب غرف النوم بسبب ضيق المنازل و تكدس عشرات الأفراد من أبناء الأسرة الواحدة في غرفة أو غرفتين بحيث لا يمكن التمييز ما بين المطبخ أو الحمام أو غرفة الجلوس أو غرفة النوم.

في الحكاية الثالثة، عرض البرنامج الذي تعده و تقدمه مذيعة مصرية شابة و موهوبة ،عذابات الإنسان المصري اليومية مع أزمة المواصلات التي لا تفتقر لأبسط شروط الأمان فحسب، و إنما تتميز أيضا بالندرة المعطوفة على غلاء الأجرة الذي لا يتناسب إطلاقا مع الإمكانيات المادية للسواد الأعظم من الناس.

ما يعنينا من الصور الكئيبة السابقة، هو الدروس والعبر التي يمكن أن نستخلصها ونمعن فيها النظر دونما مكابرة من أجل البدء ببناء مستقبل أفضل للأجيال الحاضرة والقادمة. من أهم تلك الدروس:

أولا: على الرغم من أن محمد علي باشا بدأ مشروعا متكاملا للنهضة في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، إلا إن ما نشاهده اليوم من تراجع ونكوص وتخلف على كل الأصعدة يشير إلى أن السبب الرئيس في ما حدث هو الثورات والانقلابات العسكرية التي لم تعمل على رفد ما تم إنجازه بإنجازات أخرى، إنما عمدت إلى الإطاحة به و وضع بدائل عشوائية و مشوهة، كي لا ينسب أي تغيير و إنجاز إلا لها وحدها. والمعروف أن عملية التراكم الحضاري تعد عاملا حاسما في إحداث النهضة والتقدم والازدهار في أي عصر من العصور وفي أي بلد من البلدان.

ثانيا: لقد قوضت الحروب العبثية والمغامرات الخارجية كل ما تم تحقيقه في الداخل من منجزات حضارية واقتصادية، بدءا بحرب فلسطين عام 1948م فحرب السويس عام 1956م، فمغامرة التدخل العسكري في اليمن التي بدأت في عام 1962 و استمرت لمدة خمس سنوات عجاف، فحرب حزيران عام 1967 ، و أخيرا حرب أكتوبر 1973 التي أعقبتها اتفاقية سلام كان من الممكن إبرامها بشروط أفضل و خسائر اقل في عام 1948 أو في عام 1956 ، بدلا من الانتظار ربع قرن من الزمان حدثت فيه الكثير من المغامرات و المناكفات و الصراعات و التدخلات التي حركها أو أدارها نظام القاهرة، لا سيما زمن قيادته لمعسكر عربي و إقليمي ضد السعودية و حليفات الأخيرة، الأمر الذي تسبب في خسائر بشرية واقتصادية و تنموية انعكست سلبا على أحوال شعب مؤهل كان قبل ذلك على موعد مع الرخاء و التقدم الشبيهة بما تحقق في كوريا الجنوبية مثلا.

ثالثا: لقد لعبت الديكتاتورية السياسية دورا تخريبيا ورجعيا في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لجهة إجهاض التطور الحضاري الحديث والمتدرج و ضرب مظاهر الدولة المدنية الحديثة، الذي لو لم يتم الانقلاب عليها تحت حجج ثورية و شعارات بائسة، لكان من شأنه أن يحدث النهضة المنشودة، بلا تراجع ولا نكوص. إن هذا تحديدا ما يفسر لنا العجز الحالي التام الذي تعاني منه الدولة المصرية، و المتمثل في عدم قدرتها على القيام بأبسط واجباتها تجاه مجتمعها مثل توفير متطلبات المواطن الأساسية من الرغيف إلى اسطوانة الغاز مرورا بوسائل النقل و المواصلات.

رابعا: إن على الأجيال العربية الجديدة ألا تنخدع بما تراه وتسمعه من شعارات طنانة جوفاء حماسية، يطلقها اليوم بعض القوى والأنظمة السياسية المتهورة من تلك التي لا هم لها سوى توتير الأجواء والساحات بحجة وجود مؤامرات خارجية تستهدف المنطقة ، بينما في الواقع هي وحدها المسئولة عن الإخفاقات و التآمر على مصير الشعوب والأوطان بممارستها النفاق السياسي والتضليل والتعتيم على حقائق الواقع والتاريخ، و بدغدغتها عواطف الدهماء. إن شعوبنا وأوطاننا بحاجة ماسة إلى نخب وقيادات سياسية وثقافية وإعلامية، لا تنافق لا رجل الشارع ولا الحكومات، ولا تكرر أخطاء الماضي البعيد والقريب، وتمتلك مشروعا حضاريا تنويريا منفتحا على كل الثقافات، عماده بناء دولة عصرية واقتصاد وطني حديث ومتطور باعتباره وحده البوصلة التي تضع الأمة على السكة الصحيحة نحو المستقبل.

الخميس، يناير 25، 2007

إنها الحقيقةُ


سعيد علم الدين

الدخان الأسود المتصاعد يوم الثلاثاء الحزين في الثالث والعشرين من كانون ثاني/يناير 2007 من قلب بيروت الجريحة ولبنان المدمى يذكِّرُ أفضل تذكير بدخان جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الأبرار الأسود، التي ارتكبتها نفس الأيادي في الرابع عشر من شباط 2005 والتي تعيث اليوم بلبنان خرابا محاولة الانقلاب على الحكومة الشرعية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء ليسقط لبنان ثانية ورقة باهتهً صفراء تدوسُ عليه الأقدام تحت شجرة زقوم المحور الشيطاني الشرير وتجتاحهُ وتدمره وتخترقه وتحاصرهُ إسرائيل كما وكلما وكيفما تشاء.
وكأنهم أرادوا بما يرتكبونه اليوم من بشائع وحرائق ودماء وسقوط قتلى وجرحى أبرياء، اغتيال الشهيد الكبير ورفاقه وكل شهداء انتفاضة الاستقلال ومعهم الحقيقة ولبنان والطائف والحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال.
الفارق فقط أنهم قبل عامين ارتكبوا جريمتهم بقفازات وبدهاء المخابرات ومكرِ الخبثاء ليصعبَ كشف حقيقتهم، أما اليوم فإنهم يرتكبونها علنا وبوقاحةٍ وهمجية وبشاعةٍ ومن دون قفازات.
إنها الحقيقةُ التي عرتهم على حقيقتهم الباطنية!
إنها الحقيقةُ التي وضعت عقولهم في بطونهم!

إنها الحقيقةُ مطلب الشعب اللبناني وبصوت مجلجل، التي أوصلتهم إلى مرحلة الهستيريا والهذيان وفقدان الصواب والرؤية والميزانية والأعصاب فسقطت أقنعتهم وظهر حقدهم المذهبي الباطني الصفوي الأسود على عظيم لبنان والعرب وباني مجدا في الشهب رئيس الرؤساء الشهيد العملاق ابن صيدا الطيبة رفيق الحريري. إنه عفن التاريخ المعشعشُ تحت عمائمهم وفي أدمغتهم ضد إخوانهم: فتنا وخداعا وكذبا ونفاقا ومكراً ورياء.
سقط القناع ومعه الجبة والعمامة والبذلة الإفرنجية عن بشار الأسد وخامنئي وحسن نصر الله وإميل ولحود وسليمان فرنجية وباقي المتآمرين الخبثاء. لقد ظهرت عوراتهم وخرج عفنهم الكريه جميعا أمام الشعب اللبناني والأمة العربية وأصبحوا عراة بلا رداء.
إنه عفنٌ يتغذى من مشاكل الحاضر، وبسم فلسطين المنكوبة يتاجرون بالقضية: فيحللون ويشترون ويبيعون ويصافحون ويهرولون ويركعون ويتمسَّحون ويستجدون من إسرائيل السلام ومن بوش نظرة ومن كوندي قبلة وابتسام،
وبسم فلسطين الجريحة أيضا يتآمرون: فيحرمون ويهاجمون ويقتلون ويخربون ويخونون ويمنعون ويتهمون ويهددون ويغدرون ويغتالون الشرفاء.
وأثبتوا للملأ بأنهم عندما كانوا يطالبون بالحقيقة كانوا كاذبين مخادعين يقولون بأفواههم عكس ما في قلوبهم!
بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه لم يكن يتصور النظام السوري أن هذه الصرخة اللبنانية المجلجلة "بدنا الحقيقة!" التي ضجت بها الأرض واستجاب لها الأشقاء والأصدقاء ومجلس الأمن ستأخذ مداها وتحقق أبعادها بتشكيل محكمة دولية لكشف الجريمة ومعاقبة المجرمين.
وبما أن الحقيقة لا يمكن أن تنكشف بدون لجنة تقصي للحقائق، فكانت لجنة السيد فيتزجرالد الإيرلندي الطيب الذي أوصى بلجنة تحقيق دولية قام بها بشكل جيد النمس الألماني البرليني ميليس. فأقاموا الدنيا وأقعدوها على رأسه لأنه كشف حقيقتهم بدهائه وأسرع مما يتصورون، واغتالوا غازي كنعان انتحاراً الذي اعترف أمامه بالحقيقة. فما كان من ميليس ولمصلحة الحقيقة إلا أن استقال مسلِّما القيادة إلى البلجيكي براميرتس، حيث صرح فيما بعد لجريدة الشرق الأوسط " أنا على يقين أن النظام السوري هو مرتكب الجريمة".
وبدوري أقول بأنني على يقين بأن النظام السوري لم يكن وحيدا في ارتكاب الجريمة بل الطبقة السياسية يومها وفي مقدمتها "حزب الله" ومن يحرق معه الدواليب اليوم شاركوا في الجريمة النكراء كل بدوره، ولا نستطيع هنا تبرئة ميشال عون الذي تثبت تصرفاته تورطه بالجريمة وبشكل ما ومن بعيد.
المهم ردا على صرخة الشعب اللبناني المجروح ومطالبته ب "الحقيقة" صرح وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع، "أن معرفة الحقيقة ستخرب لبنان". معه حق. وكان على صواب، لأنه كان يعرف المجرم أو المجرمين. وهذا ما نراه اليوم على أيدي مأموري الحلف الإلهي.
ومن خلال هذا السياق نفهم التصاق حزب الله بالنظام السوري إلى درجة مريبة جدا تدفعنا إلى أن نوجه له الاتهام موثقا بعفن التاريخ المذهبي المقيت والحقد الباطني على الرئيس الشهيد رفيق الحريري والذي نسمعه سموم فتنة من مصرانه "المنار" وعلى لسان عناصره وأنصاره وزعرانه شتائم ونبش قبور أموات واعتداءً على أحياء.
ومن خلال هذا السياق نرى حسن نصر الله في مظاهرة 8 آذار شاكرا النظام السوري الذي زرع في لبنان دولة "حزب الله" لغما ودولة فوق الدولة الشرعية ليكون لها القرار .
وبينما كان الحريري يبني بقلبه الكبير ويعمر كان النظامان الإيراني والسوري يؤسسان بمكرٍ وخبثٍ ويبنيان دولة ولاية الفقيه لتستولي يوما ما على لبنان.
ومن خلال هذا السياق نرى حسن نصر الله وهو يقدم بافتخار البندقية إلى القاتل رستم غزالي.
ومن خلال هذا السياق نرى اعتكاف وزرائه عند مناقشة مسودة المحكمة لعرقلتها واستقالتهم فيما بعد.
ومن خلال هذا السياق نراه منفذا لأوامر بشار بتكليف شرعي خامنئي بجر إسرائيل في عملية 12 يوليو لتكسير لبنان بحرب ليس لها أي مبرر سوى وقف المحكمة لقتل الحقيقة.
ومن خلال هذا السياق نرى محاولتهم في فرض ثلثهم المعطل على الحكومة، وإلا حرق العجلات!
ولهذا فما يتصاعد اليوم من دخان أسود فوق سماء بيروت هو فقط لحجب شمس الحقيقة والقول للشعب اللبناني: انس الحقيقة، وإلاَّ شوية اغتيالات! والقول لمجلس الأمن: غضَّ الطرف، وإلاَّ خرابا في لبنان وفلسطين والعراق!
وبقدر إصرارِ المحورِ الإيراني السوري وأتباعهِ المأمورين الصغارِ في لبنان على جرائمهم البشعة باغتيال الأحرار ومغامراتهم بالحروب والدمار وحماقاتهم المتكررة بعرقلة المحكمةِ الدولية، وحتى بقطع الطرقات وحرق الإطارات وتخريب البلاد وجرها إلى الفتنة والقتال،
فسيكون إصرارَ شعب لبنان ومعه أحرار 14 آذار وحكومة السنيورة الشرعية وأحرار العرب ومجلس الأمن والعالم أجمع أقوى على كشف الحقيقة وتشكيل المحكمة الدولية تحت البند السابع ومعاقبة القتلة الأشرار!
فالشرعية الدولية وقراراتها وماء وجهها على المحك!
انتصار هؤلاء في هجومهم على الشرعية سيقبر الديمقراطية الفتية ويحول لبنان إلى دولة مصدرة للإرهاب وحرق العجلات.
مصلحة السلام العالمي تفرض أن لا يُترك لبنان لقمةً سائغةً في فم الإرهاب الشيطاني المتألهُ وأدواته الخبيثة التي تقوم ميليشياتها من "حزب الله" وغيره والمسلحة أفضل تسليح والمدعومة من قبل المخابرات السورية التي ما زالت شبكاتها عاملة فوق وتحت الأرض اللبنانية.
حيث قبض على العديد منهم. منذ أيام تم القبض على أحد عناصرها المخابراتي السوري أياد نوفل، المعروف بأيمن والذي اعتقله جهاز أمن الدولة بعدما داهم منزله المستأجر في بلدة عزة قضاء راشيا والعثور على بنادق رشاشة وقاذف صاروخ من طراز "لاو"، الى جانب عشرات الهويات والأوراق المزورة، معترفاً أمام القضاء بأنه كان يقوم بمراقبة ورصد حركة النائب وائل أبو فاعور بالإشتراك مع مجموعة، بهدف اغتياله.