الأحد، نوفمبر 30، 2008

الشهرة والأهمية

د. حبيب بولس
نشهد في واقعنا اليوم هجمة إعلامية تطال جميع مجالات الحياة. بما في ذلك الأدب, ومع هذه الهجمة الإعلامية يشتد التنافس بين الأدباء على الظهور في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المكتوبة, وهذا أمر طبيعي.
\ووسائل الإعلام هذه بطبيعة الحال هي وسائل تسعى جهدها وتبذل طاقتها إلى الانتشار الواسع, ومع هذا الانتشار ينتشر أيضا اسم هذا الأديب أو ذاك خاصة إذا كان على علاقة مع المسؤولين عن هذه الوسائل. ووسائل الإعلام في سعيها هذا إلى الانتشار لا يهمها مستوى الادب الذي تنشره عادة بقدر ما يهمها مدى ملء الفراغات فيها
. من هنا يصبح بعض الأدباء رغم ضحالة وسطحية ما يكتبونه أو ما ينشرونه في هذه الوسائل أدباء مشهورين يدخلون جميع البيوت, سواء أكان ذلك عن طريق التلفزيون أو الراديو أو الصحافة, وتصبح أسماء هؤلاء الأدباء عند البعض لامعة وذلك لكثرة ما يقراونها أو يرونها او يسمعونها, بحيث إذا أراد جسم ما أو مؤسسة ما إقامة ندوة أدبية أو عقد لقاء أدبي للتداول في قضية معينة تمس واقع الحركة الأدبية ومستقبلها نجد هذه الأجسام والمؤسسات تدعو أمثال هؤلاء الأدباء دائما, أي الأدباء الذين استطاعوا بشكل أو بآخر اختراق عالم الإعلام وعرفوا كيف يسوقون أدبهم وأنفسهم بذكاء.
من هنا تصبح الحاجة اليوم ملّحة في رأيي,_ خاصّة مع ما تقدم-, إلى النظر في الأمر والى التفريق بين قضيتين: بين المشهور من جهة والمهم من جهة أخرى, وذلك لان الشهرة شيء والأهمية شيء آخر. فالشهرة يستطيع الأديب أن يحصل عليها بوسائل عديدة لا علاقة لها بمستوى أدبه, فهو يستطيع ذلك عن طريق العلاقات الاجتماعية أو الانتمائية أو الموقع الاقتصادي, وكذلك يستطيع أن يحصل على الشهرة إذا كان يملك القدرة على الذكاء المنافق ومعرفة تسويق نفسه وتسويق ما ينتج. أما الأهمية فأمرها مختلف, فهي لا تأتي بسهولة, ولا يمكن الوصول إليها بالوسائل المذكورة, بل هي تتعلق بمستوى ما يكتبه هذا الأديب, وبمستوى رؤيته ورؤاه, كما أنها تتعلق بمدى تعلق هذا الأديب بنظرة مستقبلية تدعو إلى التغيير على مستوى اليومي والعادي والمألوف والمتعارف عليه. هذا من جهة, أما الفرق الآخر فهو أن الشهرة تأتي بسهولة وربما بسرعة نسبيا ويحظى صاحبها بثمارها ونتائجها في حياته ويتمتع بهذه الثمار والنتائج ويستغلها, ذلك لأنها لا تحتاج إلى جهد كبير, بينما الأهمية دربها طويل شاق محفوف بالأشواك والمصاعب, لذلك تكون حركتها بطيئة مقارنة مع الشهرة, لدرجة أن من يصل إليها وفي كثير من الأحيان لا يحظى بثمارها في حياته ولا يتمتع بها, إنما تأتي بعد وفاته, وربما بعد وفاته بوقت طويل. والأمثلة على ذلك كثيرة في الادبين العربي والعالمي, وتفحص بسيط لحملة الجوائز العالمية في الأدب يشي بذلك. إذ كم من أديب لم يلتفت إليه الناس في حياته لأنه كان بعيدا عن وسائل الإعلام, وعن الأضواء, اكتشفت أهميته فيما بعد أي بعد وفاته, وذلك حين اصطدم به بالصدفة احد الباحثين أو النقاد, فوقف على هذا الأدب ورأى إلى ما فيه من أهمية, فسعى إلى نشره والكتابة عنه, حتى صار هذا الأدب معلما من معالم التطور الأدبي عالميا, وسار نموذجا يحتذى, فاكتسب من هنا احترامه الأدبي, أليس هذا ما حصل لكافكا ولابن الرومي ولغيرهما الكثير.
كم من أديب عاش منبوذا في عصره لا احد يهتم به لأنه كان سابقا لهذا العصر في آرائه وفي رؤاه وفي تفكيره وفي أساليبه, ولكنه رغم ذلك ظل مثابرا, فإذا به بعد مرور وقت طويل, يكتشف الناس أهميته وعطاءه فيصير عالميا ويخلد. إذا الفرق شاسع بين الأديب الشهور والأديب المهم.
ينضاف إلى ذلك أن الشهرة شيء لامع براق يخلب, ولكن إلى حين, إذ أن بريقها لا بد له من الانطفاء, ولا بد لنجم صاحبها من الأفول, ولضوئه اللامع من أن يخبو مع الزمن, إذ أن الناس, بالتالي, مهما خدعوا بهذه الشهرة, لا بد أن يكتشفوا زيفها المخبوء تحت هذه القشرة اللامعة, وعندئذ تتنبه وسائل الإعلام ذاتها التي سعت إلى إشهار هذا الأديب إلى ذلك, فتسعى إلى استبداله بوجه جديد بكر يشكّل بالنسبة إليها نقطة جذب أكثر من السابق, لان ما يهمها ليس الأدب ولا الأديب بقدر انتشارها, وهكذا يفقد هذا الأديب شهرته في لحظة, كما ويفقد كل الهالات التي أحاطت به, ويندم على ما فاته من الوقت والجهد الضائعين اللذين تسربا من حياته دون ان يعمق معرفته وان يؤصلها ويجذرها ويستثمرها بالتالي في أدب جيد رفيع يحافظ به على مكانته, ليصبح بالتالي أديبا مهما محترما في المحافل جميعها, ولكن لات ساعة مندم.
ومن الطبيعي ونحن نقول ذلك ألا نتهم الناس بأمر إشهار هذا الأديب أو ذاك فالناس في هذه العملية يكونون كذلك من المخدوعين, الذين استطاعت وسائل الإعلام أن تضلل بهم. من هنا يصبح المسؤول عن هذه العملية فريقان: وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها, والادباء أنفسهم. ومن هنا أيضا تصبح مسؤوليتنا مطالبة هذه الوسائل بان تسعى إلى نشر الأدب الصحيح وان تبتعد عن نشر الغث. أن تسعى إلى رفع قيمة الأدب والاهتمام بكيفيته وبنوعيته, لأننا في أمسّ الحاجة اليوم إلى ذلك وخاصّة ونحن نراهن على مستقبل حركتنا الأدبية بمجملها أمام المخاطر التي تهددها؟ وسائل الإعلام اليوم مطالبة بان تلتفت إلى المهم لإبرازه, وأن تبتعد عن الأدب السطحي الذي لا يسعى صاحبه من ورائه إلا إلى الشهرة. وربما سائل يسأل وكيف ذلك؟! وهل تملك وسائل الإعلام القدرة الكافية لان تكون في عملية نقد مستمرة للأدب؟! وهل تستطيع أن تفرّق بين الأمرين؟!
السؤال هنا يأتي في موقعه, خاصّة وأن قضية الشهرة والأهميّة تنطبق على هذه الوسائل أيضا. إذ كم من وسيلة إعلامية تدعي اليوم الانتشار الواسع بين الناس والشهرة وهي لا تستحق ذلك. وكم من أخرى اقل انتشارا وأقل شهرة ولا يقرأها سوى نفر قليل, تفوقها مستوى. كم من وسيلة إعلامية تدعي الانتشار الواسع وهي لا تقوم ولا تنهض إلا على الأخبار الرخيصة والدعاية الرخيصة والبرامج الهزيلة. وأعني بالأخبار الرخيصة, تلك الأخبار التي تستقي مادتها من الناس والمجتمع والتي تلاحق أمورنا الحساسة. ومثل هذه الأخبار الرخيصة بطبيعة الحال تخاطب غرائز الناس وتستهويهم وتستقطب انتباههم فيميلون إليها. بينما غيرها يسعى إلى نشر الأخبار الجادة الرصينة ذات الصبغة الموضوعيّة, مع معرفتها الأكيدة بأن مثل هذه الأخبار لها جمهور ضيّق خاص, وهذا الجمهور الخاصّ أقل ّبكثير من جمهور تلك. ولكنها رغم ذلك تكتفي به وبهذا تكتسب أهميتها بحيث تصبح مرجعا تاريخيّا علميّا لكل من يريد أن يبحث عن الحقائق, بينما الأخرى تذروها الرياح مع الزمن ولا يبقى منها سوى اسمها فقط. وهذا لا ينطبق على وسائل إعلامنا فقط وإنما هو أمر معروف في العالم أجمع.
وإذا عدنا إلى سؤالنا الذي طرحناه سابقا, نقول: ليس من الضروري أن تكون وسائل الأعلام هذه ذات قدرة نقديّة تستطيع من خلالها أن تفرق بين الأمرين لتتجنّب ما ذكرناه من نشر أدب سطحي, إنما عليها إذا كانت فعلا تهتم بمستقبل أدبنا- وهي قضيّة وطنيّة من الدرجة الأولى- ان توكل أمر الأدب إلى إنسان يفهم بالموضوع متخصص به يهمه شأن الأدب أكثر من اهتمامه بالعلاقات والروابط. عندئذ لا يجرؤ الكاتب أو الأديب على نشر إلا ما يستحق النشر. لا أن توكل ذلك إلى إنسان بعيد عن الأدب همه فقط ملء الفراغات وإرضاء جشع العلاقات.
أمّا مسؤولية الأدباء فهي أكبر من مسؤوليّة وسائل الإعلام اذ أنهم وحدهم يتحمّلون نتيجة ما سبق ذكره, لذلك هم مطالبون بتقديم أدب جاد حتى لو كلّفهم ذلك التعب والجهد, أو كلّفهم الابتعاد عن الشهرة الإعلامية, إذ أن رسالة الأدب كبيرة مقدّسة أكبر من هذه الشهرة الزائفة. عليهم أن يعرفوا أن وسائل الإعلام مهما بلغ انتشارها لن تجعل منهم أدباء مهمين, بل ما يجعلهم كذلك أدبهم وجدّيتهم وبحثهم الدائم عن الأنسب لقراءاتهم ومتابعاتهم المتواصلة للمستجدات بغية إثراء أدبهم, حتى لو كان ذلك على حساب شهرتهم. فالأدب ليس من رسالته ولا من مهمته الإشهار. على الأديب أن يقرّر سلفا: إما الشهرة وإما الأهمية. فإذا أراد الشهرة عندئذ الأمر يكون سهلا ولكنه بذلك يضر بنفسه وبالتالي يضرّ بمجمل الحركة الأدبيّة. وأمّا إذا أراد الأهمية فعليه أن يتحلى بالصّبر وأن لا يهتم بالبريق, حتى لو جاء ذلك متأخرا. اعرف أن الشهرة خلّابة جذّابة برّاقة, وقلة هم الذين يستطيعون الصمود أمام بريقها وجاذبيّتها, ولكنها رغم ما فيها من إغراء فهي لا تخلّد أدبا ولا أديبا. إنما ما يخلّده هو الأدب المهم. الأدب الذي يغيّر ويرى إلى المستقبل, لا الأدب الجامد المحصور في الحاضر.
وأخيرا الأهمية لا الشهرة. الأدب المهم لا الأدب الذي يملأ الفراغات, هو الذي يبقى للتاريخ ولنا. ومن هنا أهيب بوسائل الإعلام وبأدبائنا أن يسعوا إلى المهم لا إلى المشهور. فالشهرة تطفو على السطح بينما الأهمية تخترق الأعماق. المهم هو الباقي ولو تأخرت هذه الأهميّة على الأديب ألّا يقلق عليه أن يكون واثقا من أن التاريخ كفيل بالتفريق, ومن أنه سوف يفرّق في المستقبل بين الامرين وعندئذ يخبو البريق ويزول ولا يظلّ يلمع ويشعّ إلا الأصيل, والأصيل هو توأم المهم.
فليكن شعارنا اذا الأهميّة لا الشهرة. فهل من يسمع؟! وهل من يتّعظ؟
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
drhbolus@yahoo.com


السبت، نوفمبر 29، 2008

وطن معلّق

د. حنان فاروق
ياأيها الوطن المعلق بين أرضي والسما
لا أنت تنزل واقعي أو تستحيل لـربما
رسمت ملامحك انكسارات تبعثرها الدما
وأنا وحيد فى خواءات تلوذ بعندما...

أحرقت في صدري الخرائط ثم رحت أخطني
وشفاه أوراقي تتمتم وردها وتمجني
تستصرخ النيران تنقذها لكي لا تنحني
فتهب تأكلها وتتركني لأسكن (ليتني)

مازلت أبحث فى ثنايا الروح عن معنى وطن
وأدور في جوف المعاجم فى المكان وفى الزمن
تمتد أيدي الناس بالأطواق كي لا أفتتن
وأنا أبعثر غربتي فوق الجنون بلا ثمن


من أين أبدأ رحلتي..من اين أنهيها أجبني
ياأيها الوطن المعلق فيّ والمنبث مني
غضبت معالمك التي ماعاد ينحتها التمني
هدأتها فاستكبرت وتوقفت بيني وبيني

بيني وبيني ذكريات لا يراها غير نبضي
تضطر حلمي للتسرب من خفوقي ثم يمضي
ومداد أحرف قصتي ينسل من بعضي لبعضي
لأعيش بين البين أكتب فى السكون سطور رفضي

المهرّج الكبير

خالد ساحلي

كنت الطفل البريء في الصغر
وكان الحلم جميلا داخلي
كعصفور جنة
كنت لا أعي حقيقة الأشياء
تتشابه الأسماء عندي و معانيها
بنيت جسر خيال لوجه الشمس
صار داري
أجدده ببزوغ الصباح
وكان اليوم الشتوي
من أيام كانون المبارك
يوم ميلاد الدهشة
الحقيقة البسيطة
طلب المعلم مني
دراهم لأجل عرض المهرّج
قال المعلم : المهرّج صديق الأطفال
صاحب السروال العريض المخطط
و الأنف المدبّب
على رأسه القبعة الظريفة
التي لا تشبه قبعة الساحر
ووجهه المضحك مزيج ألوان
انتظرت يومه المشهود
أخيرا المهرّج على المنصة.
رأيته يخفي جرحه في أغنية
كفف دمعة الأطفال الحزينة في ابتسامة
ألقى عرضه الشيّق ومضى لحاله
وبقى في الذاكرة
الأثر الطيب صورته
ملامحه لا زالت معلّقة
على أستار أقداري
كان ذلك من زمان
حين كبرت
وعيت السياسة
في الوطن المجروح
حبائل مشنقة
وعيت أسماء الظلم والوشاية
و اليد الفنانة في الجور
المُحرقة المغيّرة القدر المحتوم

رأيت المهرّجين
يفقّسون كالجراد
عرفتهم أجناسا
كالإنس و الجن
كالشياطين و الملائكة
المهرّج كبيرهم اللعين
حين يخطب بلا أغنية في دائرته
ويعطي بعينيه الكاذبتين الوعود
كما عمدة البلد
لتنتحر في زوارق العبور الأمنية
أو على قارعة الطريق
في لفائف الحشيش والحبوب المنومة
حين الانتظار يكفّن نفسه
لأجل الزهور
يتنازل الفناء للنهاية
ويهدي الموت للأبرياء
في صناديق مغلقة
يتنازل متفرج مثلي
عن الهوية و الجنسية
لمن يريدها؟
من يريدها؟ من يقول أنا أريدها؟
فأنا هذا لا يساوي ذرة في غبار الناقة.
المهرّج الكبير حين يخطب
يشعل الحقيقة بعود الكذب مع الخشب
بكثرة اللغو و الكلام
يمنح الدمعة في ابتسامة
و الحزن مع الهرج
يكبر في هذا الوطن
كل مهرّج يمنح في البحر
الغرق بدل السكن
يكبر في هذا الوطن
كل مهرّج يقتل الروح
حين يمنح السم
مع ما يشبه الفرح
حين يعطي الخبز جائزة الواشين
ويذبح بسكين الجشع
الحلم العذري مع الغد الجديد
يكبر في هذا الوطن
من ليس في قلبه إله
بل وثن وطمع
يكبر كل مصاصي الدماء
مصاص عرق الطاهرين
العاملين فقراء الحقول و الشوارع
تحت لظى الحر و العطش
يكبر في هذا الوطن
كل اللصوص الذين يذوب الظل فيهم
وعلى القلب المسكين الخطر
من يفتح القبور ليلة عرس اليتيم
الذي قضى والداه بالرحيل الأبدي؟
هو الآن في عداد الركب
منتفضا ليحاكم
بالجرم الذي لم يفعله
في هذا الوطن المجروح
وضعت الله بقلبي
وبين عيناي حط الهدهد بالخبر اليقين
عائدا من سبأ الزيف.



أدب العلاقات الشخصية

د. حبيب بولس
النقد القائم على العلاقات الشخصية حك لي حتى احك لك, امدحني حتى أمدحك خيانة للنقد وتدمير لحياتنا الأدبية, ما من نص كامل وما من أديب كامل والمهمة الحقيقية للنقد هي كشف السلبيات والعيوب, بالإضافة إلى تمجيد الاصالة والإبداع

تسود أدبنا في الآونة الأخيرة ظاهرة (اكتب عني) وليس مهما مستوى ما يكتب, المهم انه يكتب, حتى ترى الواحد حين يصدر له عمل ما, يلاحق ويحاصر الآخرين ويلح عليهم, كي يكتبوا عنه. "متى ستكتب عني؟", "ما الذي يعيقك؟" وهكذا... وطبعا سؤال كهذا أو طلب كهذا لا يوجه إلا لصديق أو لزميل أو لمعرفة شخصية تربط الكاتب به علاقة شخصية, وذلك كي يأمن الكاتب جانب النقد الصحيح, ولكي يستبق الأحداث ويحتاط من كلمة صادقة تقال فالصديق أو الزميل, مهما جرى, لا يمكن له أن يطعن في إبداع صديقه أو أن يؤشر إلى السلبيات, خجلا وحرصا على علاقة, لذلك يضطر إلى المسايرة والى أن يُطرى ويمدح حتى وان كان غير مقتنع بذلك, وقارئ ذلك الكلام, خاصة القارئ المتتبع والمتمرس يدهش أمام هذه الظاهرة, أمام ذاك الكلام فيشعر وبحق, انه كلام مغتصب, لأنه حائر قلق لا يستقر على وجهة نقدية ولا على مدرج, إنما هو ضرب من التحايل على الكلام, من الالتفاف والمراوغة, وما الهدف من عملية اغتصاب الكتابة الاخوانية هذه؟ الهدف هو أن الكاتب وخاصة أن الكاتب الذي يعرف أن مستوى ما يكتب عادي وبحاجة إلى تطوير وكي يختصر درجات السلم الإبداعي, حين يقرا ما يكتبه عنه عدد من الأصدقاء ينتفخ ويحسب انه صار كبيرا. و "يا ارض اشتدي ما في حدا قدي".
وهنا تكمن المصيبة, لان الإبداع ليس عملية اغتصاب, بل طريق وعر شائك, واختصاره ليس في صالح المبدع أو الطامح لان يكون مبدعا حقيقيا.
والانكى من كل ما ذكر, انه إذا استجاب صديقه لطلبه وكتب مطريا, روج له الآخر وصار بوق دعاية له يسوقه كيفما اتفق وأينما اتفق, فالعملية "رد جمائل", ولكن حين يجابه بالرفض ممن طلب منهم الكتابة عنهم أو ان صدف وكتب عنه احدهم نقدا جادا يشير إلى العيوب والنواقص, أو ان عبر له احدهم عن عدم استساغته لإبداعه, صار ذاك الشخص أديبا جاهلا, وربما ساقطا وعدوا شخصيا, لا يفهم بالكتابة ولا بالنقد ولا حتى بالأدب, إنما هم مجرد حاقد "يغار" ولأنه كذلك فهو لا يفعل سوى لملمة ما يكتبه من بطون الكتب, إذ ليس عنده ما يقوله ولا يملك منظورا أو خلفية أدبية ثقافية تمكن من الغوص في ذاك الإبداع العبقري!!
وأنا أتساءل واعتقد انه يحق لي ذلك: هل مهمة الكتابة عن إبداع الآخرين وبالذات الكتابة الناقدة الإطراء فقط؟ وهل ستتحكم في كتاباتنا العلاقات الشخصية؟ تصوروا ذلك!! وأي أدب هذا الذي سيكون محكوما بعلاقة شخصية؟ وكيف ستكون وظيفته السامية؟ وهل عندها يستطيع هذا الأدب أن يؤشر على الجرح؟ هل يستطيع أدب "علاقة شخصية" طرح القضايا الملحة بأمانة وبصدق؟ وهل الكتابة عن إبداع ما عن أدب شخص ما وبالذات الكتابة النقدية تنهض على علاقات, على (حُكِّلي تأحُكِّلَّك) كيف يمكن هذا؟!!
والسؤال الذي يرتفع بعد هذا الكلام, ماذا نريد من أدبنا؟ هل نريده أدبا يجامل وينافق؟ أدب "لفلفة", أم هل نريده أدبا صادقا موضوعيا؟!
إذا كنا نريده أدب مجاملات عندها ستنفع العلاقات الشخصية وستصير هي الموجِّه والربان. اما إذا أردناه أدبا صادقا معافىً , مهما كلّف الأمر فعندها يجب ألا يقوم وينهض بناءً على علاقة بل على موضوعية وعلمية؟ وهذا هو الصحيح إذ كنا نحترم أدبنا ونحبه ونتمنى له التقدم.
والموضوعية وبسبب صدقها ومنطلقاتها الصحيحة المدروسة تُبكي, ولكن فليكن, فقديما قالوا وكم صدقوا " أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك" الأديب الحق مهما اشتهر يعرف تماما ان ثغرات ما تتخلل إبداعه, إذ ما من أديب كامل مهما كان مستواه, وما من إبداع كامل كذلك, وعليه بسبب ذلك, ان يصغي لما يقوله الآخرون, كي يحسن أدواته وان أبكاه أو أغضبه ذلك.
عليه ان يصبر ويكتم ويجرب ولا بد له بعد ذلك من ان يصل ولكن هل هذا هو الحاصل في أدبنا؟
لاحظوا ما يجري على ساحتنا الأدبية. قائل الحقيقة مغيّب, لا بل مضروب عليه حصار, وممن؟ واضح ان الحصار مضروب من قبل بعض الأسماء البراقة, اللماعة التي تتربع بحكم "العلاقات الشخصية" في الصدارة, والتي لا تقبل بسبب ذلك نقدا ولا توجيها, فهم فوق ذلك! وتجنبا للأمر يحاولون اختلاق الشائعات وإطلاقها والترويج لها, ضد هذا الذي انتقد, وهذه الطريقة الرخيصة صارت معروفة ومبتذلة, أي قبل ان تنتقدني أوجه لك اللكمة وأحاصرك وأجند أصدقائي, وهكذا ابرر نقدك على انه نابع عن "عداء شخصي" أو عن "انتقام", أو عن علاقة شائهة.
هذه الأسماء التي لا تريد ان تعترف بأن دورها كان فاعلا في فترة ما, أما اليوم فصار هناك جيل جديد, جيل آخر لا يستمرىء ما يكتبونه, إنما يريد جديدا, فخوفا على أنفسهم من هذا النقد, يحصنون أنفسهم بمثل تلك العلاقات الشخصية, ويتضامنون مع بعضهم البعض, معتقدين أنهم بذلك سينجون, وسيحافظون على مراكزهم. فيتصرفون وكأن الأمور ما زالت على ما كانت عليه, ويستغلون صمت الآخرين, ويحاربون الصادق في كتاباته عنهم, ولأنهم يحتلون المركز, ولان شعبنا حساس تجاههم, يستغلون تلك الحساسية ويحاولون تغييب الصادقين وإبعادهم. فحين يتنادون لندوة, ينادي الواحد منهم صديقه, وحين تطفو على السطح فكرة تعزية او تأبين يرشحون بعضهم بعضا. وحين تصير الحاجة لتكريم أديب ما يتدخلون بأقوى ما فيهم ليحرموا المستحق وليكرموا الزعانف لأنها من شلتهم من رَبْع "العلاقات الشخصية" ويحسبون أنهم بذلك يستطيعون تغطية الشمس بعباءة, ولا يعرفون أنهم مهما تحايلوا, ومهما راوغوا, ومهما نافقوا, فان مصير الحقيقة ان تظهر والحق مصيره ان يحصحص, والضعيف دائما يحاول إحاطة نفسه بالأسوار لأنه يعرف حقيقة كونه ضعيفا ولا حجة له أمام الذي يحدث سوى تسييج نفسه, بما هم من أمثاله من الضعفاء.
وهكذا على خلفية هذا الضعف, وعلى خلفية تجنب الصحيح والحق تنشا علاقاتهم وتنسج روابطهم, وتبنى شللهم.
والسؤال: هل هذه العلاقات ستظل قائمة؟ والى متى؟ ألا يحسبون حساب ان احدهم لا بد له من ان يثور يوما ما ويضيق ذرعا بهذا الكذب الفاشي, فيمزق تلك الغشاوة الرقيقة التي تسترهم.
من هنا أقول وخوفا على هذا الأدب لمن يقيمون أدبهم على علاقات شخصية, كفوا عن مثل هذه المهاترات المضحكة. كونوا صادقين مع أنفسكم ومع الآخرين.
فانتم تعرفون الحقيقة أكثر من غيركم. كفوا عن النظر إلى الأدب من منطلق "العلاقات" فهذه النظرة لن تجلب لأدبنا سوى التقهقر والضرر والتقوقع والتشرذم.
افتحوا صدوركم للجديد, للهواء النقي. الأدب ليس يورث لأحد والمراكز الأدبية تتغير وفق أهمية الأديب وأهمية ما يكتبه لا وفق شهرته أو وفق من هم أصحابه ومعارفه!
والسؤال إذا تغير الوضع وهو حتما سيتغير, ماذا انتم فاعلون؟!! فهل من يسمع؟

drhbolus@yahoo.com

د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية

الجار: قصة قصيرة لكافكا

د. عدنان الظاهر

أعباءُ مكتبي كليّةً على عاتقي . في الحجرة الأمامية آنستان مع آلات كاتبة وملفّات العمل . أما حجرتي ففيها منضدة كتابة وخازنة نقود ( قاصة ) وطاولة إستشارات وكرسي وتلفون . هذا هو كل طاقمُ عملي ، ليست صعبة مراقبته ويسيرةٌ إدارته .
أنا شابٌ يافعٌ تماماً وأكادُ أُديرُ المهنةَ وحيداً ولا من شكوى لديَّ ، لا من شكوى .
منذُ رأس السنة الجديدة كان قد إستأجرَ رجلٌ شابٌ الشقة الصغيرة المجاورة التي ترددتُ كثيراً لسوء الحظ في إستئجارها . فيها غرفة داخلية وغرفة أمامية أيضاً بالإضافة إلى مطبخ صغير . الحجرتان كان بإمكاني إستخدامهما إذْ طالما أحسّت الفتاتان بضيق المكان . لكنْ فيمَ كنتُ سأفيدُ من المطبخ ؟
أمسى الهاجسُ هذا يُشعرني بالذنب ، ذاكَ لأني تركتُ هذه الشقة أنْ يشغلها سوايَّ. الآن يجلسُ هناك الرجلُ الشابُ وإسمه هاراس . لا أعرف ، كذلك ، على وجه الدقة ما يفعله هذا الرجلُ هناك . تنتصبُ على باب شقته لوحةُ تقولُ " مكتب هاراس " . ولدى إستفساري أخبرني أحدهم أنَّ مكتبَ هاراس شبيهٌ بمكتبي من حيثُ طبيعة العمل . ليس سهلاً تصديق هذا الأمر وحمله محمل الجد ، ذاك لأنَّ كافةَ الدلائل تُشيرُ إلى أنَّ الشابَ الطموحَ الذي يُديرُ هذا المكتب صفرُ اليدين من المال اللازم لإدارة عمل مكتب .
يتوقعُ المرءُ دوماً هذا النمط من المعلومات التي يزودها إمرؤٌ يجهلُ بواطن الأمور .
ألتقي هاراس أحياناً على السلالم ، حيثُ أنه يبدو على الدوام في عَجَلةٍ من أمره وبشكل غير عادي . إنه يخطفُ من أمامي سريعاً . هلاّ تمعنتُ فيه ملياً ؟ كلا ، لم استطع ْ ذلكَ بعدُ ، إذْ أنَّ مفتاحَ مكتبه مُعدٌّ سَلَفاً في يده ، وفي طُرفةِ عينٍ ألفاهُ يفتحُ البابَ ويختفي خلفها . يتسللُ مثل ذيل الجرذ بينا أتسمرُّ أنا أمامَ اللوحة
" مكتب هاراس " التي ما أكثرَ ما قرأتها وكأني بها تستحقُّ ذلك .
الجدرانُ الرقيقةُ البائسةُ تخونُ الرجلَ الشريفَ وتعرّيه ، لكنها تتسترُ على النذلِ الدوني وتغطّيهِ . تلفوني مُعلّقٌ على جدار شقتي ، الجدار الذي يفصلني عن جاري . لم أكترثْ بالأمر ولم أحتطْ له حين علمتُ أنَّ كلامي بالتلفون مسموعٌ في الشقة المجاورة . كنتُ أسخرُ من الأمر لا أكثر . من جهتي قد إعتدتُ ذِكرَ أسماء زبائني الصريحة بالتلفون وذلك أمرٌ لا يحتملُ مكابرةً أو شطارةً لأنَّ طبيعة العملُ تقتضي تزييف الأسماء أثناء المكالمات التلفونية وهو أمرٌ لا بُدَّ منه. أتكلم أحياناً والسماعةُ على أُذني ولا يقرُّ لي قرارٌ ولا يهدأُ لي بالٌ حتى أني أقفُ على أطراف أصابع قدميَّ فيفلتُ الزمامُ ولا يمكنُ تجنّب إنكشاف الأسرار . وطبيعي أنْ تغدو قرارات المهنة في وضعٍ غير آمن حينما تعتري صوتي رجفةٌ . ماذا يفعلُ هاراس حين أتكلّمُ بالتلفون ؟
ملاحظة مني : لم أجدْ [ كافكا ] في هذه الأقصوصة القصيرة ذلك الكاتب ذا الشهرة العريضة ... قد يوافقني القارئ الكريم في رأيي هذا وربما يختلفُ معي . ترجمتها خلال فترة دراستي للغة الألمانية في معهد [ كوته ] في مدينة ميونيخ خريف عام 1985 وكانت هذه القصة إحدى الواجبات البيتية .

الجمعة، نوفمبر 28، 2008

أعـطـيـتـُكَ أجملَ ما عـنـدي

عبدالله علي الأقزم
أعـطـيـتـُكَ

أجملَ ما عـنـدي

فلماذا وجـهُـكَ

في وجهي

ما زالَ يطيرُ

و يـبـتـعـدُ

هل أجرمَ

هـجرُكَ في قــتـلـي

و ريـاحُ رحـيـلـِكَ

في روحـي

بـسـيـاط ِ فـراقـِكَ

تـنـعـقِـدُ

و هواكَ

على جسدي ينمو

كـحـدائق ِ بـابـلَ

أو أحـلـى

و على مرآتـي

يـتـَّـقـدُ

قـد عاشَ

وجودُكَ دائـرتـي

و أضاءَ طـريـقـُكَ

ذاكـرتـي

و تـسـلـسـلَ

شـعـراً لا يُـنـسَـى

و تـفـتـَّـحَ

في فـمـِـكَ الـبـلـدُ

هـلْ أدركَ

حـبـُّـكَ كيفَ نـمـا

و هـواكَ

بـأزمـنـتـي الأبـدُ

مِنْ روحِـكَ

زهـرُ سـمـاواتي

بالـعـطـر ِ تـعـيـشُ

و تـجـتـهـدُ

يا لونَ الوردِ

على شـفـتـي

يا مشيَ الـحـبِّ

إلى سـكـنـي

يـا حـكيَ الـنـيـل ِ

على بـدنـي

يـا أجـمـلَ سطر ٍ

قـدَّمـنـي

كمْ فـيـكَ

نـداءُ الـحـبِّ

غـنـي

هـمـسـاتـُكَ

غـيـثٌ تـعـزفـُنـي

و دخولُـكَ أحضانـي

بـَرَدُ

مِنْ أجْـمـل ِ ألـوان ِ

الـلـُّقـيـا

أجـزاؤكَ

لمْ تـتـعـبْ أبـداً

للآن ِ مـواكـبُـهـا

تـفِـدُ

عـيـنـاكَ الـدُّرُّ

و لـيـسَ لـهُ

في عـدِّ روائِـعِـهِ

عـددُ

هـلْ يـوسـفُ

مـنـكَ أتى

و مضى

إنْ غابَ جـمـالـُكَ

عـنْ بـدر ٍ

فـالـبـدرُ بـفـقـدِكَ

يـُفـتـقـَـدُ

مِنْ وجـهـِكَ

أهـلـي قـدْ قـدِمـوا

وطـنـاً عـربـيـَّـاً

لم يـصـدأ

أوطـانُ الـعُـرْبِ

مُـشـتـَّـتـة ٌ

و على كـفـَّيـنـا

تـتـَّحِـدُ

شـاهـدتـُـكَ

وجـهَ بـطولاتٍ

في الـحُـبِّ يُضيءُ

و يـنـعـقـدُ

كعـراق ٍ

كـلـُّـكَ في أمـل ٍ

في ظلِّ عواصفَ

قـاتـلةٍ

بـثـبـاتـِكَ

لمْ يضعـفْ وتـدُ

لـِجَـمَـالِـكَ

بـيـنَ حـكـاياتـي

أجـزائـي

بـيـنَ يـديـكَ يـدُ

في زُرقـةِ

شـعـر ٍ رقـراق ٍ

خـطواتـُكَ

في قـلبي سـطـعـتْ

و بـعـزف ِ غـرامـي

تـنـفـردُ

أبـلادُ الشام ِ

مـعـي صـدحـتْ

أحـبـبـتـُكَ

حُـبـَّـاً أنـطقـنـي

إنْ كـنـتُ الأمسَ

فـأنـتَ غـدُ

مَنْ ذاقَ هـواكَ

فـلـنْ يـقـوى

في حصْـرِ مـسـاحـتـِـهِ

الأمَـدُ

مشوارُ الحبِّ

إلـيـكَ سعى

و وقـودُ هـواكَ

لـهُ مددُ

و صـفـاؤكَ

بحرٌ يـَدخـلـُني

في بـحـرِكَ

لمْ يُـشـرقْ

زبـَدُ

و مـحـرُّكُ

سـحـرِكَ في قـلـبـي

ما زالَ يدورُ

و يـجـتـهـدُ

لـن يـضـعـفَ

حـبـُّـكَ في روحـي

و صـداكَ وجـودي

و الـسَّـنـَدُ

و عـطاؤكَ

كـمْ يـبـنـي مُدُنـاً

بدمي

لمْ يـهـدمْـهـا أحَـدُ

و الـنـَّاسُ

بـكـلِّ خـرائِـطِـهـِمْ

مـا بـيـنَ ضـلـوعي

قـدْ شـهـِدوا

تـأريـخـي

حـبـُّـكَ أوَّلـُـهُ

الـرُّوحُ و آخِـرُهُ

جـسَـدُ

هرطقة "الحداثة" في النقد داخل فلسطين 48

د. ميرا جميل
عن "الحداثي" الذي تجاوز أدونيس بمراحل !!

لفتت انتباهي جملة في مراجعة لديوان شاعر عربي من فلسطين 48 ، كتبها الدكتور بطرس دله في نقد نشر على موقع "صوت العروبة "، يقول فيها : " يدعي الكثيرون أنهم وحدهم يعرفون ما هو شعر الحداثة؛ وكنا أنا ومجموعة من أصدقاء مدرسة "يني" الثانوية قد عقدنا مهرجاناً كبيراً حول شعر الحداثة" ، وكان قد قال في جملة سابقة واصفا الديوان : " ففيه خروج عن المألوف وتطور للأفضل فيما يسمّى باسم شعر الحداثة modernism. ".

لم أقرأ الديوان وأمل ان يصلني الى منفاي الاختياري في نيقوسيا لأقرأه وابحث عن العلاقة ين النص الشعري والنقد والحداثة التي اكتشفها الناقد ، وماذا يعني ب :" الخروج عن المألوف وتطور للأفضل فيما يسمّى باسم شعر الحداثة" لعلنا نستفيد بعنصر جديد نلحقه بمفهوم الحداثة .

لست في باب تقييم الديوان أو "الحداثة " في شعر الديوان ...

جملة الدكتور بطرس دله تشير الى عدم فهم رهيب لموضوع الحداثة في الأدب والفكر والفلسفة . وكيف له ذلك والثقافة العربية، في كل الوطن العربي ، لم تنجز استحقاقات الحداثة بعد، وتبدو الحداثة موضوعا للترف الفكري في الثقافة العربية ، لأن الثقافة العربية تفكر وتنتج نفسها في واقع عربي اجتماعي واقتصادي وثقافي هو ما قبل الحداثة أصلا..!!

يستطيع د. دله ان يدمج كلمات لاتينية بعد كل جملة . هل سيتغير الحال مع مضمون الحداثة الأدبية ؟ وهل أضحت الحداثة معلما ابداعيا .. بدونه لا قيمة للعمل الأدبي ؟

اقدر تقديرا كبيرا جهود الدكتور بطرس دله في مراجعاته الأدبية ، أو النقدية كما يحب ان يسميها ، رغم ان النقد غير قائم في نصه ، وليس لهذا أهمية ... فهو يقدم خدمة كبيرة باعطاء فكرة جيدة عن الاصدارات الأدبية ، وقد استفدت حقا من مراجعاته لأبقى على معرفة بأخبار الوطن الثقافية .. ومع ذلك آمل ان يتحرك نقاد الأدب ، في فلسطين 48 ، وفي العالم العربي لإعادة التوازن الثقافي النقدي ، واعادة ضبط الإصطلاحات التي يستعملها نقاد الآداب ، ولا أعني د. دلة تحديدا ،انما رهط كبير من ممارسي النقد في الثقافة العهربية المعاصرة ، ويفتقدون لمعرفة فكرية وتاريخية دقيقة لمصدر هذه الاصطلاحات ، وأسباب نشوئها في الأداب الأجنبية ، والأدب الأوروبي على وجه التحديد.

لنرجع الى النص الملفت للإنتباه . يقول الدكتور دله : " يدعي الكثيرون انهم وحدهم يعرفون ما هو شعر الحداثة ؟"
أولا الحداثة لم تولد للشعر .. انما لمجمل الثقافة من ابداع ونقد وفكر وفلسفة ومجتمع وعلمانية وانتاج مادي ، وكل ما يخص الحياة الإنسانية بأبعادها المادية والروحية ، وهي نقض كامل لكل ما سبقها من فكر واتجاهات ثقافية وفلسفة وايمان. الحداثة ترتبط جذورها تاريخيا بعصر اسمه عصر التنوير الأوروبي الأول الذي آمل ان استاذ التاريخ الدكتور بطرس دله ، قد مر عليه في دراسته للتاريخ ، وثم عصر التنوير الثاني .. وصولا الى عصر النهضة الأوروبية ، ويعتبر رسميا الأديب الفرنسي شارل بودلير 1821-1867 المؤسس الرسمي لتيار الحداثة . كذلك نجد من أوائل الحداثيين الاديب الفرنسي غوستاف فلوبير 1821-1880 والشاعر الفرنسي مالارامية 1842-1898 وهو من أبرز شعراء مدرسة "المذهب الرمزي" . والشاعر الروسي الشيوعي الشهير مايكوفوسكي ، الذي نادى بنبذ الماضي والاندفاع نحو المستقبل ، وعندما تعثر حلمه الحداثي ، بسب بيروقراطية النظام الجديد ، انتحر. وهل نستطيع ان نضع آباء الماركسية خارج نهج الحداثة ؟
وفي الثقافة العربية الى جانب أدونيس الأبرز حداثيا في فكره ، نجد الكاتب والشاعر اليمني عبد العزيز المقالح والمفكر المغربي عبدالله العاروري والشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعر محمود درويش ومن الجزائر الفيلسوف محمد أراغون والكاتب كاتب ياسين والشاعر المصري صلاح عبد الصبور ، والسوري المقيم في فرنسا د. هاشم صالح والتونسية د. رجاء بن سلامة والتونسي المقيم في فرنسا العفيف الأخضر (الملقب بفولتير العرب )، كذلك نجد المفكر الفلسطيني الكبير د. ادوارد سعيد ، خاصة في "الثقافة والامبريالية " و" الاستشراق " و " وصور المثقف " ، حيث يطرح رؤية حداثية انقلابية في المفاهيم الثقافية والتاريخية . ولا بد من اعتبارالمفكر الماركسي الايطالي الكبير انطونيو غرامشي ضمن تيار الحداثة الفكرية والفلسفية والاجتماعية والثقافية . لعلي بذلك اساعد ، من يريد التوسع ، للتعرف التطبيقي والعملي لمفهوم الحداثة في شموليته الثقافية والفكرية والفلسفية والدينية والاجتماعية والانتاجية .. وتناقضات الحداثة بين الحداثيين أنفسهم ، وتعدد رؤاهم واختلافها ، بل وتناقضاتها الكبيرة . وكما أسلفت مفهوم الحداثة يعاني من التباسات واتجاهات كثيرة متناقضة ، وهي غير ميسرة وواضحة الا في نقد د. بطرس دله كما تفاجأت .
واود أن أضيف للدكتور بطرس، وآمل ان يتقبل ملاحظاتي بصدر رحب ، بأن الفكر أو العقل الغربي قد تجاوزالحداثة التي ما زال د. دله ( وليس وحده ) يتوه بخضمها ، نحو تأسيس المنظومة المعرفية ، أو ما يعرف ب " فلسفة العلوم والتكنومعلوماتية" ، وهي مرحلة "ما بعد الحداثة" كما يطرحها بعض الفلاسفة الاوروبيين . لعل الدكتور دلة يكتشف ان بعض شعرنا يتبع "فلسفة العلوم والتكنومعلوماتية " فهي أرقى من حداثته الشعرية ، وقد ترضي الكتاب أكثر من الصيغة الأوروبية العجوز ، المتصابية في نقد بطرس دلة ، وأعني الحداثة التي " يدعي الكثيرون أنهم وحدهم يعرفون ما هو شعر الحداثة" حسب قوله ؟!
صدقني يا دكتور ، رغم دراستي الأكاديمية للموضوع ، في اطار علم الاجتماع ، والأبحاث التي اضطررنا لقرائتها حول الحداثة والمجتمع ، الثقافة والحداثة ، فلسفة الحداثة في القرن العشرين وعشرات المواضيع المتنوعة ، ما زلت أغرق في تعقيدات وتناقضات الفكر الحداثي ، ولا أجرؤ على وصف عمل أدبي بالحداثة ، خاصة في أدبنا العربي ، أما في الآداب الأجنبية فالحدود واضحة أكثر .. الأمر الذي يعني ان للحداثة متطلبات مادية واجتماعية وفلسفية وثقافية لم تنشأ بعد في المجتمعات الشرقية.
يقول الدكتور دله : " وكنا أنا ومجموعة من أصدقاء مدرسة "يني" الثانوية قد عقدنا مهرجاناً كبيراً حول شعر الحداثة ."

ربما بدأت أفهم مشكلة دله مع الحداثة ،وذلك ظنه الخاطئ ، بسب عدم معرفة فلسفية وفكرية وثقافية كاملة ، وهي مشكلة ثقافية عربية عامة، تفتقد لآليات فكرية للتمييز ين مصطلح الحداثة ( modernism ) ، والمعاصرة ( modernity ) ، والتحديث ( modernization ) ، وهي اصطلاحات تختلف مضمونا ونهجا وفلسفة .وكثيرا ما تستعمل في الأدبيات العربية بنفس المعنى. وليته يقبل نصيحتي بأن يبتعد عن هذه الحسناء المشاكسة التي اسمها "الحداثة" اذا لم يكن قادرا على ترويضها.وليعرف ان جمالية النص لا تقررها الحداثة ، بل قدرة المبدع على التواصل مع المتلقي . والأهم أن الحداثة لم تتطور فقط كنزعة أدبية .
ان الحداثة هي مصطلح لا يتعلق بالأدب والنقد الأدبي فقط ، بل بالثورة على الواقع الاجتماعي كله ، بكل جوانبة السياسية والاجتماعية والفكرية والأدبية من أجل تغييره .. وكل نص أدبي تقليدي مسالم ، غير ثائر ، غير رافض للواقع ، لا يدعو لنبذ كل المسلمات الاجتماعية المتخلفة ، وتنمية المعرفة الانسانية ، وانعتاق الفكر ، ولا يربطه رابط بجذوة الانقلاب الثقافي والفكري .. ولا يرتبط بفلسفة ثورية .. هو تقليد ، بمعنى عدم تجديد في المضامين ، وهذا لا ينفي قيمة العمل الأدبية ،الحداثة لا تعني الابداع يا بطرس ، ولا تعني التألق ، والنهج التقليدي لا يعني الفشل وضعف جمالية الابداع . أما أن نُعمد كل نص مبهم ، وكل صياغة مهما كانت جمالية ، بمفهوم الحداثة أو التحديث ، فهو يشير الى الفقر الفكري والثقافي للناقد ، وممارسته للنقد من خارج الفكر النقدي ، وهذا نهج لا علاقة له بالثقافة ، بعيد عن الاهتمام الحقيقي بالابداع ، والدكتور يعترف ضمنا انه لا يميز بين الحديث والحداثة من جملته المقتبسة: " عقدنا مهرجاناً كبيراً حول شعر الحداثة" !! من الواضح انه يعني الشعر الحديث .. ( حتى هنا توجد اشكالية بين الشعر الحر والحديث ولا أعرف ماذا يقصد بجملته ، وهل شمل المهرجان الشعر الحديث والحر ، أو ربما يقصد ضمنا شعر التفعيلة الحديث ، او المنثورات الشعرية ؟ ) ومهرجانه الشعري لا علاقة له بالتأكيد بالحداثة التي يتوهم البعض بانه يسخرها في خدمة قلمه .

في كل الأدب العربي بالكاد نجد عددا صغيرا من الأدباء والمفكرين على فهم فكري وقناعة حضارية بمضمون الحداثة ، ومرة أخرى الحداثة هي مضمون الحادي ثوري لتغيير المجتمع والقيم الاجتماعية والعقائد السائدة والتفكير الماضوي ، ولتحرير الانسان المطلق وانعتاق المرأة ومساواتها ، وبعض هذه الطروحات قد لا نقبلها ، خاصة قضية الالحاد في المجتمعات العربية المحافظة والمغلقة والتي تعاني من نسبة أمية مرتفعة . أولا ليتعلموا القراءة والكتابة .. ليتعلموا فهم المقرؤ في اللغة العربية المبسطة، فهل نطرح على مثل هذا المجتمع مفاهيم بعيدة عنهم مئات السنين ؟!

قد نقبل ، كمثقفين ، وعلى المستوى الشخصي ( الانديفدوالي ) جوانب مختلفة من الحداثة . وهذا ليس سهلا كما في النص المتسرع لبطرس . الحداثة هي غابة متصارعة من الأفكار الانقلابية والثورية والتجديدية والهرطقية أيضا ، وليس كل ما يطرحة نهج الحداثة مقبول على كل مفكر حداثي . انا حداثي في حدود معينة وأرفض الكثير من طروحات الحداثة الأوروبية مثلا . فما هي الحداثة التي يطرحها بطرس دلة عندما يصف نصوص شعرية بالحداثة ، هل يفسر لنا مفاهيم ادراكه للحداثة حتى نفهم قصده ونقده ؟!
الشاعر الكبير أودنيس يعتبر من رواد الحداثة العربية ومفكريها، تعالوا نراجع فهمه الثوري للحداثة . يقول أدونيس : " إن الإنسان حين يحرق المحرم ( أي النهج التقليدي ) يتساوى بالله " . ويضيف : " إن التساوي بالله يقود إلى نفيه وقتله ، فهذا التساوي يتضمن رفض العالم كما هو ، أو رفضه كما نظمه الله ، والرفض هنا يقف عند حدود هدمه ، ولا يتجاوزها إلى إعادة بنائه ، ومن هنا كان بناء عالم جديد يقتضي قتل الله نفسه ( كمبدأ العالم القديم ) وبتعبير آخر لا يمكن الارتفاع إلى مستوى الله إلا بأن يهدم صورة العالم الراهن وقتل الله نفسه ".
ترى هل يقبل مجتمعنا هذه الطروحات ؟ هل يتحملها حتى في اطار نقاش فلسفي ؟
عزيزي د. بطرس دله ، هذه هي الحداثة بكلمات لا غبار عليها .. وهو أفضل تعبير عربي وجدته لهذا المفهوم الذي تحبه وتستعمله بغير معناه ، بجرأة تحسد عليها. لا تأخذ النص المباشر حول الله .. يجب فهمه مضمونه الفلسفي ، مثلا نسف كل النهج السائد ، الذي بات يشكل عقبة امام الانطلاق الفكري والثقافي والفلسفي والانتاجي المادي .
هل هناك بعض الظن ان مجتمعاتنا العربية في وضعها الراهن ، وضع وجود أكثرية المواطنين تحت خط الفقر ، هي على أهبة اتخاذ القرار في موضوع الحداثة ؟
من الواضح من جملتك: " يدعي الكثيرون أنهم وحدهم يعرفون ما هو شعر الحداثة " .. انك وقعت في مصيدة ادعائك .. لا أعرف من يدعي انه لوحده يفهم شعر الحداثة ؟ هل تعرف ان الحداثة أيضا تهدف الى نسف اللغة من جذورها؟ انا أيضا أستصعب فهم الموضوع .. ما سيحل مكان اللغة ؟ هل من لغة أخرى تبشرنا بها الحداثة ؟ ربما تتحفنا بحل لمعضلة اللغة التي ينشدها الحداثيون ؟
ليس العيب ان لا يعرف المثقف مفهوم الحداثة ، خاصة المثقف الشرقي الذي نشا في مجتمع تقليدي محافظ ، ويواصل التقدم الى الخلف ، وهو تطور أيضا ، حسب تعريف فريدريك انجلز ، حيث قال ان: " التطور شكلان ، واحد الى الامام وآخر الى الخلف ..."
المثقف الذي لا يجرؤ على طرح التحدي .. وعلى التمرد .. لا علاقة له بالحداثة ، أو ببعض متطلباتها ، ولا يضر المبدع ان يعطينا أدبا انسانيا راقيا بدون الملعونة التي اسمها حداثة...

هل تظن عزيزي ان مجتمعاتنا المشرذمة طائفيا واثنيا وقبليا ، ولا يستطيع الكثيرون من الأفراد فهم المقروء ، حتى بلغة عربية بسيطة مثل لغة الصحافة ، هل يستطيع ان يكون مجتمعا حداثيا ، وان يقبل الحداثيين فكرا ونهجا وابداعا ؟

نحن نعرف ما يواجهه أدونيس في العالم العربي من تكفير واتهام بالزندقة ، لدرجة طرد كاتب معروف هو الدكتور أمين الزاوي، مدير المكتبة الوطنية في الجزائر ، قبل أسابيع قليلة ، لتجرؤه على دعوة أدونيس لالقاء محاضرة ، الذي اعتبرته حتى دولة المليون شهيد من أجل التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي ، كافرا وملحدا ، وجريمة أدونيس انه طرح رؤيته بأن هناك : "مشكلة كبرى في المجتمعات الإسلامية تتعلق بـ"إخضاع الوحي للتأويلات السياسية والمذهبية بدوافع قبلية، ومذهبية، وأيديولوجية، وسياسية بدافع البحث عن السلطة". . .ووصل الأمر الى مسائلة وزيرة الثقافة في البرلمان الجزائري ، وسارعت وزيرة الثقافة في الجزائر خليدة تومي، الى رفع تقرير بمدير المكتبة الوطنية الدكتور أمين الزاوي، إلى الرئيس بوتفليقة تتبرأ فيه من مسؤولية "الانزلاق الفكري الذي حدث أثناء محاضرة الشاعر السوري أدونيس" . هل ترى ما تفعل الحداثة في مجتمعاتنا العربية ، حتى المتأثرة حتى النخاع بالفكر الفلسفي الفرنسي الحداثي الأرقى في العالم ؟

حقا يبدو انك على حق بأن الكثيرين يدعون انهم وحدهم يفهمون شعر الحداثة . لا ليسوا وحدهم ، أنت في مقدمتهم ، ومجرد دمجك الحداثة بالشعر لوحده هو اشارة لفهمك "العميق والمميز" !! لمضمون الحداثة .. والمهرجان الذي نظمته لشعر الحداثة ، حتى في اوروبا قد لا ينجحون بتنظيم مهرجان لشعراء الحداثة بسبب قلتهم .

نعرف ان ادباء المغرب العربي هم أكثر الأدباء العرب تأثرا بالحداثة فكرا وابداعا . فهل تظن استاذنا الجليل ان ثقافة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ،اجتازت وسبقت ، مواجهة أدونيس ضد القوى الظلامية في العالم العربي من أجل تثبيت الحداثة في ثقافتنا العربية وفكرنا العربي ومجتمعنا العربي ؟.. والتي تعني نسف المسلمات الفاسدة للسلطة والعقائد والمجتمع والتعليم والانتاج المادي والثقافة ..؟

لا أكتب دفاعا عن مواقف أدونيس ، ولكني مع حرية الرأي الكاملة وحق الحوار والنقد، وضد كل محاولة لمنع مثقف ، كبير مثل أدونيس ، أو غيره من ابداء رأيه ومناقشته . انا ضد الانغلاق الفكري .

بالطبع هذا المفهوم ( الحداثة ) يحمل الكثير من الاشكاليات التي لم تحل في الثقافة التي أطلقت مفهوم الحداثة ، وأعني الثقافة الاوروبية . وغني عن القول ان المفهوم تعمه الفوضى والسطحية في الثقافة العربية .. ولكن مثل جرأتك في استعمال هذا المفهوم لم أجد بعد .
وهذا بحد ذاته يكسبك حق وضعك ، ثقافيا .. في مكانة تسبق بمراحل أدونيس وسائر تيار الحداثيين العرب !!

Meara.jameal@gmail.com

د. ميرا جميل – كاتبة وباحثة اجتماعية فلسطينية مقيمة في نيقوسيا

الخميس، نوفمبر 27، 2008

يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائهًا

نبيل عودة



هكذا تمضي الأيام



لست ادري بالدافع الذي يشدني لاجلس امام النهر متأملاً اندفاع الماء اللانهائي . كانت تمر علي عشرات الوجوه، تجذبني للحظات وانساها، لأعود أتأمل حركة الماء. وكثيرًا ما يعتريني شعور الوحدة القاتل، ولكني بقيت ملتزمًا لعادتي غير المفهومة.. احيانًا اقتنع باني الضائع الوحيد في هذا العالم؟.. او على الاقل في هذا المكان. وتبعًا لذلك استنتج بثقة اني التائه الوحيد امام هذا النهر.. وانه لا قيمة للزمن في حياة التائهين.

جميل ان يرى الانسان الوجوه عبر انعكاساتها في اعماق الماء. بعضها يبدو اكثر طولاً وبعضها اكثر عرضًا، ولكنها امور تمر بسرعة بحيث اني لا اتذكرها. احيانًا يخيل الي ان الجلوس أمام النهر هو حل شجاع لمشاكل الضياع .. المشكلة اني لا اشعر داخليًا بشيء.

انا في منتصف عقدي الرابع . اشعر بالضياع منذ وقت طويل جدًا. احاول ان احدد المنطلق الجوهري لما اعانيه، فتمتليء صفحة النهر بعشرات الصور والخيالات والاحداث.



حوار مع رجل لم يته



-لن يستعيد العرب قوتهم.

-هتلر وزع دعوات ليحتفل باحتلال لينينغراد والنتيجة انه لم يستطع دخولها..

-دائمًا تقود النقاش بعيدًا!

-بل احاول تخليصك من أزمتك..

-أزمتي الوحدة القاتلة!

-تزوج اذن!

-كيف استطيع ان اجد زوجة اذا لم اجد نفسي بعد؟!

***

انخفضت نسبة الضوء وبدت لي الدنيا اقل حركة واكثر هدوءًا، وصار النهر اجمل.. واصبحت الانعكاسات على صفحته مشوشة بحيث لم اعد استطيع التمييز بين الوجوه.. كل ما هنالك اشكال هندسية... تتبادل الظهور.. تمر امام عيني كما تمر الصور السينمائية وتشدني صفحة النهر لايام زمان.



غزلية من أيام زمان



الى التي اهدتني قبلة قبل المغيب

عبر شرفتها المشرقة

فاصبحت نجمي الليلي

به اهتدي الى الطريق

عائد أنا،

عائد...

وان طال الطريق

(كتبت في السجن)

•ملاحظة: انا عدت. اما هي فلم تنتظر.

***

ايام زمان لم اشعر بالملل، كنت ملحوقًا بالوقت واتمنى ان يصبح للساعة احدى وستون دقيقة... تململت في جلستي بعض الشيء. الآن امنيتي ان يركض الزمن. ان تنقص دقائق الساعة.



حيث لا يشعر الإنسان بذاته



خذني معك

ايها النهر المتحرك

بالوجوه المشوشة.

احمليني...

ايتها المياه المندفعه

في مجرى النهر...

الى هناك

حيث قد يكون بلا شك

عالم آخر

لا يشعر فيه الانسان بذاته

وتصبح الكلمات بلا معاني

وينتهي التفكير



**

اجل، حينما لا يكون تفكير لا تكون عقد. امتلأت صفحة النهر بالنجوم فاهتممت بالبحث عن القمر.

اردت ان ارفع عقيرتي بالغناء، ليس رغبة مني بعملية الغناء نفسها، وليس لان اغنية ما تدندن في رأسي. لم يكن شيء من هذا او ذاك. فانا لا احفظ اكثر من مطالع بعض الاغاني، ولا يستهويني الغناء، وصوتي لا يصلح للغناء . والمكان غير مناسب لغنائي .. كل ما هنالك انها حالة طرأت علي .. سرعان ما وأدتها.



حوار آخر مع الرجل غير التائه



-تزوج..

-فاتني القطار. ثم ان مشكلتي ليست هنا.

-الزواج قد يخرجك من عقدتك.

-ربما يخرجني من عقدة ليربكني بعقدة اصعب.

-شعور العجز والتردد اياه.

-لا حيلة لي في ما يحدث.

-انت تقول هذا؟!

-......

-انت الفوضوي المندفع كالعفريت.. المغامر الـ....

-لا تحدثني عن ايام زمان...

-العرب ليسوا اول أمة تهزم. قبلها هزمت عشرات الامم.

-لم يعد ذلك يهمني.. هل تفهم ؟!

-هس... لا تصرخ.. اني لا اقاتلك.



انعكس وجهها على صفحة النهر بين النجوم، فبدا جمالها اكثر عظمة واشد تأثيرًا. انتابتني كآبة شديدة ووددت لو اخرجت الوجه واحتفظت به بين كفي.. بيني وبين نفسي اعترفت، بشيء من الارتباك.. اني لا ازال احبها. وأحن الى الايام التي ربطتنا، وكنت كلما رأيتها في زياراتي الخاطفة لمدينتي ينتابني الألم. الآن اصبح عندها طفلان.. وزوجها كان زميلي في الدراسة، لا تربطني به صداقة خاصة. كل ما هنالك معرفة قديمة من ايام الدراسة.

كنا نتبادل الاشارات عبر الهواء الطلق. هي في شرفتها وانا منزو في قرنة الشارع. نلتقي خطفًا لنتبادل تحية صامتة مرتعشة.. نبحث عن اكثر الاماكن زحمة بالناس لنستطيع بحجة المرور ان نلتصق ببعض.. صور مضحكة ولكنها أعذب ذكرى أحملها.

في معارك أيار المشهورة سنة 1958 قذفت الحجارة وكل ما تطوله يداي من سطح الارض. وعندما امسى اول ايار كنت مطروحًا أنزف في زنزانة ملأى بالاصوات. واستعدت وعيي بعد ساعات طويلة. وفي خلال السنة التي قضيتها سجينًا ضاع حبي الاول والاخير. حبيبتي تزوجت.

لم اعرف لماذا خانتني! لماذا لم تنتظرني؟!

لم انس الصدمة. كانت تسكن مع زوجها قرب بيتنا، بحيث اراها صباحًا ومساء. ولكنها لم تحاول ان تنظر اليّ مطلقًا. كانت تتجاهلني بشكل يثير حقدي. وبنفس الوقت يزيد اعجابي ورغبتي فيها... فتركت مدينتي تمامًا، ولم استطع ان اترك حبها. بقي معي . وكنت، وربما ما زلت .. كلما رأيت زوجين متحابين تثور نفسي عليهما. هل هي الغيرة؟ لا ابدًا !... اذن ؟! ... لا اعرف .. ولا انوي التفكير بهذا الموضوع.

واليوم لم يبق لدي من ذكراها الا قصاصة ورق صفراء صغيرة عنونتها بـِ :"غزلية من ايام زمان".



حادث غريب ذات مساء



لي جارة ارملة، زوجها طيار سقط في آخر يوم من ايام حزيران الستة المشؤومة. كانت علاقتي بها وبزوجها جيدة، وحتى بعد فقدانها لزوجها بقيت علاقات الاحترام قائمة، وكثيرًا ما حاولا سوية اقناعي بالعدول عن فكرتي المعارضة للزواج. كنت ارتاح اليهما لدرجة اني قصصت عليهما صدمتي وسبب هجرتي لمدينتي . هما الوحيدان اللذان كنت ارتاح اليهما في كل شيء ما عدا في السياسة. كنت اجري معهما نقاشات عنيفة تمتد احيانًا لليلة كاملة. وكنت اشتري الحلوى وبعض الالعاب لطفلتهما "شولا" وكانت "شولا" الصغيرة احسن صديق لي . اذا لم اذهب للنهر اكون معها.

في مساء احد الايام استدعتني جارتي الارملة. كان بعض القلق عالقًا بمحياها، ونظراتها حزينة. قالت قبل ان اخطو للداخل:

-شولا لا تصدق انك عربي.

لم اجد غرابة في قولها. جلست على الاريكة في مكاني الذي لا اغيره. كنت اشعر نفسي حرًا في هذا البيت، ولكن بعد ترملها لم اعد ادخل بيتها الا حينما تتعربشني صغيرتها، فاوصلها للبيت واذهب لغرفتي في الطابق التالي.

-يسممون عقول اطفالنا.. يكفيني ما حدث لي.

كنت ما زلت مرتبكًا من دعوتها، قلت:

-هل استطيع ان اساعد بشيء.

-تصور انهم يعلمون اطفالنا الكراهية.. لا يهمني ان تكره "شولا" العرب عندما تكبر. هذه مسألتها الخاصة. ولكن عندما يعلمونها الكراهية العمياء الآن، وهي لا تفهم ولا تميز الخير من الشر، فهم يربون فيها خصلة الكراهية.. خصلة قد تتجه ضدي.. او ضد اقرب الناس اليها.

كانت تتحدث دون الاعتبار لكوني عربيًا، وقد سررت بذلك، ولمست به روح الثقة بي، فحديثها غير مقصود به كراهية العرب، وانما تريد ان تقدم لي الحقيقة كما هي، لعلني اساعدها فيما تريد.

صمتت لتلقط انفاسها ولتركز فكرها:

-امس طلبت مني لعبة رشاش، فاشتريتها لها، اليوم عبأته بالماء وقالت انها تريد ان تذهب للناصرة لتقتل كل العرب. وعندما زجرتها وجهت رشاشها نحوي وصرخت متكلفة الشراسة:"عربية موتي"... كيف استطيع الصبر على ذلك؟ قلت لها ان العرب اناس مثلنا.. طيبون، فرفضت ان تصدق. قلت لها افرضي ان اباك الذي تحبينه وتنتظرين عودته عربي، فهل تقتلينه اذا رجع.. فرفضت الاجابة، فسألتها اذا كانت تحبك انت، اجابت بالايجاب، فسألتها الا تعرفين انه عربي؟ فأصرت انك يهودي... لذلك استدعيتك، ربما يفيدها ذلك...

-اين هي الآن؟

-تبكي في غرفتها لاني اخذت منها رشاشها و... منعتها من قتل العرب.

قالت وهي لا تعرف تبكي ام تضحك.. نادتها. فجاءت منفوشة الشعر عابسة، نظرت الي من طرف عينها...

-هل صحيح يا شولا انك تريدين ان تقتلي العرب؟...

-هم قتلوا أبي...

-من قال لك ذلك؟...

-المعلمة. وقالت انهم يريدون قتلنا كلنا.

-اذا اعطوك رشاشًا وقالوا لك ان تقتليني، هل ستقتلينني يا شولا؟

-لا .. انت يهودي.

-لو قالوا لك اني عربي.

-هذا ما قالته امي، ولكني لم اصدقها.

-هل تحبين امك يا شولا؟

-نعم احبها...

-من تحبين اكثر، امك ام المعلمة؟

-انا احب امي.. و... المعلمة أيضا ..

-اذن لماذا تصدقين المعلمة ولا تصدقين امك؟

-امي لا تريد ان اقتل العرب.

احترت بعض الشيء.. واخذت الام تبكي بمرارة..

-هل تعرفين لماذا تبكي امك؟

-.....

-تبكي لانك تكرهين العرب. يجب ان لا تكرهي احدًا .

-لا استطيع ان احبهم.

-هل تحبينني؟

-بالطبع انا احبك.

-لماذا تحبينني؟

-.......

-امك قالت لك الحقيقة. انا عربي.

-انت....؟!؟

نظرت اليّ وكأنها تقول لي:"قل اي شيء آخر"... قالت الام وهي تجفف دموعها:

-نعم يا شولا انه عربي. يجب ان تقتنعي بما اقوله لك.

امتلأت عيناها بالدموع وهربت لغرفتها. جلست انا وامها صامتين لفترة طويلة... كنا نسمع خلالها شهقات بكاء الطفلة. لم نكن نعرف ان كان بكاؤها حزنًا لاني عربي ام لان عقلها الصغير قد استطاع الكشف عن الواقع الموحش؟...



النهر يجري من جديد



بعد تلك الامسية اصبحت جلساتي امام النهر اكثر تباعدًا. صرت أمل من الجلوس هنا واشعر ان فكري مليء بأمور اخرى.. حتى الوجوه المنعكسة طولاً وعرضًا على صفحة النهر لم تعد تثير بي أي متعة. اصبحت ارتاح اكثر لوجودي في غرفتي.. فانا قريب لجارتي، اتحدث معها عن شتى المواضيع، وفي السياسية نحتد، كما كنا ايام زوجها، ولكن الاتفاق اصبح اوسع من السابق.

كانت تبحث عني لقتل وحدتها. وكنت اجد لديها نفس الشيء. لم تكن الرغبة الجنسية هي الدافع.. ابدًا. صحيح انها جميلة وانوثتها مكتملة. كانت تحب زوجها بشكل غريب، وحافظت على حبها، وكثيرًا ما تناولنا موضوع هذا الاخلاص بالنقاش. وكنت دائمًا نقيضًا لها. ليس لاقتناعي بموقفي بقدر ما هي رغبة لا اعرف مصدرها لمعاكستها.

واصبح النهر يعكس وجهها على الدوام. انظر للماء في جريانه فأرى وجهها الشاحب الجميل. وتباعدت زياراتي او كادت تنقطع لمدينتي...

اما "شولا" الصغيرة فأصبحت مفكرة.. وكان الحديث عن العرب يشد اهتمامها بشكل غريب. وقد عوقبت عدة مرات لانها عارضت معلمتها فيما تقوله عن العرب، واضطرت امها ان تنقلها لروضة اخرى بعد ان اصطدمت بالمعلمات.



حوار



-اريد ان اقول لك شيئًا ولكن بشرط ان لا يضايقك؟!

-ابدًا. قل.

-لا تربطني بك علاقة خاصة.. كل ما هنالك صداقة جيران واحترام متبادل؟!

-تمامًا!

-ولكني اتضايق عندما تتحدثين مع غيري!؟

مبتسمة:

-هذا تطور خطير لم اتوقعه.

-لا اريد ان تفهمي كلماتي الا كما هي فقط ، وبدون زوائد.

صمتت وقامت تحضر شايًا، وصلني صوتها من الداخل:

-انا اعرف ان الشرقيين ذوو تفكير حار كمزاجهم الحار.. ولذلك اصارحك باني في الفترة الاولى كنت اخاف ان تحاول الوصول اليّ.. ولكنك لم تفعل.

-لا اريد ان تفهيني خطأ.. انا احترمك جدًأ.

-ولو... الاحترام لا ينفي تبادل الحب!

-اني اصارحك اكثر.. اذا قلت لك اني لا ارغب بك اكون كاذبًا.

-لا ضرورة لقول ذلك! اعرفه....

الحديث الجنسي دائمًا يربكني. يكشفني ويجعلني اقول كل ما لدي دون تغطية. قدمت لي فنجان شاي، ووضعت بعض الكعكات امامي.

-تفضل.

-شكرًا..!



أمور يجب ان توضح عن فترة ماضية



أنا عازب.

في الخامسة والثلاثين من عمري.

فشلت في حبي الاول.

وصدمت في عربي.

فشلي في الحب جعلني أنسى نفسي لعقد كامل.

جعلني اضيع في متاهات المدن الكبيرة.

حيث دخان المصانع يتساوى مع الناس.

وازداد ضياعي بصدمتي في عربي.

فانتهيت وانا موجود.

وعلى ضفة النهر استقر بي الضياع.

وكانت السنوات تمر.

والماء يجري.

والوجوه تنعكس.

والدنيا تتغير.

وانا كما كنت.

ولا ازال..

اعيش حياتي بلا معني.

واقطع العمر بلا هدف.

النهر يجري لهدف.

هدف واضح محدد.

لا يحيد عنه ابدًا

يجرف في طريقه كل العوائق.

وانا على ضفته جامد.

لا ارى نهاية لحالتي.

ولا ارى بداية لشيء جديد.

اجل.

كان النهر يجري.

والحياة كانت تجري ايضًا.

وبقيت أنا...

**

منذ وقت طويل لم اذهب الى النهر ولا اشعر بشوق اليه . في ايام السبت ارافق "شولا" وامها الى البحر. بعض الجيران يثيرون حولنا الشبهات. ولكن لم نلتفت لذلك. فنحن مقتنعان بسلامة علاقتنا. كانت "شولا" تعاملني كما لو كنت ابًا لها. وقد اطربني شعور الابوة، ولو انه غير أصيل. وفي تلك الفترة بدأت انسى حبي الاول، اصبح ذكرى تبعث على الابتسام . عشر سنوات عشتها في ظل ذلك الحب والآن في اقل من نصف سنة انسى كل شيء. فترة شبابي الاولى فقدتها تحت تأثير صدمتي بحبي . عشتها وحيدًا ضائعًا معقدًا لا اعرف ما اريد من وجودي.



حوار



-حالنا اصبحت مضحكة.

-هكذا نحن مرتاحون، الا اذا كان هناك ما يضايقك.

-لو كنت اختي، هل كنت اقبل تصرفك هذا؟

-انا في الخامسة والعشرين ولا سلطة لاحد علي...

-ولو...

-المتحرر يتحول الى رجعي. اين نقاشاتك السابقة؟

-عقليًا اقبل ذلك، وعاطفيًا ارفضه.

-نجنا يا ربي من العواطف الشرقية.

-بدأنا بمعالجة شولا، فعالجنا انفسنا.

-كان ذلك من متطلبات العلاج لها، الا اذا ندمت.

-ابدًا، ولكنا لم نتهور... ليس من طبيعتنا...

-ولكن عواطفنا تحن اليه.

-انت غريب، لا اعهدك تتحدث بهذا الشكل؟.

-الرغبة مجرمة!!

-هل تعني ما تقول؟

-أعنية قولاً فقط، لا فعلاً.

-تعتريني نفس الحالة، ولكني احافظ على حبي لزوجي . لذلك ارتاح معك كثيرًأ. فأنت تقدر ذلك وتحترمه.

-لا تنسى اني عربي لا يؤمن له جانب كما يقول كباركم؟!

-هذا لا يعنيني اطلاقًأ.

-واذا صارحتك باني اتمنى ان يحرر العرب اراضيهم المحتلة!

-لا ارى غضاضة ان ننهزم نحن لينال الآخرون حقهم.

-عشر سنوات حتى سمعت منك هذه الجملة.

-هل تريدني ان افقد شولا ايضًا بسبب ارض لا تربطني بها آية صلة؟.

***

قمت بزيارة الى مدينتي. شعرت نفسي كالسائح. لمحت حبيبتي السابقة ولم اكترث كثيرًا لذلك. كعادتها ستتجاهلني. ولكن هذه المرة تنظر الي ولا تتجاهلني .

ترى هل ملت من زوجها ؟

تذكرت قولاً لا اعرف صاحبه وهو ان المرأة تختار زوجها كما تختار فستانها. ترى الفستان الاول ، وتجرب الفستان الثاني ، وتشتري الفستان الثالث، ويبقى عقلها متعلقًا بالفستان الاول .

لم استطيع البقاء طويلاً. فما هو الا نصف يوم حتى كنت في الطريق خارج المدينة..



حوار



-متى عدت؟!

-لتوي قد وصلت.

-قلت انك ستقضي يومي العيد مع اهلك؟

-لم استطع البقاء اكثر من نصف يوم!

-هل التقيت بها؟

-رأيتها فقط.. وشعرت انه قد يحدث شيء لو بقيت...

-خيال شرقي!!

-اذن اشتقت لك ولشولا، فعدت!

-فعلت حسنا بعودتك.



في تلك الليلة بقيت حتى ساعة متأخرة. جرنا الحديث أو انجررنا اليه ... أفرغنا آخر كأسين من قنينة " الكابرنيه " وكان طعم النبيذ المز المعتق يضفي على ثرثرتنتا جوا شاعريا .. لا أذكر شيئا من ثرثرتنا .. كان صمت الليل يبعث في جسمي ما يشبه الدغدغة .. وكنت مترددا ومندفعا ، راغبا وخائفا .. ارى الثمرة ناضجة وشهية ولا أجروء على قطفها..

نامت "شولا" ولم اشعر بالرغبة في الذهاب. وهي ايضًا لم تشعرني بضرورة ذهابي.. كنا نريد ان نتحدث حتى الصبح. وتحت هذه الرغبة الشكلية كانت تستتر رغبة أخرى مشتركة. ولكني توجست من الاقدام .. وقلت لنفسي ان الخمرة اثرت على اعصابي ويجب ان اتماسك. أما هي فكانت قد استعادت كل حيويتها التي فقدتها بعد مصرع زوجها. هذا الايحاء المجنون يخدرني ... أشعر به ؟ أجل . ولكني لا اريد ان أفقد الحلم الذي يراودني ...



حوارية مشوشة بالخواطر



-تشرب شايًا أم قهوة؟

-قهوة بالهيل.

-حسنا.

صمت مشبع بالتخدير.

-ما الساعة؟

-الواحدة صباحًا.

-ارجو ان لا اكون قد ضايقتك؟

-ما كنت اعرف كيف سأقضي هذا اليوم.. لولا عودتك.

-اشكرك.

رشفات صامتة من فنجاني القهوة.

-لماذا تصمت؟

-تحدثنا عن كل شيء ... وأشعر اننا لم نتحدث عن شيء ..

وقلت لنفسي: دعوة جرئية للاقدام.. وقلت:

-شكرًا على القهوة. آن لي ان أذهب؟!

-اذا اردت البقاء بأستطاعتك ان تبقى. انت لا تضايقني. وغدًا هو السبت، نستطيع ان ننام حتى ساعة متأخرة.

تثلجت أطرافي واعتراني اخدرار .. شعرت اني لا الامس الأرض بقدمي ..

قلت لنفسي: قالت نستطيع ان ننام وتستطيع ان تبقى. ارتبط البقاء بالنوم او النوم بالبقاء. هل هي الخمرة أم الرغبة الصادقة الطبيعية في كل امرأة .. وكل رجل ؟

-لا أملُ في الجلوس معك. ولكن الجيران تتطلع.

-سأطفىء الضوء وأبقى ضوءا خافتا. صمت موحش، وضوء خافت.. وجو تسمع فيه الانفاس.

-ستبقي أليس كذلك؟ هل استطيع ان أقفل باب البيت؟!

بقيت صامتًا أعالج رغبتي كي لا اندفع كالثور .

اقفلت بالمفتاح دون ان تسمع موافقتي، كأنها تعلم الجواب مسبقًا.

الان بات واضحًا انه لا مجال للتردد.

كم هي ثقيلة هذه اللحظات .. وكم هي جميلة وباقية في البال .



**

كل بضعة اسابيع كنت أحن لزيارة النهر. فأخرج برفقتها ونجلس ووجهانا منعكسان على صفحته. كنا قد اتفقنا ان تكون علاقتنا ملك ارادتنا حتى لا نواجه صعوبات ما. وقد رضيت بذلك لعدم رغبتي في الزواج، وعدم اقتناعي بالزواج المختلط خاصة.. قلت في نفسي انها جميلة وأنثى كاملة.. ولكني عربي ومتمسك بعروبتي. وقد بدأت استعيد بعض الوعي أثر الصدمة الوطنية قبل أكثر من خمس سنوات. وزواجي منها غريب على نفسي اذ سيشعرني ذلك – رغم انسانيتها – بأني تابع. نحن هزمنا وهم انتصروا. صحيح ان بعض النصر شر من هزيمة.. ولكن اسمه يبقى انتصارًا. والقانون يضعها فوقي ويضعني بالدرجة الثانية، فكيف اتزوج من امرأة كل مراكز القوة مضمونة لها اذا ارادتها؟...



التحول



منذ اسبوع والمعارك لا تتوقف. كنت أضمها بحب والحزن والخوف الشديد يعتريانها. احيانًا أصيح بها:"احبك".. احملها بطاقة وقوة غريبتين، كانت تفهم حقيقة مشاعري ولم أخفها. وكثيرًا ما قلت قبل انفجار الحرب بأن عناد أسرائيل سيفقدها كل ما كسبته بغفلة من الدهر.. لقد اقتنعت في لحظة أننا أكثرية ولسنا أقلية في هذا المشرق.



حوار



-ان القادة يجب أن يدفعوا ثمن هذه الغلطة.

-ذلك لا يرد الاموات الى الحياة.

-على الاقل ليعترفوا بخطاهم!

-هناك أخطاء ممنوع على من كان في مركز قيادة أرتكابها، خاصة اذا كان الخطأ مميتًا.

-والحل..؟؟؟!

ابتعدت عنها ووقفت اتأمل المدينة الغارقة بالظلام.



الصعود في عرس تشرين



تعالوا من أطراف الأرض الاربعة

من الصحراء والبحار

من الجبال والوديان

تعالوا مع خفقات الحب الاولى

المرتعشة في قلب عذراء

تعالوا مع دمعة فرح تسقط كالبلور

من وجنة امراة

لتوها قد صارت أمًا

تعالوا مع نسيم ليلة صيفية

ومع رياح البرد القارص

تعالوا حينما تسطع الشمس

وحينما يضيء القمر

تعالوا في الليل وفي النهار

حفاة عراة... تعالوا..

واستحضروا على معدات الهدم

ومعدات البناء

فنحن على موعد

مع الصعود الخالد

الى اعلى...

حيث نخضع لمشيئتنا

حركة هذا العالم!!



حوار



-المعارك انتهت، واشعر اني كالمهاجر العائد الى وطنه. غدًا سأسافر

-هل ستتأخر هناك؟

-هذه المرة أنا عائد عودة حقيقة.

-هل تنوي الاستقرار هناك اذن؟

-لم أعد احتمل البقاء بعيدا.

-اني أفهم مشاعرك. ويؤسفني بعدك عني.

-الواجب يحتم علي ان اقترح عليك الزواج؟

-الواجب..؟!!؟

-كنت دائما صريحًا معك. ولن اقول غير ما اعتقده.

-علاقتك بي كانت مجرد واجب؟!

-لا تفهميني خطأ. علاقتنا هي حب حقيقي، ولا تخلطي الحب بالزواج.

-أذا لم يؤد الحب الى زواج فلا معنى له.

-ألا ترين معي أن زواجنا معناه مشاكل لنا ولشولا وربما لاولادنا، أذا رزقنا بأولاد؟

-انت تدعي الثورية...

-الثورية ليست ان أضرب رأسي بالحيطان، عندها سأفقد رأسي، الحل هو أن أشغل رأسي في البحث عن شكل أهد به الحيطان دون ان افقد شيئًا.

-اتركني من الفلسفة الان، ان علاقتي بك هي الشيء الوحيد الباقي لي في هذه الدنيا.

-العلاقة ليست خطأ. كانت منفعة متبادلة لكلينا.

-وانتهت؟

-أنا لا أفكر بهذا الشكل.

-ليس من السهل ايجاد صديق مثلك.

-عودتي الى اهلي لا تعني نهاية ما بيننا من صداقة. أنا اقترحت عليك الزواج، لان واجبي يحتم علي ذلك.

-اقترحت وانت تعرف اجابتي مسبقًا، بل انك قلتها.

-لذلك اقول الواجب، واذا اردت سببًا آخر فهو الحب. ولكن في مثل حالتنا الواجب هو العامل الاول.

-العاطفة الشرقية تتحول الى عقل؟

ارتمت فوق صدري. فضممتها بقوة. قالت من بين دموعها.

-كنت انتظر يومًا كهذا. ولكني لن اندم أبدًا على علاقتي بك. كنت اعرف انك تستعيد ذاتك.. وأردت لك ذلك بكل أحاسيسي. ولكن الانسان يصعب عليه التنازل عن شيء اعتاده وأحبه، خاصة اذا كان هذا الشيء علاقته بانسان آخر..

كانت الشمس تغيب، وكان الغبش الاحمر يملأ الأفق...



الختام



قلت لنفسي: سبحان مغير الأحوال.. قبل اكثر من عقد صدمت بحبيبة لوعني حبها فلم أر الدنيا الا عبر آلامي. وصدمت بعدها بعروبتي فانغلقت كل الدنيا بوجهي وتهت. واليوم، وعندما استعيد ثقتي واعتزازي بعروبتي، اترك حبيبة ببساطة لان المنطق يقنعني بعدم جدوى العيش معها، فهل استطيع اليوم ان أتذكر حالتي الماضية، تائهًا.. خائفًا.. غير مستقر، دون ان يثير ذلك ضحكي؟


(كتبت بالذكرى السنوية الميلادية الأولى لحرب "رمضان والغفران" في اكتوبر 1973 – والذي كثرت بعدها " انتصاراتنا " !!)


– كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة

حجاب العقل

عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com

لم يكن العالم الفيزيائى : " تيم بيرنرز- لى " ،
مخترع شبكة الانترنت العالمية ،
ومخترع تقنية الويب ؛
لدعم الحقيقة العلمية الحقة ،
يتوقع أن تصبح شبكته أقل ديمقراطية ،
وأن هناك خطوطاً حمراء كثيرة ،
ستوضع على الاثيربين كل كيلو بايت ، ان لم يكن كل بت !
لم يكن يتوقع أن حكومات بعينها ،
سيصيبها لوث حجاب العقل
وستقوم باخفاء المواقع الالكترونية ،
أو تخريبها ،
أو اغلاقها امام متصفحيهاعلى الطريقة العنقودية ،
بادعاءات : أمنية ، أو سياسية ، أو اخلاقية
أو لاسباب غير مبررة
فى انتهاك سافر لحرية الكلمة ، وتداول المعلومات !
ولم يكن يعرف أن الحكومات ،
التى صادقت على الاعلان العالمى لحقوق الانسان ،
وتعهدت بتطبيقه
والذى ينص فى أحد مواثيقه ،
على أن :
" لكل شخص حق التمتع بحرية الرأى والتعبير ،
ويشمل هذا الحق :
حريته فى اعتناق الآراء دون مضايقة ،
وفى التماس الأنباء ، والأفكار، وتلقيها ، ونقلها إلى الآخرين ،
بأية وسيلة ،
ودونما اعتبار للحدود "
انما صادقت عليه بما يشبه ايمان الشياطين ،
الذين يؤمنون ويقشعرون ، ولكنهم لا يتوبون !
ايمان العقل بمعرفته الجافة ،
لا القلب الذى يتبعه الحب والقبول ، وحياة طويلة تغطى العمر كله !
حكومات تؤمن بأن الله منح الانسان الحرية ،
فلم يمنع عنه : حروب ابليس
ولم يحجب عنه : الخطية ، والشر
ولم يعصمه من السقوط
ولكنه منحه : القوة ، والقدرة ، والارادة الصالحة
ودعمه : بالنصائح ، وبالتحذيرات ؛ لخيره ، وخير بنى جنسه
فتقييد الاشرار لا يجعلهم ابرار !
حكومات تؤمن بكتب الرب السماوية ،
يقرأونها ، ولا يفهمون
وان فهموها ، لا يعتبرون
أليس فى قصة آدم ، عبرة ؟!
فقد اختبره الله ، قائلاً :
" من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً ،
وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها ؛
لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت "
فإذا به – رغم التحذيرالقاسى - يترك جميع شجر الجنة ،
ويتناول من شجرة معرفة الخير والشر !
ولا يزال الانسان أكثر فضولاً كلما حجبت عنه شيئاً
وأسألوا : " البروكسى " ،
الذى يقاوم حنق هؤلاء الذين يمنعون مواطنيهم من زيارة مدّونات معينة على الشبكة !
وأليس فى قصة يوسف الصديق ، عبرة أخرى ؟!
فقد انتصربمحبته لله على كل اغراءات الشر ،
ومنح المثل الأعلى لكل يوسفى ؛
ليكون قادراً هو الآخر على تخطى كل اغراءات الانترنت ،
التى تتعارض مع قيمه ومبادئه الصالحة !
**
نعترف بأن هناك من يستخدم هذه الوسيلة الخلاقة ،
التى حدودها خيالنا ؛
لنشر كل ما هو سئ ، وقمئ
ولكن الاستخدام السئ لعالمنا المشرع أبوابه بلا حدود ،
لن يكون مبرراً :
لنكون ضد المصادر المفتوحة
ومضادين للتفاعل مع ادوات العصر
ولنثق بأن خير الانترنت سينتصرحتماً على شرنا !


مِن طِباعكِ يشهقُ الكمان

سامي العامري
--------------

هجرة
********
حريةٌ هيَ ...
لا تَخَفْ ما لونُها
هي فوقَ لونِكَ , فوقَ لوني
هي لونُها ,
هي لونُ آلهةٍ وكونِ
وطني المُكَفكَفُ نبعُهُ
يا انتَ يا جرحاً
بأصلِ الروحِ ما أغمضْتُهُ !
حريتي قيدٌ اذا احتاجتْ لِعَونِ !
--------------

جواز سفر
******
القمرُ عُشْبةٌ تدخلُ المُحاق
وقد نَزَحَ مَن نَزَح
بعيداً بعيداً
لأسألَ حِبالَ عُنُقٍ صاعِدةً :
تُرى أيُّ جوازِ سَفَرٍ
في جيوب العصافير ؟
والى مَتى تظلُّ زعانفُ العصافير
تضربُ السُحُبَ هذهِ !؟
--------------

الصالحيّة
*******
لو سرتُ في ( الصالحيّةِ ) هذا المساءَ
إذاً لأَطَلَّ الحُصَيريْ
ولم أرَ إلاّهُ كأساً وأُنساً
ولم يرَ غَيري !
--------------

إستدراك آخر
********
وطني ...
كم مرةٍ حاولتُ
أنْ أخلقَ نهريكَ
مِن العشق الذي يستوطنُ الخلدَ
وأنْ أستبقَ الناياتِ بالآخِ وبالآهِ
وطني ...
لكنني أتعبني العشقُ ,
ومَن كان كمِثلي
كيف يستولي على موهبةِ اللهِ ؟!
--------------

إصغاء
********
سمعتُهم
يقولون لبعضهم :
نحن اخترعنا الكهرباء
فما حاجتُنا لضوء القمر بَعد ؟
قالوا هذا
ونسوا ما يُضيءُ القلوب !
----------------

نادل
********
تأمَّلتُ هذا
فقُلْتُ : ولكنْ أيُطوى شقائي ؟
فقالتْ يدُ النادلِ الواضعِ الكأسَ :
من دونِ كأسٍ ؟
مَعاذَ الشقاءِ , مَعاذا !
--------------

عزف
********
قَفَصي الصدريُّ كمانٌ
وطِباعُكِ تحكي طِباعَ القوسِ ,
طِباعُك قاربُكِ البرمائيُّ السائرُ فيكِ اليَّ
مِن الماءِ , من الخضراء , من الغبراء , من الأجبالِ
من الهورْ
ودمائي تُضيءُ طريقَكِ كالفُسفُورْ !
--------------

القَصر !
********
كَمَنْ يَشْرَئِبُّ من السجنِ , سجنِ أبي غريبْ
أُشيرُ كذا بيدي
وأقول : هناك ترعرَعتُ حيث الحُبارى
كنتُ أعرفُ نهراً يُقالُ لهُ الشَّطُّ
رُحْنا نُطلُّ عليهِ
ونسبحُ في ضِفَتَيْ دمعتَيهِ !
وهنالك بيتٌ وحيدٌ من الخَرَسانةِ
كانوا يُسمّونهُ القصرَ
ياطالما فوق أعتابهِ في خوالي السنينْ
صَنَعتُ ولَمّا أزلْ كائناتٍ من الطينْ !
والناسُ أرغفةٌ لا تُجارى حرارتُهم
وكذلك أسماكُهم
فهيَ وقتَ الحَميَّةِ
كُلٌّ لِكُلٍّ حبيبٌ
وكلٌّ لكلٍّ خَدينْ !
--------------

تَنَشَّقي لحني
********
جسدٌ اليك هفا بلا حَسَدِ
أسدَلْتِهِ موجاً على جَسَدي
وفَمٌ تَعابَقَ فاستفاقَ فمي
من غفوةٍ
كادت تغادرني ولم تَكَدِ !
وكذلك الأبوابُ موصدةُ الصريرِ
وكلُّ نافذةٍ تُشَرِّعُ أختَها
بأناملَ اعتادت على توزيع أنفاس الكمانِ ,
رأيتُ - حين ترنحتْ قِطَعُ الغيومِ من الحبورِ-
كؤوسَ أمسي وقد لمعنَ بديلَ شاراتِ المرورِ !
سلاَمُ جسمِكِ إذْ مضى يتوسَّطُ الغدَ
والغديرَ ,
فهالني بضفافهِ وفَراشِهِ الغَرِدِ !
--------------

كتمان
********
سُحُبٌ أدنى الى اللون الرماديِّ الخجولْ
والى البحر وكم يُشبهُهُ جلدُ الفُيولْ !
قلتُ : يا قلبيَ خُذْ غيماً وسافرْ
قال لي قلبيَ همساً :
انا سافرتُ الى الجنةِ
محمولاً على صهوةِ نارٍ
غير أني لا أقولْ !
--------------

كولونيا - خريف 2008
alamiri84@yahoo.de

الأربعاء، نوفمبر 26، 2008

صباح الخير يا غزة

عيسى القنصل
صباح الخير يا غزة ..

صباح الواحد الابـــــــــــــــــــــــدى

صباح ُ ثائر ُ ابدا ً

كجزر البحر والمــــــــــــــــــــــــــــدِ

صباح ُ طاهر ُ الق ُ

ايا تاج ُ الى بلـــــــــــــــــــــــــــــــدى

ففى عينيك شعلتنا

لدرب ِ النصر والمجــــــــــــــــــــــــــدِ

فقد ايقظت ِ داخلنـــا

بذور الحلم للابــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

وان الشعب لا يفنى

برغم الجوع والبــــــــــــــــــــــــــــــرد

محاصرة ُ بطاغية ٍ

بلا قلب ِ بــــــــــــــــــــــــــــــــــلا ودِ

مدى الايام يمطرنا

بامطار ٍ من الحقـــــــــــــــــــــــــــــــدِ

وينسى اننا شعب ُ

كضؤ ِ الشمس فى المــــــــــــــــــــــدد

فلا نرضى لدمعتنا

بان تجرى على الخــــــــــــــــــــــــــدِ

ولا نرضى لامتنا

بموت ٍ داخل القيــــــــــــــــــــــــــــــــــد

ولا نسقى كرامتنا

سوى عطرا من الــــــــــــــــــــــــــــــورد

ايا اسم ُ نعانقه ُ

فمن مهد ِ الى لحــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

ففى الساحات ِ معركة ُ

فمن طفل ِ الى جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

لتحمى اسم امتنــــا

من الطغيان والكيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ِ

محاصرة ُ ايا لهفى

على الاطفال ِ بالبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد ِ

فلا ضؤ لسهرتهم

ولا دف ُ الى احـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ِ

وثغر الكهل يسائلنا ؟؟

علام الصمت يا ولـــــــــــــــــــــــــــــــــدى ؟؟

اهذا الشعب ُ من بشر ِ

اعادت جولة الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوأد ؟؟

لتقتلنا مدافعهم

بلا حصر ٍ بلا قيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ِ
واين مشاعر العرب ؟؟

لتحمينا ؟؟ من الحقــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ِ

ايا غزة ؟؟ايا وجعى

على عرب ِ بلا مجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

فقائدهم وحاكمهم

غدوا جندا من الجنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

فاذن ُ العرب مغلقةُ

وان سمعت ْ فلن تجــــــــــــــــــــــــــــــــــــدى

ولا تعطى لنجدتنــا

سوى برقا بلا رعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

مساء ُ الخير يا غزة ..

مساء الحب يا بلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدى

سياتى الفجر ُ مبتسما ً

سياتى حاملا مجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدى

على كف ِ محملة ٍ

باسم الشعب متحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ٍ

ولن تبقى معاقلنا ..

محاصرة الى الابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد ِ

سياتى اليوم يا غزة ...

سياتينا ...يوم غـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ

وهذا اليوم مقتربُ

كعاصفة ٍ من الــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــورد ِ


حـب كــــان


محمد محمد علي جنيدي
نفـس الـمـكـان
هُـــوَّه المكــان , هـُمَّــه الـبشـر
نفس الطَّـريـق
آخــر الطَّريــق , فيـــه الشَّـجَـر
رغم الـسِّـنيـن
فارد غُصُونـــه السَّهْرَانِيـــــــن
باقي ف. سمار جســمه القديـم
ريحْة النَّسِـيم
ويميـل ف. تَسْبيـحُـه الـقَــمـَــر
فاكـر الرَّحيل
كان الـرَّحيـل أصعــــب خَـبَــــر
كان الفـــــراق حـُكْـــم الـقَــــدر
لـو الحنيــن ضـــاع وانـْكَـسَــر
يبقى المكان
شـــاهـد لأجـمــــل حــبِّ كـــان
قـِصَّـــه، ويـحكـيـــهــــا الأثـَــر
***
نفس المكان
هــوَّه المكـان هـمَّـه الـبـَـشَـر
حافظ المكان
نـقـشـِـة إيـدِيـنـــا عالْـحَـجَــــر
شـَـدو البـلابــــل عالـْغَدِيــــــر
فـرحـــه بأحـضـــان الـوَتــَـــر
حافظ المكان
شمـس الشِّـتـا وقت الأصِـيـل
جَــرْي الْقَمــر بيـــن النـَّخـيـل
دمعــة سفــر ساعــة الرَّحيـل
فاكـر الـرَّحيـل
كان الرَّحيـــل أصعــب خَبـَـــر
كان الفـراق حُــكــــم الـقَـــدَر
لو الـحنيـن ضاع وانـْكَـسْــــر
يبقى المكان
شـاهد لأجمــل حــــــبّ كــان
قِصَّــه ويـحـكـيــهــا الأثــَـــر


***

جِيت يا مكان
أوْفِي معـاه ذكــرى السَّـهـَـــر
مش جاي اقــول
مين اللي خان فيـنـا وهَجـَـــر
جيت لِلِّي كـــــان بنـَّـــا هِنَـــا
أحْفُر على صــمت الصُّـخــور
واحلف لِطِيفُــه اللي حَضَـــــر
إن ضــميــر قـلـبـي غَــفَـــــــر
مهمـا الغـــرام يصبـح سـراب
أو نِدْفِن الشُّـــوق ف. التُـراب
قـلبي غـَفَـــر , قـلبـي غَفـَــــر
فاكر الرَّحيــل
كان الرَّحيـــل أصعــب خَـبَـــر
كان الفراق حُكْـــــــم القَـــــدَر
لو الحنيـــن ضـــاع وانْكَـسَــر
يبقى المكان
شــاهـد لأجـمــــل حـبّ كـــان
قـِصَّـه ويـحكـيــهــــا الأثـَـــــر

***

ذكريات الروح معرض للفنان محمود صادق في مركز رؤى للفنون


افتتح في السادسة من مساء اليوم الاثنين 16 تشرين ثاني في جاليري مركز رؤى للفنون معرض "ذاكرة الروح" للفنان التشكيلي محمود صادق بحضور جمع من المقتنين والسفراء ومحبي الفنون والصحفيين والنقاد والفنانين.
ويضم المعرض 21 عملا من الحجم الكبير والمتوسط حيث تتراوح الاعمال بين 195x145 - 32x37 نفذت بالوان الزيت على القماش والمواد المختلفه على الورق.
والفنان د. محمود صادق حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الفن التشكيلي ، جامعة ولاية فلوريدا ، وبكالوريوس فنون تشكيلية من بغداد ، وماجستير في الفنون التشكيلية من جامعة ولاية جنوب كارولينا.وصادق حاصل على العديد من الجوائز ابرزها: جائزة الدولة التقديرية والتي تسلمها من المغفور له الحسين بن طلال عام 1992 ، وجائزة تقديرية ، ترينالي مصر الدولي لفن الجرافيك 1993 ، وتم تنسيبه من جامعة اليرموك لنيل جائزة الفكر العربي 2001 ، وحصل على تكريم من جامعات اليرموك وفيلادلفيا والمنصورة في مصر وقطر.وللفنان محمود صادق العديد من المعارض الشخصية ، حيث اقام منذ العام 1969"36" معرضا فنيا ، في بغداد ، لانكستر ، فلوريدا ، بولندا ، باريس ، بلجيكا ، نيوزلاند ، لبنان ، والاردن ، وله 126 مشاركة في المعارض الجماعية في الاردن والعالم ، وله العديد من الابحاث المنشورة حول الفن التشكيلي والفن الاسلامي والتذوق الفني ومناهج التعليم الفني ، واعماله مقتناة من قبل المؤسسات والاشخاص في مختلف انحاء العالم.

يقول الفنان صادق عن تجربته بعد أكثر من ثلاثين عاماً، أجد نفسي أحد الفنانين العرب الذين يصعب عليهم التنكر لجذورهم وهذه الصعوبة إن جاز لي فإنني اعتبرها بمثابة الأصالة التي ما انفك أهل الفكر والإبداع ينادون به، إنني أشعر في أعماق نفسي أن لي جذوراً تمتد بعيداً جداً نحو أعماق التاريخ، وهذا ما دونته في كتاب الفن التشكيلي الأردني، حين وجهت الدعوة للفنان العربي عامة وللفنان الأردني خاصة للعودة إلى الجذور التي تمتد إلى أبعد من (9) آلاف عام ق.م ،أن يعودوا ليصلوا ما انقطع من الخط الحضاري المشّرب أصلاً بالحداثة حين يكون وقتها.
ويقول انني على يقين بأن حضارتنا المتسمة بالهوية العربية وبالروح الشرقية لم تكن في يوم من الأيام في مأزق يحول دون ابداع الفنان، بل كانت النبض الأزلي لهذا المبدع، لما فيها من موروث غني بعناصره الروحية والمادية، كما أن هذه الحضارة لم تكن أيضاً يوماً بعيدة عن مواكبة الحداثة.
ويؤكد لقد كان وما يزال شغلي الشاغل هو كيف أحقق المعادلة التي تضم بشقيها، تقاليد وفكرا وحضارة وروحانيات الشرق العربي من جهة مع طبيعة الحضارات التي تدق على أبوابنا دون توقف، محاولة الدخول على فضاءاتنا الفكرية لتلونها بألوانها المادية رافضة كل موروث تقليدي أو معتقدا فكريا أو أي عمق تاريخي لتجعلها ذات بعدين دون البعد الثالث
واشار الى أن هذا المعرض يعبر عن سعادتي أن أرى ومن معي من الفنانين وقد ولجنا القرن الحادي والعشرين ونحن نقبض على ثوابت فرضناها على أنفسنا كمن يقبض على الجمر، وأبرز هذه الثوابت، أن من أراد العالمية عليه أن يبدأها من مكانه ومن تراثه ومن حضارته، وأن يطرق باب العالمية بيده الشرقية والعربية المعطرة بأريج وعبق التاريخ العربي.
ويقول الناقد موليم العروسي عن تجربة الفنان صادق إنها ذاكرة طفولية غنية.. ومرة أخرى يكون التداخل هو المبدأ : تداخل الإنساني والكائنات الاخرى ، في الخوف كما في الطمأنينة، تداخل الرؤية المحتشمة والموحية لجسد المرأة، تداخل الانتماء للمرأة، هل هي الأم أم الحبيبة، وتداخل العوالم، الأرضية والسماوية. مبدأ التداخل هذا هو الذي يعطي لعمل محمود صادق، الفنان والمثقف، بعداً يحتاج الى وقت غير قليل للغوص في أعماقه.
ويصف د. خالد الحمزة تجربة الفنان نرى في الأعمال صوراً متشبثة بالمكان الذي يوشك على الانقراض بفعل السياسة الضيقة الأفق والتمدن المتطرف والأنانية الجاهلة بزخمه، ويحاول الفنان أن يسعف الحاضر المرتبك بفعل التذكر القابض على أحلام غنية بإصرار العارف بمكمن الكنوز.
ويقول: إن الفنان يعيد ترميم المكان الذي أوشك على الاندثار ويسترجع أحوال أناسه الملتبسين به. إنها قصص متوالدة تعود مرات كثيرة بإلحاح ولكنها لا تغير أبطالها، وهم بدورهم لا يغيرون جلودهم ولا سماتهم ولا قسمات وجوههم ولا مسرح الأحداث التي تستحضرهم، لكن المتغير هو النص الذي يتلون بهيئته ومضمونه وسياقه.
ويختتم ان صادق يقتبس مكانا، كان بسيطاً ووادعاً وأناساً كانوا يملأونه بالرؤى التي لا تنتهي ويلعب معهم لعبة الظهور والتخفي بتلذذ من دون أن يتيح للوعي أن يفسد عليهم أحلامهم الثرية. طقوس مرئية لكنها تتحدث بطلاقة لا تنفذ ولا تفصل بين الحياة وتراكم الفن الذي تماس معها لتشكل في النهاية شبكة ايماءات تنم عن تقدير لا واع لأعمال رفقاء الفن الذين ركبهم هاجس المكان والإنسان في بيئتنا العربية كجواد سليم وحامد ندا، أو في بيئتنا الإنسانية كمارك شاجال وجوجان وغيرهما.

في اليوم العالمي للفلسفة يظل العرب زاهدين عن التفلسف

زهير الخويلدي

" كل ما يريده محب الحكمة هو أن يكون الحكم للعقل وحده ولذلك فهو لا يقبل أن يكون محكوما من طرف الآخرين ولا يسعى إلى التحكم فيهم " لابرويار La Bruyère-

أطل علينا يوم الخميس من الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر والذي جعلته منظمة اليونسكو اليوم العالمي للفلسفة كعادته وعوائده لا تنقيحات ودون جديد بخصوص منزلة الفلسفة عند العرب وموقفهم منها ودون أن تتخذ بعض الدول والأنظمة السياسية التقليدية قرارا جريئا بالشروع في تدريسها وتداول كتبها والتشجيع على تحصيل علومها وأفانينها ودون أن تقوم الدول الأخرى التي دأبت على إدراجها ضمن البرامج التعليمية بخطوة إلى أمام قصد تعزيز مكانتها والزيادة من حصصها والرفع من ضواربها بالمقارنة مع المواد الأخرى وخاصة عند الشعب العلمية وتجويد كتبها وتنقيح محاور اهتمامها وانتقاء الإطار الأكثر جدارة لتعليمها وتدريب المتربصين والتائقين إلى النهل من خزائنها.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يستمر البعض من العرب والمسلمين في القرن الواحد والعشرين تبخيس شأن الفلسفة والتقليل من دورها في تحقيق التقدم للمجتمعات والانعتاق للأفراد؟

ما يمكن أن نعترف به هو وجود عدة محاولات مبذولة من أجل تبيئة الفكر الفلسفي في التربة التابعة لحضارة اقرأ منذ نشأة التيار العقلاني الاعتزالي ومذهب أهل الرأي في الفقه ومنذ انبعاث العلوم الطبيعية واللغوية والصورية العربية وقد بلغت هذه المحاولات أوجها لحظة تشكل رؤية جديدة للكون وقطاع مخصوص من العلم لم يعرف أهل لغة الضاد أسموه فلسفة ترجمة للمصطلح الإغريقي أتاهم مع جملة المعارف والصناعات التي نقلوها عن السريالية والفارسية وساعدهم في ذلك المختصون من اليهود والمجوس والنصارى وأضافوا إليها ما أضافوا نتيجة تأملهم للكليات المبتكرة التي تضمنها النص القرآني.

لقد ضمرت هذه المحاولات واختفت أنوار الإنسية العربية التي أبدعها العقل العربي في القرن الرابع هجري وحلت محلها الاشراقيات الغنوصية والظاهرية النصية مع سيطرة المغول على بغداد وسقوط غرناطة ودخول حضارة اقرأ في خندق الحروب الدينية التي لم تستطع الخروج منه إلى حد الآن وما أنتج ذلك من تعصب وانطواء على الذات وتقوقع في الملة وكاقتصار المجهود العلمي على الشرح والتفسير والتعليق والاجترار والتقليد.

غير أن الفلسفة شهدت انتعاشة كبيرة في ظل النهضة العربية واعتماد زعماء الإصلاح على مناهجها في دعاويهم إلى التجديد والتحديث وتشكل الجامعات العربية وخاصة في مصر ولبنان وسوريا وبغداد ودول شمال إفريقيا مع دولة الاستقلال. وقد فسر البعض هذا الاهتمام الكبير والالتفات المتيقظ إلى العلوم الفلسفية في ذلك الزمان إلى بروز التيارات الإيديولوجية وخاصة أدبيات حركات التحرر الوطني وصعود أنصار القومية العربية و تفجر الثورة الاشتراكية في روسيا واكتساح المبادئ اليسارية معظم أجزاء المعمورة وقد رافق ذلك ترجمة لفلاسفة الثورة الفرنسية ومنظري العقد الاجتماعي والتمييز بين السلطات والبديل الديمقراطي ومنظومة حقوق الإنسان وخاصة روسو ومونتسكيو وهوبز واسبينوزا وبرجسن وماركس وانجلز وسارتر... الخ.

هذا المناخ الملائم أنتج شخصيات مثقفة وكتاب وأدباء وأساتذة عملوا على الاشتغال بالفلسفة والعلوم الإنسانية والآداب والدراسات الدينية التنويرية والمقارنة ترجمة وتدريسا وتلخيصا ونشرا وتأليفا وقد اشتهر منهم عبد الرحمان بدوي وحسن حنفي وزكي نجيب محمود من مصر ومحمد عزيز الحبابي وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري من المغرب وطيب تيزيني ومطاع صفدي وبديع الكسم وبرهان غليون من الشام وأبو يعرب المرزوقي وهشام جعيط واحميدة النيفر من تونس وحسام الدين الألوسي وعلي الوردي من العراق ومنير شفيق وعزمي بشارة وادوارد سعيد وهشام شرابي من فلسطين.

غير أن هذا الاهتمام لم يرتق إلى درجة الإقبال والاستقرار وهذا النشر لم يصل إلى درجة التوطين والاستثبات وهذا التأليف لم يصل إلى درجة التنظير والإبداع وهذه الترجمة لم تعانق التأويل والتأصيل. عندئذ ظل السؤال الفلسفي عن الواقع العربي محجوبا تحت أكوام الجواب وبقي مشروع بناء فلسفة للضاد مؤجلا وانتهى تفلسف العرب في عصر ما بعد تشكل دولة الاستقلال مجرد تعريب للفلسفة الغربية. كما انتهى حضور الفكر الفلسفي في المؤسسات التربوية الثانوية والجامعية إلى نفس النقطة التي بدأ منها، فقد بدأ غريبا محاصرا ومرفوضا وهاهو الآن لايزال محل اتهام وتشكيك وتضييق من طرف الجمهور وساسة البلدان ورجال الدين ولم تعد الجامعة مجالا لخلق المبدعين والمنظرين والمثقفين العضويين بل مجرد محتشد لإعادة إنتاج ماهو سائد و لتخريج العمال والموظفين والمدافعين بشدة على الراهن .

لكن متى يأتي العصر الذي يتفلسف فيه المرء الآن وهنا من أجل التدخل بالعقل والنقد في الشأن العام ؟ ألم يحن الوقت بعد لأن يمتلك العرب فلاسفة حقيقيين؟ أليس الزمان مناسبا لكي تدرس الفلسفة وكل فروع العلوم الإنسانية في كل المجتمعات العربية دون تحفظ أو نقصان؟ وألا ينبغي أن تحتل أم العلوم المكانة التي تليق بمقامها في فضاء التربية والتعليم عوض الاكتفاء باحتلال مكان توثيقي في رفوف المكتبات والأرشيف؟ ألا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز الفكر العقلاني النقدي إذا ما أردنا نشر ثقافة المؤسسات والمبادئ التقدمية؟

كاتب فلسفي

الثلاثاء، نوفمبر 25، 2008

منظومة عمل ناجحة في ( الوكرة المستقلة)



على جبر
عزيزي القارئ دائما ما تجدني اكتب في المواضيع العامة نادرا ما اكتب عن مؤسسات أو أفراد ولكن أحيانا في العمل الصحفي يكون هناك دائما استثناءات مثل كل الأعمال بمعنى أن يفرض عليك موضوع أو شخص معين تجد فيه عمل صحفي وموضوع مميز وكما يقال خبطة صحفية يجب على الصحفي تقديمها للقارئ وفى هذا المقال أريد أن يستمتع القارئ كم استمتعت أنا وبشدة مع هذه الشخصية الفريدة والغير عادية لأنة قلما يقابل الصحفي في عملة المهني شخصيات تكون ملفتة للنظر ويكون حريص كل الحرص على تقديمها لقارئة كي يستفيد ويستمتع بها وكما استمتعت أنا بهذا اللقاء الجميل والفريد والذى استفدت منة كثيرا جدا وأريد من قارئ أن يستفاد منة أيضا لقائنا اليوم مع الأدارى الناجح والعقلية المتميزة زو الخبرة الواسعة الأستاذ / صالح آل إبراهيم
نائب مدير مدرسة الو كرة الثانوية المستقلة في قطر . والخبير التربوي
هناك نظريتان في الأدارة أحداهما تقول أن نجاح أي مؤسسة يعتمد على الإدارة الجيدة .
والأخرى ترى إن الإدارة لها دور ولكنها ليست السبب الرئيسي في نجاح اى مؤسسة
أنا شخصيا مع الراى الأول والدليل على ذلك برامج الخصخصة ما هي إلا تغير إدارة الشركات وبها تتحول الشركات من الخسارة إلى المكسب وبنفس العمال اى الإدارة هي الأساس اعرف صديق لي أراد مديرة أن يقصيه من العمل وعندما تغير المدير حصل صديقي على الموظف المثالي وبجدارة أي إنها الإدارة الناجحة

ومن هنا كان اهتمامي وحرصي على لقاء الأستاذ/ صالح آل إبراهيم
الخبير التربوي
فقد نشأ في بدايته مع جدة وهو من أثرياء قطر فتعلم منة الكثير تعلم أن الثراء ليس بديلا عن الجد والعمل فكان يدرس ويعمل مع توفر كل الإمكانيات للرفاهية ولكنها المبادئ التي يتذكرها جيدا إلى الآن بل ويطبقها في حياته المهنية تخرج من الجامعة وكان يعمل ويدرس واكسبتة هذه التجربة خبرات كثيرة في التعامل مع من هم دونه وان العمل هو الأساس في الحكم على الناس بل وفى العمل الأدارى المتميز بل أنة وفى الثلاثين بما له من ميزة فريدة في المعرفة الدقيقة جدا في انساب القبائل العربية قد حكم بين القبائل الكبيرة وجلس بين الشيوخ الكبار ليدلهم على انساب احدي القبائل .
سافر كثيرا إلى الدول الأوربية والى الولايات المتحدة للدراسة والعمل واكتسب خبرات هائلة انتقى منها ما يتناسب مع مجتمعنا العربي شاهدت ذلك بنفس في أحدى الاجتماعات التي رئسها أدار الاجتماع بحنكة قيادية فريدة وبديمقراطية نحتاجها كثيرا في وطننا العربي وهذة النقطة هي مربط الفرس في الإدارة الناجحة فقد استمع بصدر رحب إلى جميع المشاكل والانتقادات وتقبلها بصدر رحب تماما وطلب المشاركة في وضع الحلول كان إحساس كل فرد في الاجتماع أن المشكلة هي مشكلته والكل يسعى لإيجاد الحلول بسبب المشاركة الفعالة على الرغم من بعض التجاوزات في الآراء من البعض ولكنه تقبلها بترحاب وشرح اللبس الذى اعترى البعض منتهى الديمقراطية في الأداء أيضا الوضوح في الرؤية والصراحة في عرض المواضيع ملفت للنظر وخصوصا في عالمنا العربي روح الود والإخاء التي يبسها بين زملائه جعلت الكل يشعر بروح الأسرة الواحدة وهذا له مردودة الايجابي على العمل له فكر عالي في ضرورة مواصلة التعلم واكتساب الخبرات على الرغم من الخبرات الكثيرة جدا التي اكتسبها من كثرة السفر والاطلاع على خبرات الغير واعمالة المختلفة إلى الآن يسعى جاهدا للتعلم من خلال اكتساب الخبرات من الآخرين بل والسعي وراء مزيد من الدورات التدريبية المتخصصة .
له طموحات كثيرة جدا حقق بعضها في مجال عملة والبعض منها يصر إصرار شديد على تحقيقها بطبعة متفائل وهذا سلوك الناجحين على الرغم من الصعاب ولكنها الإرادة القوية التي تربى عليها وزادها من خلال العمل الجاد الملتزم.
ما لفت نظري هو الأسلوب الراقي في التعامل مع الآخرين وهذا وجدته فقط في بعض الدول الأوربية أيضا عندما سألته عن الخبرات ارجع بعضها إلى اكتسابه للخبرات من كل من عمل معه اى كان موقعة وهذا هو العقل المتفتح والمكتسب للخبرات أيضا طموحةبلا حدود وقد قال لي جملة جميلة وهى مربط الفرص انه غير متمسك بالكرسي بتاتا المهم ما يقدمه للعمل أيضا قد بداء في إعداد صف ثاني على يديه أيضا متحفز تماما للواسطة وقد حكي لي أن صديق حميم جدا له ورفض أن يقبل قريب له بالواسطة أظن أن هذا السبب وحدة كاف ليكون المدير ناجح .
أتمنى واحلم أن يعم هذا الأسلوب في الإدارة في عالمنا العربي مثلما رايته في قطر مجرد أمنية لعلها في يوم أن تتحقق هذه نبذه مختصرة جدا لحوار طويل على كورنيش الدوحة الجميلة في قطر بلد الناس الطيبين .
إن شاء الله سوف أكمل معكم بقية المنظومة الرائعة للإدارة الناجحة والمتميزة جدا والتى غيرت تماما من شكل ومضمون ومنهاج مدرسة الو كرة الثانوية المستقلة وشكرا للخبير التربوي الكبير على ما خصني بة من هذه المقابلة الصحفية رغم انشغاله الشديد
في حلقات قادمة إن شاء الله نستكمل بقية المنظومة الإدارية الناجحة لنستفيد من نجاحاتهم فى أسلوب الإدارة الراقية والناجحة
ولك عزيزي القارئ كل التحية من الدوحة
gabr189@yahoo.com




سِنُ وسَنة ُ السقوط

د. عدنان الظاهر

سنة ُ وسنُ السقوط ؟ مِمَ السقوط ومن أي علوٍّ أو إرتفاع ؟ وما علاقة سقوط الأسنان في فم البشر بالسقوط من علٍ تحت فعل قوة الجذب الأرضي ؟ أسئلة بحاجة إلى أجوبة مناسبة . لا يا أخي الكريم ، لا يا أخي ، إنما عنيتُ بالسن العمرَ ، عمر الإنسان الذي يسقطُ فيه من على مدرجات أعوام الحياة ربما السقوط الأخير أي الموت وهل من سقطةٍ أخرى بعد الموت ؟ كلا ، لا قوة جذب الأرض تفعل في الموتى فعلها ولا أطباء الأسنان [ لاحظْ علاقةَ التطابق التام بين حروف الإنسان والأسنان ! ] . السقوط إذا ً ، السقوط الذي لا من قيامة ٍ بعده لا بالروح ولا بالجسد . السقوط الأبدي . طيّب ، عنيتَ بالسن العمرَ لا أطالَ الشيطانُ عمرك ، فما فلسفة سنة السقوط ؟ سؤال غاية في الوجاهة يا ملحاح . سنة السقوط لا علاقة لها بسنِّ السقوط . سنة ُ السقوط هي السنة التي تضعف فيها معنويات الإنسان ويفقد القدرة أو معظم القدرات للسيطرة على نفكيره وأفعاله وإنفلات نزعاته ورغائبه البدائية والطفولية فيقدم على فعل ما كان يأنف أن يفعله في سالف زمانه . بل ويشرعُ يفكرُ في أمور ٍ ما كان ليجرؤ على التفكير بها . أتذكر ُّ شيخاً طاعنا ً في سنه كان يطلب من أفراد عائلته أبناءً وأحفادا ً أنْ يوفروا له قطع الشكولاتة والبقلاوة وما كان يقرب منها لا في شبابه ولا في كهولته . حتى أنه طلب ذات مرة ٍ ( مصّاصة َ أطفال ) لكي يرضعَ بها حليبَ الرضاعة . قام صاحبي صارخا ً : وهذا هو أرذلُ العمر الذي قرأنا عنه ، أرذل العمر ، السقوط من قمةالقدرة إلى قاع اللاقدرة ، من عزِّ الشباب إلى ذُلِّ الخَرَف . هذه هي سنة السقوط . إتيانُ ما لم يأتهِ الإنسانُ في ماضيه حين كان في رأسه دماغ ٌ يفكرُ ويسيطرُ ويوجّه وينتقدُ . وهل سَلسُ البول يدخلُ ضمن عناصر سنة السقوط ؟ كلا ، ذلك موضوعٌ آخر لا علاقة َ له بالسن والعمر . أفلمْ تسمعْ بظاهرةِ سَلس البول لدى الأطفال ؟ إنها لا تخصُّ الأطفالَ وحدهم ، فقد تجدها في عدد لا يُحصى من الرجال الذين بلغوا أشدَّهم ، إنها ظاهرة معروفة طبيا ً لها أسبابها ومسبباتها . لذا فإنها ليست من علامات وشروط السقوط . هل فهمتَ الفوارق ؟ نعم ، فهمتُ . هل تسمحُ لي أن أذهب لبيت الراحة ... لديَّ حاجة مُلحّة للتبول على الفور وإلا تبولتُ على نفسي وملابسي وأفسدتُ جلستنا لهذا اليوم . وأنا في بيت الراحة ( التواليت ، دورة المياه ، المرحاض ) سمعتُ صاحبي يقول : لعنَ اللهُ مرضَ البول السكري ّّ . رددتُ معه وأنا لم أزلْ أتبوَّل مكرَّمٌ السامعُ : لا فُضَّ فوك عزيزي ، اللعنة على السكري حتى يوم الدين . قال صاحبي قد فهمتُ الكثير عن فلسفة اليوم ولكن ألا تلقي المزيد من الضوء على مسألة الفرق بين سنة السقوط وسن السقوط ؟ حَسَتا ً سأنوّرك بالفرق بشكل بسيط : فهمنا أنَّ سنة السقوط تعني سنة موت الإنسان ، أما سن السقوط فإنه يسبقُ سنة السقوط بمُددٍ تكبرُ أو تصغرُ حسب ظروف الناس . فقد يسقطُ إنسانٌ في سن الثلاثين أو الأربعين أو الستين حسب ظروفه وأحوال صحته النفسية والجسدية والمالية والعائلية ، وقد يسقط قبل وفاته بفترة قصيرة . إنَّ هذا السقوط مرتبطٌ بسلامة العقل وقوة التفكير والإرادة والسيطرة على نزعات الإنسان الفطرية والبدائية ورواسب ورغائب الطفولة . أعرفُ رجلاً في السادسة والثمانين كان يتحرش جنسياً بخادم منزله ولما لم تستجبْ له عرض عليها الزواجَ ففكرتُ في العرض جدياً ثم سألته إنْ كان لديه إرث ٌ أو تقاعدٌ مُجز ٍ . وافقتْ وقد أجابها بالإيجاب على الصفقة لكنَّ أولاده منعوه وأوقفوا الصفقة وطردوا المسكينة من بيتهم . ماذا تسمّي هذا النوع من التصرفات والرغبات ؟ سقطَ في نظري هذا الرجل في ذاك العام وذاك الشهر واليوم حيثُ عرض الزواج على إمرأة في الأربعين من عمرها كانت تخدم عائلته الكبيرة . علّق قائلاً ليس من غرابة في هذه القصة ، الكثير من الطاعنين في السن يراودون خادمات منازلهم وصغيرات السن من بنات الجيران بشتى الوسائل والأساليب والمغريات خاصة ً أولئك الأرامل الذي فراقتهم أزواجهم بالموت المبكر . أفلمْ تسمع بقصص ذلك الشيخ العجوز الذي كان مغرماً بعاصمة أوربية معينة حيث إبتاعَ له فيها شقة ً يقضي فيها الكثير من شهور السنة حيث إفتضحَ أمره في إصطياد الفتيات الجميلات لقاء ما يعرضُ عليهنَّ مما لديه من دولارات كثيرة كانت لها قيمتها في ذلك الزمان . سألته وكيف كان يتمتع بشباب وفتنة الصبايا وهو شيخٌ طاعنٌ في السن أجاب صاحبي قائلا ً : ويلك ، للجنس أشكالٌ وأساليب وطرق شتى منوَّعة لا حصرَ لها معدّة خصيصاً لمثل هذه الأعمار . ثمَّ لاتنسَ الأدوية والعقاقير والمنشطات . هذه هي سنوات السقوط بالنسبة لأمثال هذا الرجل الخَرِف الطاعن في السن . سألتع وباية لغة كان هذا ( الدون جوان ) العجوز يتفاهم بها مع صباياه وحسناواته ؟ قال ليس في الأمر هذا من مشكلة . كيف ؟ لا تحتاج ممارسة ُ الجنس ِ إلى لغة فلغته عالمية كونية لا لسانَ لها يخدمها ويترجمُ لها . لعنَ اللهُ الشيوخ ولعنَ عودتهم إلى صباهم . هل تصدقني إذا قلتَ لك إني تعرّفتُ على فتاة في العشرين من عمرها كانت تدّعي أنَّ جدها لأبيها قد إغتصبها بعد أنْ بلغت الحُلم ؟ ولهذا عزفت عن الزواج ورفضت مَن تقدّم لها به .
هل نعودُ بعد هذه السياحة وقد عرفنا الفرق بين سنة وسن السقوط للحديث عن الجنس وطرق ممارسته في عصر التمدن والعولمة وأزمة الرأسمال الحالية وكارثة أسواق المال والسندات وهل هي نهاية الرأسمالية ؟ هذا الحديث ثقيل ٌ جداً لكني أوجزُ موقفي منه بما يلي : ليست في هذه الأزمة نهاية ُ الرأسمالية ، ما كانت الأولى ولن تكونَ الأخيرة . هذه هي طبيعة النظام الرأسمالي . كبوات وأزمات وركود ثم تحسن وقيام وإنتعاش وتطور حتى تبني الرأسمالية قبرها بيدها وتطمر نفسها فيه . متى يكونُ ذلك ؟ سيكونُ ذلك حتماً ولكنْ لا علمَ لي بموعده الدقيق . هل غيّرتَ ساعتك حسب التوقيت الشتوي الجديد ؟ لا ، شكراً ، لقد ذكرتني بهذا الأمر الذي لا يهمني لا من قريب ٍ ولا من بعيد . لم أهتمَّ يوماً في حياتي بموضوع الزمن حتى أني في أغلب أوقاتي لا أحمل ساعةً في معصمي أو جيبي . لماذا ، هل تخشى ساعةَ ويومَ وسن السقوط ؟ نعم ، أخشاها كلَّ الخشية . لا أتمنى لنفسي مثلَ هذا المصير . أتمنى أنْ أموتَ قبل بلوغ هذه الرتبة التعيسة من العمر ... أرذلَ العمر . أحب الحفاظَ على ما كنتُ فيه وما درجتُ عليه في سائر أعوام عمري . أحب الثباتَ على ثوابتي وعلى نقاء عاداتي وطبيعية سليقتي وسلوكي . أحبُّ أنْ أواجه نفسي بما عرفته عني وما عرفته عنها . نهض صاحبي مودِّعاً وهو ينشدُ شعرَ بعض المتصوفة :
أنا مَن يهوى ومّن يهوى أنا ...
فأكملتُ هذا البيت بصوتٍ خفيض خجول :
نحنُ روحانِ أحلا بَدَنا

إنتفضَ الشيخُ صاحبنا الطاعنُ في السن الذي منعه أهله من الزواج بخادم منزله ، إنتفضَ صارخاً محتجا ً من ظلمة قبره قائلاً : ويلكم يا ظَلَمة ، ويلكم من عذاب الآخرة ، ظلمتوني ولم تسمحوا لي أنْ أمارس نفسي وباقي حياتي وأنْ أمتعَّ سيدةً كانت تخدمكم جميعاً طبخا ً وغسيلاً وتنظيفا ً وتسوّقاً ... ما أظلمكم من بشر معتوه لا تفكرون إلا بالمال والميراث وتحرمون أباكم من حقوقه في دنياه ومن مُتع الحياة التي خلقت معه له . ما أشدَّ ظلمَ الإنسان لأخيه ووالده الإنسان . تقرأون شعر علماء الصوفية لكنكم لا تمتثلون لما جاء فيها من سحر وحقيقة وبيان . لقد كنتُ أزمعتُ الأخذ بمعنى هذا البيت الشعري البليغ [ نحنُ روحانِ أحلا بَدنا ] لكنكم الويلُ الويلُ لكم وقفتم حَجرَ عثرة ٍ في سبيلي ومنعتم عني المعروف وظلمتموني وظلمتم تلك المرأة المسكينة التي تنازلت ووافقت على الزواج مني شيخاً لكني معافى قويّ البنية والعضلات ... الويلُ لكم من عذاب الآخرة يا أولاد الأفاعي ... الويلُ لكم من عذاب نار جهنم ... سأواجهكم واحداً واحداً يومَ الحساب .
كم نوعا ً من السقوط يعرفها بنو البشر ؟
1ـ السقوط في الإختبارات المدرسية
2ـ السقوط فوقَ الأرض أثناء المشي أو من سطح دارٍ أو بناية ٍ أو شجرة وحصول آلام أو جروح أو كسور ... وقد سقطتُ ـ لعلمك أخي ـ أواخرَ شهر كانون الثاني من هذا العام 2008 متزحلقاً على جليد الشتاء فتهشّمَ إصبعان من كفيَ اليمنى وما زلتُ أعاني من بعض ألم ٍ وبعض مشاكل في حركة الإصبعين رغم العلاج والتجبير بالجبس والأدوية ثم فترة التأهيل والمساجات الخاصة . تلك كانت الكسور الأولى في عظامي خلال كل مسيرة حياتي الطويلة .
3ـ السقوط الخُلقي في السن المحددة التي جرى حولها الحديث قبلَ قليلٍ ، وكان نموذجها الشيخ الطاعن في سنه الذي راود خادم منزله ثم عرض عليها الزواجَ وهو في أرذلِ العمر .
4 ـ السقوط في حفرة تحت الأرض وهو السقوط الأخير للإنسان : الموت ، وهو أشنع السقطات وأقلها ألماً لمن يسقط في حفرته !!
عاد الشيخُ الطاعنُ في سنه من ظلمة ِ حفرته فأضحكني إذ ْ قال ضاحكاً هازئا ً شامتا ً : الحمدُ لله ... الف الحمدُ لله ... لم أعرف في حياتي إلا سقوطين إثنين لا أكثر ... ذاك الذي سميتموه إجحافا ً وظلما ً بالسقوط الخُلقي ، ثم السقوط الأخير الذي ليس له من إستثناءٍ أو مهرب ٍ ... كلُّ مَن عليها فان ٍ زائل ٌ . لم أدخلْ مدرسة ً في حياتي وما سقطت من سطح دار ٍ أو شجرة ٍ أو من على ظهر مطية أو فرس .

الاثنين، نوفمبر 24، 2008

ووجدت المرأة مجدها

عـادل عطيــة

فى خضم ظلام العلاقات الانسانية الحالك بين الرجل والمرأة ،
يشرق ويضىء ببهاء جذّاب نجم الميلاد ،
وترفع المرأة رأسها من مزبلة التاريخ البشرى ،
ومأساته ؛
لتجد : مجدها المفقود !
فقد ولد المسيح من عذراء ،
وقدّس المرأة
وكرّمها فى حياته على الارض ،
بأن أتاح لقواها مجالاً فى كل وصية من وصاياه ،
وفى تعاليمه العظيمة الحيّة الملهمة لكل الاجيال :
كرّمها فى أمومتها ،
فنراه طيلة الحياة يقدم الاحترام لأمه :
فالبشير لوقا يتحدث عنه فى صبوته أنه كان خاضعاً لوالديه
وعلى الصليب ،
نراه يوصى بالأم العذراء ؛ لتكون فى رعاية التلميذ الحبيب
وكرّمها فى صلتها الزوجية ،
حينما جعل الرباط الزوجى مقدساً ،
وملزماً لكل من الطرفين باحترام مفاهيمه ، وواجباته ، وتقديراته
وجعل هذا الرباط رباطاً أبدياً لا يجوز نقضه إلا فى حالة واحدة :
هى حالة الخيانة الزوجية
فلم تعد لعبة فى أيدى الرجل
وكرّمها حتى فى ضعفها ،
وسقوطها
فلم يجسم خطيتها بصورة أكبر من خطيئة الرجل ، وسقطته
فالخطية واحدة فى نظر الله
سواء ارتكبها رجل ،
أم سقطت فيها امرأة
وحينما أتوا إليه بتلك المرأة التى امسكت فى خطية الزنى ،
وطلبوا منه أن يأمر برجمها ،
كان جوابه :
" من كان منكم بلا خطية فليرمها بحجر "
وكرّمها ، حينما جعلها مساوية للرجل :
مساواة فى الحقوق
ومساواة فى الواجبات
مساواة فى الايمان
وفى العبادة
كما هى مساواة فى سائر العطايا الروحية وأعظمها عطية الروح القدس
فالامتياز مشترك بينهما ،
ولا يوجد فاصل بين الجنسين باعتبارهما شريكى نعمة الله
وكرّمها فى خدمتها ،
حينما سمح لسيدات بأن يسهرن على خدمة حاجاته الجسدية ،
فضمن قصته تلمع أسماء ، أمثال :
مرثا ، ومريم ، والمجدلية ، وغيرهن
وكرّمها ، بشفقته ،
وحنانه عليها ،
فقد مد إليها يد العون باستمرار ،
وشفى امراضها الروحية ، والجسدية :
فأقتاد المرأة السامرية إلى التوبه
وشفى المرأة المنحنية
واخرج من المجدلية سبع شياطين
ورفع من إهتمام احداهن؛ لتفكر فيما هو أسمى من شئون منزلها
وكرّمها ، عندما مدح أيمانها ،
وفضائلها :
مدح خدمة المحبة التى قامت بها إحدى النساء من نحو الله
و أشاد بذكر إمرأة ثانية وذلك من أجل عواطف محبتها التى أظهرتها فى إسراف باهظ
كذلك أشاد بذكر إمرأة أخرى لحنانها وثقتها فى بساطة قلب
**
لقد رفع المسيح ، المرأة إلى مكانها الذى تستحقه ،
وذلك ليس بمرسوم أصدره ،
فأوقف به ضعتها ،
وخضوعها ،
وآلامها من عدم الاحترام الخبيث لحياتها
لكن بإعلانه الله للناس فى حقيقة سجاياه
وكان أعظم مجد أضفاه عليها ،
فى استخدامها : كصورة لكنيسته
واستعارة صورة العريس والعروس ؛
للدلالة على الصلة العظيمة ، السرية ، الحبية ، الكائنة بينه وبين الكنيسة !
adelattiaeg@yahoo.com


ملتقى ادباء ومشاهير العرب في حوار مع نبيل عودة

لم أعرف من فترة شبابي الا النضال بلا توقف * دم الانسان في كل مكان يثير غضبي وألمي * للأسف لم نحافظ عل مجمل نتائج " حقبة الناصرة " * يؤذيني استعمال الانتماءات الدينية .. لأن الانسان لا يقاس بطائفته * ليس السلاح النووي الايراني أو العربي هو الانقاذ ، بل القوة الاقتصادية والعلمية ورفع مستوى الحياة للشعوب العربية *
***

وجه لي "ملتقى ادباء ومشاهير العرب" مجموعة من الأسئلة ، جاء فيها :

* نبيل عودة ماذا قدمت لـبلدكْ ..! ومـاذا قدمتْ لأمتك العربية ?!
* هل ترى يا نبيل عودة إن ما يجرى فى بلداننا العربية يمثل كل طموحاتْ الشارع السياسى ؟

* ومـا هـو الشىء الذى تأمـل أن تراه يتحققْ , ولم يتحققْ ..!؟

* صِف شعـورك وأنتْ ترى الدمْ العـربى يراقْ حين تشـاهـد تلفازكْ ... ألا يحـرككْ ذلك ؟

نظرا لأهمية التساؤلات ، والحوار الذي يدور في المنتديات المختلفة حول هذا الموضوع ، وتكرر الآسئلة التي توجه لي حول نفس المواضيع ، رأيت ان أعمم الأسئلة والأجوبة خارج اطار "ملتقى ادباء ومشاهير العرب". خاصة وأني أطرح رأيي الشخصي – نبيل عودة

كان من عادة الشاعر الجاهلي الفخر بقبيلته وصنائعها ..ويبكي على أطلال محبوبته ، ويصف فرسه وسيفه وبطولاته وكرمه … فهل هي عودة للجاهلية للتفاخر بصنائعنا ؟

ليس من طباع الانسان المتزن ان يقدم عرضا "لبطولاته وصولاته وجولاته " وأظن أن كتاباتي تكفي للشهادة حول تاريخي في نضال شعبي ، ولم أناضل لأتفاخر بنضالي ، انما هو واجبي الأول الذي وعيت عليه كشاب نشأ في بيت وطني ، وفي ظروف مأساوية لشعبه ّّ .

ومع ذلك …

انا ولدت في فلسطين قبل نكبة شعبها بسنة ونصف تقريبا…وقد واجهت أسوأ أيام شعبنا الباقي في وطنه ، ومنذ بداية وعيي كنت منظما في اتحاد الشبيبة الشيوعية ، الدرع السياسي والوطني الذي قاد نضال الاف الشباب ضد سياسة التجهيل بلغتنا وتراثنا وقوميتنا .. وكنا دائما عرضة ، أنا ورفاقي الشباب ، لملاحقة الشرطة والسجن .. وتحديد تنقلنا بأوامر عسكرية . ويمكنني القول اني لم أعش حياة شاب مفتوحة ورغدة !!

كانت الشبيبة الشيوعية هي المنظمة الشبابية الوحيدة التي خاضت نضالا الى جانب حزبها الشيوعي ، من أجل الحفاظ على الانتماء القومي وصيانة المقدسات والأرض والتاريخ ومنع تهجير الذين لم يشملهم التسجيل الأول للسكان الفلسطينيين الباقين أو العائدين الى وطنهم بعد النكبة ( كما كان حال الشاعر المرحوم محمود درويش وابناء عائلته ) ، بعد ان تبين ان فلسطين ليست واردة في حساب الدول العربية ، وان هناك صفقات وسخة من وراء ظهر الشعب الفلسطيني ، لم تعد سرا اليوم … وأن تحرير فلسطين مجرد اكذوبة دعائية سافلة روجها الحكام الفاسدين والمتآمرين عى الشعب الفلسطيني مع قيادت صهيونية .. ساهمت ، الى جانب التطهير العرقي وجرائم التصفية الجسدية للمواطنين المتمسكين بالبقاء في وطنهم الذي نفذته الحركة الصهيونية ،الى تهجير أكثرية شعبنا الى المنافي وانتظار "التحرير" الذي مضى على الوعد العربي به 60 عاما !!

ولا بد من اضافة هامة أخرى : اثناء حرب فلسطين لم تدخل الجيوش العربية اطلاقا الى المناطق التي حددتها الأمم المتحدة بقرار التقسيم للدولة اليهودية ، رغم تواجد الجيوش العربية قرب تلك المناطق ورغم معرفة قادة الجيوش انه ترتكب مذابح ضد الفلسطينيين .. ورغم استنجاد السكان العرب بتلك "الجيوش "!!

حتى دراستي الجامعية في التخنيون – حيفا ( المعهد التكنلوجي ) في موضوع هندسة الميكانيكيات لم يتيسر ، أضطررت لوقفه بسبب أوامر عسكرية تفرض على الحصول على تصريح عسكري للوصول الى حيفا والعودة الى مدينتي الناصرة قبل الساعة الخامسة مساء ، وكان من المستحيل ان أواصل الدراسة … فارسلت من حزبي الشيوعي الى الدراسة السياسية في الاتحاد السوفييتي . وهي أول فترة حرية لشاب ناشئ في أوج نشاطه وشبابه يحظى بها ويتمتع بمعنى ان يكون شابا وان يمارس حياة الشباب ،دون انتظار طرق باب البيت لاعتقاله في ساعات الفجر أو دعوته للتحقيق ، الى جانب النشاط الأدبيوالنهل من الثقافة العربية والإنسانية بظروف مريحة لم يحلم بها في وطنه ...

لا افاخر بما قدمته لشعبي ، ونتيجة له كسرنا الارهاب البوليسي ونجحنا بالغاء الحكم العسكري .. ومع ذلك ظلت القوائم السوداء تشمل العرب المتطرفين أمثالي ، حتى بعد عودتي من دراستي ، وعن تلك القوائم كتب شاعرنا محمود درويش قصيدته الشهيرة المعروفة " سجل انا عربي " التي صارت نشيدا قوميا لشعبنا .. وكتب الشاعر سالم جران قصيدة اشتهرت في وقته " سجل اسمي في القائمة السوداء / سجل اسم أبي أمي أخواني / سجل حتى حيطاني / في بيتي لن تلقى الا شرفاء " .

وكانت معركة شرسة ضد القوائم السوداء لمن سمتهم السلطات العنصرية "العرب السلبيين ".

وبعمل نضالي مثابر حررنا بلدية الناصرة ( الناصرة عاصمة الجماهير العربي في اسرائيل ) من سيطرة زلم السلطة وأوصلنا الشاعر توفيق زياد لرئاستها بحصولة على ما يقارب ال 70% من الأصوات ، وأحدثنا انقلابا سياسيا في الوسط العربي ، أثر في وقته على انتخابات موازية جرت في المناطق الفلسطينية المحتلة لأنتخاب رؤساء بلديات قادت الى فوز قوى نضالية وطنية معروفة ..

للأسف لم نحافظ عل مجمل نتائج " حقبة الناصرة " في تاريخ شعبنا السياسي ،لأساب لا مكان لها هنا الآن ، تجدون لي مساهمات كثيرة حولها في العديد من مقالاتي المنشورة على الشبكة الألكترونية . ولكن انتصار الناصرة فتح الطريق للمعركة الأهم ، معركة الأرض … فكان يوم الأرض لوقف مصادرة الاف الدونمات الجديدة .. وأعتقد يكفيني ان أكون برغيا صغيرا في هذه المعارك النضالية …

في تلك الأيام الهامة كنت نشيطا سياسيا بصفوف الحزب الشيوعي الذي قاد هذا الانجاز التاريخي النضالي الكبير ،والذي صار يوما نضاليا وطنيا لكل شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وفي مناطق السلطة الوطنية وفي اللجوء المتواصل منذ 60 عاما .

لم أعرف في شبابي أياما بلا واجبات سياسية ووطنية وثقافية واعلامية ، وما عدا السنتين في موسكو ، كنت دائم الانشغال بالتثقيف السياسي والفكري والنضال المتواصل .. وعندما وصلت الى قناعة ان الحزب الشيوعي لم يعد ذلك الجهاز الذي نشأنا وتثقفنا في صفوفه ، لم أتردد في نقده رغم ان ذلك قادني للخروج من التنظيم ، والنشاط الفكري والسياسي والأدبي كمستقل لا يعرف اخفاء مواقفه والتودد لكسب مواقع وامتيازات ، كما هي حالنا الفاسدة اليوم ..

الدم العربي ، أو دم الانسان في كل مكان يثير غضبي وألمي ويجندني الى جانب أصحاب الحق بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الاثني .. ويؤذيني استعمال الانتماءات الدينية .. لأن الانسان لا يقاس بطائفته وعقيدته الدينية ، انما بأفعاله ومساهماته ومواقفه .. والدين لله والوطن للجميع !!

ان ما أكرهه في عالمنا العربي هو التعامل مع الأقليات الدينية والاثنية بتمييز وقمع غير عادي ، ودفع الأقليات للهجرة .. الآمر الذي يشوة الفسيفساء الوطنية العربية .. ويشوه تعدد الثقافات .. ويفقد العالم العربي الاف العقول من أهم الاختصاصات العلمية ومن كل الانتماءات .

حلمي ان أرى عالم عربي دمقراطي يعمل على تطوير اقتصاده ومرافقه الحيوية ، ويمحو الامية – كارثة العرب الرهيبة ، ويتقدم في تقليص البطالة التي يعاني منها اليوم ما يقارب ال 30 مليون عربي …تجعل المجتمعات العربي مجتمعات فقر مدقع وتخلف مريع !!

لا مستقبل للشعوب العربية بالتطرف الديني والكراهية الطائفية ضد الآخرين المختلفين .. يجب سن قوانين صارمة تقمع من الجذور هذه الظواهر المرضية المدمرة ، والتثقيف على احترام الانتماءات المختلفة مهما تعددت .

أمنيتي ان أرى الأنظمة العربية تطور مؤسسات السلطة المستقلة ، وتضع رقابة على تصرفات المسؤولين … وان ننتهي من زمن الزعماء الأبديين والتوريث …

امنيتي ان ارى تطور التعليم والعلوم والابحاث والخدمات الاجتماعية ورفع مستوى الحياة والصحة . عندما توظف اسرائيل 15 ضعفا في الابحاث العلمية أكثر من كل العالم العربي .. الى أين سيصل العالم العربي ..؟ انظروا ، حتى ايران تتقدم علميا .. ولن يكون تقدمها لمصلحة العرب بل لعودة الفرس الى أطماعهم التاريخية في العالم العربي .. اليوم يحتلون جزرا عربية في الخليج ، ومناطق عربية في اطار ايران ، وأنظارهم نحو تحويل الخليج العربي الى فارسي بالفعل وليس بالتسمية فقط .والوهم ان سلاح نووي سينقذ العالم العربي أو ايران هو وهم .. الخطر ان تتحول ايران الى اسرائيل ثانية بأطماعها وسطوتها على دولنا المتخلفة ، وهذا أقرب للمنطق السياسي .. وربما نصبح كعرب ، بين السدان الايراني والمطرقة الاسرائيلية.

الويل لعالم عربي لا يرى أهمية تطوره الشامل .. لا ليس السلاح النووي هو الانقاذ ، بل القوة الاقتصادية والعلمية ورفع مستوى الحياة ، وجعل الصوت العربي يحسب حسابه في المحافل الدولية ، والعمل على نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط .

وما أخافة ان الزمن لا يرحم ، لأنه لا ينتظر القاصرين !!

نبيل عودة- كاتب ، ناقد واعلامي – الناصرة

nabiloudeh@gmail.com