رشا أرنست – مصر
جدران متعددة بغرفة ليس لها وصف محدد ، مظلمة ، لا يوجد بها شيء يذكر سوى حبل سميك متدلي من سقفها و بأحد أركانها يوجد سلم . هذه كانت مواصفات أشهر غرفة لعام 2006 م . تلك الغرفة التي شهدت إعدام واحد من أشهر رؤساء هذا العصر و الذي يكاد يكون أقواهم . حقيقة لا اعرف لماذا اكتب للمرة الثانية عن إعدام الرئيس صدام حسين ، رئيس العراق الذي اسلم الروح بين يديّ الله منذ يومين . و لكن مشهد إعدامه الذي فاق كل إهانة إنسانية ، هذا المشهد الذي شاهدناه على قنوات الأخبار و الفضائيات . هذه القنوات التي قامت بعرض المشهد بكل وحشية بدون أي اعتبار للمشاهدين ، و هم يعلمون جيداً أن هناك ملايين الأطفال في كل العالم تشاهد قنواتهم و ملايين من البشر يختلفون عنهم في الإحساس و سيكون لهم ردود أفعال لمشاهدة هذا المشهد البشع كما فعل طفل باكستان البريء الذي قام بكل براءة و طفولة تمثيل مشهد الإعدام بمساعدة أخته و النتيجة انه ألحق بصدام . قتل الطفل و الإعلام هو القاتل . فلم تكن يوماً هذه رسالة الإعلام ، الإعلام الذي من المفترض أن يدافع عن الإنسان و إنسانيته و كرامته و طرق تنميته في كل المجالات . و ما عرض كان تشويه لدور الإعلام و الإعلاميين في كافة المستويات .
علمنا في السابق أن موعد إعدام الرئيس صدام سيكون قبل نهاية شهر يناير 2007 م ، و بعدها تغير الوضع و أصبح قبل بداية العام الجديد و مع نهاية عام 2006 م . و الغريب إننا بعد كل هذه المناورات حول موعد إعدامه و المسرحية الهزلية لمحاكمته نفاجئ بالموعد قبل ست ساعات حسب أول وكالة أنباء أصدرت خبر تحديد موعد إعدامه . و لم يكن موعد الإعدام بمفاجئة لنا ، نحن نعلم انه في كل الأحوال سيُعدم و يكون عبرة للجميع . و لكن مفاجئتنا جاءت أن إعدامه يوافق أول أيام عيد الأضحى المبارك . فلماذا هذا التوقيت ؟ الم يكتفوا بأنه سيكون حدث يصب في قلوب كل رؤساء العرب بجمرة خوف لا تنطفئ ! و أن يكون إعدامه بهذا الشكل المهين .
أحداث كثيرة و متتالية و مبهمة بخصوص الإعدام و موعده و ظروفه و لكن الأحداث التي كانت داخل غرفة الإعدام كانت أكثر إثارة و سرعة . عندما تشاهد مشهد الإعدام ، و الذي لا يتعدى خمس دقائق ، تُشاهد اكبر عملية لاختلال توازن الإنسان نتيجة الحقد و رغبة الانتقام و الألم و انعدام للمشاعر الإنسانية التي خلقها الله بداخلنا ، و بنفس المشهد ترى شجاعة إنسان في اظلم لحظات حياته و هو يعلم أن العالم كله يراه في هذه اللحظة . بين هؤلاء الملثمين الذين يدورون داخل الغرفة و هم و أن كان صدام نفسه بين أيديهم مختبئين تحت أقنعتهم رعباً ، و بين هذا الجبار الذي لم يهتز لحظة واحدة و هو بين أيديهم و أربكهم أكثر بقوته التي جعلته يستلذ بحبل المشنقة حول عنقه دون أن يختبئ داخل قناع و كأنهم يلبسونه عقد من الماس . يا لجبروت هذا الرجل . و يا لضعف هؤلاء الملثمين و حولهم من تعلوا أصواتهم مرددين في وجهه " إلى جهنم و بئس المصير " .
للحظات شعرت كأن قلبي ينسحب معه في غفلة منه و هم بمنتهى الوحشية يأخذونه على غرة و يسحبون الحبل ليتدلى عبر هذه الغرفة المظلمة لمَّا هو اظلم يتدلى قبل أن يكمل النطق بالشهادتين حسب مسمعي ، منطلقاً إلى تحت أقدامهم ، و كأنه سقط في هاوية من الماضي المظلم له .
أثناء هذا المشهد لعنت كل شيء و أولها هذا الزمن الذي جعل البعض بلا إنسانية و البعض بلا كرامة . لا أقول أن صدام لم يستحق العقاب ، فهو قد فعل الكثير و الكثير من القتل و النهب و المذابح الجماعية و أصاب الملايين لثلاثون عاماً بالرعب المطلق . و لكن ألا نعد نرى الوجه الآخر للإنسانية في وجهه البائس و الذي مضى و داسته الأقدام .
لأي حد صارت ذواتنا فارغة ، هالكة في طرق من الدماء الأسود و الغضب المضني ، الحقد اللامتناهي . مشهد إعدامه يثبت أن نهاية صدام حسين كان أمراً لابد منه باعتباره شهادة على تحقيق العدالة التي يظنوا أنهم بموته تحققت . و لا يدرون أن هناك مئات صدام مختبئة و جلودها تتغير حسب الوضع الراهن . فهو و إن كان إمبراطور القتل و لكنه كان أيضاً يملك من الشجاعة و القوة ما تجعله مكشوفاً للجميع ، ليس كهؤلاء الذين يبررون غاياتهم بسفك الدماء . فغايته و أهدافه كانت واضحة وضوح الشمس . و رغم كل ما فعله هذا صدام يبقى هو الأقوى حتى لحظة موته .
الأوضاع انعكست أثناء مشهد الإعدام ، فبدل من أن يكون هو المُلثم خوفاً و هم الفاعلين فرحاً و انتصاراً ، انقلب الوضع و السؤال : لهذه الدرجة لم تنجب بلادنا رجل بقوة هذا الرجل ؟
أحاول محو مشهد الإعدام من ذاكرتي و إن كنت اشعر إنني لا استطيع ، فمشهد إعدامه وسط هؤلاء و بهذه الطريقة فاقت أفضل تصوير سينمائي لمشهد إعدام ، حقيقة تجسدت داخل هذه الغرفة هي أننا أصبحنا لا نساوى شيئاً .
رحل صدام عن عالمنا ، كان و مازال و سيظل أسطورة رئيس حكم بيد من حديد . و مات بأبشع مما ظن انه فعل .
الموت صوره عديدة و لكن أبشعه ما يكون بأيدينا ، فالجوع و الفقر و الأمراض و الأوبئة تقتل الآلاف كل يوم . و لكن موتاً مثل هذا الموت يظل بذاكرتنا . هذا الموت الذي نقرره و نبرره و ننفذه دون مقاومة من الطرف الآخر . عقوبة الإعدام هي إعدام لإنسانيتنا و رفض لرحمة الله و الوقوف في وجه العدالة . ليرى كل العالم هذا المشهد و خاصة القضاء الذين يقررون حكم الإعدام . ليروا مقدار بشاعة هذا الحكم . فالبدائل له متوفرة .
الله يرحم ... فلماذا نحن نرفض الرحمة ؟ الله يجرح و يَعصب ... فلماذا لا نُبصر نحن ؟ لنبصر كرامتنا و إنسانيتنا و نقول لا للإعدام من اليوم . الحياة و الموت بيد الله فلندعها لله .
علمنا في السابق أن موعد إعدام الرئيس صدام سيكون قبل نهاية شهر يناير 2007 م ، و بعدها تغير الوضع و أصبح قبل بداية العام الجديد و مع نهاية عام 2006 م . و الغريب إننا بعد كل هذه المناورات حول موعد إعدامه و المسرحية الهزلية لمحاكمته نفاجئ بالموعد قبل ست ساعات حسب أول وكالة أنباء أصدرت خبر تحديد موعد إعدامه . و لم يكن موعد الإعدام بمفاجئة لنا ، نحن نعلم انه في كل الأحوال سيُعدم و يكون عبرة للجميع . و لكن مفاجئتنا جاءت أن إعدامه يوافق أول أيام عيد الأضحى المبارك . فلماذا هذا التوقيت ؟ الم يكتفوا بأنه سيكون حدث يصب في قلوب كل رؤساء العرب بجمرة خوف لا تنطفئ ! و أن يكون إعدامه بهذا الشكل المهين .
أحداث كثيرة و متتالية و مبهمة بخصوص الإعدام و موعده و ظروفه و لكن الأحداث التي كانت داخل غرفة الإعدام كانت أكثر إثارة و سرعة . عندما تشاهد مشهد الإعدام ، و الذي لا يتعدى خمس دقائق ، تُشاهد اكبر عملية لاختلال توازن الإنسان نتيجة الحقد و رغبة الانتقام و الألم و انعدام للمشاعر الإنسانية التي خلقها الله بداخلنا ، و بنفس المشهد ترى شجاعة إنسان في اظلم لحظات حياته و هو يعلم أن العالم كله يراه في هذه اللحظة . بين هؤلاء الملثمين الذين يدورون داخل الغرفة و هم و أن كان صدام نفسه بين أيديهم مختبئين تحت أقنعتهم رعباً ، و بين هذا الجبار الذي لم يهتز لحظة واحدة و هو بين أيديهم و أربكهم أكثر بقوته التي جعلته يستلذ بحبل المشنقة حول عنقه دون أن يختبئ داخل قناع و كأنهم يلبسونه عقد من الماس . يا لجبروت هذا الرجل . و يا لضعف هؤلاء الملثمين و حولهم من تعلوا أصواتهم مرددين في وجهه " إلى جهنم و بئس المصير " .
للحظات شعرت كأن قلبي ينسحب معه في غفلة منه و هم بمنتهى الوحشية يأخذونه على غرة و يسحبون الحبل ليتدلى عبر هذه الغرفة المظلمة لمَّا هو اظلم يتدلى قبل أن يكمل النطق بالشهادتين حسب مسمعي ، منطلقاً إلى تحت أقدامهم ، و كأنه سقط في هاوية من الماضي المظلم له .
أثناء هذا المشهد لعنت كل شيء و أولها هذا الزمن الذي جعل البعض بلا إنسانية و البعض بلا كرامة . لا أقول أن صدام لم يستحق العقاب ، فهو قد فعل الكثير و الكثير من القتل و النهب و المذابح الجماعية و أصاب الملايين لثلاثون عاماً بالرعب المطلق . و لكن ألا نعد نرى الوجه الآخر للإنسانية في وجهه البائس و الذي مضى و داسته الأقدام .
لأي حد صارت ذواتنا فارغة ، هالكة في طرق من الدماء الأسود و الغضب المضني ، الحقد اللامتناهي . مشهد إعدامه يثبت أن نهاية صدام حسين كان أمراً لابد منه باعتباره شهادة على تحقيق العدالة التي يظنوا أنهم بموته تحققت . و لا يدرون أن هناك مئات صدام مختبئة و جلودها تتغير حسب الوضع الراهن . فهو و إن كان إمبراطور القتل و لكنه كان أيضاً يملك من الشجاعة و القوة ما تجعله مكشوفاً للجميع ، ليس كهؤلاء الذين يبررون غاياتهم بسفك الدماء . فغايته و أهدافه كانت واضحة وضوح الشمس . و رغم كل ما فعله هذا صدام يبقى هو الأقوى حتى لحظة موته .
الأوضاع انعكست أثناء مشهد الإعدام ، فبدل من أن يكون هو المُلثم خوفاً و هم الفاعلين فرحاً و انتصاراً ، انقلب الوضع و السؤال : لهذه الدرجة لم تنجب بلادنا رجل بقوة هذا الرجل ؟
أحاول محو مشهد الإعدام من ذاكرتي و إن كنت اشعر إنني لا استطيع ، فمشهد إعدامه وسط هؤلاء و بهذه الطريقة فاقت أفضل تصوير سينمائي لمشهد إعدام ، حقيقة تجسدت داخل هذه الغرفة هي أننا أصبحنا لا نساوى شيئاً .
رحل صدام عن عالمنا ، كان و مازال و سيظل أسطورة رئيس حكم بيد من حديد . و مات بأبشع مما ظن انه فعل .
الموت صوره عديدة و لكن أبشعه ما يكون بأيدينا ، فالجوع و الفقر و الأمراض و الأوبئة تقتل الآلاف كل يوم . و لكن موتاً مثل هذا الموت يظل بذاكرتنا . هذا الموت الذي نقرره و نبرره و ننفذه دون مقاومة من الطرف الآخر . عقوبة الإعدام هي إعدام لإنسانيتنا و رفض لرحمة الله و الوقوف في وجه العدالة . ليرى كل العالم هذا المشهد و خاصة القضاء الذين يقررون حكم الإعدام . ليروا مقدار بشاعة هذا الحكم . فالبدائل له متوفرة .
الله يرحم ... فلماذا نحن نرفض الرحمة ؟ الله يجرح و يَعصب ... فلماذا لا نُبصر نحن ؟ لنبصر كرامتنا و إنسانيتنا و نقول لا للإعدام من اليوم . الحياة و الموت بيد الله فلندعها لله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق