كلمة الدكتور طالب الرمَّاحي التي ألقيت في احتفال مولد السيد المسيح الذي أقيم في ( جامعة الصدر الدينية ) حي الجهاد بمحافظة واسط - العراق - مساء يوم الجمعة 29/12/2006.
المسلمون المغتربون والمجتمع المسيحي
أيها الأخوة الحاضرون :
السلام عليكم جميعا ورحمة الله .
أهنئكم ونفسي وجميع المسلمين وشعبنا العراقي خاصة بمناسبة عيد الأضحى المبارك وبمناسبة أعياد رأس السنة ومولد سيدنا المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
واسمحولي أن أحيي كل منتسبي جامعة الصدر الدينية على روحهم الجهادية وأنفاسهم الإيمانية .
المعروف أن الإسلام جاء للناس كافة بغض النظر عن عرقهم ولونهم وجغرافيتهم وهو تبعا لذلك رسم لنا خريطة سياسية وإجتماعية وأخلاقية لتعامل المسلمين مع بعضهم ومع أتباع الأديان الأخرى وخاصة أن الإسلام ووفق ما بينه القرآن والسنة ووصايا أئمة المسلمين من أهل البيت ( أن لا إكراه في الدين ) .
ولدينا في القرآن ما يؤكد وبشكل صارم من أن لغة التحاور يجب أن تكون هي الغالبة على أي علاقة أخرى مع أتباع الديانات الأخرى طالما كانت الأجواء لم تلبدها سحب الصراع المختلفة ، وكما ورد في الآية المباركة ( قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله ) ، وأكد الإسلام أهمية الحوار من خلال رسم صورة عدل ومساواة متبادلة لا يشوبها الإحتقار أو التعالي ، وهذه الصورة جاءت بأحلى صورها من خلال كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام في قوله ( الناس صنفان – إما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) ، ومفهوم هذا الكلام الجميل يعني ضرورة النظر لأخيك المسلم ونظيرك من الإديان الأخرى نظرة عادلة تكون ممهدة ومهيئة للحوار الذي يشكل قاعدة للتعايش بين الشعوب كافة، وأنا أعتقد أن تلكما القاعدتين الآنفتين -الحوار والنظرة العادلة - تعتبران من أنبل القواعد الإنسانية واللتان من الممكن أن يكونا أساساً لبناء مجتمع خال من كل مظاهر الصراع والإضطهاد والتخلف .
وطالما نتكلم في إطار الدين وما رسمه لنا من قواعد إنسانية من الممكن إذن أن نعرج ولو قليلاً الى النظرة الغيبية للموضوع ، فالله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وهذا المعنى يتفق عليه كل المسلمين إن لم نقل كل أتباع الديانات السماوية ، وقد ورد التكريم في القرآن في كثير من المواضع ، وأكد عليه الخالق لأهمية الدور الذي خُلقَ من أجله الإنسان كالخلافة ومسؤولية إعمار الأرض وإشاعة العدل وتحقيق المشروع الإلهي ، ولذا فإن المعيار الإلهي للتقيم منصباً على ذلك التكريم لا باعتباره طاعة للخالق وحسب وأنما هو دفع باتجاه تحقيق الرغبة الإلهية على الأرض ، بل إن للإنسان قيمة لم تدرك مداها البشرية ولحد هذه اللحظة وقد جعل اللهُ الملائكة وحملة عرشه تستغفر له وتعمل في خدمته بل وفضله عليها . فالله سبحانه وتعالى قد أهان الكثير من الأمم الغابرة لعدم احترام بعضها لكرامة ودماء البعض الآخر ، وأنزل بركاته على أقوام آخرى لا لأنها آمنت به وحسب وأنما لصيانة حرمة بعضها للبعض الآخر ، وهكذا يضع (جلَّ وعلى) شرطا لطاعته ونزول رحمته بالتقوى التي تقترن بالإيمان ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لأنزلنا عليهم بركات من السماء ) .
فالمجتمع المسيحي في الغرب ينعم بالأمان وبالرخاء والسلام وتراكم الخيرات حتى بلغت حد التضخم منذ ما يقرب القرن ونصف وحتى يومنا هذا ، مع أنه مجتمع مشرك ومظاهر الفساد والفاحشة يصطبغ بها الشارع والمحافل ، وإذا أردنا أن نربط كل شيء بالمشيئة الإلهية وهذا من بديهيات الإيمان بالله فإننا نخلص الى أن ما يحصل في المجتمعات الغربية له علاقة مباشرة برغبة الله لكن هذه المجتمعات وفرت فرصة استحقاق هذا الترف الإلهي من خلال ( إحترامها للإنسان وآدميته ) فدمه عزيز وحرمته محفوظه وحريته مصانة ورزقه تضمنه الدولة وكل القوانين وجميعها ( وضعية ) يكون محورها الإساسي وغايتها هو ( الإنسان ) . لكننا لا نجد كل ذلك الترف والآمان والرخاء في مجتمعنا المؤمن ( المجتمع العربي ) مع أن جغرافيته تزخر بالمشاهد المقدسة ومساجده عامرة بالعابدين وأجواؤه يغمرها الآذان بل أننا نعيش في جغرافية هي واحدة من ثلاث أسس سوف يقام عليها (المشروع الإلهي) في دولة العدل المرتقية مع الأساسين الآخرين وهما ( القرآن والعترة الطاهرة ) ثم الآلية المتمثلة بإنسان المنطقة العربية وعلى رأسها ( الإنسان العراقي ) . نعم لم نر ذلك في منطقتا العربية لسبب وهو أن هذه المجتمعات أهانت الإنسان على مر العصور ، وكان دمه وكرامته وحريته لا تساوي شيئا ً ، وإذا أردنا أن نستقريء التاريخ لوجدنا عجباً وهو أن الإنسان ( من أتباع أهل البيت ) لا يشكل قتلُهُ وسفكُ دمه جرحا في الدين ولا خدشا في العقيدة ولطالما كان الأمويون وحتى العباسيون يسفكون دم العلوي أو الشيعي فإذا حضر وقت الصلاة أقاموها ودواخلهم تغمرها مشاعر الرضا والسكينة. وما زالت تلك النزعة الدموية التاريخية تستحوذ على الأمة العربية وكأنها جزءا من واقعها وثقافتها وتربيتها وما زالت ترى في تصفية المسلم الشيعي في بلاد الرافدين ضربا من التعبد وصيانة المذهب والحفاظ على مستقبل الأمة ، بل النزعة لسفك الدم تطور مفهومها لدي بعض الفرق الإسلامية المعاصرة من كونها لاتشكل جرحا في الدين لدى الأمويين الى اعتبارها مدعاة للجزاء الإلهي الأوفر بضمان الجنة والعشاء مع الرسول وكما هو شائع بين هذه الفرق الضالة في العراق.
أخوتي الأفاضل :
إن من أكبر الكوارث التي عصفت وما زالت تعصف بالإسلام هو محاولة الخط التكفيري السلفي من السنة والجماعة لصبغ الوجه الإسلامي بلون الدم وإظهاره على أنه دين لايحسن إلا الفتك والعنف وقطع الرقاب بمن يخالفه الرأي ، وهذا بالطبع تطور للنزعة الدموية التاريخية التي بدأت مع نشوء الدولة الأموية وانتهت بجمهورية البعث الثانية بقيادة السفاح صدام ، وأن من أبرز مقومات نجاح تلك الأنظمة الديكتاتورية هو توظيف الدين لخدمة السياسة ، وقد انتبه المجتمع المسيحي لهذه الظاهرة الخطيرة والتي كانت مستشرية في زمن هيمنة الكنيسة على دول أوربا وأذاقت مجتمعاتها الويلات نتيجة للظلم والممارسات اللاإنسانية والتي توجتها بمحاكم التفتيش المعروفة في القرن السابع عشر، ولم تستطع الخلاص منها إلا بعد أن انقلبت أوربا على الكنيسة وأسست لأنظمة ديمقراطية نمت شيئا فشيئا حتى وصلت الى ما هي عليه الآن . إن الفكر السلفي الوهابي ومنذ تأسيسه من قبل البريطانيين في أواخر القرن التاسع عشر وهو يعمل جاهدا الى إيصال الأمة العربية والإسلامية الى ذات القناعة الرافضة للدين ، من خلال إضفاء طابع العنف والدموية على ديننا الحنيف وقد ساعدته على تحقيق هذه الأهداف الشيطانية الكثير من الأطراف من أبرزها تحالف المخابرات الدولية وأموال المملكة السعودية وانتشار الجهل وقلة الوعي الإسلامي والسياسي ، لكن الله سبحانه وتعالى لايريد لشعلة الإسلام أن تنطفيء حيث تجرأ هذا الفكر التكفيري وتطاول عنقه الإرهابي الى ( منهاتن ) فيستفز المارد الأوربي ويهينه ويجرح كرامته ويغزوه في عقر داره ، هذه الضربة الصاعقة أعادت الولايات الأمريكية في 11 سبتمبر سنة 2001 الى رشدها وكانت ممهدة للتفكير بإزالة شيخ الإرهاب في المنطقة صدام وحزبه المقيت بعد أن كنست حركة طالبان الإرهابية من أفغانستان .
لكن هذا الحدث الكبير ، والذي وكان سببا في خلاص العراق من حزب البعث ورموزه وفلسفته المتخلفة ترك آثارا كبيرة على سمعة الإسلام والمسلمين بين أوساط المجتمع المسيحي ، وحاولت الكثير من التيارات والأحزاب الأوربية المتطرفة أن تستغل هذا الحدث للطعن في مباديء الإسلام ومتبنياته الفكرية ، و أوشك أن يكون سبباً في ضياع الجهود الكبيرة التي أسست لها الجاليات العربية والمسلمة طيلة قرن كامل لتحسين صورة الإسلام التي جهدت الصهيونية على تشويهها، وهنا كان دور الجاليات العراقية في الغرب وجلها من أتباع أهل البيت دورا رائعا ورائدا في إعادة الصورة المشرقة للإسلام الحقيقي من خلال إقناع المجتمع الغربي من أن الإسلام الحقيقي لا يمثله الإرهاب السلفي التكفيري ولا الجماعات التي تستخدم العنف للوصول الى أهدافها ، كما أن العمليات الإرهابية المتكررة والتي تنقلها وسائل الإعلام والتي ترتكب بحق المسلمين الشيعة في العراق دون عمل انتقامي مماثل جعل من الشعوب الغربية تنظر الى المسلمين الشيعة على أنهم يمثلون بحق الوجه الحضاري والإمتداد الحقيقي للإسلام المحمدي الأصيل ذلك الإسلام الذي يتخذ من السلم والسلام والتسامح منهجا في الحياة .
ايها الحضور الكرام :
وأنا أهنئكم في هذا التجمع المبارك بحلول مناسبتين مهمتين لدى البشرية جمعاء ، عيد الأضحى وأعياد رأس السنة ، وجدير بالذكر أن هاتين المناسبتين لا يجتمعان إلا كل ثلاثة عقود ، وأنا أعتبر هذا اللقاء النادر هو بشارة خير لتوحد البشرية جمعاء على كثير من القواسم التي يؤمن بها الإنسان بعيدا عن النوازع الطائفية أو العرقية ، التي خلّفتها أحقاد القرون الغابرة ، ولعل من أبرز ما يمكن أن تجتمع عليه البشرية وبكل أديانها هو اعترافنا جميعا نحن سكان هذا الكوكب ( بآدميتنا ) و ( بإنسانيتنا ) و ( بالحب والتسامح ) . هذه المعاني هي الوحيدة التي في وسعها أن تبعدنا عن كل عواصف التناحر وتنقلنا الى شاطيء الأمان ، ولا ننسى أن الإسلام أول من نادى بها وأمرنا بأن نطبقها لكن الآخرون سبقونا إليها ، لكن أملنا كبير بإمامنا المنتظر في أن يوحدنا جميعا عليها قريبا إنشاء الله.
أتمنى لعراقنا الحبيب الأمن والأمان ولكم جميعا دوام التوفيق .
الدكتور طالب الرمَّاحي
مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
لندن / المملكة المتحدة
المسلمون المغتربون والمجتمع المسيحي
أيها الأخوة الحاضرون :
السلام عليكم جميعا ورحمة الله .
أهنئكم ونفسي وجميع المسلمين وشعبنا العراقي خاصة بمناسبة عيد الأضحى المبارك وبمناسبة أعياد رأس السنة ومولد سيدنا المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
واسمحولي أن أحيي كل منتسبي جامعة الصدر الدينية على روحهم الجهادية وأنفاسهم الإيمانية .
المعروف أن الإسلام جاء للناس كافة بغض النظر عن عرقهم ولونهم وجغرافيتهم وهو تبعا لذلك رسم لنا خريطة سياسية وإجتماعية وأخلاقية لتعامل المسلمين مع بعضهم ومع أتباع الأديان الأخرى وخاصة أن الإسلام ووفق ما بينه القرآن والسنة ووصايا أئمة المسلمين من أهل البيت ( أن لا إكراه في الدين ) .
ولدينا في القرآن ما يؤكد وبشكل صارم من أن لغة التحاور يجب أن تكون هي الغالبة على أي علاقة أخرى مع أتباع الديانات الأخرى طالما كانت الأجواء لم تلبدها سحب الصراع المختلفة ، وكما ورد في الآية المباركة ( قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله ) ، وأكد الإسلام أهمية الحوار من خلال رسم صورة عدل ومساواة متبادلة لا يشوبها الإحتقار أو التعالي ، وهذه الصورة جاءت بأحلى صورها من خلال كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام في قوله ( الناس صنفان – إما أخو لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) ، ومفهوم هذا الكلام الجميل يعني ضرورة النظر لأخيك المسلم ونظيرك من الإديان الأخرى نظرة عادلة تكون ممهدة ومهيئة للحوار الذي يشكل قاعدة للتعايش بين الشعوب كافة، وأنا أعتقد أن تلكما القاعدتين الآنفتين -الحوار والنظرة العادلة - تعتبران من أنبل القواعد الإنسانية واللتان من الممكن أن يكونا أساساً لبناء مجتمع خال من كل مظاهر الصراع والإضطهاد والتخلف .
وطالما نتكلم في إطار الدين وما رسمه لنا من قواعد إنسانية من الممكن إذن أن نعرج ولو قليلاً الى النظرة الغيبية للموضوع ، فالله سبحانه وتعالى كرم بني آدم وهذا المعنى يتفق عليه كل المسلمين إن لم نقل كل أتباع الديانات السماوية ، وقد ورد التكريم في القرآن في كثير من المواضع ، وأكد عليه الخالق لأهمية الدور الذي خُلقَ من أجله الإنسان كالخلافة ومسؤولية إعمار الأرض وإشاعة العدل وتحقيق المشروع الإلهي ، ولذا فإن المعيار الإلهي للتقيم منصباً على ذلك التكريم لا باعتباره طاعة للخالق وحسب وأنما هو دفع باتجاه تحقيق الرغبة الإلهية على الأرض ، بل إن للإنسان قيمة لم تدرك مداها البشرية ولحد هذه اللحظة وقد جعل اللهُ الملائكة وحملة عرشه تستغفر له وتعمل في خدمته بل وفضله عليها . فالله سبحانه وتعالى قد أهان الكثير من الأمم الغابرة لعدم احترام بعضها لكرامة ودماء البعض الآخر ، وأنزل بركاته على أقوام آخرى لا لأنها آمنت به وحسب وأنما لصيانة حرمة بعضها للبعض الآخر ، وهكذا يضع (جلَّ وعلى) شرطا لطاعته ونزول رحمته بالتقوى التي تقترن بالإيمان ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لأنزلنا عليهم بركات من السماء ) .
فالمجتمع المسيحي في الغرب ينعم بالأمان وبالرخاء والسلام وتراكم الخيرات حتى بلغت حد التضخم منذ ما يقرب القرن ونصف وحتى يومنا هذا ، مع أنه مجتمع مشرك ومظاهر الفساد والفاحشة يصطبغ بها الشارع والمحافل ، وإذا أردنا أن نربط كل شيء بالمشيئة الإلهية وهذا من بديهيات الإيمان بالله فإننا نخلص الى أن ما يحصل في المجتمعات الغربية له علاقة مباشرة برغبة الله لكن هذه المجتمعات وفرت فرصة استحقاق هذا الترف الإلهي من خلال ( إحترامها للإنسان وآدميته ) فدمه عزيز وحرمته محفوظه وحريته مصانة ورزقه تضمنه الدولة وكل القوانين وجميعها ( وضعية ) يكون محورها الإساسي وغايتها هو ( الإنسان ) . لكننا لا نجد كل ذلك الترف والآمان والرخاء في مجتمعنا المؤمن ( المجتمع العربي ) مع أن جغرافيته تزخر بالمشاهد المقدسة ومساجده عامرة بالعابدين وأجواؤه يغمرها الآذان بل أننا نعيش في جغرافية هي واحدة من ثلاث أسس سوف يقام عليها (المشروع الإلهي) في دولة العدل المرتقية مع الأساسين الآخرين وهما ( القرآن والعترة الطاهرة ) ثم الآلية المتمثلة بإنسان المنطقة العربية وعلى رأسها ( الإنسان العراقي ) . نعم لم نر ذلك في منطقتا العربية لسبب وهو أن هذه المجتمعات أهانت الإنسان على مر العصور ، وكان دمه وكرامته وحريته لا تساوي شيئا ً ، وإذا أردنا أن نستقريء التاريخ لوجدنا عجباً وهو أن الإنسان ( من أتباع أهل البيت ) لا يشكل قتلُهُ وسفكُ دمه جرحا في الدين ولا خدشا في العقيدة ولطالما كان الأمويون وحتى العباسيون يسفكون دم العلوي أو الشيعي فإذا حضر وقت الصلاة أقاموها ودواخلهم تغمرها مشاعر الرضا والسكينة. وما زالت تلك النزعة الدموية التاريخية تستحوذ على الأمة العربية وكأنها جزءا من واقعها وثقافتها وتربيتها وما زالت ترى في تصفية المسلم الشيعي في بلاد الرافدين ضربا من التعبد وصيانة المذهب والحفاظ على مستقبل الأمة ، بل النزعة لسفك الدم تطور مفهومها لدي بعض الفرق الإسلامية المعاصرة من كونها لاتشكل جرحا في الدين لدى الأمويين الى اعتبارها مدعاة للجزاء الإلهي الأوفر بضمان الجنة والعشاء مع الرسول وكما هو شائع بين هذه الفرق الضالة في العراق.
أخوتي الأفاضل :
إن من أكبر الكوارث التي عصفت وما زالت تعصف بالإسلام هو محاولة الخط التكفيري السلفي من السنة والجماعة لصبغ الوجه الإسلامي بلون الدم وإظهاره على أنه دين لايحسن إلا الفتك والعنف وقطع الرقاب بمن يخالفه الرأي ، وهذا بالطبع تطور للنزعة الدموية التاريخية التي بدأت مع نشوء الدولة الأموية وانتهت بجمهورية البعث الثانية بقيادة السفاح صدام ، وأن من أبرز مقومات نجاح تلك الأنظمة الديكتاتورية هو توظيف الدين لخدمة السياسة ، وقد انتبه المجتمع المسيحي لهذه الظاهرة الخطيرة والتي كانت مستشرية في زمن هيمنة الكنيسة على دول أوربا وأذاقت مجتمعاتها الويلات نتيجة للظلم والممارسات اللاإنسانية والتي توجتها بمحاكم التفتيش المعروفة في القرن السابع عشر، ولم تستطع الخلاص منها إلا بعد أن انقلبت أوربا على الكنيسة وأسست لأنظمة ديمقراطية نمت شيئا فشيئا حتى وصلت الى ما هي عليه الآن . إن الفكر السلفي الوهابي ومنذ تأسيسه من قبل البريطانيين في أواخر القرن التاسع عشر وهو يعمل جاهدا الى إيصال الأمة العربية والإسلامية الى ذات القناعة الرافضة للدين ، من خلال إضفاء طابع العنف والدموية على ديننا الحنيف وقد ساعدته على تحقيق هذه الأهداف الشيطانية الكثير من الأطراف من أبرزها تحالف المخابرات الدولية وأموال المملكة السعودية وانتشار الجهل وقلة الوعي الإسلامي والسياسي ، لكن الله سبحانه وتعالى لايريد لشعلة الإسلام أن تنطفيء حيث تجرأ هذا الفكر التكفيري وتطاول عنقه الإرهابي الى ( منهاتن ) فيستفز المارد الأوربي ويهينه ويجرح كرامته ويغزوه في عقر داره ، هذه الضربة الصاعقة أعادت الولايات الأمريكية في 11 سبتمبر سنة 2001 الى رشدها وكانت ممهدة للتفكير بإزالة شيخ الإرهاب في المنطقة صدام وحزبه المقيت بعد أن كنست حركة طالبان الإرهابية من أفغانستان .
لكن هذا الحدث الكبير ، والذي وكان سببا في خلاص العراق من حزب البعث ورموزه وفلسفته المتخلفة ترك آثارا كبيرة على سمعة الإسلام والمسلمين بين أوساط المجتمع المسيحي ، وحاولت الكثير من التيارات والأحزاب الأوربية المتطرفة أن تستغل هذا الحدث للطعن في مباديء الإسلام ومتبنياته الفكرية ، و أوشك أن يكون سبباً في ضياع الجهود الكبيرة التي أسست لها الجاليات العربية والمسلمة طيلة قرن كامل لتحسين صورة الإسلام التي جهدت الصهيونية على تشويهها، وهنا كان دور الجاليات العراقية في الغرب وجلها من أتباع أهل البيت دورا رائعا ورائدا في إعادة الصورة المشرقة للإسلام الحقيقي من خلال إقناع المجتمع الغربي من أن الإسلام الحقيقي لا يمثله الإرهاب السلفي التكفيري ولا الجماعات التي تستخدم العنف للوصول الى أهدافها ، كما أن العمليات الإرهابية المتكررة والتي تنقلها وسائل الإعلام والتي ترتكب بحق المسلمين الشيعة في العراق دون عمل انتقامي مماثل جعل من الشعوب الغربية تنظر الى المسلمين الشيعة على أنهم يمثلون بحق الوجه الحضاري والإمتداد الحقيقي للإسلام المحمدي الأصيل ذلك الإسلام الذي يتخذ من السلم والسلام والتسامح منهجا في الحياة .
ايها الحضور الكرام :
وأنا أهنئكم في هذا التجمع المبارك بحلول مناسبتين مهمتين لدى البشرية جمعاء ، عيد الأضحى وأعياد رأس السنة ، وجدير بالذكر أن هاتين المناسبتين لا يجتمعان إلا كل ثلاثة عقود ، وأنا أعتبر هذا اللقاء النادر هو بشارة خير لتوحد البشرية جمعاء على كثير من القواسم التي يؤمن بها الإنسان بعيدا عن النوازع الطائفية أو العرقية ، التي خلّفتها أحقاد القرون الغابرة ، ولعل من أبرز ما يمكن أن تجتمع عليه البشرية وبكل أديانها هو اعترافنا جميعا نحن سكان هذا الكوكب ( بآدميتنا ) و ( بإنسانيتنا ) و ( بالحب والتسامح ) . هذه المعاني هي الوحيدة التي في وسعها أن تبعدنا عن كل عواصف التناحر وتنقلنا الى شاطيء الأمان ، ولا ننسى أن الإسلام أول من نادى بها وأمرنا بأن نطبقها لكن الآخرون سبقونا إليها ، لكن أملنا كبير بإمامنا المنتظر في أن يوحدنا جميعا عليها قريبا إنشاء الله.
أتمنى لعراقنا الحبيب الأمن والأمان ولكم جميعا دوام التوفيق .
الدكتور طالب الرمَّاحي
مدير مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
لندن / المملكة المتحدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق