بقلم : عصمت الموسوي
– كاتبة و صحفية بحرينية
ذات مرة قدم طالب عربي يدرس التاريخ والعلوم السياسية في جامعة كونكورديا الكندية على اجراء بحث عن دور هتلر الحقيقي في الحرب العالمية الثانية، وهل كان مسؤولا عن كل ما نسب اليه من جرائم، واين تتجسد بعض اوجه براءته؟
ذات مرة قدم طالب عربي يدرس التاريخ والعلوم السياسية في جامعة كونكورديا الكندية على اجراء بحث عن دور هتلر الحقيقي في الحرب العالمية الثانية، وهل كان مسؤولا عن كل ما نسب اليه من جرائم، واين تتجسد بعض اوجه براءته؟
البحث بدا مختلفا ومغايرا وباحثا في أعماق وزوايا غير مألوفة وغير معتادة وغير تقليدية، لذا فقد نال عليه درجة عالية، لكن البروفسور الذي منح الطالب هذه الدرجة قال له: ان ذلك لا يغير من صورة الطاغية او الطغيان يا بني، ثم اردف مذَكِّرا الطالب بأصله العربي، انتم في العالم العربي ترون الصورة مختلفة عنا، انتم شعوب تمجدون الطغيان وتألهونه، وتبتكرون الذرائع والاسباب لتفضيله على ما عداه من ممارسات ديمقراطية بسبب طول عهودكم بالطغيان والتسلط والحكم الشمولي، فهو بحر لم تجربوا السباحة في غيره.
ويبدو ان البروفسور لا يعرف اننا امة تبدأ صباحها بالدعاء المعتاد »الله لا يغيِّر علينا« وهو شعار يحكم سياساتنا وساستنا، وحتى اذا جرى تغيير من الخارج او الداخل هبت الاصوات مدافعة ومستميتة من اجل ابقاء الحال على ما هو عليه خشية ان يأتي ما هو اسوأ منه، فالتغيير بدعة والتغيير جنون، والطغيان في بلداننا يجب ان لا يستذكر ولا يأتي احد على سيرته من اجل تمكين القادة من بناء دولهم بهدوء ودون شوشرة.
ووحدنا دون العالم الذين نتمتع بقادة يقيمون الحكم بالاستبداد والظلم والاستئثار بالسلطة والحكم والثروات ثم يجدون مدافعين عنهم، وكأن شرط النهضة والرقي والرفعة لا يتحقق إلا مع الاستبداد والطغيان والتسلط والدوس على رقاب الناس.
عشية إعدام صدام جرى الحديث عن النهضة التي اقامها صدام في العراق وعن السعي لامتلاك التقنية المتطورة، والصناعة النووية، وتأهيل الكوادر البشرية، بيد ان السؤال هو.. هل فعل ذلك من اجل العراق ام من اجل اشباع الدوافع الشخصية والذاتية، وارضاء النزعة المستحكمة في البقاء في الحكم الى النهاية ثم توريثه لابنائه بعد ذلك بأي وسيلة كانت؟
ان القائد في هذه البقعة من الأرض هو الغاية، أما الوطن فليس إلا وسيلة لخدمة نوازع وطموح وشهوة هذا القائد إلى الحكم الأبدي، وفي كل مكان في الدنيا ينتحر المهزوم إلا في بلداننا، يظل يكذب ويخادع الجماهير ويجري من حيلة إلى حيلة، ومن مخبأ إلى مخبأ، ومن حفرة إلى حفرة، يساق إلى المحاكمة ويتعرض إلى المهانة والإذلال أملاً في الخلاص الشخصي واستعادة السلطة ليس إلا..
لقد عاش صدام حسين ثلاثة اعوام بعد احتلال العراق على أمل ان يصار إلى تحريره واقتحام اسوار سجنه واعادته إلى الحكم، ولقد كان الانتحار اشرف له من هذه النهاية السيئة. لقد عاش واهماً ومات واهماً واقدم على مغامرات عسكرية مكلفة وباهظة، وكلها بنيت على الوهم، ربما فطن ذلك البرفسور الكندي الآن بعد اعدام صدام كيف ان طالباً عربياً هو وحده الذي انبرى للدفاع عن هتلر ووجده بريئاً..
ولو عاش هذا البروفسور وتربى في بيئتنا لخرج بالنتيجة ذاتها، فنحن ارض تربي الطغاة وتمكِّنهم من كراسيهم الأبدية، وتتحسر على رحيلهم وتبكيهم وتبرئهم من كل جرائمهم، وتصنفهم في قائمة الشهداء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق