السبت، نوفمبر 29، 2008

الجار: قصة قصيرة لكافكا

د. عدنان الظاهر

أعباءُ مكتبي كليّةً على عاتقي . في الحجرة الأمامية آنستان مع آلات كاتبة وملفّات العمل . أما حجرتي ففيها منضدة كتابة وخازنة نقود ( قاصة ) وطاولة إستشارات وكرسي وتلفون . هذا هو كل طاقمُ عملي ، ليست صعبة مراقبته ويسيرةٌ إدارته .
أنا شابٌ يافعٌ تماماً وأكادُ أُديرُ المهنةَ وحيداً ولا من شكوى لديَّ ، لا من شكوى .
منذُ رأس السنة الجديدة كان قد إستأجرَ رجلٌ شابٌ الشقة الصغيرة المجاورة التي ترددتُ كثيراً لسوء الحظ في إستئجارها . فيها غرفة داخلية وغرفة أمامية أيضاً بالإضافة إلى مطبخ صغير . الحجرتان كان بإمكاني إستخدامهما إذْ طالما أحسّت الفتاتان بضيق المكان . لكنْ فيمَ كنتُ سأفيدُ من المطبخ ؟
أمسى الهاجسُ هذا يُشعرني بالذنب ، ذاكَ لأني تركتُ هذه الشقة أنْ يشغلها سوايَّ. الآن يجلسُ هناك الرجلُ الشابُ وإسمه هاراس . لا أعرف ، كذلك ، على وجه الدقة ما يفعله هذا الرجلُ هناك . تنتصبُ على باب شقته لوحةُ تقولُ " مكتب هاراس " . ولدى إستفساري أخبرني أحدهم أنَّ مكتبَ هاراس شبيهٌ بمكتبي من حيثُ طبيعة العمل . ليس سهلاً تصديق هذا الأمر وحمله محمل الجد ، ذاك لأنَّ كافةَ الدلائل تُشيرُ إلى أنَّ الشابَ الطموحَ الذي يُديرُ هذا المكتب صفرُ اليدين من المال اللازم لإدارة عمل مكتب .
يتوقعُ المرءُ دوماً هذا النمط من المعلومات التي يزودها إمرؤٌ يجهلُ بواطن الأمور .
ألتقي هاراس أحياناً على السلالم ، حيثُ أنه يبدو على الدوام في عَجَلةٍ من أمره وبشكل غير عادي . إنه يخطفُ من أمامي سريعاً . هلاّ تمعنتُ فيه ملياً ؟ كلا ، لم استطع ْ ذلكَ بعدُ ، إذْ أنَّ مفتاحَ مكتبه مُعدٌّ سَلَفاً في يده ، وفي طُرفةِ عينٍ ألفاهُ يفتحُ البابَ ويختفي خلفها . يتسللُ مثل ذيل الجرذ بينا أتسمرُّ أنا أمامَ اللوحة
" مكتب هاراس " التي ما أكثرَ ما قرأتها وكأني بها تستحقُّ ذلك .
الجدرانُ الرقيقةُ البائسةُ تخونُ الرجلَ الشريفَ وتعرّيه ، لكنها تتسترُ على النذلِ الدوني وتغطّيهِ . تلفوني مُعلّقٌ على جدار شقتي ، الجدار الذي يفصلني عن جاري . لم أكترثْ بالأمر ولم أحتطْ له حين علمتُ أنَّ كلامي بالتلفون مسموعٌ في الشقة المجاورة . كنتُ أسخرُ من الأمر لا أكثر . من جهتي قد إعتدتُ ذِكرَ أسماء زبائني الصريحة بالتلفون وذلك أمرٌ لا يحتملُ مكابرةً أو شطارةً لأنَّ طبيعة العملُ تقتضي تزييف الأسماء أثناء المكالمات التلفونية وهو أمرٌ لا بُدَّ منه. أتكلم أحياناً والسماعةُ على أُذني ولا يقرُّ لي قرارٌ ولا يهدأُ لي بالٌ حتى أني أقفُ على أطراف أصابع قدميَّ فيفلتُ الزمامُ ولا يمكنُ تجنّب إنكشاف الأسرار . وطبيعي أنْ تغدو قرارات المهنة في وضعٍ غير آمن حينما تعتري صوتي رجفةٌ . ماذا يفعلُ هاراس حين أتكلّمُ بالتلفون ؟
ملاحظة مني : لم أجدْ [ كافكا ] في هذه الأقصوصة القصيرة ذلك الكاتب ذا الشهرة العريضة ... قد يوافقني القارئ الكريم في رأيي هذا وربما يختلفُ معي . ترجمتها خلال فترة دراستي للغة الألمانية في معهد [ كوته ] في مدينة ميونيخ خريف عام 1985 وكانت هذه القصة إحدى الواجبات البيتية .

ليست هناك تعليقات: